q
بحث حديث اعتمد على تحليل بيانات 15 دراسةً شملت أكثر من 800 ألف شخص حول العالم، فقد كشفت دراسة حديثة أن الزواج يُسهم بصورة مباشرة في رفع كفاءة وظائف خلايا المخ، محذرةً من أن احتمالات إصابة غير المتزوجين بالخَرَف في الشيخوخة ترتفع بنسبة 42% مقارنةً بالمتزوجين، وترتفع النسبة أكثر بين الأرامل لتصل إلى 62%....

كشفت دراسة بريطانية حديثة أن الزواج يُسهم بصورة مباشرة في رفع كفاءة وظائف خلايا المخ، محذرةً من أن احتمالات إصابة غير المتزوجين بالخَرَف في الشيخوخة ترتفع بنسبة 42% مقارنةً بالمتزوجين، وترتفع النسبة أكثر بين الأرامل لتصل إلى 62%.

أجرى الدراسة باحثون بجامعة لندن، ونشرتها دورية "طب الأعصاب وجراحة المخ والطب النفسي" (JNNP)، تحت عنوان "الزواج وخطر الخَرَف: مراجعة منهجية وتحليل بعدي للدراسات الرصدية"، وبدأوا دراستهم بتحليل 16 دراسةً ضمت 841657 شخصًا، بينهم 29610 ممن لم يعانوا أيَّ نوع من الخَرَف، و61012 خضعوا للكشف للتعرُّف على احتمال إصابتهم بالخَرَف، و751035 تأكدت إصابتهم بالخَرَف.

لكنهم استبعدوا إحدى الدراسات لقِصَر مدة إجرائها، واكتفوا بتحليل بيانات 15 دراسة (8 دراسات أوروبية و4 من آسيا و2 من الولايات المتحدة الأمريكية وأخرى من البرازيل)، لتتراجع عينة البحث إلى 812 ألفًا و47 مشاركًا (أرامل ومطلقون وعُزَّاب).

واعتمد الباحثون على أسلوب "التحليل البَعدي" meta-analysis، وهو تحليل إحصائي لنتائِج عِدّة دِراسات قد تكون مُتوافِقة أو مُتضادّة، لإيجاد علاقة مُشتَركة مُمكِنة فيما بَينها. ويسمح هذا النوع من التحليل بتعميم النتائج على عددٍ أكبر من السُّكان.

تأثير وقائي

يقول "أندرو سومرلاند" -الباحث الرئيسي في الدراسة- في تصريحات لـ"للعلم": "إن التأثير الوقائي للزواج ربما يكون مرتبطًا على نحوٍ أساسيٍّ بنمط الحياة المصاحب للزواج، مثل العيش بنمط حياةٍ أكثر صحة، ووجود التحفيز الاجتماعي نتيجةً للعيش مع زوجٍ أو شريك، لذا فإن نتائج هذه الدراسة تتماشى مع دراساتٍ أخرى تتناول موضوع تأثير الارتباط العائلي على الصحة الجسمية والعقلية".

يوضح سومرلاند أن أغلب الدراسات الحديثة اتفقت على أن غير المتزوجين يكونون أكثر عرضةً لحياةٍ صحية سيئة؛ نظرًا لمعيشتهم منفردين، مضيفًا -في الوقت ذاته- أنه "قد يستطيع غير المتزوجين الحد من خطر الخرف من خلال الانخراط في الحياة العامة وتكوين علاقات اجتماعية مفيدة".

ولم تُظهِر الدراسة أيَّ فروق بين النوعين (ذكور وإناث) في الإصابة بالخرف على الرغم من اختلاف التركيبة الدماغية والنفسية لكليهما، وهو ما أرجعه سومرلاند إلى "قلة عدد الدراسات التي تناولت هذه النقطة، وبالتالي لم يستطع البحث الخروج بأي استنتاجات واضحة"، وفق قوله.

وفيما يتعلق بوضع "المطلقين والمطلقات"، يقول سومرلاند: الدراسات التي قمنا بتحليلها لم تتضمن عددًا كافيًا من المطلقين والمطلقات يمكننا من خلاله التحقُّق من النتيجة بوجود علاقة طردية بين الطلاق والإصابة بالخرَف، وبالتالي أغفلنا ذكر نسبتهم في الدراسة.

ويضيف أن "التفسير المحتمل للفرق في مخاطر الإصابة بين الأرامل والمطلقات هو أن الإجهاد يُسهِم في رفع خطر الخرف، وقد اقترحت الأبحاث السابقة أن فقدان الزوج بالموت هو الحدث الأكثر إجهادًا، وبالتالي فإن الأرامل يَكُنَّ أكثر عرضةً للإصابة بالخرف مقارنةً بالمطلقات".

المجتمعات الشرقية

وعن تطبيق نتائج الدراسة على المجتمعات الشرقية يقول سومرلاند: لقد عملنا على تضمين دراسات من أماكن مختلفة في العالم، وعلى الرغم من عدم وجود دراسات من الشرق الأوسط، كانت نتائجنا متسقةً في جميع البيئات المختلفة، مثل أوروبا وشرق آسيا وأمريكا الجنوبية. وهذا يشير إلى أن الصلة التي وجدناها متسقة مع بلدان مختلفة.

ويأمل أن تساعد هذه الدراسة على الوقاية من الخرف بين غير المتزوجين، مشددًا على أن "امتلاك كبار السن غير المتزوجين لعلاقاتٍ اجتماعيةٍ كثيرةٍ قد يكون ذا فائدةٍ كبيرةٍ بالنسبة لهم، إذ تشير الأبحاث إلى أن التفاعل الاجتماعي يمكن أن يساعد على بناء احتياطيٍّ معرفي، ومرونةٍ عقلية تمنح المتزوجين قدرةً أكبر على مقاومة أمراض مثل ألزهايمر".

مفتاح لحياة أفضل

تتفق النتائج السابقة مع دراسة بريطانية أخرى توصلت إلى أنّ الزواج ربما يكون مفتاحًا لحياةٍ أطول، موضحةً أن "مَن لديهم أزواج يعتنون بهم، سواء في أوقات المرض أو غيرها، أقل عرضةً للوفاة من جَرّاء ثلاثةٍ من أكثر الأمراض شيوعًا، وهي ارتفاع ضغط الدم وارتفاع معدلات الكوليسترول ومرض السكري من النوع الثاني، وجميعها من أكثر العوامل تسبُّبًا في أمراض القلب".

وأظهرت تلك الدراسة، التي اعتمدت على تحليل بيانات 929 ألفًا و552 مريضًا بين عامي 2000 و2013، أن مصابي السكر من المتزوجين يتمتعون بفرصِ حياةٍ تَفُوقُ غير المتزوجين بنسبة 14%، في حين يتمتع مصابو ارتفاع ضغط الدم من المتزوجين بفرصة البقاء على قيد الحياة بنسبةٍ تزيد على غير المتزوجين بـ10%"، مُرجِعةً ذلك إلى "أن الحياة الزوجية تشجعهم على أن يكونوا أكثر ميلًا لتناول الأدوية والأطعمة الصحية، وأداء قدرٍ كافٍ من التمرينات الرياضية".

طوق نجاة من السرطان

كما خلصت دراسة، أجراها باحثون بجامعة كاليفورنيا في سان دييجو على 783 ألفًا و167 شخصًا من المصابين بالسرطان (بينهم 393 ألفًا و470 من الذكور، و389 ألفًا و697 من الإناث)، أن غير المتزوجين من مرضى السرطان أكثر عرضةً من غيرهم للمخاطر وعدم التماثُل للشفاء، مشددةً على ضرورة حصولهم على قسطٍ وافرٍ من الدعم النفسي والاجتماعي ممن حولهم باعتبارهم "مجموعةً ضعيفة".

من جانبه، يرى "وليد هندي" -استشاري الصحة النفسية- في تصريحات لـ"للعلم" أنّ "الممارسات الفعلية المرتبطة بالزواج تقوم على تقوية الذاكرة وتنشيط مجموعة من العمليات العقلية شديدة التعقيد، مثل التذكر والإدراك والاسترجاع والربط بين العلاقات بعضها وبعض، وهو ما يجعل الإنسان المتزوج أقل عرضةً للإصابة بأمراض مثل ألزهايمر والنسيان في مرحلةِ الشيخوخةِ المتقدمة، مقارنةً بقرنائه من غير المتزوجين".

ومن المعروف سلفًا –والكلام لهندي- أن الوحدة النفسية وعدم وجود مثيرات اجتماعية وتفاعلات إنسانية، كلها عوامل تؤدي إلى ضعف الذاكرة والإصابة بمرض الخَرَف في الكبر.

وعن تطبيق نتائج الدراسة على مجتمعاتنا الشرقية، يشير هندي إلى أنّها تنطبق تمامًا على البيئات العربية، وخاصةً المصرية، التي يزيد فيها عاملٌ آخر غير موجود في المجتمعات الغربية، إذ تحرص الأسرة المصرية على الجلوس وجهًا لوجه في أثناء تناول الطعام، ولو وجبة واحدة على الأقل يوميًّا، وفي المقابل، نجد أن الشخص غير المتزوج ليس لديه نظام غذائي كامل ومتوازن وثابت وآمن ومستقر، مما يعطينا دلالةً حيويةً على الأثر الإيجابي للزواج في تنشيط القدرة الذهنية وتقوية مناعته ضد الإصابة بأمراض النسيان وألزهايمر والخرف عند الشيخوخة، على حد قوله.

اضف تعليق