q
للمرّة الأولى من أكثر من 60 عاماً، تواجه هوليوود أكبر إغلاق، بعدما دخل الممثلون في إضراب تضامناً مع كتّاب السيناريو. احتجاج مرتبط بالخلاف المستعر منذ أشهر حول الأجور واستخدام الذكاء الاصطناعي. ومن المتوقّع أن يكون لهذه الخطوة تأثير كبير على صناعة الترفيه عالمياً...

للمرّة الأولى من أكثر من 60 عاماً، تواجه هوليوود أكبر إغلاق، بعدما دخل الممثلون في إضراب تضامناً مع كتّاب السيناريو. احتجاج مرتبط بالخلاف المستعر منذ أشهر حول الأجور واستخدام الذكاء الاصطناعي. ومن المتوقّع أن يكون لهذه الخطوة تأثير كبير على صناعة الترفيه عالمياً

كان عام 1960 المرّة الأخيرة التي تُغلق فيها هوليوود. كان ذلك عندما أضربت «نقابة الكتّاب الأميركية» لمدة 21 أسبوعاً في الفترة الممتدة بين 16 كانون الثاني (يناير) و12 حزيران (يونيو). وانتهى الإضراب يومها بتحسين الحقوق والمعاشات التقاعدية لكتّاب السيناريو. اليوم، المطالب هي نفسها، لكن مضاف إليها مخاوف من الآلة. من أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدية التي باتت قادرة على كتابة النصوص بشكل جيّد. أما من جهة الممثلين، فهم يطالبون بوضع قوانين واضحة حول كيفية استخدام وجوههم وأصواتهم من قبل أنظمة الذكاء الاصطناعي التي باتت قادرة على صنع تزييف الصوت والشكل بحيث لا يمكن تمييزه عمّا ما هو حقيقي.

النقابتان المشاركتان في الحدث، هما «نقابة ممثلي الشاشة» (SAG-AFTRA)، أكبر اتحاد في هوليوود تمثّل 160 ألف ممثل سينمائي وتلفزيوني، و«نقابة الكتاب الأميركية» (WGA). يطالب المنضوون تحت مظلّتهما بزيادات في الأجور الأساسية ومخصصات مقابل إعادة العرض في عصر البثّ التدفّقي، بالإضافة إلى تأكيدات بأنّه لن يتم استبدال عملهم بالذكاء الاصطناعي. يأتي ذلك في وقت يقود فيه كتّاب السينما والتلفزيون موجة اعتصامات منذ أيار (مايو) الماضي. هذا التوقّف المزدوج عن العمل، أرغم شركات الإنتاج على فرملة العديد من الأعمال الفنية في جميع أنحاء الولايات المتحدة وخارجها. من توم كروز إلى أنجلينا جولي وجوني ديب مروراً بميريل ستريب وبن ستيلر وكولين فاريل وغيرهم، أيّد المشاهير الإضراب علناً.

وصفت النجمة السابقة لبرنامج «ذا ناني» ورئيسة «نقابة ممثلي الشاشة»، فران دريشر، تحالف منتجي الصور المتحركة والتلفزيون بأنّه «كيان جشع». وقالت في مؤتمر صحافي في مقرّ SAG-AFTRA: «لقد صدمت من الطريقة التي يعاملنا بها الأشخاص الذين كنا نتعامل معهم». من جهته، قال «تحالف منتجي الصور المتحركة والتلفزيون» (AMPTP)، وهو الاتحاد التجاري الذي يتفاوض نيابة عن نتفليكس وديزني وشركات إنتاج أخرى، إنّه «يشعر بخيبة أمل شديدة لأنّ SAG-AFTRA قرّرت الابتعاد عن المفاوضات». وزعم التحالف بأنّه قدّم «رواتب مذهلة ومخصصات مقابل إعادة البثّ»، كما أنّه اقترح «ذكاءً اصطناعياً رائداً يحمي من التشابه الرقمي للممثلين».

من المؤكد أنّ هذا الإغلاق سيكون له تأثير كبير على صناعة الترفيه ككلّ. في هذا السياق، قال مراسل اتجاهات المستهلكين في CableTV.com، ألكس كيراي، إنّ الشبكات قامت بالفعل بمراجعة تشكيلاتها التلفزيونية في الخريف الماضي. ويتوقع كيراي أن تبدأ شركات البث في تقليص المحتوى بحلول نهاية العام. لكن التأثير أكبر بكثير. فوقف الإنتاج يعني أنّ كل من يعتمد عليه سيخسر عمله، مثل مصفّفي الشعر وخبراء الماكياج. وأضاف كيراي في هذا الإطار: «سيؤثر ذلك على الاقتصاد بأكمله في لوس أنجليس، لا بل على الصعيد العالمي أيضاً».

لن يشعر المشاركون المباشرون في الإنتاج فقط بآثار هذا الإغلاق. إذ تعدّ صناعة الترفيه مساهماً رئيسياً في الاقتصاد، سواء في لوس أنجليس أو على مستوى العالم. وقد يكون للإغلاق المطوّل عواقب بعيدة المدى على مروحة واسعة من الشركات والأفراد.

شكّل استخدام الذكاء الاصطناعي في الترفيه مسألة خلافية. مع التقدّم التكنولوجي، أصبح من الممكن بشكل متزايد للـ AI إنشاء شبيه رقمي واقعي للممثلين. أثار هذا مخاوف بين المؤدّين بشأن أمنهم الوظيفي وكيفية استخدام صورهم. وتضغط «نقابة الممثلين» من أجل فرض قيود على استخدام الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن دفع أجور أفضل لأعضائها. ومع ذلك، تقول الاستوديوات إنّها قدمت تنازلات كبيرة في مفاوضاتها مع «نقابة ممثلي الشاشة».

لكن يبقى السؤال الأكبر: كيف سيؤثّر الإضراب على جداول تصوير الأفلام والمسلسلات والعروض؟ إنتاج هوليوود تباطأ بالفعل بشكل ملحوظ منذ بدء إضراب الكتّاب. لكن إصدارات الأشرطة السينمائية لن تتأثّر فوراً، بسبب الفاصل الزمني الطويل بين نهاية عمليات التصوير ووصول الأعمال إلى السينمات ومنصات البثّ. لكنّ قائمة الأعمال التي أوقفها الإضراب غير المسبوق طويلة، وتشمل مثلاً برنامج «ساترداي نايت لايف» الذي أنهى موسمه باكراً، ومسلسلات مثل Stranger Things و«هاكس» و«كوبرا كاي»، بالإضافة إلى أفلام على شاكلة Blade من «مارفل». علماً أنّ تأخيراً لمدّة عام سيطرأ على أحدث أفلام سلسلة «أفاتار». كذلك، هناك أعمال درامية وأفلام كُتبت قبل إضراب الكتاب ولن تتمكن كاميرات مخرجيها الآن من الدوران من دون ممثلين، بما في ذلك الجزء الثالث من Deadpool، والجزء الثاني من «غلاديايتر»، والجزء الجديد من الفيلم القائم على لعبة الفيديو «مورتال كومبت 2».

وبحسب كيفين كلودن، كبير الاستراتيجيين في معهد «ميلكين» (مركز تفكير اقتصادي)، قد يتسبّب الإضراب المزدوج لـ SAG-AFTRA وWGA في أضرار بقيمة تفوق الأربعة مليارات دولار أميركي، وخصوصاً إذا لم تكن الجهات الفاعلة قادرة على التوصل إلى حل سريعاً.

يترقّب العالم اليوم النتيجة التي سيؤول إليها هذا الإضراب الواسع، وسط إصرار كلا الجانبين على مواقفهما. قد يستغرق الأمر بعض الوقت قبل التوصّل إلى خاتمة مرضية. وفي هذه الأثناء، عجلة الإنتاجات الهوليوودية متوقّفة من دون أن تلوح في الأفق نهاية.

اضف تعليق