ظهر في القرن الاخير ضمن الجماعات الشيعية المتدينة تياران متصارعان...

1- تيار يحافظ على الأصالة ويرفض كل نوع من التطوير في الامور الدينية، ويبقى متمسكا بكل موروث عقدي وفكري وطقوسي، وهؤلاء عادة يصنفون ضمن المحافظين المتشددين.

2- وتيار تجديدي يرفض الكثير من الموروث العقدي والفكري والطقوسي ويطالب بإصلاح ديني وحسب رؤيته الخاصة وهم في الغالب متأثرون بالفكر الإخواني او الحداثوي الغربي ويتضايقون من كل خصوصية شيعية وخاصة إذا جوبهت بالتهريج والتشنيع.

حسب العادة كان غالب الفقهاء ضمن التيار الاول إلى أن تمكن التيار الثاني من اختراق الحوزة العلمية وتربية طلاب يحملون فكره لكنهم كانوا محدودين وتأثيرهم محدودا، الى انتصار الثورة الايرانية حيث بدا هذا التيار يحظى بتأييد مسؤولين كبار وتمكن من بسط نفوذه بالاستعانة بإمكانات السلطة وبدأ ينتج مراجعه وفقهائه، رغم أن غالب الفقهاء وكبار المراجع لازالوا من التيار الأول سواء في قم أم في النجف.

3- في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات من القرن الماضي بدأ تيار ثالث بالظهور وهو تيار جامع بين ايجابيات التيارين وهو تيار يحافظ على الموروث العقدي والعملي بحذافيره وفي الوقت نفسه يواكب التطور والتجديد ولا يستحيي من خصوصيات الشيعة والتشيع، وهذا النمط من الجمع بين ايجابيات الفريقين لم يكن جديدا على الساحة الشيعية بل كان يتمثل في فقهاء كبار كالمرجع الشيخ محمد تقي الشيرازي والمرجع الشيخ محمد حسين النائيني، إلا أنه لم يكن تيارا جماهيريا، حتى زمان مرجعية السيد مهدي الشيرازي في كربلاء حيث كان تلميذا لهذين العلمين وغيرهما، فحول ذلك المنهج الى نواة تيار جماهيري عبر فعاليات وخطوات كثيرة بدأ من تأسيس مدارس ابتدائية إلى مؤسسات اجتماعية وفكرية وسياسية وغيرها.

ومن بعد وفاته حمل لواء هذا الاسلوب انجاله واحفاده والكثير من العلماء والمثقفين الى يومنا هذا، وقد تمكن المرجع السيد محمد الشيرازي الى تحويل هذا التيار الى واقع في الامة عبر كتبه ومحاضراته وتلاميذه ومشاريعه رغم جميع المعوقات والاشكاليات.

من خصوصيات هذا التيار:

1- الاعتماد الكامل على مرجعية القران الكريم والأحاديث المعتبرة والأحكام العقلية القطعية باعتبارها المصادر الأساس والمرجعية الوحيدة للعقائد والأحكام والتشريعات، ولذا نجد المرجع الشيرازي الراحل يكثر من الكتابة حول القرآن والتفسير والحديث والعقل مثلا كتاب تبيين القران وتقريب القران وتوضيح نهج البلاغة وشرح الصحيفة السجادية.

2- التمسك بالعقائد المشهورة بين علماء الشيعة.

3- الأخذ بالروايات المعتبرة، وليس الاعتبار منحصرا بالوثاقة المخبرية، بل يشمل الوثاقة الخبرية أيضا، كما هو المشهور بين فقهاء الشيعة حتى المعاصرين منهم، فلذا مثل نهج البلاغة معتبر عندهم ويأخذون منه العقائد والأحكام على رغم عدم ذكر أسانيد خطبه ورسائله.

4- عدم الاعتناء بتهريج وتشنيع المخالفين، فإذا ثبت صحة عقيدة فلا مبالاة بالقيل والقال.، وقال امير المؤمنين عليه السلام " أيها الناس لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله" [نهج البلاغة، الخطبة: ٢٠١]

5- عدم الخضوع للأنظمة الجائرة وعدم محاباتها في مسائل العقائد وغيرها، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: "الفقهاء امناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا قيل يا رسول الله: وما دخولهم في الدنيا؟ قال: اتباع السلطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم" [الكافي ١:٤٦]

6- القبول بأي تطوير وتجديد شرط ان لا يتنافى مع الأسس الدينية.

7- عدم القبول بتأويل الآيات والروايات لتنسجم مع ظروف العصر، بل الأخذ بظاهرها الا اذا قام الدليل المعتبر على التأويل، اذ لا يجوز تفسير القرآن بالرأي ولا لوي عنق النصوص، ولا تحميلها الأفكار والرؤى، بل لابد من فهمها كما هي، لا كما نشتهي او نريد.

8- الالتزام بالمنهج الفقهي المعمول به بين الفقهاء في استنباط الأحكام الجديد او في شرعنة الامور والافكار الجديدة وعدم القبول بنهج القياس والاستحسان والمصالح المرسلة ونحوها من أساليب العامة التي تسربت الى الكثير من اصحاب التيار الثاني.

9- اعتماد مبدأ اللاعنف والسلم والاخلاق الحسنة.

10- مبدأ احترام الاخر والانفتاح على مختلف الخطوط الشيعية انطلاقا من فتح باب الاجتهاد.

مجموع ذلك وغيره قد أضفى الى هذا التيار الثالث (والذي اشتهر بالتيار الشيرازي) نوعا من الاستغراب لدى البعض حيث اعتبروه متناقضا في الافكار والمواقف، فانصار التيار الاول حسبوا هذا التيار على التيار التجديدي، وانصار التيار الثاني حسبوه على التيار المحافظ، لكنه في الحقيقة هو جامع بين ايجابيات التيارين.

* ففي التجديد كتب المرجع السيد محمد الشيرازي كتبا كثيرة مثل الفقه السياسة والفقه الاقتصاد والفقه الاجتماع والفقه الحقوق والفقه القانون وحقوق الانسان وغيرها، كما شرع للانتخابات وراي الأكثرية وفصل السلطات وغير ذلك مما هو مبثوث في كتبه المتعددة التي كتبها لمختلف المستويات رغبة في وصول فكره الى مختلف الشرائح، في هذه الكتب يبين رأي الاسلام في هذه المواضيع، وكل فكر جديد رآه تنطبق عليه بعض عمومات القران او السنة او رآه لا يتعارض معهما فانه قبله بل طوره وأحيانا ابدعه. ومن اهم انجازات المرجع السيد محمد الشيرازي هو شرعنة الافكار التطويرية وبحسب المنهج الفقهي المتداول، كما ان له أطروحات متطورة جدا في شورى الفقهاء وتعدد الاحزاب وحقوق السجين في الاسلام وفصل السلطات وغير ذلك، مما ذكرها في كتبه وخاصة كتاب السبيل الى إنهاض المسلمين وكتاب الصياغة الجديدة وكتاب طريق النجاة وغيرها من الكتب.

* وفي الأصالة كتب السيد الشيرازي في التفسير والحديث والعقائد وخاصة كتاب من فقه الزهراء حيث بين مقامات الرسول والأئمة بما لا يتحمله غالب التجديديين المتأثرين بالفكر الإخواني! فبعضهم يتصور أنه فكر خرافي وعقائد دخيلة! مع انها هي العقائد المشهورة بين علماء الشيعة وليست خاصة بالشيرازي! كتأكيده على الآيات المنسية عملا كآية الشورى والحرية والتعددية والأخوة والوحدة وغيرها مع التركيز عليها تفسيرا وتذكيرا وتطبيقا واستنباطا وغير ذلك.

لماذا توجه سهام الاتهام للشيرازية

لكن لماذا توجه سهام الاتهام للشيرازية! مع انهم في مجال العقائد والطقوس لم يأتوا بشيء جديد، وانما يحافظون على الموروث منها، وغالب الفقهاء في العصر الحاضر أيضا يرون نفس الرأي كالمرجع السيد الحكيم والمرجع الشيخ الوحيد والمرجع السيد الروحاني والمرجع السيد القمي والمرجع الشيخ الفياض والمرجع الشيخ بشير النجفي وغيرهم!

الجواب يكمن في امرين:

الأمر الاول: الخلافات السياسية

حيث اتخذ بعض المعارضين والدول المخالفة للشيرازيين ذلك وسيلة للتهريج ضدهم، لكنهم لا يعلمون بان ذلك سبب مزيد من شعبيتهم وقوتهم، نظرا الى كون تلك الامور من مرتكزات الشيعة ومحل تأييد كبار علمائهم، فمثلا غالب المراجع حالا يفتون علنا بجواز التطبير ويمارسه مقلدوهم، فهذا ليس خاصا بالشيرازيين، لكن بما أن بعض الدول والجهات السياسية تعارض الشيرازيين ولا تعارض تلك المرجعيات فلذا يتم تصوير الامر وكأنه ممارسة شيرازية خاصة! مضافا الى اتخاذ اسلوب الاعلام المضاد باتهام الشيرازيين بأمور هم براء منها.

الامر الثاني: قوة اعلام الشيرازيين وتواجدهم

في كثير من الدول وممارستهم لما يعتقدون وبشكل علني، مما سبب تصور بأنهم الوحيدون في الساحة العقائدية والعملية، مع انه ليس كذلك.

وأخيرا نريد التنويه بأن الشيرازية هنا كمصطلح لتيار فكري جامع بين التأصيل والتطوير، ولا يقصد بها مجرد تقليد شرعي للمرجع السيد الشيرازي، لأن بين الامرين عموما من وجه...

فمقلدو السيد الشيرازي مجموعات مختلفة جامعهم الشرعي هو رجوعهم في المسائل الفقهية إلى السيد الشيرازي وليسوا بالضرورة ينتهجون النهج الفكري لتيار الشيرازية ولذا ففيهم المحافظون والتجديديون وأحيانا متطرفون وغيرهم. كما ان هناك مجموعات لايقلدون السيد الشيرازي فقهيا بل يرجعون الى غيره من العلماء الفقهاء ولكنهم ينتمون فكريا الى تيار الشيرازية. كما أن هناك أشخاصا ينتمون في جهة دون أخرى.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق