بالإمكان ان نتحدث عن تفجيرات باريس من خلال منطلقين متناقضين في عالم السياسة، وهما منطلقان متصارعان على الدوام بين المحللين ولكل منهما أنصار وادلة وشواهد، الذوبان الكلي ومثله اهمال اي واحد منهما في تفسير الاحداث بعيد عن الصواب، ليبقى التوازن بين النظريتين وتطبيق التداعيات وتحليل الشواهد ومن ثم الحكم والاخذ باي واحد منهما هو المسار الذي يفرض نفسه بالاتباع.

التفسير الطبيعي

ما يمكن ان يعد تفسيرا طبيعيا لأحداث مثل هذه فهي: 1: التطرف الراقد، 2: الفراغ والملل، 3: نمذجة الارهاب

اما التطرف الراقد فهو المستوطن في عقول اكثر المهاجرين الشباب الذين هاجروا الى الدول الغربية وهو ناتج طبيعي للأدبيات والمنهجية التي فرضتها عليها الوهابية ودعاتها ومساجدها التي ما برحت تنفك عن تزريق العقول بالفكر الارهابي المتطرف، حاملين في مكامن انفسهم تطرفا راقدا يمكن ان يستيقظ بفعل اي عامل قريب او بعيد، وهذا العامل له صلة بالعقل والتركيبة الفكرية.

اما الفراغ الروحي والملل وهو عامل له صلة بالنفس والتركيبة السيكولوجية، وهذا البعد يتجسد في اولئك الذين عقدوا امالا في الهجرة الى الغرب، ليصنعوا كيانا لهم في الحياة او شهرة وثروة، الا ان انصدامهم بالواقع الاجتماعي يجعلهم في حالة نفسية وفراغ روحي لا يتصور، ذلك لان المادية المخيمة على العالم الغربي يتيح للشباب المهاجرين اليه وهم عصب التقدم والحياة فرصة التقدم والتألق المادي، والوصول الى هرم الثروة والشهرة والعطاء المادي، لكن ماذا يفعل اولئك الشباب المهاجرون الذين لم يكن بمقدورهم –لأي سبب كان- المسايرة مع المجتمع ومواكبة التطور والحضارة...؟؟ يسلك الكثير سلوكا طبيعيا لكن ماذا عن الاخرين القلة الذين لم تروهم الحضارة الغربية كما ارادوا وشاءوا..؟؟

والملل ايضا من العوامل المؤثرة في اولئك الراغبين في ان لا تظل الدنيا على وتيرة واحدة جامدة، باحثين عن كل ما من شانه تحريك واثارة المياه، خاصة إذا كانت في نطاق عالمي.

اما نمذجة الارهاب وهي لها صلة ايضا بالنفس البشرية فهي عبارة عن محاكاة الشباب لما يفعله داعش ونظائرها من احداث حالة الرعب ومن التفنن في القتل والارهاب، ولقد كان في الافلام التي اخرجت بعناية وفنية ودقة تتصور ما يصنعه داعش بأعدائه اثر بالغ في صنع نماذج جذابة للإرهاب خاصة لمن كان في نفسه شيء او اشياء.

وبعض هذه العوامل وان كانت متداخلة لكنها تبقى جامعة لظاهرة الارهاب في الغرب، فبعضها راجع الى نمط التفكير والعقل المغذى بالإرهاب وكره الاخر، وبعضها الاخر راجع الى النفس البشرية شأنها شأن كل مجرم يهوي الرعب والارعاب وقتل الابرياء وتعذيب الاخرين والاغتصاب وغيرها...

اما ان اردنا ان ننطلق من نظرية المؤامرة وان الحادث قد دبر، فيمكن للعقل التحليلي ان يرقى الى هذه الاحتمالات، بعيدا عن قاعدة من المستفيد، ذلك لان مثل هذه القاعدة –حسب رؤيتي- لا تجرى في مثل هذه القضايا لان الساسة العباقرة تجعل من كل هزيمة فرصة لتحوير اللعبة من هزيمة وخسارة الى ربح وانتصار...

وقبل ان نسرد مجمل التحاليل التي يمكن ان نراها منطقية نقول: الحادثة بعيدة كل البعد عن الدول الاقليمية فلا تتجرأ تلك الدول الصغار كالسعودية وقطر وتركيا وغيرها ان تلعب في ميدان الدول الكبار، فلم يصل حد الحمق فيها الى ان تجازف باللعب بذيل الاسد، نعم ربما تكون هي ادوات منفذة لتخطيطات دولة اخرى.

اما التحليل الاول فهو رد لاستهداف الطائرة الروسية، خاصة اذا لاحظنا ان عدد الضحايا متقارب مع ضحايا الطائرة الروسية، ما يمكن القول ان الحادثة كانت من صنع الاستخبارات الروسية كنوع من رد الاعتبار ومحاولة لإيقاف اعدائها عند حدهم.

اما التحليل الثاني فهو للحد من التقارب الايراني الفرنسي حيث وقعت الحادثة قبل سفر الرئيس الإيراني، السفر الذي كان يحمل طفرات اقتصادية لكل من فرنسا وايران وخسارة كبيرة لدول اخرى مثل السعودية وتركيا وقطر، ما يمكن القول ان المخابرات الاسرائيلية بالتعاون مع تلك الدول استهدفت فرنسا للحد من هذا النوع من التقارب.

اما التحليل الثالث والذي يبدو أقرب الى الصواب ان الحادثة كانت نوع تأديب لفرنسا لتمردها على قواعد اللعبة الدولية التي ارتضتها الدول الكبار، بما فيها امريكا وروسيا وبريطانيا.

ومهما يكن من الامر لكن تبقى نقطة بعيدة عن اللحاظ في الاحداث الجارية، وهي تمثل ربما قمة نظرية المؤامرة، وهي وجود الطرف الثالث طرف أجنبي غير مرتبط بدول واجهزة استخباراتها، له من المكنة المادية والاستخبارات ما بإمكانه ان يغير قواعد لعبة الكبار، غير معلوم الانتماء ولا الهوية ولا الاهداف؟؟

ومع قطع النظر عن كل هذه التحاليل لكن يبدو انه امر ان تتداخل فيه كلتا النظريتين، ان الحياة البشرية والنفس البشرية باتت لعبة لا أكثر بيد اللاعبين السياسيين والمنظرين ودعاة الحرب الايدلوجيين والانتهازيين.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق