q
ما يطلق اليوم على بعض الدول بالدول المتقدمة، نتيجة ايمانها بالعمل الجماعي المؤسسي، وليس بالعمل الفردي، نتمنى من الحكومة الحالية ان تضع قوانين ولوائح تضمن استمرار عمل المشاريع والخطط الحكومية حتى من غير وجود حكومة، فلا نهضة ولا تقدم بدون العمل المستدام...

ساد التذمر ابان اقتراب اجراء انتخابات مجالس المحافظات في الثامن عشر من شهر كانون الأول المنصرم عام 2023، هذا التذمر مستند الى ثقافة جماهيرية وسياسية بعدم جدوى العمل الجماعي، بعد ان ركزت التجربة السياسية العراقية على العمل الفردي المتمثل بالأشخاص ولا يعتمد على نظام الفريق المتجانس.

الحكومات التي مرت بتاريخ العراق ما بعد تغيير النظام، اعتمدت على شخصية رئيس الحكومة، ولم تستند الى العمل المؤسسي والدليل على ذلك كل حكومة جديدة تشكَّل تقوم بوضع خطة عمل ورؤية ومشاريع تنموية، وعند استقالة الحكومة وقدوم أخرى تقوم الحكومة الجديدة بتغيير سياسات وخطط ومشاريع الحكومة السابقة، وتبدأ بوضع سياسات وخطط مختلفة عن خطط الحكومات السابقة.

العمل الحكومي الفردي فيه مزايا وعيوب يمكن تشخيصها بسهولة، من مزاياه ان الحكومة برئيسها تكون هي المسؤولة في الدرجة الأولى امام الجمهور، وهي من تتخذ القرارات الحاسمة بما يخدم برنامجها الخدمي، فأن فشلت يعرف عامة الشعب من وراء هذا الفشل، وان نجحت فهي من تستحق الثناء لا الجهات الأخرى التي تتسلق على الاكتاف.

ومن إيجابيات العمل الفردي بالنسبة للحكومة، اجتياز المراحل المؤخرة لإنجاز المشروعات الحكومية، وفي أحيان كثيرة تعمل هذه الموانع والمعوقات على إفشال البرنامج الحكومي وان كان برنامج متكامل من الناحية النظرية والعملية، ولذلك صدرت الكثير من الدعوات الى تعزيز مكانة العمل الفردي وإعطاء مساحة لرئيس الحكومة لتنفيذ برنامجه.

لدينا في بعض المحافظات مصاديق على نجاح عمل الحكومات الفردية، ففي كربلاء والبصرة وواسط هنالك تميز في عمل الحكومات المحلية بعد ان تحررت او قلت المحطات التي تمر فيها المشروعات لترى النور، لذلك لاحظنا وجود طفرة عمرانية مغايرة لما كان في السابق.

اما من عيوب الحكومات الحالية العاملة وفق الرؤية الجماعية سواء على مستوى الحكومة المركزية او الحكومات المحلية، تشعب الجهات المسؤولة عن الملفات الخدمية والعمرانية والصحية والتعليمية؛ ذلك لاشتراك جميع الأحزاب والجهات في الإدارة كل حسب حصته من الكعكة الرئيسية، وهنا يكون المواطن قد فقد البوصلة ولم يعرف لمن يوجه أصابع الاتهام في حال حدث خلل في إدارة مرفق معين.

مشكلة فشل الحكومات العاملة بنظام العمل الجماعي هو التناحرات السياسية والصراعات التي عادة ما تنشأ داخل الحكومة تارة ومع الشركاء تارة اخرى، وقد ساهمت هذه الصراعات بشكل كبير في تعطيل عجلة التنمية، وتأخر انجاز المشروعات على الرغم من رصد مبالغها المالية ووضع مخططاتها. 

حكومة الفريق المشترك تتعثر وهو ما يشكل هاجس مخيف بمجرد قيام الجهات الرقابية باستجواب وزير يتبع لجهة معينة، وقد يكون الاستجواب لدوافع سياسية وليس لأسباب منطقية تتعلق بسوء الخدمات المقدمة للمواطنين، هذا ما يتعلق بالجوانب الخدمية، وربما يتعلق بحالات مشبوهة في التعاقد وابرام الصفقات.

بهذا الأسلوب لا يمكن لأي حكومة ان تنجح في عملها وتنفيذ برنامجها، ولكي يكون النجاح مضمونا يجب ان تضع الحكومة الحالية خطط استراتيجية تتسم بالمرونة والاستمرارية في التنفيذ، وتعمل الحكومة اللاحقة على إكمال المشوار وليس نسف المنجز المتحقق على يد سابقتها.

من غير المعقول ان تعمد الحكومة الجديدة الى شطب الإنجاز المتحقق والشروع بخطة عمل جديدة قد تختلف تماما عن الخطة السابقة، وبذلك نفتقد لعنصر الاستمرارية وفقدان الصفة التكاملية بين الحكومات المتعاقبة، لذا تحصل الفجوات الكبيرة ويحتاج لردمها وقت غير قليل يجعل الحكومة الجديدة تراوح في مكانها دون تحقيق أي تقدم.

ما يطلق اليوم على بعض الدول بالدول المتقدمة، نتيجة ايمانها بالعمل الجماعي المؤسسي، وليس بالعمل الفردي، نتمنى من الحكومة الحالية ان تضع قوانين ولوائح تضمن استمرار عمل المشاريع والخطط الحكومية حتى من غير وجود حكومة، فلا نهضة ولا تقدم بدون العمل المستدام حتى لا تتوقف المشاريع ولا تتعطل الأعمال برحيل الأفراد.

اضف تعليق