سياسة - عنف وارهاب

الفلسفة السياسية للاعتدال الديني

ومقومات ترسيخها على الصعيد المحلي والإقليمي

أ.م.د. أزهار عبد الله، أ.م. آمال وهاب عبد الله-كلية القانون والعلوم السياسية/جامعة كركوك

كلية القانون والعلوم السياسية

 

شهد العالم منذ مطلع القرن الواحد والعشرون جملة من التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية نتيجة التحولات الداخلية والخارجية في منظومة القيم والأساليب والسلوكيات بحيث أصبح الإنسان يعيش حالة عدم الرضا واللاشعور بواقعه بفضل تنامي مشاعر التشدد والتطرف لدى اغلب المجتمعات ومن مختلف الثقافات كرد فعل على ما شهدته الهويات العرقية والدينية والمذهبية من تحديات خطيرة أفرزتها العولمة بمختلف مظاهرها، ولاسيما الثقافية منها فأصبح التطرف والتشدد يمثلان مظهرا من مظاهر -الاحتماء- والحفاظ على الهوية من جانب والمواجهة إزاء السلطة السياسية من جانب آخر، وقد تعددت هذه الجماعات وتنوعت بحيث لا يمكن اعتبارها مجرد انحراف فردي او ظاهرة باثولوجية لدى عدد محدود من الأفراد.

وعليه أصبح الفرد يعيش في عالم مشحون بالتوترات ويموج بالخلافات والصراعات والتي أخذت تزداد يوما بعد يوم منتجة بذلك التطرف بكافة صوره وأشكاله وعلى رأسها التطرف الديني والذي يعد من الظاهر الخطرة التي تهدد أمن الفرد والمجتمع بعمومه.

ولا يخفى أن التطرف قولا وفعلا لا يمكن نسبه الى عقيدة بعينها فهي ظاهرة تعرفها كل الأديان السماوية وغير السماوية والهويات العرقية لها أتباع يتسم بعضهم بالتشدد، حيث ينطلق التطرف من مبدأ التشدد احيانا من اجل نشر الفكر والدعوة إليها وحشد الأنصار اي الخروج الى المجتمع والدعوة الى حركة اجتماعية ذات أهداف تتفق مع هذه النظرة المتشددة.

هذا من جانب وهو ليس ظاهرة جديدة ولا طارئة بل أنها ظاهرة تحتل موقعها في كل المجتمعات منذ أقدم العصور ولكنها أخذت بعدا جديدا في المجتمعات الحديثة عندما أنتج التطرف ظواهر العنف والإرهاب والعدوان على الأبرياء والممتلكات وفوضى الأمن بالمجتمع.

والجدير بالذكر أن فئة الشباب هي من أكثر الفئات عرضة لهذا المرض الاجتماعي القاهر لكونهم يشكلون مرحلة عمرية تتميز بالحيوية والنشاط والرغبة القوية نحو التجديد والتغيير ما تجعلهم أكثر الفئات الناقدة والانفعالية لكثرة المتناقضات الحياتي التي يواجهونها سيما أن المجتمع المعاصر تجتاحه تيارات مختلفة ومتباينة ومتعارضة يزخر بتحولات وتحديات سياسية واقتصادية واجتماعية جعلت الإنسان يعاني من أزمات متلاحقة أبرزها شعوره بمظاهر الاغتراب، اللامبالاة، الإهمال، الحرمان، التهميش، والاستبعاد الاجتماعي الذي ينتهي بالتطرف.

وفي أطار محاولة بلورة رؤية إستراتيجية لمكافحة التطرف بكافة أشكاله وصوره، لما يشكله من خطورة ولما له من تأثير وتداعيات خطيرة في خلخلة أركان الدولة ونسيجها الاجتماعي وحول ما تقتضيه الظروف والأوضاع الداخلية والإقليمية وحتى الدولية بضرورة بناء حضانة مجتمعية من شأنها الحد من مظاهر التطرف في المجتمع والعمل على توفير المقومات العازلة له اجتماعيا تطرق البحث لدراسة وتحليل ماهية الاعتدال باعتباره من ابرز المفاهيم للحد من التطرف والتشدد والغلو وتجفيف منابعه وبناء دولة المؤسسات الحديثة وتعزيز الهوية الوطنية، وهو بنفس الوقت خطوة داعمة لاستعادة وسطية لتحقيق التفاعل الاجتماعي المتزن من منظور ديني تربوي كونه حاضنة تربوية سليمة يلزم الفرد والمجتمع بضرورة التواصل الاجتماعي وفق نهج تربوي وسطي يحمل في طياته كل المقومات اللازمة لبلوغ مثل هذا الهدف.

إشكالية الدراسة

يعاني واقعنا الاجتماعي من ظهور مسالك التطرف لدى مختلف فئات المجتمع ولأن التطرف بأشكاله المختلفة لم ينشأ جزافا، بل له أسبابه ودواعيه الموضوعية كما أن له مخاطر تؤثر سلبا على الفرد والجماعة وعلى بنية المجتمع بعمومه وأهدافه التنموية والتي أخذت تتجسد بمواقف العنف في الآراء والأفكار وكذلك بالمقابل وجود نمط من الشخصية الفاترة واللامبالاة بدورها الاجتماعي، ولعل من بين العوامل التي أدت إلى تنامي هذه الظاهر السلبية غياب المنهج التعليمي الذي يتبنى ثقافة وأصول إدارة الاعتدال، ومن هنا جاءت هذه الدراسة في محاولة اجتهادية للبحث عن مقومات الوسطية والاعتدال للوصول بالمجتمعات لمخرجات معتدلة بتفاعلها الاجتماعي وذلك من منظور تربوي إسلامي.

فرضية الدراسة

يستند البحث الى فرضية مفادها أن الاعتدال الديني يمثل المنهج الواجب التعامل به لمجابهة ظاهرتي التطرف والتشدد باعتباره ضامنا وضابطا يمنع انحراف قوى الإسلام السياسي عن المسار الصحيح ويوجهها لبناء نظام حكم صالح ورشيد وتحقيق عملية التفاوض الاجتماعي-الاجتماعي عبر آليات التواصل والتفاعل بين أفراد المجتمع.

أهداف الدراسة:- تتحدد أهداف الدراسة بالآتي:-

1- بيان مفهوم الاعتدال وفق الفلسفة الإسلامية.

2- بيان أثر الانحراف عن مفهوم الاعتدال في الإسلام.

3- ابراز اثر منهج الاعتدال في الإسلام في الفكر السياسي.

4- تحقيق التفاعل المجتمعي المتزن عبر إيجاد منظومة رشيدة للعلاقات الإنسانية الايجابية التي يجب أن تسود بين جميع مكونات المجتمع وبمختلف هوياته وعرقياته ومذاهبه وتنمية مهارات التواصل الاجتماعي.

5- اغناء المكتبات الحلية بمصادر الاعتدال وأثره في التنشئة الاجتماعية والسياسية.

6- مواجهة القضايا المنحرفة التي يعاني منها المجتمع والمتمثلة بقضايا التشدد والتطرف والغلو والعنف والإرهاب.

7- تحقيق ادارة الاعتدال لمواجهة ادارة التوحش الذي تنتهجه بعض التيارات المتطرفة باسم الدين المستندة على ادبيات ومؤلفات منحرفة وليس من اصول وسماحة الدين.

محاور الدراسة:- قسم البحث الى ثلاثة محاور رئيسة:-

المحور الأول:- ماهية الاعتدال ومدلوله في القرآن الكريم.

المحور الثاني:- مقومات ترسيخ الاعتدال على المستويين المحلي والإقليمي.

المحور الثالث:- آثار الانحراف عن الاعتدال الديني على الفكر السياسي.

* ملخص بحث مقدم الى مؤتمر الاعتدال في الدين والسياسة الذي يعقد بمدينة كربلاء المقدسة في 22-23/3/2017، والذي ينظم من قبل مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء، ومؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، ومركز الفرات للتنمية للدراسات الاستراتيجية

اضف تعليق