q
اختلفت الآراء بشأن الظروف والأجواء في شهر رمضان الكريم حول العالم لهذا العام، وعلى مجمل النواحي الحياتية سواء كانت الاقتصادية او الدينية او الاجتماعية، فيما تختلف العادات والتقاليد التي يستخدمها المسلمون تعبيرا عن فرحهم بين بلد وآخر...

اختلفت الآراء بشأن الظروف والأجواء في شهر رمضان الكريم حول العالم لهذا العام، وعلى مجمل النواحي الحياتية سواء كانت الاقتصادية او الدينية او الاجتماعية، فيما تختلف العادات والتقاليد التي يستخدمها المسلمون تعبيرا عن فرحهم بين بلد وآخر، في العاصمة اليمنية صنعاء عشية رمضان، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في المدينة الخاضعة لسيطرة المتمردين، لتزداد معاناة سكان تراجعت قدرتهم الشرائية بشكل كبير بسبب الحرب، وبحسب علي صالح، بائع التمر في سوق صنعاء الرئيسي، فإن "المبيعات ليست جيدة على الاطلاق" قبل بدء شهر الصوم الخميس، لأن "أولوية الناس هنا أصبحت تتركز على تأمين المواد الضرورية".

ويحل رمضان على صنعاء في وقت تستمر الحرب، التي قتل فيها نحو عشرة آلاف شخص، في حصد أرواح اليمنيين، وفي تعميق الأزمة الانسانية الناجمة عنها والتي تعتبرها الأمم المتحدة من بين الأكبر في العالم.

ويشهد البلد الفقير الواقع في جنوب شبه الجزيرة العربية، نزاعا مسلحا بين قوات الحكومة المعترف بها دوليا وقوات من المتمردين المناهضين لها والذين سيطروا على العاصمة في أيلول/سبتمبر 2014.

وازداد النزاع دموية مع تدخل السعودية، الجارة الغنية، على رأس تحالف عسكري في آذار/مارس 2015، دعما للقوات الحكومية في مواجهة المتمردين الحوثيين الشيعة بعد سيطرتهم على مناطق واسعة بينها صنعاء.

وتقول الأمم المتحدة ان النزاع المستمر في البلد الذي يبلغ عدد سكانه 27 مليون نسمة يضع حياة 22 مليون شخص على المحك اذ يعاني هؤلاء من سوء التغذية، بينهم أكثر من سبعة ملايين يواجهون خطر المجاعة.

بينما ينتاب الكثير من سكان غزة حالة من الحزن عشية حلول شهر رمضان الكريم. فبعد مقتل عشرات المحتجين الفلسطينيين في الأسابيع القليلة الماضية خلال مواجهة عند الحدود بين المتظاهرين والقوات الإسرائيلية وفي ظل اعتماد 80 في المئة من سكان غزة البالغ عددهم مليوني شخص على المساعدات فإن سحب الحزن والكآبة باتت تخيم على المزاج العام للسكان.

على صعيد ذي صلة، فر نحو 700 ألف من الروهينغا من اعمال العنف الى بنغلادش حيث يعيشون في اكواخ من البامبو والبلاستيك على السفوح القذرة، ورغم ان الروهينغا يقرون بأنهم كانوا محظوظين لنجاتهم من القتل الا ان قلة المال والطعام وارتفاع درجات الحرارة تتسبب بالقلق للعديد منهم مع حلول رمضان، وداخل خيمة بلاستيكية في يوم قائظ يجلس هشام ليتحدث بحنين كبير عن الامور البسيطة المبهجة التي كانت تجعل من رمضان اكثر شهور السنة تميزا في قريته، ففي كل مساء كان يجلس مع اصدقائه وعائلته للافطار بعد يوم من الصيام على وجبة من السمك واللحوم يتم طهيها لمرة واحدة في السنة بمناسبة شهر رمضان.

اما في تونس، فقد وارتفعت اسعار الفواكه وفاق سعر الكلغ من اللحم الاحمر 20 دينارا (نحو 7 يورو) في حين ان الاجر الادنى الشهري يبلغ 350 دينارا تونسيا (115 يورو). ووصل سعر الاخطبوط الى 100 دينار (33 يورو)، وبات هذا التضخم مدار حديث وانشغال التونسيين ومصدرا كبيرا للغضب على الاحزاب السياسية الذي عبر عنه التونسيون في الانتخابات البلدية الاخيرة اول ايار/مايو، وادركت السلطات ذلك فسارعت الى تكثيف الاجراءات واعلان التطمينات للمستهلكين بانها اتخذت "الاجراءات الضرورية" لتحسين مستوى عيش المواطن التونسي.

الى ذلك، لم يعد أحمد الحسين مجبرا على الصوم خوفا من عقاب قاس بل هو يصوم اليوم بدافع الإيمان في أول رمضان يحل بعد طرد تنظيم الدولة الإسلامية من مدينته الرقة في شمال سوريا، برغم الدمار الكبير الذي يعم شوارع المدينة وحاراتها، يهنأ سكان الرقة هذه السنة بشهر صيام هادئ لا يتعرض المفطرون فيه للملاحقة أو الصلب أو الاحتجاز داخل أقفاص في العلن في مدينة شكلت لسنوات معقل تنظيم الدولة الإسلامية الأبرز في سوريا، وعلى الرغم من اختلاف الظروف والأجواء الرمضانية من بلد لاخر، يبقى شهر رمضان شجرة الألفة والمحبة بين صفوف المسلمين والخير الدائم للعالم الإسلامي.

اليمن

سكان صنعاء، ورغم الحرب والظروف المعيشية الصعبة، يستعدون لإحياء شهر رمضان بالصوم والافطارات والتبضع، انما بكميات ومواد أقل من تلك التي اعتادوا عليها في فترة ما قبل اندلاع النزاع المسلح.

في سوق صنعاء القديمة، لا يوجد نقص في المواد الغذائية، الا ان الأسعار المرتفعة تصعّب على الباعة إيجاد الزبائن القادرين على الشراء، ويشكو عبدالله مفضّل وهو أحد سكان المنطقة القديمة من ان الاسعار "ارتفعت بشكل كبير عشية رمضان، ولم تعد تتناسب مع القدرة الشرائية للسكان، وخصوصا اولئك الذين يملكون بطاقات الدعم". بحسب فرانس برس.

ويقوم المتمردون الحوثيون بتوزيع بطاقات دعم على الموظفين الحكوميين تساعدهم على شراء المواد الضرورية، بسبب عدم قدرتهم على دفع الرواتب لهؤلاء الموظفين، ويوضح مفضّل "الأموال غير متوفرة، والرواتب لم تعد تصل. عليهم (الحوثيون) توزبع بعض الأموال من أجل (تلبية احتياجات) رمضان".

وبالقرب منه في أحد أكشاش السوق، يحذّر أحمد العقبي من ان الوضع "سيء جدا"، مشيرا الى ان الرواتب "لم تدفع منذ ثمانية أشهر". ويتابع "الله سيتكفل بنا، لكن الأسعار تواصل الارتفاع. كل شيء يزداد كلفة"، وبحسب سكان، ارتفع سعر كيس الارز البالغ وزنه 40 كلغ بنحو الثلث تقريبا، بينما ارتفع سعر كيس السكر بـ25 بالمئة.

ويقوم التجار بدفع عدة ضرائب جمركية، من لحظة وصول البضائع الى اليمن، الى وقت دخولها منافذ صنعاء. لكن هناك أيضا نقاط تفتيش أمنية يقوم القيّمون عليها بطلب الاموال في بعض الأحيان للسماح للشاحنات المحمّلة بالبضائع بالمرور.

يعيش العديد من اليمنيين حالة من الترقب في رمضان، يفكرون في طرق لتحصيل الأموال من أجل دفع الايجارات وشراء المواد الغذائية الرئيسية التي تستخدم في اعداد طعام الافطار مثل الحساء والسلطة.

وتقول يمنية من سكان العاصمة "بعت قارورة الغاز من اجل تسديد قيمة الايجار. لم تعد هناك طريقة لأطبخ بها، وليس لدي طحين، ولا ارز"، بالقرب منها، تأكل بناتها قطعة من الخبز وتشرب معها القهوة.

وفقدت الأم اليمنية زوجها في معارك تعز، في جنوب غرب اليمن، لتنتقل بعدها الى صنعاء حيث تعتمد في حياتها اليومية على مساعدات اجتماعية قلما تصل. وتسيطر القوات الحكومية على الجزء الاكبر من مدينة تعز، في حين يسيطر المتمردون الحوثيون على مناطق عدة في محيطها، وتشهد تعز حاليا معارك دامية بين طرفي النزاع، يبدو انها ستتواصل، الى جانب معارك في مناطق اخرى، رغم حلول رمضان، شهر الصوم والصلاة، وتقول الأم اليمنية ان الحرب تقلقها أكثر من معضلة توفير الطعام، موضحة "لم يعد يتبقى لدي أي شيء سوى بناتي".

فلسطين

قالت صابرين الترك ”الأمر محزن ويبعث على الكآبة. هناك مصاب في كل بيت وهناك شهيد في كل بيت. الحزن على وجوه كل الأمهات ولا نشعر بأجواء رمضان الجميلة على الإطلاق“، وقالت نهى شومار وهي أم تعيش في مخيم الشاطئ للاجئين إنها لا تقدر على شراء اللحم وتكتفي بإطعام عائلتها المكونة من تسعة أفراد الأرز والحبوب. بحسب رويترز.

وعادة ما يكون هذا وقت احتفالات لكن الكثير من أصحاب المتاجر يعيشون بالكاد ويقولون إنه لا يوجد من يشتري بضائعهم، وقال تاجر يدعى فايز البيطار ”الوضع صعب تماما سواء في رمضان أو غيره.. هناك صعوبات اقتصادية“.

بورما

يتذكر فتى لاجئ من الروهينغا أيام رمضان السابقة التي كان يقضيها في قريته حين كان يتناول السمك على وجبة الافطار ويحصل على الهدايا من عائلته ويسترخي بعد ذلك في ظل الشجر قبل صلاة العشاء في المسجد.

ولكن بالنسبة للصبي م.د هاشم (12 عاما) وغيره من الاولاد الذين يعيشون في مخيم متواضع في بنغلادش، فإن بداية شهر الصيام لا تجلب معها سوى ذكريات مريرة لكل شيء فقدوه منذ اخراجهم من بورما في حملة عسكرية.

قال هاشم لوكالة فرانس برس في المخيم الواقع على تلة جرداء في منطقة كوكس بازار "هنا لا نستطيع شراء الهدايا وليس لدينا طعام جيد .. لأن هذا ليس بلدنا"، ووصفت الامم المتحدة حملة الجيش ضد اقلية الروهينغا المضطهدة بأنها تطهير عرقي، ويعتقد ان الاف الروهينغا المسلمين قتلوا في الحملة التي بدأت في اب/اغسطس الماضي.

وقال انه مع بداية الشهر كان يحصل على ملابس جديدة بعد رشها بالعطور التقليدية بمناسبة رمضان، وأضاف "لا نستطيع ان نفعل الشيء ذاته هنا لأننا لا نملك المال. ولا الارض. لا يمكننا كسب المال لأن ذلك غير مسموح به".

ويحظر على الروهينغا العمل كما أن نحو عشرين نقطة تفتيش عسكرية تمنعهم من مغادرة المخيم الذي اصبح اكبر مخيم لاجئين في العالم، ولذلك فإنهم يعتمدون على المساعدات الخيرية في كل شيء من الطعام والدواء وانتهاء بالملابس ومواد البناء. ويتعين على هاشم ان يسير لاكثر من ساعة في الحر القائظ ليصل الى اقرب سوق.

تونس

قالت مفيدة وهي ربة بيت اتت للتسوق من السوق المركزية في العاصمة التونسية وللتزود لايام شهر رمضان الاولى، بتذمر، انه بالمقارنة مع العام الماضي "كل شيء ازداد ثمنه ، اللحم، السمك .."، ونسبة التضخم التي تجاوزت 7 بالمئة منذ عدة اشهر في تونس، فاقمت التململ الاجتماعي الذي ترجم في كانون الثاني/يناير 2018 الى تظاهرات ضد غلاء المعيشة رافقتها اعمال شغب. وعملت الحكومة ما بوسعها حتى لا يتفاقم الوضع مع ارتفاع الاستهلاك في شهر الصيام، وقالت مفيدة وهي تشير الى كيسين من البلاستيك امتلأ نصفاهما "انفقت 60 دينار (20 يورو) ولم اشتر لحما، انفقتها فقط في الخضر وبعض اللازانيا" مضيفة ان هذا المبلغ "كان في الماضي يكفي لاستهلاك اسبوعين على الاقل".

وطاول ارتفاع الاسعار خصوصا قطاع التغذية الذي شهد زيادة بنسبة 8,9 بالمئة بالقياس السنوي بحسب آخر ارقام المعهد الوطني التونسي للإحصاء، وتقول السيدة بحري التي قدمت الى السوق لشراء بعض الفلفل لاعداد الهريسة (الشطة) في المنزل، "رمضان شهر الاحتفال والاحتفال يحتاج الى مواد غذائية، لكن مع ارتفاع الاسعار اتساءل كيف تدبر الطبقة الشعبية امورها؟"، وتضيف "الطبقة المتوسطة تستدين، وحتى انا التي املك الامكانيات، هناك اشياء اتوقف عن شرائها حين تصبح الاسعار غير معقولة".

من جهتها تقول نبيهة وهي مطلقة وام لطفلة معوقة قبل مغادرة السوق بدون شراء اي شيء "بات من المستحيل على الفقراء العيش هنا" مضيفة "يحزنني عدم التمكن من الاحتفال اول ايام رمضان لكن سنحاول مع ذلك ان تكون المائدة جميلة".

سوريا

في دوار الدلة في وسط المدينة، يقول أحمد الحسين العامل الأربعيني "كان داعش يجبرنا على الصيام ويعاقب كل فاطر ويضعه في قفص من الحديد في ساحة النعيم تحت أشعة الشمس أمام المارة ليكون عبرة".

أما اليوم، فبات السكان أحرارا في خياراتهم، ويضيف الحسين "سابقاً كان الصيام خوفاً ولكن الآن الصيام إيمان"، وسيتمكن الحسين وعائلته واطفاله حتى من متابعة مسلسات رمضان على التلفزيون بعدما كان تنظيم الدولة الإسلامية يمنعهم حتى من وضع أطباق استقبال الارسال التلفزيوني. بحسب فرانس برس.

ويقول الحسين "كنا مشتاقين لطقوس شهر رمضان ومشاهدة التلفاز (...) في زمن داعش لم نشاهد المسلسلات لأربع سنوات"، في وضح النهار في اليوم الأول من رمضان، ينهمك موظفو مطعم في تقطيع اللحم وشيه ولف السندويشات وتحضير الوجبات لزبائن قلائل يشربون العصير وينتظرون الغذاء.

ويقول صاحب المطعم الصغير المقابل لحديقة الرشيد دخيل الفرج "في زمن داعش كان ممنوع علينا فتح المطعم الا قبل موعد الإفطار بساعتين" للبدء بتحضير الوجبات، مضيفاً أن "الحسبة" أي شرطة الدولة الإسلامية كانت تلقي القبض على كل من تراه يأكل، لكن اليوم يفتح الفرج مطعمه "لاستقبال الزبائن منذ الساعة العاشرة صباحاً"، وفق قوله، "لأن الناس أحرار، من يريد أن يصوم فهو حر ومن يفطر فهو حر".

اضف تعليق