q
أهميةَ الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم فهي إحدى أسهل الطرق التي تستطيع بها أن تتمتَّع بسعادةٍ أكبرَ وصحة أوفَر. فلتجعل من أهدافك أن تذهب للفِراش مبكِّرًا بما يكفي للنوم جيدًا ليلًا، وتجنَّب الطعام والشراب، ولا سيما الكافيين، في أوقاتٍ متأخِّرة من الليل. لا تستخدم أجهزةً إلكترونية، مثل...

في ١٩ يوليو ١٩٨٩، وقع عُطلٌ في محرِّك طائرة من طائرات خطوط الطيران المتحدة كانت تقوم برحلة رقم ٢٣٢ مما أدَّى إلى فقدان جميع أنظمة قيادة الطائرة بعد نحو ساعة من الإقلاع في دينفر، كولورادو. ظلَّ الطيارون طوال ٣٠ دقيقة تقريبًا يعملون دون جدوى لاستعادة بعض السيطرة والتخلُّص من الوقود والتوجُّه إلى مَدْرج طيرانٍ في مدينة سو، في ولاية آيوا. كان الركَّاب على علمٍ بحالة الطوارئ وقيل لهم أن يتوقَّعوا هبوطًا عنيفًا. ومن بين الركَّاب البالغ عددهم ٢٩٦، مات ١١١ ونجا ١٨٥ من الحادث.

كيف تعايش الناس مع خوفهم وهم يستعدون للهبوط الاضطراري؟ كشفت المقابلات التي أُجريت مع الناجين عن أن الكثير قد اعتمدوا على إيمانهم الديني. وإليكم بعضًا من أقوالهم:

«لقد أغمضت عينيَّ وقلت: «يا ربي الرحيم، أدعوك أن تُرشد الطيارين.» كذلك خطرَ لي أنه إذا أراد الرب أن يقبض روحي، فلن أبالي بذلك. كنت مفعمًا بالسكينة. فقد كنت هناك جالسًا على حافة الخلود. لم أكن في مواجَهة نهاية حياتي.»

تبنِّي مُعتقَدات دينية وروحانية يحسِّن من الحالة النفسية والصحة الجسدية، ولو جزئيًّا لأن تلك الاعتقادات تُساعدنا على التأقلم مع المكدِّرات اليومية الصغيرة وكذلك الأحداث المأساوية الكبرى.

كيف يمكن لتغييرٍ بسيط في السلوك -مثل الحصول على قسط كافٍ من النوم، أو قراءة رواية، أو ممارسة التأمُّل- أن يغيِّر الطريقة التي ترى بها نفسك والعالم. والأهم أن تبنِّي مثل تلك السلوكيات من المُمكِن أن يَزيد من مقدار سعادتنا، ويحسِّن صحتنا الجسدية، ويمد في أعمارنا.

اخلُد للنوم

قد تكون أيسرُ طريقة لتنمو بها سعادتنا أن نحصل على كفايتنا من النوم. فقد وجد استفتاء عامٌّ أجْرته مؤسسة جالوب عام ٢٠١٥ شمل أكثر من سبعة آلاف أمريكي بالغ أن الناس التي تفيد بحصولها على كفايتها من النوم يتمتَّعون برفاهٍ عامٍّ أكثرَ من الذين ينامون وقتًا أقل. كان مثلًا متوسِّط درجات الرفاه لدى الذين ينامون ثماني ساعات ليلًا ٦٥٫٧ (من ١٠٠)، في مقابل ٦٤٫٢ لدى الذين ينامون سبع ساعات، و٥٩٫٤ لدى الذين ينامون ستَّ ساعات. أكَّد هذا الاستفتاء نتائجَ دراسات علمية متعدِّدة أثبتت أن الحصول على قسط كافٍ من النوم يسهم في تحسين الرفاه النفسي، مُتضمِّنًا ذلك الحد من القلق والاكتئاب والشعور بالوحشة.

ما الذي يجعل الكفاية من النوم بالغةَ الأهمية؟ أحد الأسباب هو أن الأشخاص الذين يسترخون جيدًا أقدرُ على التأقلم مع مكدِّرات الحياة اليومية. أما الأشخاص المحرومون من النوم فهم سريعو الغضب وأكثر وقوعًا في أخطاء التفكير والذاكرة. لعلك تستطيع أن تتذكَّر يومًا خاطبت فيه فردًا من أسرتك أو صديقًا أو زميلًا بحدةٍ بعد النوم لفترةٍ قصيرة ليلًا؟

تسيطر الأفكار السلبية على مَن لا ينامون كفايةً ويفقدون القدرة على التركيز على الأشياء الإيجابية. بل يستغرق مَن لا يحصلون على كفايتهم من النوم في المزيد من أنماط التفكير السلبي المتكررة، التي تتضمَّن الانشغال إلى حدِّ الهوس بالمستقبل، وإعادة تخيُّل أحداثٍ من الماضي، والتفكير في أفكار دخيلة. وكما شرحت سابقا، يزيد هذا النمط من التفكير من احتمال الإصابة بالاكتئاب والقلق.

كذلك يضرُّ الحرمان من النوم بصحتنا الجسدية. فقلَّة النوم تُضعِف جهاز المناعة، مما يَزيد من احتمال الإصابة بأمراض متعدِّدة، منها السرطان والسَّكتة وأمراض القلب والسكري. ويؤدي النوم جيدًا إلى التعافي من العمليات الجراحية بصورةٍ أفضل.

لتقصِّي تأثير الحرمان من النوم على قدرة الجسم على مقاومة المرض، استعان الباحثون في إحدى الدراسات بمُتطوِّعين أصحاء. وقيَّموا العادات الصحية العامة لهؤلاء الأشخاص، مثل معاقرة الخمر والتدخين، وكذلك أنماط نومهم خلال الأسبوع السابق. ثم دسُّوا فيروس الزكام في أجساد المشاركين، بعد الحصول على إذنهم، مستخدمين قطراتِ أنف. ثم راح الباحثون يُراقبون هؤلاء الناس على مدار الأسبوع التالي ليرَوا مَن منهم أصابه الزكام.

وقد كانت النتائج التي توصَّلوا إليها دليلًا قويًّا على أنَّ النوم لمدةٍ كافية عاملٌ أساسي للحفاظ على صحة الفرد. فالأشخاص الذين قلَّ نومهم في المتوسِّط عن ست ساعات كلَّ ليلة في الأسبوع السابق للتجربة كان احتمال إصابتهم بالزكام أكثرَ أربع مرات من أولئك الذين كانوا ينامون أكثر من سبع ساعات يوميًّا.

وقد قال أريك بريثير، أستاذ الطب النفسي في جامعة كاليفورنيا، سان فرانسيسكو: «كانت قلَّة النوم أهمَّ من أيِّ عامل آخر في رفع احتمال إصابة المشاركين بالزكام. فلم يكن لأعمارهم ولا مستويات التوتُّر ولا العِرق ولا التعليم ولا الدخل أهميةٌ. ولم يفرق إن كانوا يدخِّنون. مع وضع كل تلك الأشياء في الحسبان، ظل النوم هو المسئول حسب الإحصائيات.»

أرجو أن تكون قد فهِمت الآن أهميةَ الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم - فهي إحدى أسهل الطرق التي تستطيع بها أن تتمتَّع بسعادةٍ أكبرَ وصحة أوفَر. لذلك فلتجعل من أهدافك أن تذهب للفِراش مبكِّرًا بما يكفي للنوم جيدًا ليلًا، وتجنَّب الطعام والشراب، ولا سيما الكافيين، في أوقاتٍ متأخِّرة من الليل. كذلك احرِص على ألا تستخدم أجهزةً إلكترونية، مثل الكمبيوتر أو الآي باد أو القارئ الإلكتروني، قبل محاولة النوم مباشرةً؛ فإن «الضوء الأزرق» المنبعث من أغلب هذه الأجهزة يجعل الخلود للنوم أشدَّ صعوبة.

* مقتبس بتصرف من كتاب التحول الإيجابي: تحكم في طريقة تفكيرك وانعم بالسعادة والصحة والعمر المديد، للمؤلفة: كاثرين إيه ساندرسون، أستاذة علم النفس في أمهرست كوليدج بولاية ماساتشوستس الأمريكية

اضف تعليق