ثقافة وإعلام - أدب

نازحة

مساندها فأكتوي بها.. طفلتاي تلزمان الصمت تمسكان بتلابيب ثوبي المتسخ، نظرت إلى أقدامهما مازالت تعلوهما أحذية. توقفت المركبة عند مدرسةٍ.. نزلت مسرعة إلى حماماتها.. أمامي صف طويل.. وضعت يدي على أنفي وأحاول أن لا أنظر وأقول لنفسي تشجيعاً على الأقل أفضل من العراء وسأستعيض عن الماء بالتراب والحجر...

بقدم تغوص في رمال حارقة وأخرى تورمت.. واصلت المسير مع طفلتيّ الاثنتين.. كلّ منهما تمسك بقوة بإحدى يدي.. أميل يمنة ويسرة من شدّة الازدحام وقلق يساورني من أن تضعف يدي عن الإمساك بهما بينما عيناي ترسل نظرات إلى كلّ صوب.. ابتهل في سري أن أجد وسيلة تنقلني إلى مكان انشده فنعلاي لن يعيناني على مواصلة المسير. الأرض الجرداء لم تسعفني على قضاء حاجتي من غير ساتر.. فجأة بدأ أمل يحدونا باقتراب مركبة سمعتُ صوت الجنود على ظهرها ينادون علينا ويناولوننا أيديهم للصعود، بملامسة قدمي بطانتها الحديدية.. بدأت أتقافز، أرفع قدماً وأضع أخرى، ألجأ إلى

مساندها فأكتوي بها.. طفلتاي تلزمان الصمت تمسكان بتلابيب ثوبي المتسخ، نظرت إلى أقدامهما مازالت تعلوهما أحذية. توقفت المركبة عند مدرسةٍ.. نزلت مسرعة إلى حماماتها.. أمامي صف طويل.. وضعت يدي على أنفي وأحاول أن لا أنظر وأقول لنفسي تشجيعاً "على الأقل أفضل من العراء وسأستعيض عن الماء بالتراب والحجر".

كنت فريسة لتعب شديد، قضيت ليلتي مع أناس كثيرين بالنوم في المدرسة. نظرت إلى طفلتيّ كانت صفرة مخيفة تعلو وجهيهما.. افترشت الأرضية ونمت سريعاً. استيقظت صباحاً فوجدتُ رجلاً غريباً أنهكه المسير مثلي يتمدد بجانبي.

أيام مرّت قبل أن يفكروا بنقلنا إلى مخيم آخر.. بدأت أرتب أغراضي وأدون قائمة بما ينقصني أنا وطفلتيّ.. أعددت ورقة فكنت اشطب وأمحو.. أضع الأهم وأحذف المهم بما لا يتجاوز المبلغ الذي سأستلمه.. شعرت بالضيق للحساب وزاد من اختناقي أصوات أولئك الذي يسعون للهجرة.. كنت أود محادثتهم للذهاب معهم لكن أقول في نفسي "هم يملكون المال والمستمسكات الرسمية".. أتحسر.. أرسل نظراتي صوب الديار فأرى المسافة أصبحت بعيدة.. جداً بعيدة.. أتوجه برأسي يمنة فأرى عائلة برفقة الزوج فاحسدهم واغتم لرحيله المبكر، أدور برأسي يسرة فأرى الآخرين يبحثون أمر إعادتهم لوظائفهم..

أختنق.. أجثو على الأرض واضعة يدي على التراب واقبض عليه بقوة ورأسي بينهما.. أرفعه صوب السماء وصرخة قوية تكاد تفتك بصدري.. لا أقوى على النهوض من جديد فقد عزمت على اتخاذ قراري وأوفر على ابنتيّ هذه المأساة وكلّ ما عليّ فعله الآن: هو اختيار إحدى طفلتيّ هاتين للبيع!.

..........................................................................................................
* الاراء الوادة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق