q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

ملامح المجتمعات المريضة وكيفية معالجتها

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

إذا عُرِفَت الأسباب عُرِفت المعالجات، معادلة يتفق عليها معالجو الأزمات والمشكلات التي تخترق المجتمعات، وتجعلها ضعيفة، بعد أن تزرع فيها أمراضا اجتماعية خطيرة، لاسيما تلك التي لا تعترف بأهمية منظومة القيم، ولا تحسب حسابا لدور الأخلاق في مواجهة الأمراض التي تهيمن على مجتمعات عالم اليوم...

(هنالك علامتان للمجتمع المريض هما ظهور النواقص فيه وقربه من التحطّم)

الإمام الشيرازي

إذا عُرِفَت الأسباب عُرِفت المعالجات، معادلة يتفق عليها معالجو الأزمات والمشكلات التي تخترق المجتمعات، وتجعلها ضعيفة، بعد أن تزرع فيها أمراضا اجتماعية خطيرة، لاسيما تلك التي لا تعترف بأهمية منظومة القيم، ولا تحسب حسابا لدور الأخلاق في مواجهة الأمراض التي تهيمن على مجتمعات عالم اليوم.

لكل مجتمع روح خاصة به، تميزه عن المجتمعات الأخرى، وفي ضوء وطبيعة هذه الروح يمكننا أن نحدد ملامح هذا المجتمع، والأمراض التي تتوطّن فيه، وبعد ذلك تتسبب هذه الأمراض بنواقص كثيرة تفتك بالمجتمع، ومن ثم تدفع به نحو الاندثار والتحطّم، هناك ثوابت ومقاييس تُحسب على أساسها جودة المجتمعات، أي توجد معايير لجودة المجتمع، على أساسها يمكن أن يكون المجتمع سليما، أو مريضا، أو بين بين، لا هو سليم ولا هو مريض، أي يتنقّل بين الحالتين، مرة يكون مريضا، وأخرى يكون سليما.

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) كتب عن أمراض المجتمع في كتابه القيّم الموسوم بـ (الصياغة الجديدة)، حيث قال:

(يجب ملاحظة الروح العامة السائدة في المجتمع، وهل أنها مطابقة للمقياس الصحيح أم ليست مطابقة له؟ فإن كانت مطابقة للمقياس الصحيح كان المجتمع سليماً، وأما إذا لم تكن مطابقة، فيكون المجتمع منحرفاً ومريضاً ومجنوناً).

إن طريقة السير في الحياة قد تودي به إلى التحطّم، ولهذا ينبغي الحذر من السقوط في نهاية المسيرة بحالة التحطّم التي حذر منها الإمام الشيرازي، فهناك علامات وملامح تظهر في المجتمع، تدل على أنه يسير في الطريق الخاطئ، ومسيرته ليست سليمة، وبالنتيجة فإن الاستمرار بالمسير الخاطئ ينتهي بالمجتمع إلى هاوية التحطّم.

من المهم جدا أن ندرك تلك الملامح، ونفهمها، ونتعامل معها على أنها إشارات تحذيرية لمن يهمه الأمر عن تحطّم المجتمع، لهذا على من يهمه الأمر من قادة سياسيين ونخب ورجال دين ومفكرين، أن لا يتعاملوا مع هذه العلامات بحيادية، أو من دون اكتراث، فالنتيجة سوف تكون موجعة ومدمرة وتطول الجميع بلا استثناء.

لماذا تتحطم المجتمعات؟

يقول الإمام الشيرازي: (لا يحتاج الأمر إلى أن نرجئ الأمر مدة ونقول: هذا المجتمع المستمر في مسيرته سوف يصطدم بشيء ما ويتحطم كالسيارة المعطوبة التي تسير الآن سيراً معتدلاً، لكن بعد برهة من الزمن تصطدم بعارض وتحترق وتعطب).

ويؤكد الإمام الشيرازي على قضية الانتباه إلى علامات وملامح تحطّم المجتمعات، حتى يتم تلافيها، وتحييد نتائجها التي فيما لو أهمِلت سوف تنتهي بالمجتمع إلى التدمير، فكل خطأ يتم إهماله يكبر ويتضاعف ويتعدد، ويكون بالنتيجة مؤلما في الكوارث التي سوف يلحقها بالجميع، وقد نبّه الإمام الشيرازي على هذه العلامات قائلا:

(هنالك علامتان للمجتمع المريض: العلامة الأولى: أن نرى المجتمع وقد ظهرت فيه نواقص.

والعلامة الثانية: أنه سوف يتحطم. وكلا الأمرين موجودان في المجتمع الحالي فمثله مثل سيارة في حالة الاحتراق، وبعد مدّة من الزمن تصطدم وتتحطم وتتلاشى).

نحن نعيش اليوم في مجتمع مريض، هذا ما تفصح عنه علامات هذا المرض، ويظهر من تعدد الأزمات وكثرة المشكلات، وانتشار الحروب والثورات والمجاعات وسواها، وليس هناك أدل على ذلك من الترسانة النووية التي يمكن أن تفني كوكب الأرض كذا مرة، وكلنا يتابع اليوم التهديدات بحرب نووية يمكن أن تدمر المجتمع العالمي برمته.

هذه نتيجة طبيعة لتضارب المصالح، وانتشار الدمار المادي، والتكالب على المصالح، حتى لو كانت الأساليب ليست مسالمة ولا إنسانية ولا علاقة لها بالحق والحقوق، المهم عندى القوى العظمى أن تربح الصراع الذي تخوضه ضد بعضها، ولا يهم كيف تربح هذا الصراع، لا وجود لقيم ضابطة، ولا لمعايير إنسانية عادلة، هناك غش وكذب وبراغماتية وخداع بأنماط مختلفة، والجميع يرى نفسه على حق.

لذا يقول الإمام الشيرازي:

(إن هذا المجتمع الذي نعيش فيه يمرّ الآن بحالة الاحتراق، فهناك حروب، هناك ثورات، هناك جنون التسابق إلى التسلّح، هناك اللف والدوران والمكر والخداع والغش والاحتكار، والرأسمالية المنحرفة، والشيوعية الجنونية وسواها).

ثقافة القيم العالمية الرشيدة

ومما يؤكد الأمراض التي تضرب مجتمعاتنا، ذلك التمايز الطبقي العالمي الذي يفتك بالبشرية كلها، وليس بالفقراء وحدهم، فحين يتحمل الضعفاء نواقص وأمراض السياسات الخاطئة، فهذا لا يعني أن الأغنياء في مأمن من الحروب والاختلالات التي تزلزل الأمن العالمي، لذا لابد من التنبّه إلى أمراض العصر، ومعالجة الغبن الذي يتعرض له نسبة كبيرة من سكان الأرض، في المشرق والمغرب والجنوب والشمال.

يقول الإمام الشيرازي:

(هناك تمايز طبقي إلى حد أن بطوناً تتخم وبطونا تحرم، قسم يذهبون إلى القبور بسبب التخمة، وقسم يذهبون إلى القبور بسبب الفقر والجوع، هذا واقع الاجتماع الآن).

إن الأزمات والتشنجات التي تستبيح العالم من أقصاه إلى أقصاه، تستوجب من العقلاء معالجات سريعة جادة وحقيقية، وأن لا يتعاملون بأسلوب عدم الاكتراث، لأن الأمراض واضحة وأسبابها واضحة ونتائجها واضحة أيضا، ولم يبق سوى إطلاق المبادرات الحقيقية للعلاج، وليس الشكلية أو معالجات إسقاط الفرض، إن عالمنا يسير نحو التحطّم بقدميه، ما لم تقم النخب بالدور الحيوي الكبير الذي يترتب عليها لإنقاذ العالم.

هذا ما يستشرفه الإمام الشيرازي قائلا:؛

(أما المستقبل فالمجتمع مستمر في طريق الوصول إلى نقطة النهاية والتحطم، حيث تفنى الحضارة التي وصل إليها الإنسان منذ قرون وقرون.. أليس ذلك دليلاً على انحراف الاجتماع وعدم تعقله، أليس هذا الواقع يلحُّ على عقلاء العالم للتفكير في كيفية العلاج والخلاص لكل العالم، لا لأمة خاصة أو مدينة خاصة أو جماعة خاصة أو ما أشبه)؟

ومن المهم أن يتبّه المعالجون من قادة نخب عالميين، أو ساسة أو من ذوي المسؤوليات وأصحاب القرارات، من المهم أن يتنبهوا إلى قضية رسم الثقافات الإنسانية التي يكون بإمكانها إنقاذ الناس من الاستمرار في طريق الهلاك المرسوم لهم حاليا، خصوصا في سياسات المد المادي والاحتكار والطغيان واعتماد القوة وسياسات الخداع.

يجب أن تسود ثقافة القيم العالمية الرشيدة التي تنقذ الجميع من الأزمات والمصالح الفوقية التي تقوم على استعراض القوة والابتزاز، ولا تعتمد الإنصاف والعدالة في التعاملات العالمية المختلفة، إن المجتمع اليوم يحتاج إلى ثقافة حياة عامة، وليست منقوصة، حتى تأخذ بيده إلى التعامل الإنساني القادر على مكافحة الأمراض الاجتماعية الفتاكة.

هذا ما يراه الإمام الشيرازي حين يقول:

(من أشد ملامح المجتمع المريض محدودية الثقافة، أي نقص الثقافة، ولا نقصد نقص ثقافة خاصة كثقافة الاقتصاد أو ثقافة الاجتماع أو ثقافة التربية أو ثقافة الجيش أو ثقافة الإمارة أو ثقافة الحكم أو ثقافة الزراعة أو ما أشبه، وإنما نقصد نقص ثقافة الحياة بمجموعها).

بهذه الطريقة يمكننا تحديد ملامح المجتمع المريض، وهذه الخطوة تعد من أهم خطوات المعالجة، فالمرض إذا لم تُعرف أسبابه وجذوره، لا يمكن التصدي له، وبالتالي قد يصعب العلاج ويستمر الخراب، لذا مطلوب أن تسعى النخب العالمية لتثبيت ملامح هذه الأمراض ووضع العلاجات المناسبة حتى يتوقف العالم عن السير في طريق التحطّم الكلي.

اضف تعليق