بعض الأمم انفقت أموالاً طائلةً لتنفذ من أقطار السماوات والأرض وأمتنا إن صح التعبير ووفى التحرير انفقت ما انفقت لكي ترجم كما ترجم الشياطين. أمة كجماعة في حافلة تتدافع فيما بينها لتتقدم نحو الوراء حيث المجالس العريضة فلا يأتي بها إلى الأمام إلا الفرملة، أمة لا تبالي بالبوصلة، فهي في كل الأحوال لا يمكنها أن تختار الطريق. أمة أصبحت مسرحا لتجارب الأمم الأخرى في كل ما يمكن تجريبه حتى بدى للناظر أنها دخلت في وحدة مصير ناصرية مع فئران المختبرات.

لما وجد حكام العالم هذه الأمة تفتخر بـ “اني رأيت رؤوساً قد أينعت وحان وقت قطافها” وفي قطيعة مع "سلوني قبل أن تفقدوني، فَلأنا بطرق السماء أعلم منّى بطرق الأرض"، قاموا باستنساخ كائنات سياسية من الزمن الأموي تلائم الخصوصيات الجهوية والأذواق والثقافات. وكل كائن سياسي أموي -كما علمنا التاريخ -لا بد له من كائن ديني يسبح بحمده في الغدو والآصال. يحدث في زمن السلم عن وجوب الطاعة ولزوم الجماعة والصبر على الفقر والمجاعة. أما في زمن الحرب، فالحديث هو عن جنودٍ لم ترونها مما استنفره الشيوخ للملاحم.

انها أمة وإن تدافعت نحو الوراء إلا أن فيها من الشيوخ من طوى الأرض بقدرة قادر من قرية صفط تراب المصرية إلى الدوحة وأسري به إلى الفضاء يحلق بين الشريعة والحياة. وآخرون طاروا بمنابرهم الأرضية إلى الفضاء وجعلت لهم صيحة يسمعها أهل المشرق والمغرب، فمنهم من كلم الناس في كل فج عميق، ومنهم من كلم الجن على الهواء مباشرةً، ومنهم من كلمه ثائر الدراجي.

حال وأحوال نعيشها لا يعيشها غيرنا. تميزنا بخصائص ادرجت في صحاح المرويات. فمن غيرنا يدرس اديولوجيا “بلا كيف”، ونظرية “هذا علم لا ينفع”، وفلسفة الجمع بين النقيضين التي تساوي بين الجلاد والضحية؟ من غيرنا يقدر على شرح الدعوة الجلجلوتية والبرهتية والدمياطية؟

علاقة امتنا مع الملائكة ممتازة، ومع الجن ليس هناك من مشكل عدا سوء الفهم الذي يحدث من تارة لأخرى. فكم من جني أخذها على القفا، وكم ملك استحيى من النظر إلى “ابطال” الأمة فإختفى، وفي الجفا ألم تقتل الجن المسلمة أصحاب المصطفى ؟! نحن أمة نظمت الجن شعرها بلغتنا بعدما قتلت زعيم الخزرج لتبرء أهل الشجرة حيث قالت:

قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة

رميناه بسهمين فلم نخطئ فؤادة

ولا تزال والحمد لله العلاقة بين الأمة والجن قائمة وإن تقطعت الأمة فيما بينها.. حدثنا عن تجليات ذلك شيوخ البنزين والكبريت في قصص أفغانستان والشيشان حيث الجن المسلمة – التيلقبوها ب”الملائكة ”تشريفاً– رمت صواريخ الستينغر على طائرات الروس، وضربت الأعداء بالسيوف وآزرت المجاهدين في الكهوف.

عاتبت الجن المسلمة لرفضها دعم الأمة في فلسطين وفي لبنان. وخشيت عليها من شق صفها في سورية بعدما مال نفر منها إلى الشيخ العرعور تاركين اخوانهم من الجن في صف الشيخ حسون. فكان جوابها أنها بريئة من أفعال الجن الإنسية. وأخبرتني أزقة حمص وأزقة تاريخ دمشق وتاريخ المدينة وصفحات البداية والنهاية أن امتنا هي ذات الحياتين. إنسية الهيئة وجنية الأفعال والعذر لمن تشابهت عليه الأحوال.

حال امتنا يرثى له وأعظم ما يرثى هوما فعلته الجن الإنسية بالبضعة الزكية. فاعلم أنه بعد هذا الداء لم يبقى من دواء سوى الولاء.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق