من الصعب العثور على درجة معقولة من التباين في تعريف الإسلاموية مقابل الإسلام. الأكاديميون الغربيون في المجمل لم يعرفوا الإسلاموية إيدلوجيا وركزوا على تعريفها في إطار الإيمان، مما يفاقم مشكل الخلط بين فكرانية الإسلاموية وروحانية الإسلام.

من الإشكالات المطروحة حول هذه التعريفات كونها تذهب بالدين الإسلامي خارج القيود الروحية لتجعل جوهره مجرد إيديولوجيا دينية-سياسية افرزتها بعض الخصوصيات الثقافية عند بعض المسلمين. وهذا ما جعل بعض الأكاديميين يخرجون بنظريات تقول أن الإسلام ليس ديناً بل هو مجرد حركة سياسية، كما هو الحال بالنسبة للمفكر علي سينا.

نموذج سينا نذكره ليس لقوة النظرية في حد ذاتها بل لتأثير هذه النظرية في الأوساط العلمية. بحسب سينا، الإسلام هو مجرد حركة سياسية تحركها إيدلوجية الهيمنة التي ترتكز على الاستيعاب عن طريق الأسلمة أو الاستئصال المباشر -كما في إحكام الردة- وغير المباشر-كما في تعقيدات الأحكام الذمية-. في رده على سينا من خلال بحث "الإسلام: دين أو عقيدة سياسية"، يرى روبرت سبلنجر أن القائلين بأن الاسلام ليس ديناً يرتكبون نفس الخطأ الذي ارتكبه الفيلسوف كانط عندما ادعى أن اليهودية ليست دينا، ولكن مجرد مجموعة من القوانين، مضيفاً: "كانط أخطأ عندما أعزى غياب الشعور الديني عند اليهود إلى طريقة اهتمامهم بالآخرة... "(سبلينجر 2016). وبما أن الآخرة تحتل مكانة هامة جدا في الإسلام بغض النظر عن الخصوصيات الطائفية، فإن الفشل في تحييد الإسلام عن العناصر الأساسية في تعريف الدين مثل مفهوم الآخرة يدل على بطلان القول بأنه ليس ديناً. الجدير بالذكر أن كلا من سبلينجر وسينا هما من اشد منتقدي الإسلام، وحتى على مستوى المعادين لديانة الإسلام تجد أن فكرة كون الإسلام حركة سياسية تطابق الإسلاموية تبقى ضعيفة ومتنازع على صحتها.

تحديد طبيعة الإسلام كدين ضروري من أجل فهم طبيعة الإسلاموية كإيديولوجيا. من بين الأكاديميين الغربيين الذين رسموا خطاً واضحاً بين الإسلاموية والإسلام تجد دانيال بايبس. يقول بايبس حول الإسلام الذي هو دين نحو مليار إنسان: "الإسلام يركز على الأفراد بينما الإسلاموية تركز على المجتمعات -الجماعة-. الإسلام هو عقيدة شخصية بينما الإسلاموية هي عقيدة سياسية." (بايبس 2000). الإسلاموية وفقا لبايبس تسعى إلى إنشاء نموذج يستند كليا على الشريعة ويرفض كل مظاهر الحضارة الغربية-عادات، فلسفة، مؤسسات سياسية وقيم (المرجع نفسه). على هذا الأساس يمكن اعتبار أن الاسلامويين ظلاميون طبيعتهم سياسية، أجندتهم رجعية ومعادية للحداثة.

في مقالته "لمحة تاريخية موجزة حول الإسلاموية"، قسم روبن رايت الإسلامويين إلى مجموعتين: أحزاب تتنافس داخل أنظمة، ومتطرفون يستخدمون العنف لتغيير الأنظمة من الخارج (رايت 2015). بناء على هذا التصنيف، الإسلامويون الذين ينبذون العنف الذين يعملون من داخل الأنظمة لا يدخلون في إطار الظلاميين المذكورين آنفاً.

لتحسين صورة الإسلامويين أكثر ذهب، ممتاز أحمد، أستاذ سابق للعلوم السياسية في جامعة هاملتون، إلى أن الإسلامويين المعروفين، مثل رشيد الغنوشي من حزب النهضة، يتصورون الدولة الإسلامية بصورة مشابهة لصورة وستمنستر، أي صورة الديمقراطية البرلمانية حيث التعددية واحترام حقوق الإنسان (أحمد 2002، ص 5-6). في الواقع، الغنوشي، مثل كثير من الإسلامويين الآخرين الذين كانوا لاجئين في الغرب، يستخدمون معايير مزدوجة في خطاباتهم. عندما يتحدثون الإنجليزية لغير العرب مثل الدكتور أحمد -الباكستاني، يتحدثون عن دعم الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان. من ناحية أخرى، عندما يتحدثون العربية للجمهور العربي، هنالك تظهر ظلاميتهم. ففي شريط فيديو نشر على موقع يوتيوب، بعد ما يسمى الربيع العربي، دافع الغنوشي بقوة عن النظرية التي تدعو إلى عقوبة الإعدام في حق المسلمين الذين يرغبون في ترك الإسلام (الغنوشي 2011).

هناك نموذج لاسلامويين يتظاهرون بالعلمانية مثل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان. إنه من الصعب من خلال الوقائع القول أنه يمثل اقتراحات أحمد حول النظرة الويستمينستيرية للدولة. فوفقا لهيومن رايتس ووتش، حزب العدالة والتنمية الإسلاموي أظهر تعصباً متزايداً تجاه المعارضة السياسية، الحركات الإحتجاجية ووسائل الإعلام. وتحت حكم الإخوان الأتراك، رصدت هيومن رايتس ووتش تدخل الحكومة في عمل المحاكم والنيابة العامة ما يقوض استقلال القضاء وسيادة القانون (هيومن رايتس ووتش 2016، تركيا).

في أضواء ما سبق، يمكننا أن نقول أن الإسلاموية هي عقيدة سياسية تختلف عن دين الإسلام. تتصف الإسلاموية بالرجعية والظلامية وتسعى لوضع نموذج معادي للحداثة مستخدمة تكتيكات بما في ذلك المشاركة السياسية والمواجهة العنيفة بحسب ملاءمة الظروف. من شأن هذا التعريف إزالة الإسلام السياسي من المنطقة الرمادية، حيث انه يسمح لنا أن نقول بأنه إذا كان هناك سياسي مسلم يأخذ النصوص القديمة خارج سياقها التاريخي، أو إذا كان يدعو إلى أي شكل من أشكال النماذج الدينية المعادية للحداثة فإنه اسلاموي الفكر. المعيار المنصوص عليه في هذا التعريف يوفر لنا وسيلة بسيطة تساعد في تحديد النشاط الإسلاموي.

من هنا، إذا استثنينا المسلمين الذين يحتفظون بالتجربة الروحية داخل حياتهم الخاصة، فالإسلامويون هم الذين يأخذون تجربتهم الروحية إلى الساحة العامة من أجل دعم نموذج يسوده الفهم الحرفي للنص الديني القديم ومن أجل معاداة قيم الحداثة.

..............................
مراجع:
Ahmad, Mumtaz. 2002. Islam and Democracy, The Emerging Consensus. Islam on Line. Accessed March 12, 2016. https://edge.apus.edu/portal/site/317984/page/f72cfc2a-2e5f-4d86-975b-6a27a2e5861c
Ghannouchi, Rachid. 2011. Ar.Ghannouchi and the Killing of Seculars. Youtube. Accessed March 15,2016. https://www.youtube.com/watch?v=3uf8rWtno1c Human Rights Watch. Turkey. Accessed March 15, 2016. https://www.hrw.org/europe/central-asia/turkey
Daniel. 2000. Islam and Islamism - Faith and Ideology. National Interest. Spring 2000. Accessed February 15, 2016. http://www.danielpipes.org/366/islam-and-islamism-faith-and-ideology
Splenger, Robert. 2004. Islam: Religion or political ideology? Asia Times. August 4, 2004. Accessed February 19, 2016. http://www.atimes.com/atimes/Front_Page/FH10Aa01.html
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق