q
وفي القران عدة ابواب وعناوين مثل القيم العليا، التصورات العقائدية ، الاحكام الشرعية الدينية الخ. وانا اقصد هنا على وجه القصد والتحديد القيم الحضارية العليا حصرا وفي مقدمتها: التوحيد، استخلاف الانسان، استثمار الطبيعة، الحرية، العدل، المساواة، السلام، التعايش، التعاون، التسامح الخ...

تدل الخبرة التاريخية (مثل: دولة الرسول محمد في المدينة، الثورة الانجليزية، الثورة الفرنسية، الثورة الشيوعية في روسيا الخ) على ان اقامة الدولة، ايا كانت صفتها، تتطلب منظومة قيم من جنس وصفة تلك الدولة. 

وبناء على هذه الخبرة الصادقة اقول ان اقامة دولة حضارية حديثة في العراق على انقاض الدولة الهجينة العراقية الهجينة الحالية (١٩٢١- ؟؟) يتطلب منظومة قيم حضارية عليا من جنس وطبيعة هذه الدولة.

ويمكن بناء منظومة القيم المطلوبة من مصدرين: المصدر العالمي والمصدر المحلي. 

يتمثل المصدر العالمي بخلاصة خبرات البشرية في هذا المجال والتي لخصتها المواثيق الدولية وخاصة الاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام ١٩٤٨ ووثيقة اهداف التنمية المستدامة لعام ٢٠١٥.

 واما المصدر المحلي فيتمثل بما يملكه المجتمع العراقي من مصادر للقيم العليا وفي مقدمة ذلك القران الكريم. وفي القران عدة ابواب وعناوين مثل القيم العليا، التصورات العقائدية ، الاحكام الشرعية الدينية الخ. وانا اقصد هنا على وجه القصد والتحديد القيم الحضارية العليا حصرا وفي مقدمتها: التوحيد، استخلاف الانسان، استثمار الطبيعة، الحرية، العدل، المساواة، السلام، التعايش، التعاون، التسامح الخ.

وهنا انا اختلف مع الذين يدعون الى القطيعة مع القران بحجة الحداثة. فما دام القران قوة محركة ومؤثرة في المجتمع العراقي فان الحكمة العملية تفرض توظيف واستثمار هذه القوة في التغيير الثقافي والاجتماعي والسياسي الهادف الى اقامة الدولة الحضارية الحديثة. ولا تدخل هذه الفكرة في الجدل القديم حول فصل الدين عن الدولة، او عدم الفصل بينهما ، لان هذا ليس هو موضوع الدعوة؛ انما موضوعها بناء منظومة القيم التي تتطلبها الدولة الحضارية الحديثة باستخدام كل المصادر المتوفرة بما فيها القران.

ولهذا تزامنت دعوتي الى اقامة الدولة الحضارية الحديثة مع الدعوة الى الفهم الحضاري للقران الكريم. ويستهدف الفهم الحضاري للقران، من بين امور اخرى، استخراج منظومة القيم الحضارية في القران وتوظيفها في بناء منظومة القيم العليا التي تحف بالمركب الحضاري وتتطلبها عملية اقامة الدولة الحضارية الحديثة في العراق. وهذه ليست دعوة دينية، بمعنى ان هدفها ليس اسلمة الناس، كما انها ليست سياسية بمعنى ان هدفها ليس اقامة الدولة الاسلامية، وانما هي دعوة حضارية بمعنى ان هدفها بناء منظومة القيم الحضارية العليا اللازمة لبناء الدولة الحضارية الحديثة. 

وتواجه هذه الدعوة بعض العقبات والتحديات منها: 

 اولا، ان القران كتاب قديم، نزل على صدر النبي محمد قبل اكثر من ١٤٠٠ سنة. ويتمتع بقدسية استثنائية خاصة كونه الطبعة الاخيرة لكلام الله. 

ثانيا، وعلى مدى ١٤ قرن اتسعت مساحة الخلاف والاختلاف حول فهم وتفسير القران، وهذا ما يمكن ان ينعكس بدوره على الدعوة الى الفهم الحضاري للقران.

ثالثا، ان القران يحتوي اضافة الى القيم الحضارية التي اركز الحديث عنها، على منظومة تشريعية خاصة في مجال العبادات والأحوال الشخصية ، يكثر ويتعقد الخلاف والجدل بشأنها. وهي بطبيعة الحال خارج نطاق الدعوة الى منظومة القيم العليا المذكورة. لكن بعض المتلقين يخلط بين منظومة القيم ومنظومة الاحكام بالقفز على حقيقة الاختلاف في الوظيفة والطبيعة والاختصاص بين المنظومتين الامر الذي يستدعي توضيح هذا الاختلاف. ويمكن تلخيص هذا الاختلاف كما يلي:

اولا، القيم مفاهيم، و القيم مصاديق.

ثانيا، القيم اهداف، و الاحكام وسائل تنفيذية . 

ثالثا، القيم عامة، و الاحكام خاصة.

رابعا، القيم مطلقة، و الاحكام نسبية.

خامسا، القيم غير خاضعة للزمان والمكان، و الاحكام خاضعة للزمان والمكان.

سادسا، القيم ثابتة، و الاحكام متغيرة.

ربما تطلب الامر ان اعود الى هذه الفروقات والشرح التفصيلي اذا تطلب الامر ذلك. لكني سوف استمر بالتركيز على المحتوى القيمي في القران لان هذا هو موضع الحاجة الماسة في المجتمع العراقي من جهة، وعملية بناء الدولة الحضارية من جهة اخرى.

اضف تعليق