q
إنَّ الطبقة المتخمة والاستثنائية في كل شيء والتي تتحكم بإدارة البلاد، لا بدّ ان تدرك بأن هذه المسافة بين موقعها الأعلى والطبقة الاجتماعية في موقعها الأدنى.. من شأنها ان تجعل هذا الحال يصل إلى منطقة لا تفضي إلى نتيجة ولا تؤدي إلى قرار وعندئذ سيكون من الصعب إيجاد حلول...

هذه المسافة شاسعة، وقياسها بمقاييس الواقع لا تفضي إلا إلى مزيد من المسافات التي تتجاوز الأفق!

كيف..؟ لقد أعددنا ميزانية ثلاث سنوات بمعنى أننا بلد ثري ولنا القدرة على التخطيط لثلاث سنوات لاحقة، وان موقعنا المتقدم في الثروة النفطية؛ يجعلنا ندرك ان العراق مقبل على حياة سعيدة آمنة ومستقبل باهر. إلّا أن كل الوقائع المحيطة بنا، تجعلنا لا نطمئن إلى هذا المستقبل المنشود.. بدليل ان العراق ما زال يعاني من المديونية، وعدم استقرار الوضع الاقتصادي والأمني..

صحيح أنّ بغداد وعدداً من المحافظات؛ شهدت سلسلة من الإجراءات الخدمية السريعة، الا انها تواجه ثقلا متراكما عبر عقدين من الزمن.. وهو الامر الذي يتطلب المزيد من الاقدام في تشخيص الأهم وتقديمه على المهم.

إنَّ وجود وزارات للري وأخرى للموارد المائية وثالثة للزراعة؛ تجعلنا نتساءل: أليس بمقدور العراق ان يوفر ماء نقيا لأبنائه وان يخطط لزراعة ما يأكله؟.

ووجود وزارة للتجارة تعجز عن توفير سلة غذائية (تموينية) غنية.. ألّا نحتاج إلى وزارة للتموين وليس للتجارة.. تلك التجارة التي يلعب بها تجار البلاد كما يشاؤون وكما يرغبون في التلاعب بقوت الشعب؟ ووجود وزارة للعمل والشؤون الاجتماعية، لا تتنبه إلى هذا الكم من المتسولين الذي يملأون الأسواق والشوارع، الى جانب شبيبة تعمل عند تقاطع الشوارع وتستجدي عن طريق عمل عابر لا يليق بهذا العمر الشبابي الذي يفترض ان ينتج في ظل صناعة غائبة أصلا. ثم.. لم تتنبه وزارة التربية والتعليم إلى أنها باتت وزارة عاجزة عن تعليم أطفالنا فضلا عن غياب توجيههم تربويا..

معلمون ومدارس أهلية.. يمتصون الدخل المتواضع للعائلة العراقية، ولا علينا من العوائل المتخمة التي تعلم أبناءها في أفخم المدارس داخل العراق وخارجه!.

واكاديميون ينامون على شهادة كسلى لا ترقى بأصحابها.. فكيف ترقى بالأجيال الشابة التي يراد لها أن ترقى بها..!؟.

تعليم عالٍ ..لا يعلو بعقول الناس؛ ليس تعليماً

وبحوث علمية؛ لا تجرب ولا تحلل.. لا تشكل إضافة.. وانما تستهلك المستهلك؛ هي بالنتيجة بحوث بلا علمية ولا خبرة، وهذا ما نتبينه من خريجين في الطب مثلا لا يحسنون أبسط قواعد وقسم ابقراط!

المسافة تمتد إلى ما لا نهاية، بين شعب يتوسّل قوته وأمنه، وفئة منشغلة في ابتكار الأزمات والاستئثار بحكم البلاد والعباد.

إذن... ما جدوى الانتخابات التي تنفق عليها الأموال وهي عاجزة عن التغيير!. أليس من أولى مهام هذه العملية ان تشهد تغيرا في أسلوب العمل ان لم تسهم في تغير مهام الأشخاص الذين يفترض ان يناط بأفضلهم أسلوب الحياة والعمل معا.

المسافة تتسع، وتصبح مسافات تفصل بين شعب يعاني من الجوع والحرمان والفاقة والجهل والمرض والامية؛ وبين نخبة محدودة العدد، ترى انها المؤهلة وحدها على قيادة زمام الأمور..

فليكن، لا احد ينافس على من يريد ان يعمل.. المنافسة تقوم على من يعمل بجد واتقان ومعرفة، وبين من لا يعمل ولا يسمح لسواه ان يعمل!! هنا تكمن المشكلة، ومن ثقلها تصبح الحياة سقما وفسادا ورعبا.. ولا من عاقل يعقل، ولا من يصغي إلى خطاب العقل!

فإلى أين نسير وإلى أين سنصل بهذا الواقع المليء بالمرارة؟

هل سنظل ننتظر انتخابات جديدة لا تؤدي إلى التغيير؟!

إنَّ الطبقة المتخمة والاستثنائية في كل شيء والتي تتحكم بإدارة البلاد، لا بدّ ان تدرك بأن هذه المسافة بين موقعها الأعلى والطبقة الاجتماعية في موقعها الأدنى.. من شأنها ان تجعل هذا الحال يصل إلى منطقة لا تفضي إلى نتيجة ولا تؤدي إلى قرار.. وعندئذ سيكون من الصعب إيجاد حلول وذلك عندما تتقاطع الطرق وتتصادم الإدارات وتتصارع المصالح.

عندئذٍ ستتسع المسافات وتنكسر الثوابت.. لتسود الفوضى التي تأكل الأخضر واليابس معا.. وهذا ما لا يريده أي عراقي يحب وطنه ويتفانى من اجله ويذود عنه بنور عقله وهدى طريقه الآمن والمنتظر.

..........................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق