q
ان الأمل المشحون بالعمل على صعيد الواقع هو الذي يقرّب الناس من مفاتيح الحلول لأزمات مستعصية كالتي نعيشها في العراق، عندما يدركوا بحواسهم وبعقولهم كيف يؤثر الأمل في عملية تغيير واقعهم من خلال الاستفادة من التجربة الديمقراطية، فلا يتوقفوا عند تبني هذا المرشح السياسي أو ذاك...

هنالك اعتقاداً يحلل سيكولوجية الانسان العراقي ذو النزعة التدمرية ويُحيله الى جذوره الحضارية، و توثب الماضين نحو الابداع والعطاء منذ فجر التاريخ، فالشجاعة، والكرم، والعمل الجاد من سمات العراقيين الأوائل ممن سبقوا الآخرين في ترك بصمات عميقة في مسيرة العلم والمعرفة والأخلاق والأدب، تحولت فيما بعد الى نماذج رائعة وعملية تصلح لأن تستفيد منها سائر الشعوب.

فالذين طوروا علوم الهندسة والطب والفلك والكيمياء كانوا يحملون معهم خصلة التمرّد على واقع الكسل والتشاؤم والتخاذل في اوساطهم الاجتماعية، بل حتى حركات الإصلاح السياسي التي تفجرت بوجه الحكام الأمويين والعباسيين على شكل ثورات مسلحة مرتبطة بمبادئ مقدسة، هي الاخرى كانت صورة من تلك السيكولوجية العراقية في هذه البقعة الجغرافية قبل ان تحدّها الحدود المصطنعة.

فأن لا نقبل بالواقع الموجود، ونطمح للأفضل، هو دليل سلامة التفكير، بيد أننا نحتاج الحلقة التالية والأهم؛ سلامة النفس لتخلق من هذا التفكير واقعاً ايجابياً يتنسّم فيه الناس السعادة والاستقرار من خلال الإرادة والثقة بالنفس والأمل.

والعراق اليوم؛ وبعد أن خرج من واقع سلبي مرير سُجن فيه قرابة قرن من الزمن، يسعى للتغيير مستفيداً من رصيده الحضاري العظيم، الى جانب تجارب الآخرين، وهي تُعد من الفرص التاريخية امامه، فهو يمتلك رصيد الدين، و رصيد العلم، ثم تعرف على النظرية الديمقراطية في الحكم مؤخراً لتكون وسيلة لمعالجة فيروس الديكتاتورية السياسية، ثم نقلت عدواها الى المجتمع، فأصبحنا نلاحظ الديكتاتورية في الشارع والسوق والدائرة الحكومية وحتى داخل الأسرة، مما يستوجب الاجراء السريع لتوفير كل مستلزمات العلاج، ومنها؛ الانتخابات، وأن يرى المواطن العراقي شخصيته و طموحاته وآماله بالخلاص في صندوق الاقتراع، علماً أن الانتخاب والاختيار ليست فكرة جديدة، بقدر ما نجد جذورها في التراث الديني، وقد كتب الباحثون الكثير حول "الشورى في الاسلام"، وحق الانسان في اختيار من يحكمه، وإن كان ثمة تعيين من جهة عليا، فان له الحق بعزله إن حصل منه قصور او انحراف عن المهام الموكلة اليه.

المطلوب التنظير للحل

ثمة من يتحدث بأن الحلول كلها بيد أرباب القوة السياسية والمالية، أما المواطن العادي المنتمي الى الشريحة الأوسع في المجتمع فانه يخضع للتأثير أكثر مما يعتقد بإمكانية انتقاله الى مرتبة المؤثّر، ومن ثمّ؛ فلا فائدة من الأمل والثقة بالنفس لأن مفاتيح الحلول ليست بيده، وهذا التصور العالق في الاذهان لا يصمد أمام حقائق واقعية ليس أقربها الانتخابات وحاجة المرشحين المالكين للمال والسلطة والنفوذ لبصمة كل فرد عراقي، حتى وإن كان أميّاً، على شكل الكيان السياسي، ثم على رقم المرشح لتتحول مجموع البصمات الى أرقام تمكن هذا او ذاك من دخول مجلس المحافظة او مجلس النواب، ثم الوصول الى المناصب العليا في الدولة.

فما الذي يمنع البعض من مساعدة الناس على استحصال هذا المفتاح السحري والتمكّن من التأثير على القرار السياسي والمشاركة في إصلاح أوضاعهم؟ و لي أن اسأل عن سبب اختيار البعض من النخبة المثقفة في أن "يتفلسفوا للتأخير فكرياً، ولا يتخذون خطوات عملية، وبذلك يتأخرون عملياً"، كما يصف الحالة؛ المرجع الديني الراحل السيد محمد الشيرازي في كتابه؛ "كل فرد حركة وفلسفة التأخر؟ ربما يتذرعون بوجود صفات وحالات سلبية موجودة بالفعل في الواقع الاجتماعي مثل؛ الكسل، والاستعلاء، والعجز، واللامسؤولية، بيد أن هذا الواقع هو بحد ذاته يمثل استحقاقاً ثقافياً أمام النخبة لأن يشمّروا عن سواعدهم لنشر الوعي وصناعة الثقافة الايجابية ضمن خطوات المعالجة لهذه الحالات التي هي بالحقيقة، حالات انسانية نراها في بقاع أخرى من العالم، بل ونجد ما هو أمرّ وأدهى منها.

الأمل المملوء بالعمل

ما نتحدث عنه من مفاتيح الحل المتبعة في الدول النامية والمتقدمة، يبدو أنها في العراق محكومٌ عليها بالبقاء كلمات براقة في رقاع الشعارات الحزبية، ومن ثم تحولها الى وعود معسولة على لسان المتمرنين في السياسة والحكم حديثاً، مما كرّس الاعتقاد بعدم جدوائية إثارتها، فضلاً عن نشرها كثقافة بين الناس، حتى لا نكون مساهمين في أعمال التغرير والتضليل، بل والتخدير ايضاً!

ولكن ينسى البعض للأسف؛ أن الدوافع الايجابية في النفوس تستقطب معها –بالضرورة- التطبيقات العملية، وحتى لا نستطرد كثيراً، حريٌ بنا الإشارة الى أن النخبة المثقفة نفسها هي في مقدمة المطالبين بمصاديق عملية لهذه الدوافع والحالات الايجابية –كما يفترض- مثل الأمل، والثقة بالنفس، وقيم أخلاقية وانسانية اخرى، ومن هذا الصف المتقدم في التطبيق العملي، سنجد التحفّز لدى عامة الناس بأن يكونوا هكذا، ويجربوا السمو بها في سماء النجاح والتفوق.

ولمن يراجع عوامل نمو واستفحال الديكتاتورية في العراق، نجدها في إبقاء الناس أقرب من الأوهام الجمود العاطفي والفكري، الى تفعيل القيم الايجابية في واقعهم المعيشي، وتجسيد الأمل والثقة بالنفس في سلوكهم، مما يفتح امامهم احتمالات التغيير التي يخشاها الديكتاتور في كل زمان ومكان.

وعليه؛ فان الأمل المشحون بالعمل على صعيد الواقع هو الذي يقرّب الناس من مفاتيح الحلول لأزمات مستعصية كالتي نعيشها في العراق، عندما يدركوا بحواسهم وبعقولهم كيف يؤثر الأمل في عملية تغيير واقعهم من خلال الاستفادة من التجربة الديمقراطية، فلا يتوقفوا عند تبني هذا المرشح السياسي أو ذاك، بل التقدم خطوة اخرى نحو المتابعة بالبحث والمناقشة لتقصّي اخبار الفائزين في الانتخابات، و اين وصلوا في وعودهم وبرامجهم الانتخابية الهادفة الى معالجة مشاكل الخدمات، والعمل، وتحسين الوضع المعيشي.

اضف تعليق