q
يبقى المواطن وحده هو صاحب القرار المؤثر في وجود هذا أو ذاك في مجلس المحافظة او مجلس النواب، فوجود اعداد كبيرة من المرشحين يتيح له فرصة الاختيار الصحيح لمن هو أكثر حظاً في نجاحه باختبار السلطة بينه وبين نفسه، قبل نجاحه في اختبار مقبولية الناس له يوم الأدلاء بالأصوات في صناديق الاقتراع...

الانتخابات تجربة ديمقراطية جميلة تقابلها تجربة مريرة وسيئة بصعود أشخاص فاسدين بمراقي هذه الانتخابات و تبوء منصب "نائب" عن المواطن الذي أدلى برأيه في صندوق الانتخابات، وهذه ظاهرة ليست جديدة، بل هي ملاصقة بالتجربة الديمقراطية في جميع انحاء العالم، لاسيما العالم الغربي الأقرب الى هذه التجربة في الحكم، وليس الأمر مقتصراً على العراق فقط، فهل البرلمانات في اوروبا واميركا واستراليا واليابان تعبّر دائماً عن هموم الجماهير هناك؟ مع الفارق في آليات التطبيق، ورؤية المجتمعات هناك إزاء نظريات الحكم وعلاقتهم بمن ينتخبونهم ويتحولوا على نواب في الانظمة البرلمانية، او رؤساء جمهورية في الانظمة الرئاسية.

عندما نتحدث عن فاسدين في مؤسسات الدولة بالعراق، إنما نتحدث عن بشر هم بالحقيقة جزء من المجتمع العراقي، فالوزير والمدير والنائب والرئيس هو فرد بين أفراد هذا المجتمع، كان فيما مضى من الزمن انساناً عادياً، يبحث عن قوت يومه من الصباح وحتى المساء كموظف حكومي، او صاحب مهن حرة، ثم تحول الى انسان (مسؤول) يفترض ان يوسع نطاق تفكيره واهتمامه بعدد غير قليل من الناس، هم جمهوره الانتخابي، ومن ثمّ؛ سائر الناس في مدينته (مجلس المحافظة)، او في بلده (مجلس النواب)، فاذا برزت للعيان رغبته بالتملّك والتسيّد، وهو خلف مكتب النائب، فانه بالحقيقة يعبّر عن رغبة كامنة في نفس أي انسان آخر، بل ويعبر عن مكنوناته قبل فوزه بالانتخابات، وهذا هو الاختبار العسير على مر الزمن لمن يروم تبوء منصب حكومي في الدولة، ولا يعني هذا بأي حال من الاحوال تبرير فساد "المسؤول" لمجرد تحكمه بمقاليد الأمور، إنما هي حقيقة الانسان، فمن الصعب وجود السياسي الورع والمتّقي والمُخلص في زمن اتفق الجميع على تنحية الأخلاق والدين عن العمل السياسي.

يبقى المواطن وحده هو صاحب القرار المؤثر في وجود هذا أو ذاك في مجلس المحافظة او مجلس النواب، فوجود اعداد كبيرة من المرشحين يتيح له فرصة الاختيار الصحيح لمن هو أكثر حظاً في نجاحه باختبار السلطة بينه وبين نفسه، قبل نجاحه في اختبار مقبولية الناس له يوم الأدلاء بالأصوات في صناديق الاقتراع، لاسيما الوجوه الجديدة ممن أعلنت عن تحملها مسؤولية تمثيل الناس في مؤسسات الدولة والدفاع عن حقوقها والتعبير عن همومها وتطلعاتها.

لنفترض أمامنا خمسين مرشحاً معروفاً بالفساد، وفاقداً للأهلية والكفاءة بين حوالي مائتي او ثلاثمائة مرشح في احدى المحافظات على سبيل المثال، وكانت المشاركة ثمانين بالمئة –كنسبة عالية- فمن المؤكد تنحسر حظوظ أولئك الفاسدين باحتمال حصول آخرين على أصوات الناخبين، بينما مقاطعة نسبة سبعين بالمئة –مثلاً- للتصويت والمشاركة بالانتخابات سيقدم هدية دون مناسبة للفاسدين الضامنين صعودهم من خلال جمهورهم المدفوع الثمن.

وثمة رؤية أراها دقيقة من مطلعين على الوضع السياسي تحمّل –بعض- الاحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات مسؤولية عزوف الناس عن المشاركة بنشر الروح السلبية إزاء التجربة الانتخابية من خلال أعمال التسقيط الفاحشة على مواقع التواصل الاجتماعي، بدلاً من تعميق الثقافة الديمقراطية، وتنضيج تجربة الانتخاب والاختيار، والحديث عن مسؤولية النائب أمام من ينتخبه وأمام سائر افراد الشعب.

وهذا يستدعي خطوة ذكية و استباقية من المواطن لتحميل المرشحين المسؤولية الأخلاقية والقانونية بالمشاركة الواسعة في انتخابات مجالس المحافظات مع العلم بعدم تطبيقها للتجربة الديمقراطية بمستويات عالية، لكن؛ "ما لا يُدرك كله لا يترك جلّه"، وعدم الانتقام من نفسه بسبب ما ارتكبه الفاسدون من مظالم وانحرافات خطيرة، فالتغيير لن يتحقق بتحول الفاسد الى انسان ملتزم بالقيم الأخلاقية والانسانية والدينية بين ليلة وضحاها، بينما الاختيار الصحيح للناخبين هو الذي يصنع التغيير بتحجيم ساحة هؤلاء الفاسدين وصعود أسماء جديدة يتم تحميلها مسؤولية عدم تكرار أخطاء الماضين، بل سيكون اختيارهم حافزاً كبيراً لهم في خلق نموذج جديد للناس يسعى لتقديم أداء أفضل في مجال الرقابة على دوائر ومؤسسات الدولة الخدمية والأمنية والقضائية والثقافية بما يحقق طموحاتهم، فضلاً عن تلبية حقوقهم التي طالما انتهكت في السنوات الماضية.

اضف تعليق