q
يمكن القيام بذلك بعدَّة طرق. كانت الطريقة الأكثر شيوعًا هي «إزالة التحسُّس المنهجية» أو «العلاج بالتعرُّض التدريجي»، وهو شكلٌ من أشكال «الارتباط الشرطي المضاد» تَستخدم هذه الطريقة «التثبيط المتبادل»؛ حيث تُثَبَّط استجابةٌ ما لأنها تتعارض مع استجابةٍ أخرى. في حالة الرُّهاب، الخوف ينطوي على القلق، والقلق يتعارض مع الاسترخاء...

في ستينيات القرن الماضي، بدأ المعالجون في استخدام هذه الأساليب لمساعدة المرضى في التغلُّب على مخاوفهم. كانت مهمة العلاج هي مساعدةَ المريض في إنشاء استجابةٍ جديدة، لا يخشى معها المثير الذي كان يخشاه سابقًا.

 يمكن القيام بذلك بعدَّة طرق. كانت الطريقة الأكثر شيوعًا هي «إزالة التحسُّس المنهجية» أو «العلاج بالتعرُّض التدريجي»، وهو شكلٌ من أشكال «الارتباط الشرطي المضاد» الذي طوَّره الطبيبُ النفسي الجنوب أفريقي جوزيف وولب، في خمسينيات القرن الماضي. تَستخدم هذه الطريقة «التثبيط المتبادل»؛ حيث تُثَبَّط استجابةٌ ما لأنها تتعارض مع استجابةٍ أخرى.

في حالة الرُّهاب، الخوف ينطوي على القلق، والقلق يتعارض مع الاسترخاء. ولذا، تُستخدم مهارات الاسترخاء لتثبيطِ استجابة القلق. تَستخدم إزالة التحسُّس المنهجية الازديادَ التدريجي للتعرُّض الذي استخدمته جونز مع بيتر. هذا يعني جَعْل المريض يضع تسلسلًا هرميًّا للمواقف التي يخشى منها، بدءًا من المواقف التي من شأنها أن تزعجه قليلًا، وتعريضه لها تدريجيًّا حتى الوصول إلى المثير الرُّهابي، أو أكثر المواقف التي يخشى منها.

 في البداية، يُعرَّض المريضُ للمثير الباعث على القلق عند مستوًى منخفض، ويُحافَظ على هذا المستوى من التعرُّض حتى يقلَّ الخوف؛ نتيجةً لكلٍّ من التثبيط المتبادل و«الاعتياد»، وهو التراجع الطبيعي للاستجابة للمثير الذي يُقدَّم للشخص بشكلٍ متكررٍ من دون تغيير (على سبيل المثال، كيف نتوقَّف في النهاية عن ملاحظة أزيز ثلاجةٍ جديدةٍ أو دقَّات ساعةٍ جديدةٍ ونعتاد الأمر)، بحيث يتبدَّد القلق بمرور الوقت.

 بمجرد أن يُقلَّل القلقُ بشكل كبير، يمكن تعريض المريض إلى نسخةٍ أكثرَ قوة من المثير. تستمرُّ هذه العملية إلى أن يختفي شعور المريض بالقلق. يمكن أيضًا دمجُ هذا التعرُّض المتدرِّج مع الاسترخاء، لتسريع عملية الاعتياد باستخدام التثبيط المتبادَل أيضًا.

مثال على تسلسل هرمي لرُهاب العنكبوت
الموقف                           تقييم القلق
عنكبوت كبير يزحف على رقبتي       ١٠٠
عنكبوت كبير على ذراعي             ٩٥
عنكبوت كبير على ساق بنطالي       ٩٠
عنكبوت متوسط على وجهي ٩٠
الإمساك بوعاء زجاجي مفتوح به عنكبوت كبير ٧٠
عنكبوت كبير طليق في الجانب الآخر من الغرفة ٦٥
الإمساك بوعاء زجاجي مغلق به عنكبوت كبير  ٦٠
الإمساك بوعاء زجاجي مفتوح به عنكبوت متوسط الحجم  ٥٠
عنكبوت صغير على رقبتي  ٤٠
عنكبوت صغير على يدي    ٣٥
مشاهدة فيديو لعناكب كبيرة  ٣٥
مشاهدة صور عناكب كبيرة  ٢٥
التفكير في العناكب أو الحديث عنها    ٢٠

في حين أن إزالة التحسُّس المنهجية شكلَّت تقدمًا كبيرًا في علاج الرُّهاب، فإنها لا تخلو من التحديات. قد يعاني المرضى في سبيل تنفيذ استراتيجيات الاسترخاء أو الاستفادة منها، أو في سبيل الوصول إلى تنبؤاتٍ دقيقةٍ حول مستوى القلق الذي سيشعرون به في موقفٍ معيَّن. علاوةً على ذلك، ليسَت كل أنواع الرُّهاب قابلةً لتطبيق التعرُّض المتدرِّج بطريقةٍ يمكن التحكُّم فيها، كرُهاب العواصف الرعدية أو الحيوانات التي قد تتصرَّف بشكلٍ غير متوقَّع. وبعض أنواع الرُّهاب، مثل رهاب الطيران، يصعب تقسيمها إلى خطواتٍ متساوية الحجم.

 في مثل هذه الحالات، يمكن استخدام التعرُّض التخيُّلي أو الافتراضي بدلًا من ذلك. لقد ثبَت أن استخدام الواقع الافتراضي فعَّالٌ في علاج الخوف من الطيران. طوَّر عالِمُ النفس السريري لارس-يوران أوست جلسةَ علاجٍ واحدة للرهاب، حيث يحاول كلٌّ من المريض والمعالِج العملَ على التسلسل الهرمي للمريض في جلسةٍ واحدةٍ (عادةً نصف يوم). ولهذا الأمر مزاياه العملية (على سبيل المثال، عدم الاضطرار إلى الاحتفاظ بالعناكب لعدة أسابيع)، ووجدَ أوست أن «٩٠ في المائة من المرضى قد تحسَّنوا كثيرًا أو تعافوا تمامًا بعد متوسط ١,٢ ساعة من العلاج». في بعض الحالات، تعاونَ علماءُ النفس مع شركات الطيران التجارية؛ لتقديم دوراتٍ تدريبيةٍ قائمة على التعرُّض لعلاج الخوف من الطيران.

استُخدِمَت مبادئ الارتباط الشرطي الكلاسيكي عَبْر مواقف مختلفة، بدايةً من الإعلانات عن السيارات والمشروبات الكحولية، إلى حماية الأنواع المهدَّدة بالانقراض أو الماشية. لمنع الأسود من افتراس الماشية، تُعْطى لحوم بقر مضافًا إليها موادُّ كيميائية تسبِّب الغثيان. سيؤدي هذا إلى توليد نفور من لحم الأبقار لدى الأسود؛ لأنها ستربطه باستجابةٍ بغيضة (الغثيان). وبالمثل، غالبًا ما يتضمَّن الإعلان عن السيارات أو المشروبات الكحولية عارضاتِ أزياء جميلات. أظهرت الأبحاث أن الرجال الذين شاهدوا إعلانًا عن سيارة يتضمَّن امرأةً جميلة؛ قيَّموا السيارة لاحقًا على أنها أسرع وأكثر جاذبية، وأفضل تصميمًا من الرجال الذين شاهدوا الإعلان عن نفس السيارة من دون المرأة الجميلة. وبالمثل، تسارع وكالات الدعاية والإعلان إلى إلغاء العقود مع المشاهير الذين تعرَّضوا لتشويه السمعة؛ وهذا لأنهم لم يعودوا مرتبطين بدلالاتٍ أو مشاعر إيجابية.

* مقتبس من كتاب (العلاج السلوكي المعرفي: مقدمة قصيرة جدًّا)، لمؤلفه فريدا مكمانوس، مترجم من قبل مؤسسة هنداوي 

اضف تعليق