قد أكون من بين المتضررين، لا ضير، فاذا كان جارك بخير لابد أن يطولك من خيره شيئا، هكذا يقول العراقيون، فليس من الحكمة الاستئثار بالمكاسب والتغافل عن حقوق الآخرين، او الاستحواذ بعلاقاتك ونفوذك على كل ما يتاح لك، بينما تتلوع الناس من حواليك، ولا سبيل أمامها للحصول على جزء يسير مما نلته...

قد أكون من بين المتضررين، لا ضير، فاذا كان جارك بخير لابد أن يطولك من خيره شيئا، هكذا يقول العراقيون، فليس من الحكمة الاستئثار بالمكاسب والتغافل عن حقوق الآخرين، او الاستحواذ بعلاقاتك ونفوذك على كل ما يتاح لك، بينما تتلوع الناس من حواليك، ولا سبيل أمامها للحصول على جزء يسير مما نلته. من حقك توفير حياة هانئة ومستقبل آمن لأطفالك، لكن يجب ألا يكون ذلك على حساب عوائل تكابد أشد المكابدة في تأمين قوتها، وامتهنت بسبب قساوة ظروفها ما لا يناسبها، ومنه ما يهدر كرامتها.

أتحدث عن اولئك الذين تمكنوا بنفوذهم وشبكة علاقاتهم ومعارفهم من أصحاب المعالي وما دونهم من تعيين أكبر عدد من أبنائهم وأقاربهم في القطاع الحكومي، بينما لم تتمكن عوائل أخرى من الحصول على وظيفة واحدة على مدى عقود بالرغم من ان لها العديد من الأبناء من الخريجين وغير الخريجين، ما أجبرهم على العمل في القطاع الخاص غير الآمن والمزاجي والظالم في غالبه من حيث الأجور وعدد ساعات العمل.

ينتاب هذه العوائل شعور بعدم العدالة في توزيع فرص العمل بالقطاع الحكومي، وما يخلفه هذا الشعور من ضغائن وأحقاد في نفوسها ازاء من استأثروا بتلك الوظائف، وما أخطر الشعور بعدم عدالة الدولة، فهو من أهم عوامل تراجع الانتماء الوطني.

ثمة عوائل أعرفها، غالبية أفرادها موظفون حكوميون، ما يعني انهم ينعمون باستقرار مالي يتيح لهم رفاهية مفرطة، بينما ترزح عوائل أخرى في فقر مدقع، وهذه الحال تخلق فوارق طبقية تقود الى صراعات مجتمعية، منها ما هو خفي، ومنها يتمظهر بسلوكيات عدوانية بتنا نراها بوضوح في الشارع.

ان جانبا من حرص الناس الشديد للحصول على وظيفة في الدولة يكمن في ان مستقبل العمل بالقطاع الخاص غير مضمون كما هي الحال في القطاع الحكومي، وعدم قدرة الحكومة على ضبطه على بساطة الفاعل منه، قطاع غير مستقر، والمهم منه غير مفعّل بحيث يكون قطاعا ساندا ومكملا للقطاع الحكومي، لذلك وصل الأمر بالكثير الى دفع أموال طائلة وبالدولار للمتنفذين والسماسرة الذين يدعون انهم قادرون على توظيف أبنائهم في القطاع العام، وبين هذا وذاك يدخل على الخط نصابون يحتالون على الفقراء الذين استدانوا هذه المبالغ الضخمة، لأن يقينا راسخا في نفوس المواطنين يذهب الى ان الفوز بوظيفة عامة بالطريق الشرعي يكاد أن يكون معدوما، وان الأمور لا تمشي الا بالوساطة او الفلوس، ومع ان التعميم غير صحيح بالمطلق، لكن هذا ما نسمعه من الجميع.

أظنه أمرا مثاليا غير قابل للتجسيد الواقعي أن يرفض ممن لديه أكثر من موظف في الدولة تعيين المتبقين من أبنائه او أقربائه، ويؤثرون غير المعينين على أنفسهم، بل التعيينات من وجهة نظرهم فرصة يجب اقتناصها.

والانسان طماع بطبعه، وطالما الأمر هكذا على الحكومة أن تأخذ ذلك بحسبانها، وأن تضع معايير للتعيينات غير قابلة للاختراق ومن شأنها تحقيق العدالة، وأولها في المرحلة الراهنة اقتصار التعيينات على أبناء العوائل المشمولة بالرعاية الاجتماعية، وهي عوائل ليس لها مصدر رزق سوى معونات الدولة، وتعيين هؤلاء يعني ان الراتب الممنوح لهم سيكون مقابل خدمة وليس هبة، وان المعونات التي ستُقطع منهم يُستفاد منها لدعم محتاجين آخرين، وتطبيق هذه العملية سهل لأن قاعدة البيانات متوافرة.

كما يمكن اعتماد الحالة الاجتماعية معيارا، بمعنى ان الأولوية للمتزوجين، بحكم المسؤوليات الاجتماعية المترتبة عليهم، ثم عوائل الشهداء الذين ليس لديهم موظف في الدولة، وبالنسبة للخريجين فمعيار القدم في سنة التخرج مهم للغاية، فمن غير المعقول أن يُعين شخص لم يمض على تخرجه سنة واحدة على حساب شخص تخرج قبل عشر سنوات. وأظن ان الضرورة تقتضي محاسبة مدراء الدوائر الذين لديهم أكثر من موظف في دوائرهم من أبنائهم او من الذين يمتون بصلة لهم من الدرجة الثانية، لأن بعض دوائرنا تحولت الى عوائل.

.....................................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق