q
ان قدرنا يحكم بالعيش سوية على هذه الأرض، فقدرنا ثابت ولن تغيره الحوادث مهما كانت، وهو القدر النعمة التي يجهل البعض عظمتها، فجمال بلادنا بألوانها الاجتماعية المتعددة، وهي مكمن قوتنا ومنهل ابداعنا، وبها تكتمل صورة العراق، وعلينا استيعاب هذه الحقيقة غير القابلة للجدل والنقاش...

لا أدري بالضبط ما الذي دعا اعلامي معروف يعمل في مؤسسة حكومية مهمة للحديث عن موضوع تقشعر منه الأبدان وتنبذه العقول، وفي هذه الأيام الرمضانية المباركة تحديدا، ربما حدث أمر لم أعلم به، او قد يكون من مخلفات اللغط الذي حدث عن مسلسل (عالم الست وهيبة).. لقد أثارني (البوست) الذي نشره في صفحته على الفيسبوك ودعا فيه الى عدم تحميل الأمور أكثر مما ينبغي، ويقصد أسماء الأشخاص التي تحاكي رموزا دينية وتاريخية، لكونها بالأصل لا تنطوي على حمولات ذات أبعاد طائفية او من شأنها غرس الأحقاد في النفوس، وانما جاءت بتأثير منظومة القيم والموروث الاسلامي السائدين في مناطق العراق الملونة مذهبيا ودينيا وقوميا .

بالتأكيد أضم صوتي لصوته في هذا المعنى، فهي أسماء شائعة في بلادنا، وان تركزت في رقعة جغرافية وخفت في أخرى، فأسماء مثل حسن وحسين وعلي موجودة في مناطقنا الغربية، وعمر وعثمان ومروان في مناطقنا الجنوبية، ومثل هذه التسميات موجودة في مناطقنا الكردية أيضا.. ومع ان جل هذه الأسماء لا تحمل بعدا طائفيا، او تعبر عن تطرف مذهبي، وانما هكذا اعتادت الناس على تسمية أبنائها، كما فعل الأسلاف في عصور سابقة، حتى وان جاءت هذه الأسماء اعتزازا برموز دينية وتاريخية كان لها سفر مشهود في ماضينا، فهي لا تعني كراهية الآخر المختلف مذهبيا. 

لذا لابد من التوعية بعدم البناء عليها، فمن شأن هذا البناء تمزيق النسيج الاجتماعي وتهديد مستقبل الأجيال الحاضرة والقادمة، وهذه الجوانب أشار لها الكثير من المراجع الدينية والمفكرين الاسلاميين، ولعل رجل الدين قد أولاها اهتماما كبيرا، وفصل فيها بما لا يدع مجالا لأحد أن يضيف جديدا .. ومع ذلك لا يمكننا نفي ان الآلاف من شبابنا الأبرياء راحوا ضحية هذه التسميات على أيدي المتطرفين الارهابيين، ولا سيما في السنوات السود التي مرت بالعراق بعد الاحتلال، فصار القتل على الأسماء، وبسببها استشهد شباب من مناطق مختلفة مع انهم ينتمون للمذهب الذي يدين به المجرمون أنفسهم. 

كما أعاقت هذه الأسماء في ذلك الوقت حركة الناس بين مدن البلاد وأحيائها، والوصول الى دوائرهم الحكومية وقضاء مصالحهم وتفقد أقربائهم، وحينها كتبت مقالات عديدة عبارة عن امنيات نشرت في صحف محلية بارزة، تمنيت فيها أن تكون لدينا القدرة على الاستعاضة عن الأسماء بالأرقام في هوية الأحوال المدنية، كما هي الحال في سجلات الجيش التي يطلق عليها بالرقم الاحصائي. 

لكن هذه الأمنية صعبة التحقيق لعدم توافر المستلزمات المطلوبة، كما ان شبكة الانترنيت لم تكن بالاتساع الذي هي عليه اليوم .. ومع مرارة تلك السنوات ونهاراتها الحالكة ولياليها المدلهمة، الا ان الحكومات لم تتخذ أي من الاجراءات التي تحول دون تكرارها في المستقبل، وأرجو الا يعترض أحد بالقول انها لن تتكرر، فكل شيء ممكن مع تواصل المؤامرات التي يتعرض لها العراقيون، وان كان الوعي الجماهيري قد تبلور، وان كانت الطائفية ظاهرة سياسية وليست اجتماعية، وان كان النسيج الاجتماعي من التماسك ما يمنع استمرار الفتن لوقت طويل. 

بدلالة بروز مخالبها بين آونة وأخرى بأشكال بسيطة لا يُستحسن ذكرها ..لعل من بديهيات القول: ان قدرنا يحكم بالعيش سوية على هذه الأرض، فقدرنا ثابت ولن تغيره الحوادث مهما كانت، وهو القدر النعمة التي يجهل البعض عظمتها، فجمال بلادنا بألوانها الاجتماعية المتعددة، وهي مكمن قوتنا ومنهل ابداعنا، وبها تكتمل صورة العراق، وعلينا استيعاب هذه الحقيقة غير القابلة للجدل والنقاش. 

وما زلت أتمنى، مع ادراكي ان البعض سيضحك من أمنياتي، وأنها قد تواجه بالسخرية وربما الاستهجان، وأدري ان حظها من التحقيق معدوم، ومع ذلك أعلن عن واحدة منها: أتمنى لدينا الجرأة لمنع استخدام الأسماء المثيرة للنعرات الطائفية في سجلاتنا الحكومية سواء أكانت للأشخاص او المناطق او الساحات والشوارع بوصفها نافذة تطل منها الفتن، حتى وان اقتصرت هذه النافذة على بيوت الجهلاء.

اضف تعليق