q
الشعب الفلسطيني في غزة، ومعه فصائل المقاومة يؤمنون بالمعادلة الثابتة في الحياة، وهم على صفيح ساخن لواقع الاحتلال والعدوان طيلة عقود من الزمن، فعندما يقومون بأي عمل فإنهم لا يلهون بارواحهم وأرواح أطفالهم، ويغامرون بأمن عوائلهم ولقمة عيشهم، فهي كلها مهددة بالأساس في ظروف الاحتلال الصهيوني، ولذا فإن اي عملية عسكرية يقومون بها هي رد فعل مشروع وطبيعي لسياسات الاحتلال وطريقة تعامله مع الشعب الفلسطيني...

استغرب من رجال يفترض انهم من شريحة المثقفين و رواد الوعي وصانعي الرأي العام في العراق نسيانهم بشكل غريب معادلة ثابتة في الحياة؛ "لكل شيء ثمنه"، وهم يتحدثون عما يجري من مجازر مروعة لأهلنا في مدينة غزّة المحتلة على يد الكيان الصهيوني، موجهين اصابع الاتهام لفصائل المقاومة الفلسطينية ب"تحرشها" بالكيان الصهيوني الغاصب في عملية السابع من تشرين الاول الماضي، وأن عليهم تحمّل مسؤولية الدماء التي تُراق في غزّة بسبب الانتقام الاسرائيلي من تلك الضربة المباغتة والموجعة.

ربما يكون هذا الموقف الذي نراه في بعض وسائل الاعلام، وفي اوساط اكاديمية، نابعٌ من مشاعر الإحراج أمام مشاهد الاطفال وهم بين مقتول يستخرجونه من تحت الانقاض، او جريح يضجّ بالبكاء من الألم، او ذاك الذي ينظر على أمه مسجاة على سرير الموت، ومشاهد مؤلمة لا تُعد، تستدعي مواقف حاسمة لا تقبل الحياد مطلقاً، وهو ما يستصعبه البعض ممن يجد نفسه خارجاً للتوّ من نار الارهاب والموت منذ 2003 وقد أحرز الأمن والاستقرار في بحبوحة من العيش مع وظيفة حكومية وراتب مجزي، مع بعض الامتيازات مثل قطعة الأرض، او السيارة الحديثة بالإقساط وغيرها كثير، تجعله يتحاشى اتخاذ موقف يستشعر نفسياً أنه يتعارض مع وضعه المستقر نسبياً، بينما الحقيقة على الأرض غير هذا مطلقاً، فموقفه المتضامن مع أهل غزّة لن يلحق به ضرراً مباشراً، ولو بعد حين، إن تحدثنا عن اتساع مديات الحرب وانتشار شضاياها في المنطقة.

من الحكمة دائماً إلقاء نظرة الى الخلف لما فيها معرفة مدى التقدم، وحجم الانجاز قياساً بالماضي، ولعل أبرز من تملّك هذه الحكمة؛ بول بريمر، الحاكم المدني للقوات الاميركية المحتلة للعراق عام 2003 عندما قال ذات مرة –إبان توليه إدارة الدولة العراقية- لقد "زرت غرف التعذيب والاغتصاب في سجون النظام الصدامي"، وهو بذلك يذكرنا بالحقبة التي مضت، وتأكيداً لمقولة: "لكي لا ننسى"، لكن يبدو أن هذه المقولة لا مصداقية لها في العراق –على الأغلب- لاسباب كثيرة لسنا بوارد الخوض فيها، بقدر ما يهمنا التذكير بحقيقة تفيدنا، ليس فقط في التعامل مع الاحداث السياسية، بل وفي جميع شؤون حياتنا، مع علمي ويقيني بعدم حاجة الحكماء والعلماء والمنصفين، إنما التذكير فقط، بأن المنجزات الكبيرة لن تتحقق الا بثمن يماثله، فهل استشعر العراقيين الأمن والاستقرار، وتذوقوا طعم الحرية، ثم باتوا ينعمون بحياة مرفهة نسبيا قياسا بالشعوب الأخرى، دون أن يدفعوا ضريبة كل ذلك بالدماء والمعاناة وشظف العيش وحياة القلق والاضطراب؟

نحن نقرأ ونسمع عن الأهداف الكبيرة في الحياة مثل؛ تحقيق العيش الكريم للانسان، من خلال فرص عمل متكافئة، وتوزيع عادل للثروة، وحرية للرأي والعقيدة، وطموحات كبيرة أخرى، فكيف يتحقق كل هذا؟ هل ثمة عصا اعجازية كالتي وهبها الله لبني إسرائيل بوجود نبيهم موسى، عليه السلام، فانقذتهم من فرعون بطشه؟ أم ثمة قوة ذات قدرات خاصة تأتي من الخارج لتنفذ لنا ما نريد؟!

الشعب الفلسطيني في غزة، ومعه فصائل المقاومة يؤمنون بالمعادلة الثابتة في الحياة، وهم على صفيح ساخن لواقع الاحتلال والعدوان طيلة عقود من الزمن، فعندما يقومون بأي عمل فإنهم لا يلهون بارواحهم وأرواح أطفالهم، ويغامرون بأمن عوائلهم ولقمة عيشهم، فهي كلها مهددة بالأساس في ظروف الاحتلال الصهيوني، ولذا فإن اي عملية عسكرية يقومون بها هي رد فعل مشروع وطبيعي لسياسات الاحتلال وطريقة تعامله مع الشعب الفلسطيني، ولا اجدني بحاجة للخوض في التفاصيل السياسية، وكيف ان حركة حماس قبلت بالأمر الواقع في غزة في السنوات الماضية، ولم تتحدث عن تدمير دولة إسرائيل كما هي الشعارات التي طالما تاجرت بها الانظمة السياسية في المنطقة، بل كانوا واقعيين تماما، إنما الغارقون في أوهام القوة والتفوق والهيمنة هم الاسرائيليون، واليوم يدفعون ثمن هذه الأوهام، ثم يفرضون قسطا كبيرا من الصدمة على الاطفال والنساء في غزة في سيناريو مريع لم يشهده العالم منذ عهد هتلر وحربه العالمية.

ان الرؤية المنطقية والموقف المنصف يعد فرصة للقيام بالواجب إزاء شعب لا يطالب سوى بالعيش الكريم أسوة بشعوب العالم، وأن لا تفرض عليه سياسة الذل الخنوع مقابل الأمن والطعام.

اضف تعليق