q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

مقدمة في علم الاقتصاد الحضاري

سلسلة مقالات الجزء السادس

يتعين على الدولة ان تأخذ زمام المبادرة في التنشئة القيمية للافراد، من خلال النظام التربوي والتعليمي الرسمي، بالشكل الذي يشجع الافراد في نهاية المطاف على اتباع السلوك الاقتصادي السليم، بما في ذلك تشجيع روح المبادرة الاقتصادية، والانتاجية بشكل خاص، وتبادل الثقة، والتعاون، والامانة في التعاملات الاقتصادية، والحفاظ على البيئة، و معالجة الجشع والانانية...

يجب ان نتذكر دائما ان علم الاقتصاد الحضاري يدرس كيفية تأثير القيم الحضارية (الاخلاق، الدين، العادات، الثقافة … وكل ما يندرج تحت عنوان الحضارة) على النشاط الاقتصادي (انتاج واستهلاك وتبادل وادارة الخ) للافراد، سلبا او ايجابا. وقلت "الافراد" اتفاقا مع موري روثبارد الذي يقول في كتابه "الإنسان والاقتصاد والدولة": "الحقيقة الأولى التي يتم اكتشافها حول العمل البشري هي أنه لا يمكن القيام به إلا من قبل "الجهات الفاعلة" الفردية.

الأفراد فقط لديهم غايات ويمكنهم العمل لتحقيقها. لا توجد أشياء مثل غايات أو أفعال "المجموعات" أو "الجماعات" أو "الدول"، التي لا تحدث كإجراءات من قبل مختلف الأفراد المحددين. "ليس لدى "الجماعات" أو "المجموعات"وجود مستقل بخلاف تصرفات أعضائها الفرديين".

ان الانسان هو رقم واحد منظومة عناصر الانتاج التي يذكرها علم الاقتصاد السياسي، وهو العنصر الاول في المركب الحضاري الذي يتحدث عنه مالك بن نبي ومحمد باقر الصدر. والامر يدور مدار سلوك هذا الانسان الفرد. وهذا يحيلنا جزئيا الى علم الاقتصاد السلوكي و هو فرع من الاقتصاد يدرس سلوك الأفراد والمستهلكين وكيفية اتخاذهم للقرارات الاقتصادية. يركز الاقتصاد السلوكي على دراسة العوامل التي تؤثر على اختيارات الأفراد والعواطف والمعتقدات وكيفية تأثيرها على سلوكهم الاقتصادي.

يزعم الاقتصاد السلوكي أن الأفراد ليسوا دائمًا عقلانيين واتخاذ القرارات استنادًا إلى المصلحة الذاتية فقط، بل قد يتأثرون بعوامل نفسية واجتماعية وثقافية ومعرفية. يهدف الاقتصاد السلوكي إلى فهم ما يحدث في العقول والقلوب لدى الأفراد عند اتخاذهم للقرارات الاقتصادية.

ويترابط الاقتصاد السلوكي والاقتصاد السياسي العام معا، فهما يتداخلان ويتأثران ببعضهما البعض. الاقتصاد السلوكي يسلط الضوء على سلوك الأفراد وكيفية تأثير عواملهم النفسية والاجتماعية على الاقتصاد، بينما الاقتصاد السياسي العام يركز أكثر على البنية الاجتماعية والنظام السياسي وتأثيرها على السوق والتوزيع الاقتصادي.

وبشكل عام، يمكننا أن نقول أن فهم الاقتصاد السلوكي يمكن أن يساعدنا في فهم كيفية تأثير عوامل المعرفة والعواطف والثقافة على الاقتصاد واتخاذ القرارات الاقتصادية.

لكن من جانب اخر فان القيم تلعب دورًا هامًا في التأثير على سلوك الافراد، وتؤثر بالتالي على النشاط الاقتصادي للأفراد. القيم هي المعتقدات والمبادئ التي يعتقدها الأفراد وتنظم سلوكهم وطريقتهم في اتخاذ القرارات. تؤثر القيم على النشاط الاقتصادي في العديد من الاشكال، بما في ذلك:

اختيارات الاستهلاك: القيم المتعلقة بالحفاظ على البيئة، أو الجودة، أو العدالة الاجتماعية قد تؤثر على اختيارات الاستهلاك للأفراد. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي الاهتمام بالاستدامة إلى شراء منتجات صديقة للبيئة بغض النظر عن تكلفتها.

اتخاذ القرارات المالية: القيم المتعلقة بالثروة والأمان المالي قد تؤثر على سلوك الأفراد فيما يتعلق بادخار المال، الاستثمار أو الديون. الأفراد الذين يقدرون الأمان المالي قد يفضلون اتخاذ القرارات الحذرة والاستثمار في الاستقرار المالي.

العمل الاجتماعي والمشاركة: القيم المتعلقة بالمساهمة في المجتمع والمساعدة في الحد من الفقر قد تؤثر على سلوك الأفراد فيما يتعلق بالعمل الطوعي والمساهمة في الأعمال الخيرية.

اختيارات العمل: القيم المرتبطة بالتطور المهني والرغبة في تحقيق الهدف الشخصي قد تؤثر على قرارات الأفراد فيما يتعلق بمجالات العمل والحصول على فرص عمل جديدة.

بشكل عام، يمكن أن تؤثر القيم على نمط الحياة الاقتصادية للأفراد وقراراتهم فيما يتعلق بالاستهلاك، والادخار، والاستثمار، والعمل الاجتماعي، واختيارات العمل.

بناء على هذا، يتعين على الدولة ان تأخذ زمام المبادرة في التنشئة القيمية للافراد، من خلال النظام التربوي والتعليمي الرسمي، بالشكل الذي يشجع الافراد في نهاية المطاف على اتباع السلوك الاقتصادي السليم، بما في ذلك تشجيع روح المبادرة الاقتصادية، والانتاجية بشكل خاص، وتبادل الثقة، والتعاون، والامانة في التعاملات الاقتصادية، والحفاظ على البيئة، و معالجة الجشع والانانية، وغير ذلك.

.....................................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق