q
لا يصح ان ننتظر نتائج مغايرة من سيناريوهات حزبية مكتوبة بالطرق التقليدية، ولا يصح أيضا ان ننتظر من الناخبين التفكير مليا قبل الشروع بالتصويت، فلكل منهم وجهته التي يعتقد ان الخلاص على يدها، ويبقى الاستفادة من دروس الماضي هو الأهم من ذلك كله، فهي الدليل الى عدم خسارة المستقبل بالكامل...

بدأت ملامح الحياة العامة الاقتراب او الدخول بأجواء الانتخابات المحلية، المقرر اقامتها في الثامن عشر من شهر كانون الأول من العام الجاري، فكل قرار لحكومة محلية او مركزية يستهدف حشد أصوات إضافية، بعيدا عن البرامج الانتخابية الرصينة والمحققة لمصلحة الشعب، ولم يعرف مالذي ستجلبه الدورة المحلية القادمة، وهل تأتي بجديد ام انها فقط تكرار للأخطاء؟

الحراك الانتخابي الذي يتكرر قبيل كل دورة انتخابية يمثل بالدرجة الأساس الحرب الداخلية للأحزاب المتنافسة على السلطة، بينما يجري العمل على تطويع السلطة من اجل الحصول على الأصوات عبر العديد من الفعاليات والأساليب لإقناع الجمهور المتعطش للخدمات بالتصويت مرة أخرى كما في المرات السابقة.

تلك الوعود الانتخابية تكون بمجملها او الجزء الأعظم منها وعود كاذبة يصعب تنفيذها خلال دورة انتخابية واحدة، فبعضها يحتاج الى دورتين او ثلاثة، ذلك لأنه من المشروعات الاستراتيجية التي تتطلب عمل متواصل ورؤية شاملة ومبالغ طائلة وربما خبرة دولية في المسألة الموعود انهائها.

فعلى سبيل المثال الوعود التي تطلقها حكومات بأكملها لإنهاء ازمة الكهرباء، لكنها لا تزال من المشاكل المستعصية على الحكومة الى جانب الأحزاب المتنفذة الأخرى، وبالنتيجة كل ما قيل بهذا الملف أصبح كسراب يبتعد عن الحقيقة ولا يمكن تطبيقه على ارض الواقع لابتعاد دولية وليس داخلية فحسب.

الشيء المثير للغرابة هو ان جميع الأحزاب المتنافسة على المقاعد المحدودة لكل محافظة، تتبع نفس الأسلوب، ولا تجهد نفسها في التفكير باسلوب مغاير لتمريره على الجمهور الانتخابي، ولم يؤد ذلك الى تباين كبير بين المتبارين، وبهذه الحالة يبقى عامل الفصل بينهم هو الولاء الداخلي للفرد لهذه الجهة او تلك.

التكرار في مضمون البرامج الانتخابية الوهمية جعلها خالية من قوة التأثير والتغيير المتوقع بعد إجراء الانتخابات، وما يعول عليه المرشحون هو الجهل الشعبي والسطحية الجماهيرية التي لا تذهب الى التصويت بدافع الرغبة الجامحة لإحداث الفرق بمرور الوقت، بعد تعتق الديمقراطية الحديثة.

نشوء الديمقراطية حديثا في العراق جعلها وليدا محمل بالتشوهات، منها ما يتعلق بالناحية النظرية والتطبيقية، فلا تزال اغلب الممارسات الحزبية بعيدة عن جوهر العملية الديمقراطية، ولم ترتق الجهات السياسية الى ثقافة التنافس المشروع بعيدا عن التسقيط والتشهير وبالتالي استخدام الأدوات غير الشرعية لبلوغ القمة.

الصعود بهذه الطرق يجعل المرشح الفائز لا يفكر بالاستقرار او التغيير، يجعله دائم البحث عن المكاسب غير المشروعة بعيدا عن مصلحة المواطن، وهو ما استشعرت به الأغلبية الصامتة والمقررة عدم المشاركة في الانتخابات المقبلة، لان بالتأكيد ستكون النتيجة مشابهة لما حدث في الدورات الانتخابية السابقة.

لا يُنتظر من الانتخابات المقبلة التغيير مطلقا، ولسبب وحيد هو ان العراق بلد لا تحكمه المؤسسات، ومن يتحكم بالقرار فيه هم الشركاء السياسيين، وبذلك يكون من المستحيل تغيير نمط التفكير السائد الى آخر يتمتع بالمرونة والقابلية على التكييف مع الأوضاع الجديدة.

لو كانت المؤسسة هي من تحكم البلد بصرف النظر عمن يديرها، لكن الامل موجود بحدوث الفارق المتوقع، لكن الامل يتلاشى بعد معرفة ان القادمون هم امتداد للسابقين، يحملون نفس الأفكار ويعملون على مواصلة المشوار لتحقيق ما تبقى من الأهداف المتأخرة للحزب الحاكم او الجهة المتنفذة.

وفي الحالة الأولى (أي إدارة البلد من قبل المؤسسات)، قد تكون الانتخابات حاملة لبذرة التغيير المتمثلة بالشخصية الجديدة الواجب التزامها بالأنظمة واللوائح القانونية والعمل على تطويرها بما يخدم المصلحة العامة والنهوض بالمؤسسة وتحسين أدائها وفقا لما تقتضيه حاجة المحافظة او المدينة.

لا يصح ان ننتظر نتائج مغايرة من سيناريوهات حزبية مكتوبة بالطرق التقليدية، ولا يصح أيضا ان ننتظر من الناخبين التفكير مليا قبل الشروع بالتصويت، فلكل منهم وجهته التي يعتقد ان الخلاص على يدها، ويبقى الاستفادة من دروس الماضي هو الأهم من ذلك كله، فهي الدليل الى عدم خسارة المستقبل بالكامل.

اضف تعليق