السلطة في بعض دول العالم العربي كانت، من حيث المبدأ والمصلحة، على تناقض مع اقتصاد السوق الحر، وبالتالي، فقد كانت مصلحتها، ولضرورات وجودية، إعاقة اقتصاد السوق، وما ينتجه من مؤسسات وآليات، ومنها المؤسسات الأكاديمية، التي يفترض أنها تقوم بدور رئيسي في إنتاج المعرفة. ولضرورات الهيمنة على المجتمع، فإن...

يعود مفهوم المعرفة من الناحية اللغوية إلى الأفعال عرف، علم، أو أدرك فيقال عرف وعرفاناً ومعرفة الشيء علمه أو إدراكه بالحواس أو بغيرها.

وتقول عرفت الشيء أصبت عرفه أي رائحته والاعتراف هو الإقرار والمعروف اسم لكل فعل يُعرف حسنه بالعقل أو بالشرع. وتعارفوا عرف بعضهم بعضاً، وخلاف المعرفة الإنكار والمعرفة إدراك الشيء بتفكر وتدبر لأثره..

وهي قد تعني القدرة على ترجمة المعلومات إلى أداء لتحقيق مهمة محددة أو إيجاد شيء محدد وهذه القدرة لا تكون إلا عند ذوي المهارات الفكرية.

في اللغة الانجليزية فقد أوضحت الموسوعة البريطانية أن المعرفة تعني في إحدى معانيها الإدراك وتعني أيضاً الحقيقة أو معرفة شيء من خلال التجربة أو الأفكار والخواطر، وتعني معرفة أو إطلاع مع أو فهم للعلم والفن والأسلوب أو هي معلومات الشخص أو فهمه أو هو مجموعة المعرفة و المبادئ التي اكتسبتها البشرية مثل الحقيقة و المعلومات.

أما مفهوم المعرفة من حيث المعنى الاصطلاحي فقد تعددت التعريفات بتعدد المدارس والمناهج الفكرية واختلاف نظرة العلماء والفلاسفة، ويمكن الإشارة إلى مجموعه من هذه التعريفات وكما يأتي:

المعرفة أوسع وأهم وأشمل من العلم ويُقصد بها إحاطة العلم بالشيء، أي أنها تتضمن معارف علمية وغير علمية، ويمكن التفريق بين المعرفة العلمية وغير العلمية على أساس أسلوب البحث العلمي ومناهجه، فمن يتبع أسلوب البحث العلمي وطرائقه يتمكن من الكشف عن الحقائق، أي أنه يصل إلى المعرفة العلمية.

المعرفة هي معلومات منظمة قابلة للاستخدام في حل مشكلة معينة، أو هي توصيفات رمزية للمفاهيم والعلاقات والطرائق المحددة للمعاملات والمعرفة غالباً ما تتخطى مفهوم العلم والتقنية، فالمعرفة بحد ذاتها أعمق وأشمل وأعم من العلم وتشمل الجوانب الإنسانية والأخلاقية أيضاً، على أن لا ننسى بأن العلم هو العمود الفقري لهذه المعرفة والمعرفة حالة إنسانية أرقى من مجرد الحصول على المعلومات، وقد تكون المعرفة أقل درجة على سلم السمو الإنساني من الحكمة التي تشترط التزاماً بالقيم الأخلاقية العليا للإنسانية كالحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.

المعرفة: هي امتلاك صورة خاصة معينة من القدرة على عمل شيء ما أو المعرفة باللقاء أو الإطلاع أو الاتصال المباشر، والمعرفة تحديداً هي قدرة إدراك وقدرة تعلم، وهذا ما يميزها عن المعلومات، وهي تتحسن بالمعلومات التي ليست إلا معطيات مصاغة ومنظمة، وهكذا يصبح الفارق بين المعرفة والمعلومات، إن المعرفة يمكن بلوغها عن طريق التدريب والتعلم والخبرة المكتسبة، أما المعلومات فيمكن الحصول عليها عن طريق النسخ.

المعرفة هي مجموعة من المعاني والمفاهيم والمعتقدات والتصورات الفكرية التي تتكون لدى الإنسان نتيجة لمحاولاته المتكررة لفهم الظواهر والأشياء المحيطة به.

المعرفة هي شبكة منظومية تتضمن كل الأنماط المعرفية في حقبة زمنية معينة.

وتصنف المعرفة إلى ثلاثة أنواع رئيسية هي:

1- المعرفة الحسية: وهي التي يكتسبها الإنسان عن طريق اللمس والاستماع والمشاهدة المباشرة، وهذا النوع من المعرفة بسيط، باعتبار أن أدلة الإقناع متوافرة (ملموسة) أو ثابتة في ذهن الإنسان.

2- المعرفة التأملية (الفلسفية):

وهذا النوع من المعرفة يتطلب النضج الفكري، والتعمق في دراسة الظواهر الموجودة، حيث أن مستوى تحليل الأحداث والمسائل المدروسة يوجب الإلمام بقوانين وقواعد علمية لاستنباط الحقائق عن طريق البحث والتمحيص، ولكن في العادة لا يحصل الباحث على أدلة قاطعة وملموسة تثبت حججه، ولكنه يقدم البراهين عن طريق استعمال المنطق والتحليل، ويثبت أن النتائج التي توصل إليها تعبر عن الحقيقة والمعرفة الصحيحة للقضية أو المسألة.

جـ- المعرفة العلمية (التجريبية):

وهذا النوع من المعرفة يقوم على أساس "الملاحظة المنظمة للظواهر" وعلى أساس وضع الفرضيات العلمية الملائمة والتحقق منها عن طريق التجربة وجمع البيانات وتحليلها.

اما فيما يتعلق بمفهوم السلطة فانه يدخل بصورة واضحة في تقاليد اللغة العربية التقليدية.. فالقواميس العربية تقدم لنا إشارات مقتضبة غامضة حول مفهوم السلطة وصورة أخرى اكثر اقتضابا فيما يترتب على هذا المفهوم من ابعاد الترادف والتجانس والتناظر التي تعبر عن اتجاهات هذا المفهوم وتجلياته المختلفة.

ينطوي لسان العرب على تلميح خاطف لمفهوم السلطة، حيث جاء فيه ان (السلاطة هي: القهر، وقد سلطه الله فتسلط عليهم، والاسم من السلاطة سلطة بالضم.. وتبدو صورة هذا المفهوم التي يقدمها لسان العرب ان اللغة العربية المعجمية تركز على جانب التسلط في مفهوم السلطة، وتسدل الستار على تجليات هذا المفهوم ومعانيه المختلفة التي تبرز في اللغة العربية المعاصرة..

عند النظر الى صورة مفهوم السلطة ودلالاته في دائرة المعاجم الأجنبية، تعني السلطة بصورة عامة تفوق يتملكه الفرد ويمنحه القدرة على التأثير في الاخرين.. وكلمة سلطة المشتقة من اللاتينية تعني الذي ينصح ويملك ويساعد ويتصرف وينمو..

يرى لالاند في قاموسه ان السلطة قدرة شرعية او قانونية وهي حق يعترف به الجميع.. او انها التفوق او النفوذ الشخصي والذي بموجبه يتم التسليم والخضوع والاحترام لحكم الاخر وارادته ومشاعره.

ويرى الفيلسوف الفرنسي جاك ماريتان ان علينا ان نفرق بين السلطة والقوة، فالسلطة والقوة امران مختلفان، القوة التي هي بواسطتها تستطيع ان تجبر الاخرين على طاعتك، في حين ان السلطة هي الحق في ان توجه الاخرين، او ان تأمرهم بالاستماع اليك وطاعتك، والسلطة تتطلب قوة غير ان القوة بلا سلطة ظلم واستبداد، وهكذا فان السلطة تعني الحق..

في النظرية النقدية المعرفة والسلطة أو المعرفة-السلطة، هو مصطلح طرحه الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو حيث تقوم السلطة على المعرفة وتستفيد من المعرفة؛ من ناحية أخرى، تعيد السلطة إنتاج المعرفة من خلال تشكيلها وفقًا لنواياها المجهولة، تعيد السلطة تأسيس مجالات الممارسة الخاصة بها من خلال المعرفة.

وقد افترض فوكو أن إحدى مهام المعرفة هي مساءلة السلطة، والتي تعني «العمل على تحديد السلطة، من خلال كشف آلياتها وآثارها وعلاقاتها بمختلف جاهزيات السلطة المُمارسة».

السلطة في وعي فوكو عموماً، وفي وعي الفلاسفة المعاصرين، بقيت أسيرة النموذج الغربي/ الليبرالي، حيث يشكل اقتصاد السوق مرجعية السلطة، وبالتالي فإن مساءلة السلطة عبر المعرفة، تغدو، بشكلٍ من الأشكال، مساءلة لاقتصاد السوق، وما ينتجه من قيم مرتبطة به، وبآلياته، وبمصالح الفئات المسيطرة على توجهاته.

يرى ميشيل فوكو أن الغاية من مساءلة السلطة، هي العمل على تحديدها؛ من خلال كشف آلياتها وأثارها وعلاقتها بمختلف جاهزيات السلطة الممارسة، وفي هذا الإطار يميز ميشيل فوكو بين تصورين لظاهرة السلطة:

1- التصور القانوني أو الليبرالي للسلطة: أي التصور الذي نلمسه من خلال كتابات فلاسفة القرن الثامن عشر..

2- التصور الماركسي للسلطة: الذي يرتبط بالتنظيرات ذات الأصول الماركسية لظاهرة السلطة السياسية في علاقتها بالبنيات الاقتصادية للمجتمع.

ويبرز ميشيل فوكو القواسم المشتركة بين هذين التصورين من خلال اعتماد مفهوم "الاقتصادية" في نظرية السلطة؛ على اعتبار أن النظريات الكلاسيكية للسلطة تنظر إلى السلطة كحق يمتلك أو ثروة يمكن تحويلها والتخلي عنها بشكل جزئي أو كلي؛ من خلال عقد يتفق عليه جميع أفراد المجتمع من أجل تأسيس سيادة ودستور للمجتمع قائم على التبادل العقدي؛ هذا التيار جسدته كتابات فلاسفة العقد الاجتماعي مثل جون جاك روسو الذي سعى إلى محاولة تأسيس مجتمع مدني قائم على حقوق المواطنين السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ في ظروف تخول لبعض الأفراد امتلاك السلطة بالشكل الذي يحقق نوع من التماثل بين السلطة والأملاك؛ أو بين السلطة والثروة.

السلطة لا تعطى ولا تتم مبادلتها، وإنما تمارس؛ أي أن السلطة لا توجد إلا في الفعل والممارسة؛ الأمر الذي يجعلنا نبتعد عن الفكرة التي تعتبر السلطة مجرد حصيلة للعلاقات الاقتصادية، رغم كون السلطة في جوهرها تعبير عن علاقات قوة؛ ويحاول فوكو بذلك تجاوز التصورات التقليدية لظاهرة السلطة عن طريق طرح الأسئلة من قبيل: إذا كانت السلطة ممارسة؛ فماذا تعني هذه الممارسة؟ ممن تتكون؟ وما هي آلياتها؟

يسمي فوكو هذه النظرية «تكتيكات الهيمنة» والسلطة إذ ذاك هي تعبير عن إرادة الهيمنة، والهيمنة تأتي من التحكم حتى في الخيارات والبدائل؛ أي أنك تتحكم في مسرح الحرب مثلًا حين تكون قادرًا على فرض الحدود ومسارات التقدم والتراجع على العدو، وحصر وتوجيه جميع الخيارات والتحركات المتاحة له ثم تركه يصنع قراره. وهذه الحاجة إلى التحكم حتى في الخيارات هي ما يجعل تغلغل السلطة محتومًا حتى في أدق مستويات الحياة الفردية.

ليست السلطة مفروضة من أعلى ولا من الأسفل، بقدر ما هي علاقة تصاعدية وتنازلية في الوقت ذاته، إنها تعبير عن علاقات القوة المجسدة في آليات الإنتاج، وتعبير عن التعدد والكثرة وعدم الاستقرار، وهذا أمر ينطبق على كل سلطة، بما فيها السلطة داخل العائلة.

لم تعد السلطة بعد فوكو تجسيدا للعقد الاجتماعي (هوبز، لوك، بوفندروف، روسو)، ولا محتكرة في الدولة (ماركس) ولا مختزلة في البنية الإيديولوجية الفوقية (غرامشي) وأجهزتها القمعية (ألتوسير)، ولا تعبيرا عن حالة التوافق والتواصل (هابرماس) ولا تجسيدا للعدالة (رولز).. إنها في حالة سيولة دائمة يصعب حصرها في آليات ومعايير محددة.

لا يسعى فوكو إلى بناء تحليله للسلطة في نظرية معينة. بتعبير آخر إنه لا يقصد أن يقدم لنا وصفا لا سياقيا، لا تاريخيا أو موضوعيا، ولا تعميما يمكن أن ينطبق على التاريخ كله. وربما يمكن تفسير هذا من خلال أن فوكو يرى أن السلطة عبارة عن علاقة قوى، وأن كل علاقة قوى هي بالضرورة، علاقة سلطة، لذلك فإن سؤال الماهية الذي يمكن طرحه على السلطة: ما السلطة؟ يجب أن يصبح سؤالا عن الكيفية التي بها تحقق السلطة أو تمارس نفسها وتظهر إلى الوجود بالفعل.

لقد ناقش فوكو وشك في عدد من المسلمات التي كانت قائمة قبله في موضوع السلطة ومن هذه المسلمات:

1 - مسلمة الملكية ومفادها أن السلطة «في ملك» طبقة، وملكيتها لها أساسها الغلبة. بالنسبة لفوكو فالسلطة لا تمارس نفسها بهذا النحو ولا انطلاقا منه. فهي استراتيجية أكثر منها ملكية، ولا ترجع آثارها ومفاعيلها إلى تملك ما، «بل تعود إلى تدابير وحيل ووسائل وتقنيات وأعمال» «فهي تمارس أكثر مما تتملك، ليست حقا تحتفظ به الطبقة السائدة وتحتكره، بل هي مفعول مجموع مواقعها الاستراتيجية». وبتعبير فوكو نفسه فإن «السلطة ليست مؤسسة، وليست بنية، وليست قوة معينة يتمتع بها البعض: إنها الاسم الذي يطلق على وضع استراتيجي معقد في مجتمع معين».

2 - مسلمة انحصار موقف السلطة وتميّزه: ومفادها أن السلطة هي سلطة الدولة، وأنها تتجسد في جهاز الدولة، لا تتمتع إلا بانفصال مظهري عن سلطة هذه الأخيرة. لهذا فهي أجهزة خاصة في يد الدولة. على العكس من هذا يؤكد فوكو أن الدولة ذاتها مفعول وأثر للمجموع، ونتيجة للكثير من الدواليب والبؤر التي تجد موضعها في مستوى مختلف أتم الاختلاف عن ذلك الذي توجد فيه السلطة، وتمثل من جهتها أساسا لا مرئيا لها، أي ميكروفيزيائية السلطة. إذن السلطة هنا سلطة منتشرة ومبثوثة في الجميع وبين الجميع. هذا المفهوم يجعلنا نوسع النظر حين نبحث عن السلطة، سنجدها كعلاقة بين كل الأفراد والمؤسسات والأفكار.

3 - مسلمة التبعية: ومفادها أن السلطة المتجسدة في جهاز الدولة تابعة لنمط إنتاج ما يعد بالنسبة لها بنية تحتية. في المقابل يرى فوكو أنه «ليست علاقة السلطة في موقع براني بالنسبة لباقي أنواع العلاقات.. ولا تحتل موقع بنية عليا... بل توجد حيثما تلعب مباشرة دورا منتجا».

4 - مسلمة الجوهر والأعراض: ومفادها أن للسلطة جوهرا، كما أنها عرض يظهر على أولئك الذين يملكون زمامها (الغالبون) من خلال تميزهم عن أولئك الذين تمارس عليهم تلك السلطة (أي المغلوبين). خلافا لهذا يؤكد فوكو أن ليس للسلطة جوهر بل هي إجرائية. ليست عرضا، بل إنها علاقة: وعلاقة السلطة هي مجموع علاقات القوى التي لا تخترق القوى الغالبة أكثر من اختراقها للقوى المغلوبة، فهي وتلك تشكلان معا فرديتين. «تحاصر السلطة المغلوبين وتخترقهم مرتكزة إليهم بنفس الكيفية التي يرتكزون هم بدورهم إلى التأثير والسطوة اللذين تمارسهما عليهم في صراعهم ضدها».

5 - مسلمة أنماط التأثير: ومفادها أن السلطة تتصرف بعنف أو تمارس نفسها كأيديولوجية، تارة تقمع، وأخرى تموّه، أو تخدع وتوهم، تارة تتقمص زيّ الشرطة، وطورا تتجسد في هيئة دعاية. نحن هنا من جديد أمام تناوب في غير محلّه ولا يفي بالغرض، إنّه غير وجيه. الصحيح هو أن العنف مظهر أو أثر للقوة المسلطة على شيء ما، موضوعا كان أم كائنا.

في السياق العربي، لم تتشكّل السلطة، منذ الانتدابات، في خضم السوق الاقتصادية، وإنما، اكتسبت القدر الأكبر من شرعيتها من خلال النظام الدولي، ومن الاستقطابات التي سادت فيه، ما بعد الحرب العالمية الثانية، وبناءً عليه، فإن السلطة في بعض دول العالم العربي كانت، من حيث المبدأ والمصلحة، على تناقض مع اقتصاد السوق الحر، وبالتالي، فقد كانت مصلحتها، ولضرورات وجودية، إعاقة اقتصاد السوق، وما ينتجه من مؤسسات وآليات، ومنها المؤسسات الأكاديمية، التي يفترض أنها تقوم بدور رئيسي في إنتاج المعرفة. ولضرورات الهيمنة على المجتمع، فإن السلطة في بعض الدول العربية، ونتيجة آليات وجودها، هيمنت على الفضاء المعرفي، وثمة مؤشر مهم وواضح يؤكد حالة الشرخ بين المعرفة والسلطة، وهو مؤشر قابل للقياس، يتمثل في المسافة الفاصلة بين المؤسسات الأكاديمية وبين المجتمع، فقد تحوّلت الأكاديميات إلى مؤسسات لتفريخ الخريجين، وغابت عنها الروح الحرّة، التي يمكن أن تخلق تأثيراً في البنى المجتمعية، أو تتفاعل مع مؤسسات المجتمع المدني. مارس عقل السلطة إقصاءً لكل ما هو متناقض معه، وفي هذا السياق، فإن عقل السلطة نفسه لم يعد معرفياً، وفقد عناصر العقلانية، التي يمكن أن تقرأ التحوّلات السياسية والاقتصادية، أو تتعرّف إلى الحاجات المستجدة في الواقع، واقع الفئات والشرائح الاجتماعية. تفكيك العلاقة بين المعرفة والسلطة، في سياق الحاجة للتقدم في العالم العربي، تصبح مهمة تاريخية، فعملية عقلنة السلطة، وبناء شرعيتها انطلاقاً من حاجات الواقع نفسه، هي في الوقت نفسه عقلنة للمعرفة، وإخضاعها، أي إخضاع المعرفة، للنقد، من مناهج وأدوات وشروط.

لقد تحولت (الأكاديميا) ليس فقط إلى مراكز تسعى لتخريج أناس بطبائع وتصورات منمطة، أو مجرد أصحاب مشاريع اقتصادية تهدف تعظيم أرباحها، إضافةً إلى رفد الأسواق التجارية المحلية والعالمية بحاجتها من الأيدي العاملة الماهرة. بل أضحت وجهًا خفيًا للسلطة، يضبط ويوجه الشباب. أما الأكاديميون أنفسهم، فيشكل معظمهم، ولو بدون وعي، منجل السلطة الذي يُقَّلِم عقول الأفراد لما تحبه وترضاه.

بهذا المفهوم للسلطة نستطيع أن نتعرف على أوجه وأشكال سلطة المعرفة أو سلطة أنظمة المعرفة، هذه السلطة التي فعلت على طول التاريخ فعلها بقوّة وبمستويات عالية من التأثير ولكن لا يمكن سبرها والتعرف على فعاليتها إلا من خلال الفهم الحديث للسلطة، وهو بلا شك فهم مفتوح يجب أن يتجاوز نفسه باستمرار، فالفهم التقليدي كان يعتقد دائما أن المعرفة هي مجرد أداة في يد الإنسان، يتصرف بها كما يشاء أو يستغلها كما يشاء. لكن البحث الحديث سواء المتعلق بالأنظمة المعرفية أو الأيديولوجيات أو حتى في العلم أثبت مدى السلطة التي تمارسها المعرفة، متمظهرة في المبادئ والمقولات والمفاهيم والرموز. هذه السلطة يقع تحت أثرها المنفعلون بها وفي الغالب دون وعي بهذه السلطة أي دون شعور بهيمنة ما تشكّل العلاقة بين الفرد وأفكاره.

* باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2023
http://shrsc.com

.......................................
احالات:
المعرفة: ساسي سفيان/ الحوار المتمدن
ميشيل فوكو: الخطاب والممارسة والسلطة/ كريس باركر
بين السلطة والتسلط دراسة تحليلية/ علي اسعد وطفة
السلطة عند ميشيل فوكو/ زناتي خديجة

اضف تعليق