q
فما دام الجهل مسيطراً على المجتمعات الإسلامية يبقى الدكتاتور، وإذا سقط الدكتاتور تسلم دكتاتور آخر مكانه، ولا تهم بعد ذلك الألفاظ من الملكية والجمهورية والدينية والعلمانية وغيرها، وإنما الجوهر هو الدكتاتورية، ولهذا نشاهد -في البلاد الإسلامية- أنه لا فرق في الجوهر بين كل الأشكال...

من اشكال الحكم التي عرفتها البشرية في أنظمة الحكم، يكون فيها شخص واحد أو مجموعة صغيرة تمتلك السلطة المُطلقة دون قيود دستورية فاعلة.

مشتقة من الكلمة اللاتينية (ديكتاتور)، وتمتد جذورها التاريخية إلى النظام الروماني القديم، حيث نشأت الديكتاتورية في أحضان ظاهرة الاستبداد السياسي التي سادت تاريخياً، والتي شهدت مولد الدكتاتورية بمعناها وصورتها القديمة، بانتقال سلطة الملك إلى حاكمين ينتخبهما مجلس الشيوخ، ويسمى كل منهما (قنصل) أو دكتاتور، ولمدة محددة بين 6 أشهر إلى سنة واحدة.

فالدكتاتورية التي نشأت في العصر الروماني، كانت بمثابة وظيفة دستورية، يمارسها من يختاره مجلس الشيوخ مؤقتاً، لحماية الدولة، في ظروف استثنائية، باسم سلامة حدودها ومصالحها وبذلك كانت الدكتاتورية تعبيراً عن مرحلة متطورة من النظام الملكي المطلق الذي ساد قبلها، وقد ترافق مولد الدكتاتورية مع جملة معطيات أحاطت بالدولة الرومانية أهمها:

1ـ إخفاق نظام الملكية المطلقة، وتفكك السلطة وعجزها عن الاستجابة للتحديات القائمة.

2ـ بروز أزمات اجتماعية واقتصادية داخلية.

3ـ بداية تطلعات الطبقات المسيطرة على الحكم نحو التوسع خارج حدود الدولة.

وقد وصف الفلاسفة القدماء الأنظمة الدكتاتورية من اليونان وصقلية بشكل يُشبِه كثيراً الديكتاتوريات الحديثة.

يلجأ الحكام الدكتاتوريون في العادة إلى القوة أو الاحتيال للوصول إلى السلطة السياسية المُستَبِدَّة، التي يحافظون عليها من خلال استخدام التخويف والإرهاب، وقمع الحريات المدنية الأساسية. كما أنها قد تستخدِم تقنيات الدعاية الضخمة والإعلام من أجل الحفاظ على الدعم الشعبي لها.

والديكتاتورية تُشبِه قليلاً (السُلطَويَّة) وتختلف عن (الشمولية).

وهناك عدة أنواع من الديكتاتورية نذكر منها: الديكتاتورية العسكرية - دولة الحزب الواحد - شخص واحد - خليط من كل هؤلاء.

ويُمكِن للديكتاتور الوصول للسُلطة بأحد هذه الطرق:

ديكتاتورية عائلية:- وراثة السلطة من خلال الروابط الأسرية.

الديكتاتورية العسكرية:- من خلال القوة العسكرية أو الانقلاب العسكري.

الديكتاتورية الدستورية:- محاولة الاستئثار بسلطات ديكتاتورية منصوص عليها بالوسائل الدستورية (وغالباً ما يكون مشروط بوجود حالات الطوارئ).

الانقلاب الذاتي:- من خلال تعليق العمل بـ الأجهزة الديمقراطية الحالية بعد الوصول إلى السلطة بالوسائل الدستورية.

وهناك ما يُسمَّى بـ الديكتاتورية المستقرة، و هي الديكتاتورية التي تكون قادرة على البقاء في السلطة لفترات طويلة. وقد قيل أن الديكتاتوريات المستقرة تتصرف بشكل مُختَلِف عن الديكتاتوريات غير المُستَقِرَّة. فالديكتاتوريين المُستَقرِّين،، يميلون إلى الامتناع عن العدوان العسكري. وهذا ينطبق على الإمبراطورية الصينية و بيزنطة و اليابان، فقد امتنعوا عن توسيع امبراطوريتهم في مرحلةً ما من الوقت.

تستند السلطة في النظام الدكتاتوري إلى الأمر الواقع أكثر مما تستند إلى النصوص، وفي حال وجود النصوص، فإنها تُطبق بشكلٍ يُخالف المضمون، وقد لا يتم تطبيقها بتاتاً، وكما تعددت الأنظمة الديمقراطية، فقد تعددت الأنظمة الدكتاتورية، فمنها دكتاتوريات أيديولوجية، أو عسكرية، ومنها ما يستند إلى حزب واحد، وبعضها ذات توجيهات محافظة رجعية، وأخرى تقدمية ثورية. وقد يمارس السلطة الدكتاتورية فرد أو هيئة، غير أن السمة الرئيسية التي تميزها هو جوهرها الاستبدادي.

وما يميز الدكتاتورية من أنظمة الاستبداد، أنها استبداد منظم له دستوره وقوانينه.

أسباب ظهور الأنظمة الديكتاتورية

هناك عوامل وأسباب متعددة ومتداخلة لظهور الأنظمة الديكتاتورية تختلف باختلاف الأحوال الموضوعية التي تحيط بالبلدان التي عاشت في ظل نظام دكتاتوري، وأغلبها متداخل في الواقع، غير أنه يمكن تحديد عدة عوامل جوهرية مشتركة:

1- خيبة الأمل الشعبية: وهذا ما حدث في بعض بلدان أوربا، بعد الحرب العالمية الأولى. إذ تركت الحرب آثاراً مدمرة وخراباً اقتصادياً، وعبثاً قومياً، أدت جميعها إلى أزمات عجزت الأنظمة الديمقراطية، عن مواجهتها بالسرعة المطلوبة، وتقديم الحلول الناجعة، فضلاً عما كان يشوب هذه الأنظمة من منافسات سياسية وخلافات جزئية، انعكست في تفكك عرى الوحدة القومية، وعدم استقرار حكوماتها، وهذا ما جعل الشعب يقبل الدكتاتورية لما تمتاز به من سرعة في الأداء في معالجة الأزمات الخانقة، وما تحققه من استقرار حكومي.

2- عدم ملاءمة النظام الديمقراطي لمستوى التطور الاجتماعي والسياسي: برز هذا العامل في بعض البلدان الأوربية، وأمريكا اللاتينية، التي اقتبست النظام الديمقراطي من إنكلترا وفرنسا والولايات المتحدة، بعد الحرب العالمية الأولى. وقد فشلت تلك الدول في تطبيق هذا النظام مما مهد الطريق لقيام دكتاتوريات فيها، بذريعة إساءة استعمال الحرية التي يمنحها النظام، وإساءة تطبيق الديمقراطيات، بسبب عدم النضوج السياسي وتدني الوعي الشعبي. وهذا ما حدث في دول أوربا الوسطى، ودول البلطيق ودول أمريكا اللاتينية في تلك الفترة التاريخية.

3- حالة الحرب والأزمات: تخلق الحرب حالة الضرورة، التي تؤدي سياسياً إلى قيام حكومة قوية، تعمل على درء الأخطار، وتكتسب مثل هذه الحكومة، الصبغة الدكتاتورية من الصلاحيات الاستثنائية والتفويضات التي تحصل عليها نتيجة الأوضاع الطارئة وحالة الضرورة. ومن المفترض أن تزول هذه الصلاحيات والتفويضات، بزوال حالة الحرب حيث تعود الأحوال العادية، وتعود البلاد إلى وضعها الدستوري من حيث صلاحية السلطات والفصل بينها. غير أن عدداً من الحالات، أظهرت أن الحرب قد تخلف مشكلات ضخمة يعجز النظام الديمقراطي بتقاليده وإجراءاته البطيئة، عن حلها، مما يؤدي إلى استمرار حالة الضرورة والاحتفاظ بالوضع الدكتاتوري. وأشارت الأحداث في عدة بلدان إلى أنه ليست حالة الحرب وحدها هي التي تمهد لقيام نظام ذي صبغة دكتاتورية، بل كذلك مجرد التمهيد للحرب.

4- الحركات الثورية أو الانقلابية: تلجأ الثورات الشعبية، أو بعض الانقلابات العسكرية، إلى تعليل دوافعها وتحديدها في أسباب وطنية وقومية واجتماعية.. تقتضي تغييراً في النظام السياسي والاجتماعي، وريثما تستقر لها الحال، فإنها تعمد إلى إقامة حكومة واقعية، تتميز أنها مؤقتة وحكومة تركيز للسلطة، تجمع في قبضتها السلطتين التشريعية والتنفيذية. ريثما تضع دستوراً جديداً يلبي مطامحها، ولذلك فهي دوماً حكومة ذات صبغة دكتاتورية. وهي إما أن تكون دكتاتورية فرد (دكتاتورية فرانكو)، أو دكتاتورية هيئة أو جماعة، كما حدث في فرنسا بعد ثورة 1848 أو ثورة 1870م.

5- تحقيق الاستقلال والتحرر السياسي والاجتماعي: أسهمت قضايا المحافظة على استقلال الدولة، والتحرر الاجتماعي والاقتصادي من الهيمنة الاستعمارية الامبريالية في تفجير أحداث أدت إلى متغيرات سياسية، اتخذت شكل انقلابات عسكرية، أو ثورات شعبية، ولاسيما في البلدان النامية حديثة الاستقلال، وقد ترتب على هذه المتغيرات نشوء حكومات وسلطات دكتاتورية، سواءً منها دكتاتورية فرد أو هيئة أو حزب.

خصائص الأنظمة الدكتاتورية

وعلى الرغم من تعدد واختلاف الأنظمة الدكتاتورية، من حيث الوسائل والأهداف، إلا أن هناك خصائص مشتركة تميزها من غيرها، وأهمها:

1- تغيير الدستور وأسس النظام: تهدف معظم الدكتاتوريات حين تستولي على السلطة بالقوة والعنف إلى تغيير أسس النظام الذي انقلبت عليه، وهذا يقتضي تغييراً دستورياً ينعكس في شكل النظام السياسي، وتبديلاً في التوجيهات السياسية والاقتصادية.

2- الدكتاتورية ذات طابع مؤقت: تلجأ الأنظمة الدكتاتورية، حين تستولي على السلطة، بالقوة وبغير الطرق الدستورية، ولاسيما عن طريق الانقلاب العسكري، إلى الإعلان عن أن إجراءاتها المتعلقة بتعطيل الدستور أو تغييره، وحجب الحريات الفردية والعامة، تمثل مرحلة مؤقتة للعبور إلى مرحلة قادمة، أكثر استقراراً ورغداً وحرية. وأن هذه المرحلة المؤقتة مرهونة بأوضاع استثنائية تمر بها البلاد.

3- الدكتاتورية نظام شمولي كلي: وهذا يعني أن سلطة الدولة تمتد إلى كل نواحي نشاط أو حياة الفرد في المجتمع، فلا شيء يتعلق بالفرد، سواء حرياته أو حقوقه أو معتقداته. ينبغي أن يمارس بعيداً عن سلطة الدولة التي تمثل المجتمع، فالدولة كلٌ كتلةٌ لا تقبل فصل السلطات. فهي سلطة مطلقة كلية سياسية، فليس في الدكتاتورية رأي خارج فكر الدولة، ولا حق فردي يعلو على الدولة وتعد الحريات بمثابة منحة منها للأفراد تقررت من أجل الصالح العام.

4- الدكتاتورية سلطة مركزية: يعمد الدكتاتور إلى تركيز كافة السلطات بيده، ولاسيما المؤسسات والسلطات التي تعدّ عماد النظام. فهو:

أ ـ يعزز هيمنته على المؤسسة العسكرية، بوصفها مصدر الخطر على نظامه.

ب ـ يهيمن على أجهزة الأمن، ويوسع نشاطها وصلاحياتها.

ج ـ استخدام وسائل الإعلام، كجهاز دعاية لأهدافه وأعماله. وإخضاع الفكر لمعتقداته وآرائه.

د ـ تركيز الاقتصاد وإدارته، بحيث يكون الدكتاتور مركز التوجيه والقرار في النشاط الاقتصادي.

هـ ـ منع معارضة خططه وأفكاره، حتى ولو جاءت من أعوانه والموالين له.

5- الدكتاتورية تستند إلى أسلوب القوة والعنف: سواءً وصل الدكتاتور إلى الحكم بطريق الانقلاب العسكري، أو الحركة الثورية الشعبية، فإن العنف واستخدام القوة، هما سبيله، وذلك بصرف النظر عن الهدف الذي ينشده. وغالباً ما تعدّ الأحكام العرفية الوسيلة التي يستخدمها النظام لقمع المعارضة وتبرير العنف والسجن.

6- الدكتاتورية تأخذ بنظام الحزب الواحد: يعمد الدكتاتور إلى إقامة صلاته مع الشعب عن طريق الحزب السياسي الموالي له، ومن خلاله ينشئ مجتمعاً سياسياً في البلد الذي يحكمه، ويستطيع التحكم به كما يريد. وهناك نموذجان لنظام الحزب الواحد.

رؤية الامام الشيرازي في الدكتاتورية

في تناوله للدكتاتورية يطرح الامام الشيرازي الراحل هذا التساؤل: (إذا لم يكن النظام الدكتاتوري مستنداً إلى الأمة، ولا إلى الواقع والمنطق والبرهان، فكيف يتمكن أن يترعرع ويشب ويعيش ويصل إلى الحكم، ثم كيف يتمكن من البقاء على الحكم لفترات طويلة، كما نشاهد ذلك بالنسبة إلى الأمويين والعباسيين والعثمانيين من العهد الماضي وبالنسبة إلى الشيوعيين والرأسماليين بالنسبة إلى العهد الحاضر؟)..

ويجيب (رحمه الله): إن الاستبداد إنما ينمو ويترعرع ويعيش ويقفز على الحكم ويبقى بسبب جهل الناس ولذا يصر الإستبداد دائماً على سياسة التجهيل، ويغلق نوافذ المعرفة على الناس بألف وسيلة ووسيلة، أما الحكومات الأموية والعباسية والعثمانية فلم تكن كل واحدة منها حكومة واحدة ممتدة، بل كان يذهب الاستبداد المحض بموت ملك ويأتي من هو أقل منه استبداداً فيتنفس الناس، كما يحدثنا بذلك التاريخ بالإضافة إلى أن فترات الحكم العباسي تراوحت بين انفراج كثير في أوله، ثم تبدلت العهود، وحكم الفرس والترك وغيرهما.

ويضيف السيد الشيرازي:

وإذا عرفنا أن المحيط الاجتماعي القائم على الجهل هو الذي يأتي بالدكتاتور إلى الحكم نعرف الجواب عن السؤال الثاني وهو ما هي مقومات بقاء الدكتاتور؟

فإن العلة المبقية هي العلة المحدثة، فما دام الجهل مسيطراً على المجتمعات الإسلامية يبقى الدكتاتور، وإذا سقط الدكتاتور تسلم دكتاتور آخر مكانه، ولا تهم بعد ذلك الألفاظ من الملكية والجمهورية والدينية والعلمانية وغيرها، وإنما الجوهر هو الدكتاتورية، ولهذا نشاهد -في البلاد الإسلامية- أنه لا فرق في الجوهر بين كل الأشكال المتواجدة في مختلف الأقطار.

إن السبب الذي يأتي بالدكتاتور إلى الحكم ثم يبقيه -ما بقي ذلك السبب- هو جهل الجماهير وتطبعها بنزعة منحرفة تجعل من عبادة الفرد والتسليم له مذهباً دينياً وتريهم أن كل ميل إلى الحاكم يكون كالميل إلى الدين.

فهو إذاً مرسل من قبل الله سبحانه وتعالى، ولا يعجز عن شيء، ولا يخضع للقوانين التي يخضع لها البشر، بل هو يتلقى وحياً خاصاً من السماء لا بسبب جبرائيل وإنما بسبب الإلهام إلى قلبه وكان بعضهم يقول: (يلهم إلى قلبه) وهل هو أقل من النحل الذي قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم: (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون) أو هو أقل من أم موسى حيث قال سبحانه: (وأوحينا إلى أم موسى)؟! فهو محاط بالعناية الإلهية وهو الزعيم الأوحد كما كانوا يعبرون بذلك عن عبد الكريم قاسم وهو فوق الجميع وعبد الكريم قاسم كان بنفسه يقول: (أنا فوق الميول والاتجاهات).

وهكذا الحال بالنسبة إلى شاه إيران وعبد السلام عارف وغيرهم من الدكتاتوريين الذين كانوا لا يرضون إلا بأن يعاملوا معاملة الإله، وكان أتباعهم يمجدونهم بهذا التمجيد، ولهذا تراهم يعبرون -هم- عن أنفسهم بأنهم رسل عقيدة وأنه لا تحيط بقدرتهم قوة البشر، ويصفون أنفسهم كما يصفهم أتباعهم أيضاً، بأنهم جاءوا وأصلحوا بما لم يكن له مثيل في سالف الزمان حتى إلى عشرات القرون.

وحيث أنهم يحاطون بغموض إلهي غيبي خارج عن قدرة البشر فهم لا يخضعون لفحص العمليات العقلية العادية، كما أنه ليس من المناسب أن يخضعوا للإجراءات الاستشارية، فإذا أراد إنسان أن يفعل الصواب كان عليه أن يطيعهم طاعة عمياء، وإذا أراد أن يفعل الخطأ فهو أن يشك في حكمة الرئيس الأوحد أو ممثله، وأحكام الممثلية تجري حتى بالنسبة إلى الشرطي العادي الذي يمشي في الشارع، فهو ممثل الزعيم الأوحد وقد قال أحدهم: (حكمي حكم الرئيس وحكم الرئيس هو حكم الله).

وحيث أن الزعيم صار كالإله فلا بد وأن تكون عقوبة المخالف له أيضاً عقوبة من مس كرامة الإله لا عقوبة عادية، فإذا أهان إنسان الزعيم في وقت ما ولو عند كونه إنساناً عادياً يكون جزاؤه الإبادة الكاملة لنفسه وعائلته ومصادرة ممتلكاته، كما رأينا ذلك بالنسبة إلى (أحمد حسن البكر) حيث أن مدير الأمن كان قد صفعه لمخالفة قام بها وهو إذ ذاك إنسان عادي فلما وصل إلى الحكم أمر بإعدامه ومصادرة جميع أمواله وسجن ذويه.

الحرب أداة الدكتاتور

وإذا اتفق أن اشتغل الدكتاتور بحرب كما اشتغل عبد الكريم قاسم بحرب الشمال، وعبد الناصر بحرب اليمن، فإن القداسة ترتفع إلى الألوهية الكاملة، فكل كلام حتى ضد أصغر موظف في الدولة يعد خيانة للوطن، وجزائها الإعدام والسجن، وإذا أراد إنسان أن يتكلم بكلمة يقال له: هل تهدر دماء الذين قتلوا في المعركة؟

فكلمة الإصلاح والهداية والتوجيه والإرشاد وما أشبه تصبح كلها مرادفة لهدر دماء المقتولين والتعاون مع الاستعمار إلى غير ذلك من العبارات المشابهة التي يتلقاها المصلحون في الشرق الأوسط.

وقد ذكر السيد الشيرازي أن أهم علائم الدكتاتور:

1 - عدم وجود الأحزاب الحرة، فإذا كان البلد إسلامياً، يلزم وجود أحزاب إسلامية حرة، وإذا كان غير إسلامي، كانت علامة الدكتاتورية عدم وجود أحزاب حرة.

2 - وعدم تبدل السلطة كل فترة من الرئيس الأعلى إلى سائر السلطات. وربما يقال، وهل في الإسلام مثل هذين الأمرين؟ والجواب: إن الحكومة الإسلامية قوامها:

(آ)- شورى المراجع الذين هم مراجع تقليد الناس.

(ب)- وأحزاب حرة إسلامية، وكلاهما يتعاونان في إدارة البلاد، حسب القوانين الإسلامية.

ويطرح الامام الشيرازي سؤالا هو: كيف يسقط الدكتاتور ولماذا؟

ويجيب: إن الحكم الدكتاتوري لا يمكن أن يبقى، لأنه مبني على الإرهاب، والإرهاب لا يمكن أن يدوم، وقد قال الحكماء قديماً: (القسر لا يدوم) والإرهاب ملازم للقسر لأن الإنسان يتطلب السلم والأمان، والإرهاب خلاف السلم والأمان، ولذا تنبأ العقلاء في الخمسينات وقبلها بسقوط الشيوعية وهاهي قد سقطت.

نعم إذا وجدت الحركة المنحرفة - دولة كانت أو غيرها - المقاومة الملائمة السريعة - سواء من الداخل أو من الخارج - سقطت بسرعة، وإلا سقطت ببطء فالفرق هو في الزمان لا في النتيجة.

وحول (آثار الدكتاتور) يذكر السيد الشيرازي: هي إفساد الأخلاق والدين والفضيلة والسياسة والاجتماع والاقتصاد وغيرها، وقد ذكر جملة منها الأمير شكيب أرسلان في كتابه طبيعة الاستبداد، هذا بالإضافة إلى أن الدكتاتور كثيراً ما يخلف الدمار وأحياناً يطول الدمار قروناً من الزمان لما أوجده من الحروب والقومية وتفريق الطبقات وغيرها.

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–2024

http://shrsc.com

.......................................

مصادر واحالات:

الديكتاتورية المفهوم والمظاهر/ قاسم محمد

أنظمة الحكم المعاصرة/ أحمد عبدالحكيم

ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين/ الامام محمد الحسيني الشيرازي

الموسوعة السياسية

النظم الدكتاتورية/ د. محمد رعد الدراجي

اضف تعليق