جلس أحمد كعادته أمام شاشة التلفاز مرفوع الحاجبين ماسك بيده جهاز الريمونت وصوت المذيع في كل أنحاء البيت وهو يُلقي نشرة الأخبار اليومية يرتفع صوته عندما يسمع بخطاب من الحكومة... ويضحك عندما يسمع بزيادة رواتب المتقاعدين... الحال كما هي كل يوم. يبحث في كل القنوات الإخبارية لعله يجد خبر مفرح يعيد ما تبقى من أمله لكن شاءت الظروف أن يسمع كل أحداث المعركة القتالية وأصوات المتظاهرين في ساحة التحرير قد شغلت كل الإعلام يردد بصوته: هذه التظاهرات، ستظلّ منقوشة في ذاكرة التاريخ، لتكون شاهداً على الجرائم التي ارتكبها داعش ومافعله المفسدون بالشعب العراقي، فإنها تُعبر عن الممارسات التي تنتهك حقوق الإنسان العراقي صغيراً كان أم كبيراً، رجلاً أم امرأة، طفلاً أم شيخاً.

ثم تطورت لتطال كلّ الأطراف ستظلّ وصمة عار على جبين الإنسانية إذا لم يقفون ضد هذه الحرب ويقدمون المساعدة للشعب العراقي. غيرته لا تسمح بأن يكون حجرا صامتا ثأر وغضب ولكن لم يكن يسمعه أحد... ولايجيبه سوى مذيع التلفاز ساعة وتطفئ الكهرباء.

ويتم ما أراد أن يقوله احمد العراق بلد الخير بلد الحضارات والثقافة لا يوجد فيه كهرباء؟ اين فلان! اين علان! لا يسمعون النداء ولا يلبونه ليخرج من البيت الى المنفس الوحيد والباقي له من كل هذه الأزمات هو المقهى. فمازال هنالك شيوخ وشباب يقضون أوقات فراغهم ويتكلمون بكل ما يتمنون أن يحصل في تلك الرفوف الممتلئة بأتربة الدخان وما بين المقاعد والطاولات وكاسات الشاي يتطرق للكلام ويتسلل الى الوضع الامني في العراق وما يمر به. الكل يصبح محلل سياسي ويعالج الامور بطريقته وفكره؟ البعض يقول أفضل الحلول هو الهجرة من العراق وطلب اللجوء الى اوربا. سواء كان بطريقة شرعية او غير شرعية كالعبور على البحار والمحيطات ومن دولة الى أخرى، وعندما يصل الى الدولة المطلوبة يعمل ويحصل على الجنسية يعيش في امن وأمان ويحترم ويُحترم مادام هنالك كل شيء متوفر جمال المنظر وحسن المعاملة وعمل للشباب لماذا نبقى هنا؟ البعض الاخر يرد ليقول نبيع املاكنا ونعيش في شمال العراق هنالك الأمن والأمان والسياحة. استفز أحمد من هذه الآراء ورد بصوت أين عراقيتكم؟؟

ألم تشربون من ماء دجلة والفرات؟

لماذا تهاجرون؟؟

الوطن لمن؟؟

كل ما هو موجود في العراق من قتل وتهجير وحروب سيأتي اليوم الذي تتمنى كل دول العالم أن تصبح مثله من الخيرات والنعيم. الم تسمعون بقول الشاعر: بلادي وان جارت عليه عزيزة البلد هو الأم هل تغيرون امهاتكم؟ فهي أيضاً حملتكم على ظهرها واعطتكم اسمها. كل الذين يهاجرون الى الخارج. يرجعون الى وطنهم ويحطون كنوارس على دجلة والفرات. هنالك اشياء جميلة لازالت موجودة في بلدي منها تلك البسمة الجريحة التي تشرق من شفاه اطفالك.

تلك العفة التي تغطي محافظاتك.

كان العراق ملجأ للمغتربين من ابناء الدول العربية قبل سنين ووطن لهم قدم لهم الخير والعمل. حتى فعلت الحرب فعلتها وحرقت كل ماهو جميل في وطني.

نسيتم من كان العراق. وكيف كان ينظر العالم اليه... كل أجنبي كان يتمنى بأن يقضي إجازة الصيف في بغداد مدينة السلام قلعة الاسود.

لا أمدح رئيسا ولا زمنا فقط اريد أن أذكركم العراق مازال فيه الخير لو توحدنا وتعايشنا كما كنا من قبل.

لنتعدى هذه الازمة بأقل الخسائر الممكنة ونحافظ على ما تبقى من هذا الوطن، نخيط ما قد فتق منه ونلم الشمل تحت سماء هذا الوطن، نقف معا ضد الفساد ضد المتاجرة بنا ضد التفرقة.

ليرجع وطننا الينا سالما غانما بعد رحلة طويلة عنا لعله يرجع بعد كل ما فعلوه به، العراق غادر منذ سنوات من الحرب فالم يتحمل ما فعلوه به من الخيانة والخبث رحلا بعيدا...

دجلة لم تعد تصب الماء بل دمع عيونها...

والفرات يجري لكنه مات منذ زمن...

الا يكفيكم كل هذا؟

الم يكفيكم رحيل الوطن أنتم أيضا ترحلون ارجعوا لعله يرجع معكم..

انتهى احمد من خطابه فإذا به يرى دموع الرواد في المقهى تنهدر. فمازال احمد يجلس ويردد نفس الخطاب حتى مات معه الحس الوطني الشريف.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق


التعليقات

علاء محمد
كربلاء المقدسة
احسنتم ام زينب صدك الوطنيه بلشباب مفقوده مع الاسف مرات واحد يسافر بس يشتاق لوطنه. تمنياتي لكم الاستمرار بلتألق والنجاح.2015-08-31