هل هناك اتفاق لتسليم أفغانستان من قبل الولايات المتحدة مقصودة؟، هل هناك تداعيات دولية لهذا الانسحاب الأمريكي والسيطرة الطالبانية؟، وهل هناك تداعيات إقليمية؟، هل هناك تداعيات محلية على العراق على وجه الخصوص؟، هل ممكن الاعتراف بحكم طالبان هذه المرة من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي...

الأحداث تتسارع وتتوالى سواء في موضوع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أو في موضوع السيطرة السريعة والمفاجئة لحركة طالبان على جميع مقاطعات البلاد، والاستغراب يتركز أكثر في سرعة هذه الأحداث كونها دون مقدمات، صحيح أن هناك اتفاق جرى العام الماضي في 29 شباط عام 2020 بين طالبان والولايات المتحدة في دولة قطر على جدولة الانسحاب لكن سرعة الانسحاب مقابل سرعة السيطرة لطالبان بهذه الطريقة يبعث بالشكوك ويجعل جميع الفرضيات حاضرة وبقوة، منها فرضية الاستلام والتسليم وفق خطة متفق عليها بين الطرفين.

طالبان لم تحكم أفغانستان للمرة الأولى بل سيطرت عليها سابقاً في 27 أيلول عام 1996 بشكل كامل، واستمرت لغاية 2001، حيث كان سقوط حكم طالبان نتيجة الاجتياح الذي قامت به الولايات المتحدة لأفغانستان تحت مسمى جهود مكافحة الإرهاب، ولكن منذ 15 آب 2021 بدأت صفحة جديدة في الحياة السياسية الأفغانية حيث تم إعادة السيطرة لحركة طالبان على جميع أو أغلب مفاصل الدولة، والتساؤلات أخذت تتوالى، هل هناك اتفاق لتسليم أفغانستان من قبل الولايات المتحدة مقصودة؟، هل هناك تداعيات دولية لهذا الانسحاب الأمريكي والسيطرة الطالبانية؟، وهل هناك تداعيات إقليمية؟، هل هناك تداعيات محلية على العراق على وجه الخصوص؟، هل ممكن الاعتراف بحكم طالبان هذه المرة من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي؟، وغيرها من الأسئلة المهمة التي تتعلق بالستراتيجية الأمريكية والتكتيكات المستجدة في التعامل مع الأحداث المعاصرة في ظل صعود الديمقراطيين.

وتثار أيضا حزمة من التساؤلات الأخرى، ما طبيعة التشابه في الانسحاب الأمريكي بين أفغانستان والعراق؟، وما طبيعة التشابه والتقارب بين فكر طالبان وفكر التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وداعش؟، صحيح جميع التساؤلات مهمة بحاجة إلى إجابات وافية، لكن هناك تساؤل جوهري يتعلق بمستقبل هذه الحركة في حكم أفغانستان، هل حركة طالبان استفادت من التجارب السابقة والتجارب المماثلة، وممكن أن يتحقق الاعتراف بها؟ هل لديها خطة آنية ومستقبلية لغرض إقامة دولة إسلامية على غرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟.

وقبل الدخول في تفاصل تداعياتها المستقبلية، لابد من توضيح سياساتها المتبعة للوهلة الأولى من السيطرة حيث يمكن أن تسجل عليها عدد من الملاحظات لعل من أبرزها:

1- طالبان أصدرت عفوا عاما عن المترجمين والمتعاونين مع الأمريكان منذ 2001 لغاية الآن، وهذه سياسة غير متبعة من قبل أغلب الحركات الإسلامية المتطرفة، حيث يعد هذا النوع من الإجراء سياسة صحيحة لبناء الثقة بين جميع أبناء الشعب الأفغاني بمختلف توجهاتهم الفكرية وانتماءاتهم الحزبية والعقائدية.

2- طالبان تعهدت بالتزاماتها تجاه الدول الأخرى وسوف لن تكن مكان لتهديد أي دولة وهي تحترم طبيعة البلدان الأخرى وخصوصياتها وبنفس الوقت تطالب باحترام أفغانستان وخصوصيات شعبه، وهذا على لسان المتحدثين الرسمين باسم الحركة.

3- طالبان أخذت تستعين ببعض المسؤولين السابقين حيث جرى لقاء مع الرئيس السابق حامد كرزاي في كابل، فضلا عن دعوتها إلى مشاركة المرأة مشاركة حقيقية في الحكومات القادمة، وهذه الخطوات جديدة في أفكار الحركة.

ويمكن ذكر أهم التداعيات المستقبلية الدولية المتوقعة، لعل من أبرزها:

1- مثل الانسحاب الأمريكي بهذا الشكل من أفغانستان بمثابة إعلان فشل للولايات المتحدة في سياستها المتعبة في أفغانستان (بالقياس إلى الأموال التي أنفقت والضحايا من القتلى الأمريكان التي أزهقت)، وفي نفس الوقت مثلت سيطرة طالبان ضربة نوعية من قبل الولايات المتحدة وجهت إلى ثلاثة دول مهمة (روسيا، الصين، إيران)، حيث يمكن أن تكون خطة أمريكية يتم من خلالها فتح جبهة غلقت لمدة طويلة طالما كانت محط قلق روسيا ضمن هذه المنطقة المهمة والحيوية بالنسبة لروسيا ومصالحها في الدولة المجاورة الأخرى.

2- إذا ما نجحت طالبان في الحصول على الاعتراف الدولي من منظمة الأمم المتحدة يعني ذلك خلق توازنات إقليمية جديدة وأبرزها ظهور دولة تمثل التطرف المذهبي الأفغاني مقابل التطرف المذهبي الإيراني، ووجود هكذا نوع من الدول قد تستغله الولايات المتحدة في المستقبل لإضعاف كلتا الدولتين إذا ما خططت لشعل أي فتيل أزمة تؤدي إلى حرب بينهما ومن خلال خططها تتمكن أن تحول الصداقة بينها إلى عداوة.

وقدر تعلق الأمر بالتداعيات الإقليمية، فهي واضحة لكل المختصين والمهتمين بشؤون الشرق الأوسط، لعل من أبرزها:

1- هناك تخوف لإعادة نشاط التنظيمات الإرهابية في المنطقة العربية وفي العراق وسوريا على وجه الخصوص لاسيما وأن هناك تنسيق وتشابه بين تنظيم طالبان ومعظم التنظيمات الإرهابية في المنطقة، خاصة وأن هناك تصريحات من قبل الرئيس الأمريكي جو بايدن أشار إلى أن الخطر الحقيقي يكمن في سوريا وليس أفغانستان.

2- بالإمكان تدفق الأسلحة والمعدات الحربية التي جهزت بها الولايات المتحدة الجيش الأفغاني إلى التنظيمات الإرهابية التي لديها تنسيق مع حركة طالبان.

3- سهولة سيطرة حركة طالبان بهذا الشكل المفاجئ قد يساهم في تشجيع حركات إسلامية متطرفة لملء الفراغ الذي قد تتركه الولايات المتحدة بعد انسحابها من العراق أو من أي منطقة رخوة أخرى، وبالنظر إلى كثرة الأسئلة حول المقاربة بين العراق وأفغانستان، يمكن ذكر أهم المقتربات والاختلافات بين الوضع الأفغاني والوضع العراقي، في ظل التوقعات المستقبلية.

1- التشابه الأبرز بين العراق وأفغانستان يتمثل في أن الولايات المتحدة قد احتلتهما بوقت مقارب (2001-2003) وقد عملت على سياسة مشابهة في تشكيل القوات العسكرية ودعم الحكومات التي تشكلت بمساعدتها ودعمها.

2- انسحاب الولايات المتحدة مستبعد لأسباب كثيرة منها إن للعراق مصالح عليا مع الولايات المتحدة، ولا يمكن المقارنة بين العراق وأفغانستان في هذه المصالح، ثم أن تواجد الولايات المتحدة في الخليج ودورها في حماية أمن إسرائيل يجعل خروجها من العراق مستحيلا.

3- وجود القوات الأمريكية في العراق ليست في وضع الانتشار بالقياس إلى وضع أفغانستان، حيث تتواجد ضمن قواعد بعيدة عن مركز المدن.

4- أفكار حركة طالبان وتوجهاتها ليست بعيدة عن المجتمع الأفغاني بالمجمل، في حين أن الحركات الإرهابية وتوجهاتها سواء القاعدة أو داعش غريبة عن المجتمع العراقي وهي غير مقبولة.

5- في العراق هناك ضد نوعي ضد التوجهات العسكرية العقائدية للحركات العنفية الجهادية، حيث مثل الحشد الشعبي قوات عسكرية تحمل بعدا عقائديا إضافة إلى البعد التنظيمي، لذلك سجل الحشد الشعبي انتصارات كبيرة وواضحة ضد عصابات داعش الإرهابي.

الخاتمة والاستنتاجات

يخطأ من يظن أن انسحاب الولايات المتحدة غير مدروس وغير مقصود، بل العكس الانسحاب وفق خطة محكمة لغرض إيجاد بؤرة جديدة للنزاع تؤثر تأثيرا مباشرا على عدد من الدول المجاورة والتي هي ضمن الدول المناوئة للولايات المتحدة الأمريكية لاسيما (إيران والصين)، ومن أهم المشاريع المهمة للصين قد أوقفت بفعل هذا المتغير المشروع الستراتيجي (طريق الحرير)، إضافة إلى أن الولايات المتحدة تتعامل مع الأقوى وتتعامل بواقعية مع الأحداث والتغييرات التي تسجل على أرض الواقع.

وقد سجلت على الموضوع عدد من الاستنتاجات لعل من أهمها:

1- مثل الانسحاب الأمريكي المفاجئ والسريع رسالة واضحة موجهة بالذات للعراق من جهة وموجهة للدول المجاورة لأفغانستان من جهة أخرى، وهو تكتيك جديد في سياستها المتبعة في قضايا الشرق الأوسط.

2- خلق الانسحاب الأمريكي والسيطرة الطالبانية بيئة إقليمية جديدة حيث بالإمكان إقامة دولة أخرى جديدة على غرار ما موجود في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث يتوقع إقامة ما يسمى الجمهورية الإسلامية الأفغانية.

3- بالرغم من العلاقات الايجابية بين حركة طالبان وإيران، لكن يعتقد أن الولايات المتحدة تراهن على مستقبل هذه العلاقات حيث تفترض أن تتعقد بعد استلام طالبان الحكم وبالتالي بالإمكان فتح جبهة خلفية لإيران ممكن أن تشغلها عن القضايا الأخرى.

4- بالرغم من اختلاف الوضع الأفغاني عن الوضع العراقي، لكن يجب أن يتعامل صاحب القرار السياسي مع هذه المستجدات على محمل الجد، وأهم لقاح فعال ضد أي تهديدات خارجية هو تقوية الداخل العراقي.

5- ما يسجل على كل جهود الولايات المتحدة عن التعامل مع قضايا الإرهاب والجماعات الإرهابية، أنها توظف القضايا أكثر من العمل على إنهاء وجودها، حيث ممكن جعل هذه الحركات مشاريع لتحقيق استراتيجيات للتوظيف أكثر من كونها استراتيجيات للمواجهة الحقيقية الفعالة.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2021Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق