انهم يطبخوننا على نار هادئة، ولن يرضوا الا ببقائنا سوقا مفتوحا لبضائعهم التي يشكل استقرار وضعنا المائي تهديدا ولو جزئيا لها، وليس أدل على ذلك من حرق حقول الحنطة والشعير، لا مصلحة لمن نتهم بحرق الحقول الزراعية، لأنهم يعلمون ان العراق يسد حاجته بالاستيراد، وفيه مصلحة للسياسيين التجار...

ينصح المسؤولون في وزارة الموارد المائية المواطنين بتوخي الدقة عند استقاء الأخبار من وسائل الاعلام، وعدم الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي، والذهاب الى المصادر الاخبارية الأصلية، والاستماع الى ما يقوله المختصون، لأن بعض ما يُقال بشأن شح المياه، واحتمال تعرض العراق الى أزمة مائية قد تصل بتأثيراتها حتى الى مياه الشرب، هي أخبار كاذبة، وان أوضاعنا المائية مستقرة، وليس هناك ما يدعو الى القلق.

وبعض من هذا الكلام قاله معالي الوزير مهدي رشيد الحمداني الأربعاء الماضي في مؤتمر صحفي من مدينة النجف الأشرف، وربما جاء تصريحه بهدف تبديد قلق الناس، مع ادراكه بوجود أزمة، فعند حصول الأزمات ليس من الحكمة الكشف عن جميع الحقائق، لأن من شأن ذلك اثباط العزائم، وارباك الرأي العام، ما يقلل من القدرة على ادارة الأزمة، ولكن هل ينطبق هذا الكلام على جميع الأزمات، ولا سيما الأزمة المائية المكشوفة أمام الناس، وعلى العكس مما قاله الوزير أكد بعض السياسيين ان في الأفق أزمة مائية خانقة، وأشاروا بالأرقام الى المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها الواقع الزراعي في البلاد.

وليس بالضرورة أن تكون تصريحات السياسيين مهنية وبنوايا سليمة تستهدف لفت أنظار الجهات المعنية لخطر محتمل، بل في غالبيتها ذات أبعاد سياسية يراد بها تشويه الصور، واقناع الرأي العام بفشل الحكومة في ادارة ملفات مهمة.

وفي غمرة التصريحات المتناقضة التي ازدحمت بها وسائل الاعلام، كنت أنظر الى نهر ديالى الذي يكاد يجف، وليس فيه سوى مستنقعات، يلعب الأطفال في قاعه دون خوف، في حين باشر بعض الفلاحين بحفر الآبار، الى ذلك تعالت شكاوى أهالي الأهوار من انخفاض منسوب المياه، وان بعض الأحياء السكنية في مدن عديدة لم يعد الماء منسابا لديها، يُضخ في أوقات ويقطع في اخرى على مدار النهار، اما في الليل فلا وجود للماء اطلاقا، على أقل تقدير في الحي الذي أسكن فيه، فعندما يكون هكذا هو الواقع فكيف لا تقلق الناس؟

ليس بالجديد الاشارة الى استخدام المياه كأداة مساومة لتحقيق مصالح وطنية، وهذا ما يجري في مختلف بقاع العالم، وأوضح أمثلته ما تقوم به أثيوبيا ازاء مصر والسودان، وتركيا وايران حيال العراق، وهذا ليس عيبا، بل هكذا هي السياسة، فالوزن الدولي يُقاس بمتانة الأدوات التي تُستخدم في المساومة التي تتعزز بتنوع أدواتها، وليس الاقتصار على واحدة يمكن للطرف المستهدف بها التحرر منها او الالتفاف عليها بسهولة، اذ تضع الدول الناجحة أكثر من (كماشة) لإيقاع الدول الأخرى، فان فلتت من واحدة وقعت في الاخرى.

ومع ان لدينا الكثير من الأدوات التي تمكّننا من المناورة في علاقاتنا مع دول الجوار وغيرها، لكننا أهملنا جميع الأدوات، واستسلمنا للنفط، ومع ذلك لم نتمكن من ادارته سياسيا، وظلت أنظارنا مصوبة الى مردوداته المالية فحسب، وصار مروره من الدول المجاورة فضلا علينا، وليس نحن أصحاب الجميل.

ولن أتحدث عما يربطنا من علاقات مع دول المنبع لأنهرنا والتي تجاوزت مستوى الاخوة والصداقة الى التضحية بشبابنا من أجلها، وأخرى شخصية وصلت الى حد تعديل ياقات القمصان، الا اننا لم نتمكن من اقناعها بالكف عن ملء السدود وتغيير مجرى الأنهار، والالتزام بحصتنا المائية، وهو حق تكفله القوانين الدولية.

انهم يطبخوننا على نار هادئة، ولن يرضوا الا ببقائنا سوقا مفتوحا لبضائعهم التي يشكل استقرار وضعنا المائي تهديدا ولو جزئيا لها، وليس أدل على ذلك من حرق حقول الحنطة والشعير، لا مصلحة لمن نتهم بحرق الحقول الزراعية، لأنهم يعلمون ان العراق يسد حاجته بالاستيراد، وفيه مصلحة للسياسيين التجار، ولا يشكل ذلك ضغطا، ابحثوا عن المستفيدين، هل بمقدورنا التلويح بإيقاف التبادل التجاري في حال استمرت سياسة التعطيش؟

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق