أمام الكاظمي تحديات معقدة، والامكانيات المتاحة له محدودة، وتكاد تكون معدومة، وندرك بأنه وفي ظل الظروف الراهنة لن يقدر على احداث التحولات التي يتطلع لها الناس، فهم يتلظون بنيران الفقر وانعدام الخدمات وانسداد الافق، ونتفهم خطواته الاصلاحية الحذرة، فما يريد تحقيقه يصطدم بمصالح قوى وأحزاب ودول...

لرئيس الوزراء السيد الكاظمي حق في أن يُمنح فرصة كافية، كما مُنح غيره، ونأمل ألا يوصلنا كما أوصلنا الذين سبقوه الى احتلال ثلث أراضي البلاد، او الى حافة الافلاس حتى لم تعد الدولة قادرة على دفع مرتبات الناس الا بشق الأنفس، مع ان العراق محل حسد الآخرين لثرواته المعدنية الغزيرة، وأراضيه الخصبة ومياهه الوفيرة وامكانياته البشرية الشابة، او الى تمزيق النسيج الاجتماعي بذرائع ما عادت مقبولة في زمن ينتفض فيه العالم ضد العنصرية، بينما يفكر ويعمل من يطلقون على أنفسهم بالقادة معارضين ومؤيدين للعملية السياسية بمفاهيم عفى عليها الزمن كالطوائف والمذاهب وحقوق المكونات، متناسين (ان العدل أساس الملك)، وان الكراهية والضغائن والانتقام لا يمكن لها أن تبني بلدا، فالبلدان تُبنى بالتسامح والمحبة وتقديس الانسان بوصفه قيمة عليا في هذا الكون، لكن وعي العراقيين وحسهم الوطني وروحهم الانسانية أفشلت كل هذه الأفعال الظلامية، وأثبتوا انهم أكثر وعيا من الذين قذفت بهم (…..) ليتسيدوا العمل السياسي، وبفعل (ادارتهم الفذة) صرنا مثار سخرية الذين كانوا يحلمون بالوصول الى أطراف ثيابنا كما يقول مثلنا.

أمام الكاظمي تحديات معقدة، والامكانيات المتاحة له محدودة، وتكاد تكون معدومة، وندرك بأنه وفي ظل الظروف الراهنة لن يقدر على احداث التحولات التي يتطلع لها الناس، فهم يتلظون بنيران الفقر وانعدام الخدمات وانسداد الافق، ونتفهم خطواته الاصلاحية الحذرة، فما يريد تحقيقه يصطدم بمصالح قوى وأحزاب ودول تمكنت خلال ما مضى من فرض هيمنتها يوم كانت البلاد مستباحة، وفقدنا أثناءها من يحركه ضمير وطني لإيقاف هذا التداعي المر، وكأن البلاد ليست بلادهم، والناس ليس أهلهم، لا يشغلهم سوى ملء خزائنهم، وليذهب الآخرون للجحيم.

فلم نسمع ممن أتت بهم العملية السياسية من العدم الى الوجود بالتبرع ولو باليسير من المكاسب لتجنيب البلاد حافة الانهيار، ومثل هؤلاء لا يمكن أن يكونوا أوفياء للوطن، الأوفياء وحدهم اولئك الذين ضحوا بدمائهم دفاعا عن شرف الوطن ومقدساته وتاريخه وكرامة شعبه، اولئك الذين لم يلتفت السياسيون بعين التقدير لدمائهم وحال عوائلهم التي يفترض أن تكون بمستوى من الرفاهية متقدم على غيرهم من شرائح المجتمع، وبعدهم يأتي المتقاعدون الذين تمثلت مكافأتهم باستقطاع رواتبهم التي بالكاد تكفيهم.

ومع ذلك لابد أن نعذر الكاظمي، فما السبل التي عليه سلوكها لخزينة لم يترك له الأولون فيها شيئا، فقد نهبوا ما فيها، ورهنوا أعناق العراقيين بدين خارجي يربو على123 مليار دولار بحسب أرقام صندوق النقد الدولي لعام 2017 ولا ندري كم بلغ حجم الدين الخارجي الآن، أما الدين الداخلي فقد بلغ بحسب تصريح سابق لمحافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق40 ترليون دينار، وبانخفاض أسعار النفط وتغّول الفساد تغدو المشكلة المالية كارثية، ما يعني ان الخدمات لن تتحسن، ولن تستحدث مشاريع جديدة، وفرص التوظيف في القطاع العام ستنعدم، ومع ركود القطاع الخاص ستزداد البطالة، وما يترتب على ذلك من تداعيات.

في هذا الواقع المالي والاقتصادي المتردي يعمل الكاظمي، الأمر الذي يستوجب من الجميع مساندته، وليس ابتكار العراقيل وتأليب الناس عليه، نأمل للكاظمي النجاح وهو يكشف عن شجاعة ملحوظة في التصدي لبعض الملفات، وان كان لم يمس العميق منها، وأولها ملفات الفساد من الطراز الأول، وشخصياتها معروفة للجميع، لكن الكشف عنها صراحة واتخاذ اجراءات بحقها قد يربك الوضع الداخلي في ظرف غير مهييء بالقدر الكافي. فهل سيتمرد الكاظمي على المنظومة التي أنتجته للانتقال بالجميع نحو فضاءات رحبة، ام سيحاصره الاخوة الأعداء بما لا يدعه قادرا على التنفس، مستثمرين التذمر الشعبي جراء اجراءاته المالية التي فيها مساس بأرزاق الناس، أم سيحرص على ولائه لأصدقاء الأمس ؟، القادم من الشهور كفيل بكشف الحقيقة.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق