عادة ما يكون الإنسان للحرية بكل أصنافها، الحرية في جميع الأنشطة والأمكنة التي يتحرك فيها الناس بشكل جمعي، ولكن في الأعم الأغلب تأتي الحرية في إطار مشروط، ويُطلَق عليها بـ الحرية المشروطة التي تحترم حريات الآخرين، وفي هذا المعنى لا توجد حرية مطلقة!...

عادة ما يكون الإنسان للحرية بكل أصنافها، الحرية في جميع الأنشطة والأمكنة التي يتحرك فيها الناس بشكل جمعي، ولكن في الأعم الأغلب تأتي الحرية في إطار مشروط، ويُطلَق عليها بـ الحرية المشروطة التي تحترم حريات الآخرين، وفي هذا المعنى لا توجد حرية مطلقة!.

وردت كثير من التعريفات التي سعت لتفسير حرية التعبير أو حرية الرأي، فقد فُسِّرت على أنها الحق السياسي لإيصال أفكار الشخص عبر الحديث، يستخدم مصطلح حرية التعبير أحياناً بالترادف، ولكن يتضمن أي فعل من السعي وتلقي ونقل المعلومات أو الأفكار بغض النظر عن الوسط المستخدم، عملياً حق حرية التعبير ليس مطلقاً في أي بلد وعادة ما يخضع هذا الحق لقيود مثلما في حالات التشهير والفحش والتحريض على ارتكاب جريمة، ويصاحب حرية الرأي والتعبير على الأغلب بعض أنواع الحقوق والحدود مثل حق حرية العبادة وحرية الصحافة وحرية التظاهرات السلمية.

وقد سُنَّتْ تشريعات متَّفق عليها حقوقا على مستوى عالمي تعترف بحق حرية التعبير كحق أساسي من حقوق الإنسان بموجب المادة رقم 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ويعترف به في القانون الدولي لحقوق الإنسان في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وتنص المادة 19 من العهد الدولي أن " لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة" وأنه " لكل إنسان حق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها"، وتستمر المادة بالقول أن ممارسة هذه الحقوق يستتبع "واجبات ومسؤوليات خاصة وأنه واستنادا على ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود" عند الضرورة كـ "احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم" أو " لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة".

مع حرية الرأي هناك حاجة مرادفة هي التفكير، فماذا يعني لنا التفكير؟ إنه بحسب مختصين عبارة عن مجمل الأشكال والعمليات الذهنية التي يؤديها عقل الإنسان، والتي تمكنه من جعل العالم الذي يعيش فيه نموذجيا، وبالتالي تمكنه من التعامل معه بفعالية أكبر لتحقيق أهدافه وخططه ورغباته وغاياته، التفكير هو إعمال العقل في مشكلة للتوصل إلى حلها، وبتعبير آخر التفكير هو (إجراء عمليّة عقليّة في المعلومات الحاضرة لأجل الوصول إلى المطلوب) وبقول أدق هو (حركة العقل بين المعلوم والمجهول)، ويمكن القول بأنه التصور الإجمالي والتفصيلي لواقع ما من حيث كنهه وعوامل تكوينه ومآلاته وطرق تحسينه وعلاج آفاته.

وهناك العديد من المصطلحات المرتبطة بمفهوم التفكير، أهمها الإدراك، الوعي، شدة الإحساس، الفكر، الخيال، وأن عملية التفكير تتضمن أيضا التعامل مع المعلومات، كما في حالة صياغتنا للمصطلحات، والإسهام في عملية حل المشكلات، والاستنتاج واتخاذ القرارات، ويعتبر التفكير أعلى الوظائف الإدراكية التي يندرج تحليلها وتحليل العمليات التي تسهم في التفكير ضمن إطار علم النفس الإدراكي.

والآن نأتي إلى مناقشة الإجابة عن السؤال الذي يطرحه العنوان، فكما عرفنا أن حرية الرأي ينبغي أن تكون مكفولة، ولكن هل يكفي هذا، أم علينا أن نستثمر حرية الرأي كي تضمن حماية الحقوق المشروعة لنا، مثلا هل يجوز أن نقوم بالتظاهر خارج الأطر التي تنظّم هذا الحق وتجعل منه ذا جدوى أكيدة وضامنة، أم أننا نتظاهر بأية طريقة كانت حتى لو تحولت إلى عنف يهدد السلم الأهلي وممتلكات الدولة وعامة الناس؟، بالطبع لا فائدة من حرية التعبير بهذه الطريقة.

كيف ننظِّم هذا النوع من الحرية ونجعله مجديا، إننا نحتاج إلى اشتراط مهم وهو التفكير الحر الذي نرى أنه يجب أن يسبق حرية التعبير عن الرأي، كالتظاهرات أو سواها من فعاليات الداعية والضامنة لحرية الرأي والتعبير، بمعنى أكثر دقة يحتاج الناس بالأخص في الشعوب والأمم المتأخرة إلى عملية تمهيد فكري ضامن لجدوائية حرية التعبير، على أن يكون الآخر منطلق من قناعتين راسختين:

أولا: قناعة نابعة من حاجة الناس الحقيقية لحرية التعبير بشكل صادق وليس صوري.

ثانيا: أن يتجسّد ذلك عبر وعي فكري عميق غير تابع ولا مسيَّس.

مثال ذلك، قد يندفع البعض بقوة للتعبير عن رأي ما ضد الحكومة أو غيرها، ليس بدافع الحاجة إلى حرية التعبير، وإنما اصطفافا عشوائيا ضمن ما يسمى بثقافة القطيع التي لا يحكمها التفكير الحر، فإذا كان الدافع حزبيا أو كيديا ضمن صراعات سياسية، فهذا النوع من التعبير عن الرأي ليس أصيلا، وإنما هو نوع من التفكير والانسياق وراء القطيع، وفي أفضل الحالات هو اصطفاف نفعي لا يهدف إلى تعزيز حماية حرية التعبير بقد ما يسعى للحصول على منافع مادية أو معنوية موعود بها من هذه الجهة السياسية أو تلك، وما الجيوش الإلكترونية التي نسمع بها في مواقع التواصل والعاملة لدى هذا الحزب أو ذاك، وهذه الشخصية أو تلك، إلا نوعا من الاصطفاف النوعي غير القائم على ثوابت حرية التفكير السابقة لحرية التعبير.

هناك كتاب وصحفيون لديهم استعداد أن يخالفوا حتى أنفسهم في مجال التأييد والتأييد المعاكس من أجل كسب منافع وامتيازات، فترويجهم لهذا الرأي أو ذاك ليس هدفه حرية التعبير، وإنما مصالحهم خصوصا المادية، لذلك مثل هؤلاء يضعون حرية التفكير في ثلاجة، ولا يحتاجون إليها، لأن حرية التعبير لديهم مباعة مسبقا بثمن معلوم أنا مدفوع لهم أو موعودين به.

ما نعنيه بحرية التعبير، هي تلك التي يسبقها حرية التفكير الواعي، بلا أي تأثير آخر سوى الوعي والصدق والذكاء والفهم الراسخ للرأي أو الهدف الذي يسعون إليه، فإذا ابتعدت ثوابت حرية التعبير عن الاصطفاف المسبق المزيّف النفعي، فهي فاشلة، هذا من ناحية، وإذا انطلقت بلا تفكير حر يقوم على الحقائق والثوابت والابتعاد عن القطيع والنفعية، فهي فاشلة أيضا، لذلك نرى أن حرية التفكير سابقة لحرية التعبير إذا قيِّضَ لنا أن نستفيد من هذا النوع من الحريات.

الخلاصة: فكّر بعمق وبشكل صحيح وذكي ودقيق، ومهّدْ بذلك لإطلاق رأيك بحرية، هكذا يمكن أن نضمن جدوى لحرية الرأي، خلاف ذلك، وإذا كانت حرية التفكير مشتراة مسبقا ومحيَّدة ولا دور لها، فلا فائدة من حرية تعبير لا يسبقها تفكير حر واعٍ مستقلّ، هدفه حماية حقوق وحريات الأمة قبل الحزب والجهة والحركة والشخصية السياسية أو الإعلامية أو غيرها.

اضف تعليق


التعليقات

الكاتب الأديب جمال بركات
مصر
أحبائي
التعبير الذي لايسبقه التفكير العميق هو كلام سطحي
يجب على الشخص اعمال عقله طويلا قبل أن يقف ويقول : يا أهل الحي
وعندما يتجمع حوله الناس يطلق لسانه بما يعتبره - في نفسه - أفصح رأي
ويجب على الإنسان تثقيف نفسه جيدا فالعقل بدون الثقافة كالزرع بدون ري
أحبائي
دعوة محبة
أدعو سيادتكم الى حسن الحديث وآدابه....واحترام بعضنا البعض
ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الأرض
جمال بركات...مركز ثقافة الألفية الثالثة2019-01-05
عبد الباسط سعدون
العراق
مقال أراه كثير الأهمية لأن الجيوش الإعلامية في مواقع التواصل صارت خطرا يهدد حرية التعبير أكثر من السلطات القامعة.. حبذا لو يكون هناك فضح لهؤلاء وتوعية للجمهور العام2019-01-05