q
ما علاقة الوعي الذاتي بالمادة؟ وهل الوعي تخليق عقلي ام تخليق احساسات الحواس الانطباعية بالذهن عن العالم الخارجي والداخلي؟ علاقة الوعي بالمادة علاقة ادراكية هي من تخليق الدماغ وليست من تخليق الحواس والذهن معا. الوعي ليس انطباعات مصدرها الحواس في علاقة ارتباطها بالذهن, بل الوعي ناتج ردود الافعال الارادية...

ما علاقة الوعي الذاتي بالمادة؟ وهل الوعي تخليق عقلي ام تخليق احساسات الحواس الانطباعية بالذهن عن العالم الخارجي والداخلي؟ علاقة الوعي بالمادة علاقة ادراكية هي من تخليق الدماغ وليست من تخليق الحواس والذهن معا. الوعي ليس انطباعات مصدرها الحواس في علاقة ارتباطها بالذهن, بل الوعي ناتج ردود الافعال الارادية التي يصدرها الدماغ في تفسيره لمدركات الحواس معرفيا يسميها كانط مقولات العقل الاثنتي عشر.

والوعي الذاتي هو وعي العقل لكينونته الأنوية المرتبطة بفيزياء الجسم وليس الوعي المرتبط بموضوعه المادي المدرك خارجيا في تجريده اللغوي الذي هو خاصية الوعي المجرد وليس خاصية المادة كموجود أنطولوجي شيئي. وعي الذات يختلف جوهريا عن وعي الأشياء والموجودات الخارجية والمحيط.

الوعي الذاتي هو جزء إدراكي في لغة تفكير العقل فهو يعي ذاته والمواضيع الخارجية لكنه اي الوعي لا يكون موضوعا لذاته الذي هو تفكير العقل, أي لا يكون الوعي موضوعا مستقلا لتفكير العقل به, إلا في إرتباطه كحلقة في منظومة الإدراك العقلي للاشياء والموجودات, أي الوعي جوهر مجرد لامادي ويكتسب ماديته الخصائصية غير الجوهرية من المادة التي يعيها في تعبير اللغة عنها... فالوعي جوهر تفكيري صامت ويكون فكرا لغويا تعبيريا عن ذاتيته وعن مدركات العقل المادية بتعبير اللغة عن الاشياء خارجيا. الوعي هو تفكير العقل اللغوي الصامت. الوعي مرحلة ادراكية عقلية تتجاوز ما تنقله الحواس.

منذ القرن السابع عشر عصر ديكارت أخذ مبحث (الوعي) في الفلسفة أهتماما أستثنائيا في أعقاب أطلاق كوجيتو ديكارت أنا أفكر.... الذي كان قمّة الوعي الذاتي المثالي في جعل الواقع الخارجي وجودا لا أهمية له في أمتلاك الوعي الفردي القصدي معرفة الذات وجوديا في خاصية التفكير المنفرد. ..

في أعقاب مجيء فلاسفة عديدين على مراحل زمنية متباعدة ظهر الفيلسوف هيرمان برينتانو بمقولته (أن الوجود القصدي هو ككل هدف قصدي موضوع ومضمون مختلفان) وسنجد تأثيرهذه العبارة على جون سيرل لاحقا..ليعقب – برينتانو - تلميذه هوسرل مستعيرا قصدية الوعي منه في شرح معنى أدراك الذات على أنها أشباع لوعي معرفي هادف في شيء محدد مقصود سلفا في وجوب الادراك بلوغه..

برأيي عبارة برينتانو الوجود القصدي هو ككل هدف قصدي موضوع ومضمون مختلفان تحمل تفسيرا منطقيا متناقضا غير نسقي اختصره بما يلي:

- ليس هناك وجود قصدي يحدد انطولوجيته وجود مادي مستقل يستبق الوعي.

- الهدف القصدي هو وعي سلوكي مصدره العقل والارادة وليس مصدره الوجود المادي للاشياء في استقلاليتها.

- الهدف القصدي المادي او المتخيّل لا يحمل تناقضا ان يكون موضوعا ومضمونا مختلفين في آن واحد. فالوعي القصدي بالفكر يحمل وعيا بالوصول لهدف معين يتوخاه بالموضوع. ومضمون ذلك الهدف لا يحدد وجوده الوعي بل تحدده انطولوجيا الهدف المراد بلوغه قصديا. المراد هنا في تحديد الانطولوجيا لهدف الوعي القصدي لا تحده المادة فقط بل يحده (الموضوع) الذي لا يتحقق له وجودا انطولوجيا متعينا كما في مواضيع الخيال.

وبهذا نفهم تأثير تلميذ هوسرل من بعد برينتانو, هيدجر في أعتباره الوعي القصدي هو نتاج الواقع المادي الذي لا يكون له معنى ما لم يكن وعيا ديناميكيا– في – عالم. مؤكدا أهمية الوجود المجتمعي ومقصّيا وعي الفردية الذاتية في سلبيتها الديكارتية, وجاء سارتر ليتوّج ذلك في الوجودية أن الوجود سابق على الوعي به ليلتقي بالفهم المادي الماركسي من غير رغبة منه بذلك وأنما مكرها لخلاصه من مثالية ديكارت الذاتية المقفلة في علاقة الأنا بكل من الفكر والوجود..

وخروج سارترلاحقا على الماركسية نفسها في جوانب فلسفية خلافية عديدة أفادت منها الفلسفة البنيوية كثيرا في نقدها القاسي للماركسية لدى كل من التوسير, وشتراوس, وفوكو, وبياجيه في تناولهم القاسي لكتاب راس المال..وغيرهم عديدون فعلوا ذلك.

كيف انتقل مبحث الوعي القصدي الى الفلاسفة الاميركان مثل جون سيرل, وسيلارز, ورورتي وغيرهم, من اقطاب فلاسفة العقل واللغة؟

مبحث الوعي القصدي كان مثار اهتمام الفلاسفة قرونا طويلة, وكان التهّيب من الخوض به هو مخافة الدخول في نفق مبحث ميتافيزيقي. مع ظهور فلسفة اللغة والتحول اللغوي ونظرية فائض المعنى التي ركز على هذه الاخيرة بتطرف فلسفي كلا من امبرتو ايكو في التاويلية وجاك دريدا في التفكيكية من غير اعلانهما عنهما صراحة. ما جعل الفلاسفة الاميركان يستضيفون الفلاسفة الفرنسيين والالمان من هواة فلسفة اللغة ويستلموا الراية منهم لاحقا ويعيدونهم الى بلدانهم الاوربية.

يذهب سيرل أنه أستنادا الى تقليد معرفي في الفلسفة المثالية يوجد فرضية خاطئة معتمدة تلك هي أننا لا يمكننا أدراك العالم الحقيقي بصورة مباشرة, وهي تشبه محاولة شخص تطوير علم الرياضيات على أفتراض عدم وجود الارقام.هذا المعنى الفلسفي كان مثار جدال حاد جدا بين الثلاثي جون لوك , ديفيد هيوم , وبيركلي, وقد تناولت اشكالية الادراك الانطولوجي في مقالتي المنشورة بعنوان (اشكالية الادراك : الاصل والصورة). وليس هنا مجال البحث في تفاصيلها لأنها تحتاج شرحا مطولا سبق لي تثبيته بالمقال.

هل الوعي يرتبط بعلاقة تجريدية مع الادراك ام بعلاقة عضوية بايولوجية مصدرهما منظومة الدماغ؟ ولمن تكون الاسبقية للادراك ام للوعي؟

بالحقيقة السؤال معقد ويحتاج عرضا توضيحيا يقوم على الثوابت التالية :

- الادراك الحسي لانطولوجيا الوجود يسبق تشكيل الوعي عنه.

- الادراك يرتبط بعلاقة تجريدية بالوعي.الادراك مرحلة بدئية متقدمة لما تنقله الحواس.

- باستثناء الحواس والجهاز العصبي والدماغ لا توجد مفردة واحدة إدراكية ترتبط بهذه المنظومة لا تكون تجريدا مصدره الدماغ عضويا., الذهن هوالانطباعات المؤقتة كما يشير لذلك ديفيد هيوم, اما الادراك , الوعي , الذاكرة , المخيلة جميعها مفردات تجريدية مصدرها منظومة العقل الادراكية ومركزها الدماغ.

- صحيح جدا ان هذه المفردات التي مررنا بها هي تجريد عقلي وظائفي لكن لا معنى لواحدة منها ولا لاكثر من واحدة منفردة قيمة يعتد الاخذ بها ما لم تكن مرتبطة بمنظومة الادراك العقلي ومركزها الدماغ والخلايا العصبية المليونية المختصة بكل واحدة من هذه المفردات الادراكية المجردة.

- يوجد إختلاف ليس بالبسيط بين فهم الفلسفة لهذه العلاقة الاشكالية وبين المنظور العلمي التخصصي التجريبي في معرفة وظيفة الخلايا الدماغية المسؤولة عن كل مفردة من هذه المفردات التجريدية.

- ترتبط هذه المفردات التجريدية فيما بينها بصيغة التكامل الوظيفي الادراكي ولا يمكن ان يكون هناك قيمة لواحدة منها لا ترتبط مع غيرها. بمعنى لا وجود لذهن بغير حواس, ولا وجود لادراك من غيرمادة او موضوع, ولا معنى لخيال لا يرتبط بمخيلة استرجاعية , ولا معنى لذاكرة من دون استرجاعات تذكرّية وتداعيات فكرية خيالية وهكذا.

هل ان ادراك الشيء هو غير الوعي به وغير معرفته؟

في عبارة لجون سيرل أن أدراك العالم الحقيقي لا يتم عبر الاحساسات المنقولة للدماغ بصدقية يعتمدها الادراك العقلي المباشر وهو طرح سليم ودقيق, ومن هنا يكون الادراك العقلي منقوصا ويفقد الواقع الحقيقي كموضوع للادراك الكثير من مزاياه, هذا من جهة.. من جهة أخرى يتمّثل عدم امكانية معرفة الواقع على حقيقته في تعّذر الادراك الحقيقي المباشرله, أن وسيلة العقل الادراكية للعالم الخارجي تقوم أساسا على تأطير صادرات الاحساسات المنقولة الى الدماغ حسيا بزمن أدراكها الذي يجعلها متعيّنا مكانيا – زمانيا في بنية واحدة لا تنفصم, وبغير هذه الآلية يتعذّر على الادراك العقلي أن يكون واقعيا وسليما في أدراكه الأشياء المنّظم فكريا بعيدا عن الادراكات الهلاوسية الناقصة, فجوهر الادراك هو الوعي بموضوع يأتي الدماغ ويستلمه عبر منفذ الحواس الذهني والمنظومة العصبية, أي بمادة خام يكون مصدرها بالنسبة للعالم الخارجي الحواس والزمن الذي يحتويها وجودا,أو بالنسبة لموضوع الخيال المستمد من الذاكرة تأمليا أسترجاعيا في فعالية ذهنية تجريدية لا يكون فيها الموضوع متعّينا وجودا في عالم الاشياء..

وبخلاف هذين الآليتين لا يكون هناك أدراك للواقع الحقيقي سليم يعتمده العقل أو الدماغ تحديدا.. ويبقى ألادراك القصدي ناقصا تماما في تعّذر أدراك العالم الحقيقي مباشرة بفهم يمّكن العقل من معالجته لمواضيع أدراكاته بالمقولات التي تجعل من المدركات مواضيع معرفية وليس مواضيع أشباعات بيولوجية خالصة..

كما يوجد فرق بين الادراك المعرفي والادراك الغريزي.. فالادراك المعرفي هو معرفة العالم الخارجي كوجود انطولوجي, والادراك الاستبطاني الداخلي يتمثل بردود الافعال لمثيرات أجهزة أحاسيس الانسان الداخلية في اشباع حاجات الانسان الغريزية مثل الحاجة للاكل والحاجة للنوم او الحاجة للجنس وهكذا, وتدخل مواضيع الادراك الخيالية في تلبية اشباع رغبة استبطانية تراود الانسان اشباعها. هذا الاشباع الغريزي حاجة لا تمت بصلة الى الوعي المعرفي.

.....................................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق