بعد أسابيع على الهجوم الذي استهدف مبنى البرلمان وخلف خمسة قتلى وعشرات الجرحى، عادت لندن مع استعداد البلاد لإجراء انتخابات مبكرة في الثامن من حزيران/يونيو. إلى حالة التأهب المرتفع غداة حملة مداهمات واعتقالات قامت بها الشرطة لمواجهة مستوى "النشاط الإرهابي" المرتفع. ومنذ أغسطس آب 2014 تعيش بريطانيا في ظل ثاني أعلى مستوى تحذير وهو ما يعني أن هجوم مسلحين متشددين مرجح جدا. وقال مسؤولون أمنيون إن الأجهزة الأمنية أحبطت 13 مخططا إرهابيا منذ عام 2013 فيما أجرى أكثر من 500 تحقيق في وقت واحد. وأوضح مساعد مفوض شرطة منطقة لندن مارك راولي أن "جزءا كبيرا" من المشكلة يتعلق بحوادث مستوحاة من تنظيم داعش فيما لا تزال القاعدة تشكل تهديدا رئيسيا، إضافة إلى اليمين المتطرف.

وكشف راولي أن معلومات قدمها أشخاص عاديون ساعدت في نحو ثلث التحقيقات عالية المخاطر. وأفاد أن "أجهزة الاستخبارات والشرطة معا تمكنت من تعطيل 13 مخططا لهجمات إرهابية في المملكة المتحدة منذ حزيران/يونيو 2013". وحذر من أن "التهديد بات أكثر تنوعا والانتقال نحو هجمات بتقنيات بسيطة على أماكن مزدحمة مثل التي شهدناها في مدن أوروبية كبرى وغيرها تزيد من الحاجة ليكون الجميع في حالة يقظة" مضيفا أن القوى الأمنية تقوم بـ"أكثر من 500 تحقيق في أي مرحلة". وأفادت دراسة من مركز الأبحاث المحافظ "هنري جاكسن سوسايتي" أن الجرائم الإرهابية المستوحاة من الإسلاميين تضاعفت تقريبا، من 12 كل عام بين 1998 و2010 إلى 23 في كل من السنوات الخمس اللاحقة.

وأظهر تحليل لـ269 جريمة من هذا النوع منذ عام 1998 أن معظم المنفذين هم بريطانيون أو من حملة جنسيتين فيما عدد مرتفع جدا منهم كانوا اعتنقوا الإسلام. ويتزايد تورط النساء حيث شكلن أربعة بالمئة من مرتكبي الجرائم بين عامي 1998 و2015، و11 بالمئة بين 2011 و2015. واعتبر مستوى التهديد الذي يشكله الإرهاب الدولي على بريطانيا "شديد" منذ 2014، مما يعني أن هناك احتمالا كبيرا لحدوث هجوم. وقتل مهاجمون إسلاميون 52 شخصا في تفجيرات انتحارية استهدفت شبكة مواصلات لندن في تموز/يوليو 2005، فيما حصلت حوادث معزولة منذ ذلك الحين.

تهديدات الإرهابية

وفي هذا الشأن تواجه بريطانيا أخطر مستوى من التهديدات الإرهابية منذ هجمات الجيش الجمهوري الأيرلندي في لندن في سبعينات القرن العشرين، وفقا لهيئة رقابية جديدة أُسست لمتابعة إجراءات وقوانين مكافحة الإرهاب. وقال ماكس هيل، رئيس الإدارة المستقلة الجديدة، لصحيفة صنداي تليغراف البريطانية إن إسلاميين متشددين يستهدفون مدنا بريطانية.

وأشاد هيل بكفاءة أجهزة المخابرات البريطانية في الحد من خطر التهديدات الإرهابية في البلاد. وتعهد هيل بمراجعة إجراءات مكافحة الإرهاب مع مراعاة المخاوف حيال انتهاكات الحريات التي قد تحدث أثناء إجراءات المكافحة. وقال هيل، الذي قاد بنجاح الإدعاء ضد منفذي تفجيرات 21 يوليو/ تموز 2005 الفاشلة في لندن، إن تنظيم داعش يخطط لشن "هجمات عشوائية على مدنيين أبرياء من أي عرق أو لون" في مدن بريطانية.

وأشار إلى أن حجم الهجمات المُخطط لها يماثل تلك التي شنها الجيش الجمهوري الأيرلندي في سبعينات القرن العشرين. وأضاف، في أول مقابلة معه بعد توليه الدور الرقابي الجديد، أن هناك فروق بين الإطار الفكري للجيش الجمهوري الأيرلندي، وذلك الذي يتبناه تنظيم الدولة. وأعرب عن اعتقاده بأن هناك تهديد مستمر بهجمات يماثل على الأقل مستوى التهديدات الإرهابية في لندن حين كان تنظيم الجيش الأيرلندي ناشطا في بريطانيا.

وسلط هيل الضوء على خطر عودة البريطانيين الذين سافروا إلى العراق وسوريا من أجل القتال إلى بريطانيا مرة أخرى. وقال "هناك مخاوف هائلة من أن عددا كبيرا من البريطانيين - وهو ما نعرف أنه يعني على الأقل مئات المواطنين البريطانيين الذين غادروا هذا البلد للانضمام للقتال - بدأوا العودة أو على وشك أن يفعلوا". ودافع هيل عن بعض الوزراء في الحكومة البريطانية بعدما تقرر صرف تعويض لجمال الحارث عن سجنه في معتقل غوانتانامو الأمريكي قبل أن ينفذ تفجيرا انتحاريا في العراق لاحقا. وأشارت تقارير إلى أن قيمة التعويض بلغت مليون جنيه إسترليني. وقال هيل إن الوزراء الذين وافقوا على التعويض لم يكن لديهم أي وسيلة لمعرفة أنه سوف ينضم إلى تنظيم الدولة في وقت لاحق.

وأودع الحارث، المعروف سابقا باسم برونالد فيدلر والذي كان في الخمسين من عمره آنذاك، سجن غوانتانامو في عام 2002. وفجر الحارث سيارة مفخخة في وقت سابق من هذا الشهر بالقرب من قاعدة عسكرية عراقية، بجنوب غرب مدينة الموصل.

وأكد المسؤول الرقابي الجديد لقوانين وإجراءات مكافحة الإرهاب على أنه لابد من التحقيق في أي خطأ حدث في صرف تعويضات لأحد الأشخاص من أموال دافعي الضرائب البريطانيين، خاصة أن هذا الشخص يمثل تهديدا حقيقيا على الأمن القومي البريطاني من خلال ممارسة أنشطة إرهابية داخل أو خارج البلاد. لكنه أشار إلى أنه لا يمكن محاسبة المسؤولين على خطر غير قابل للتعقب، ولم يكن له وجود وقت صرف التعويض.

تحركات واعتقالات

من جانب اخر قالت الشرطة البريطانية إنها أحبطت مخططا إرهابيا بعد إطلاق النار على امرأة خلال مداهمة منزل في شمال لندن في ثاني عملية أمنية كبيرة في العاصمة البريطانية. واستخدمت شرطة مكافحة الإرهاب الغاز المسيل للدموع في اقتحام منزل كان تحت المراقبة في منطقة ويلسدن بلندن قبل أن تطلق النار على امرأة في العشرينيات. وتشير أنباء إلى أنها نقلت إلى المستشفى في حالة خطيرة ولكن مستقرة.

وردا على سؤال عما إذا كانت الشرطة قد أحبطت مخططا قيد التنفيذ قال نيل باسو المسؤول الكبير بشرطة مكافحة الإرهاب للصحفيين "نعم". وألقت قوات الأمن القبض على رجل بحوزته ثلاث سكاكين على الأقل على مقربة من مكتب رئيسة الوزراء تيريزا ماي في وستمنسر في عملية أخرى نفذتها عناصر مسلحة من شرطة مكافحة الإرهاب. وما زالت الشرطة تحتجز الشاب البالغ من العمر 27 عاما والذي كان يخضع لمراقبة المخابرات والشرطة.

وقال باسو "بفضل هذه الاعتقالات أعتقد أننا أحبطنا التهديدات التي كانوا يشكلونها" مضيفا أنه "كان يوما استثنائيا في لندن". وأشار باسو إلى أن ستة أشخاص اعتقلوا في عملية منطقة ويلسدن خمسة منهم في المنزل والسادس في كنت بجنوب شرق إنجلترا. وقال "كانت المداهمة المسلحة ضرورية بسبب طبيعة المعلومات التي وردتنا من المخابرات وتم إطلاق عبوات غاز مسيل للدموع في العنوان المذكور". وأضاف أن عمليات تفتيش تجري في ثلاثة منازل أخرى.

وما زالت الشرطة تستجوب الرجل الملتحي الذي اعتقل في عملية خاطفة على مرمى حجر من مبنى البرلمان ومكتب ماي ووزارات. ولم يصب أحد في العملية وأظهرت الصور ثلاث سكاكين على الأرض حيث اعتقل الرجل. وقال باسو إن الرجل يخضع للتحقيق في تهم إرهابية كما يجري تفتيش عقارين على خلفية التحقيق. وقال مصدر أمني إن الرجل، وهو من لندن، كان على لائحة مراقبة شرطة مكافحة الإرهاب وجهاز المخابرات الداخلية (إم.آي.5) قبل اعتقاله. وقال مصدر آخر مطلع على التحقيق إن المشتبه به ربما كان على اتصال مع مسلحين متشددين خارج بريطانيا وسافر للقائهم لكن لا يعتقد أنه كان على اتصال مع مسلحي تنظيم داعش.

مجرم عنيف

الى جانب ذلك قال محققون بريطانيون إن منفذ هجوم لندن كان مجرما عنيفا قبل أن يعتنق الإسلام ويبتعد عن المشكلات لأكثر من عشر سنوات ثم تحول إلى التشدد من خلال مواد منشورة على الإنترنت وإنه استهدف البرلمان في "هجوم منفرد". وتقول الشرطة إن خالد مسعود الذي حاول وضع ماضيه المضطرب وراء ظهره من خلال اللجوء إلى الدين قلد هجمات محدودة التكاليف والإمكانيات التكنولوجية التي يتبناها تنظيم داعش. لكن المحققين لم يجدوا أي شيء يربطه بجماعات متشددة في الداخل أو متشددين في الخارج.

وقال مصدر أوروبي مطلع على التحقيق "السؤال المهم هو لماذا تحول هذا الرجل إلى قاتل... وهذا هو أصعب سؤال تتعين الإجابة عليه لأن التطرف شديد التعقيد ومليء بالفروق الدقيقة... أحد خطوط التحقيق الجادة هو أنه فعل ما فعل بسبب شيء رآه على الإنترنت." وفي اليوم التالي لهجوم على البرلمان قالت رئيسة الوزراء تيريزا ماي إن المهاجم البالغ من العمر 52 عاما دخل دائرة اهتمام جهاز الأمن الداخلي (إم.آي5) كشخصية ثانوية في تحقيق بشأن متطرفين يمارسون العنف، مما أثار مخاوف من أن السلطات كان عليها أن تعرف أنه تهديد محتمل.

لكن مصادر مطلعة على التحقيق رفضت تلك المخاوف. وقالت إن جهاز المخابرات رصده وهو يبحث في "مؤامرات عديدة" في لوتن التي تبعد 55 كيلومترا إلى الشمال من لندن حيث كان يعيش قبل نحو خمس سنوات. وقال مصدر حكومي أوروبي إن اسم مسعود ظهر خلال تحقيق في شبكة يشتبه في مساعدتها لأفراد على السفر من بريطانيا للانضمام لجماعات متشددة في أفغانستان وباكستان لكن لم يربطه شيء مما خلصوا إليه بأي جماعة أو فصيل أو رجال دين متطرفين.

وبدلا من ذلك يشتبه محققون في أن قراءة ومشاهدة مواد تحض على التطرف على الإنترنت قادته لدهس مارة بسيارة مستأجرة على جسر وستمنستر في لندن مما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص قبل أن يقتحم ساحة البرلمان ويطعن شرطيا حتى الموت. وقتل مسعود بالرصاص بعد الهجوم الذي دام 82 ثانية. وقال نيل باسو المنسق الوطني لشرطة مكافحة الإرهاب في المملكة المتحدة "لا أدلة لدي على أنه بحث هذا مع آخرين. وعلى الرغم من أنني لم أجد أدلة على صلته بتنظيم داعش أو القاعدة فإن هناك اهتماما واضحا بالتشدد."

ويشير تحقيق الشرطة بقوة أيضا إلى أن مسعود كان ما يطلق عليه "مهاجم منفرد" ينفذ نوع الهجمات الذي دعا له المتحدث باسم داعش أبو محمد العدناني عندما كان التنظيم في أوج قوته في أواخر عام 2014. واحتجزت الشرطة 12 شخصا من المقربين لمسعود فيما له صلة بالهجوم. ولم يبق منهم إلا شخص واحد رهن الاحتجاز فيما قيل للباقين عدا واحدا إنهم لا يواجهون أي إجراءات قانونية أخرى.

لكن تقارير إعلامية تقول إن مسعود استخدم خدمة الرسائل النصية لتطبيق واتساب قبيل الهجوم مما ترك احتمالا مفتوحا بأن شخصا آخر قد يكون متورطا معه. وقال كريج ماكي القائم بأعمال قائد شرطة لندن "بينما نعتقد في تلك المرحلة أن مسعود تصرف منفردا في تنفيذه للهجوم فتحقيقنا مستمر لمعرفة ما إذا كان هناك آخرون متورطون بأي شكل من الأشكال وأؤكد أن هذا التحقيق مفتوح." بحسب رويترز.

وقال فاراسات لطيف وهو مدير سابق لمدرسة لتعليم اللغة الانجليزية في لوتن عمل فيها مسعود مدرسا إنه لم ير ميلا لديه نحو التشدد في وقت كان فيه في دائرة رصد (إم.آي5) في عام 2012 تقريبا. وقال لطيف "كان بعيدا عن السياسة أكثر من أي مسلم أعرفه. لم يكن هناك اهتمام على الإطلاق... أتذكر فقط أنه كان مهذبا وودودا وشغوفا (بمعرفة) الإسلام." وقال باسو "أعلم متى وأين وكيف ارتكب مسعود فظائعه لكن الآن احتاج لأن أعرف لماذا... يجب جميعا أن نتقبل أن هناك احتمالا أننا لن نفهم أبدا لماذا فعل ذلك. هذا السبب ربما مات معه."

إجراءات الأمن

على صعيد متصل قال وزيران بريطانيان إن بلادهما ستراجع الإجراءات الأمنية في مقر البرلمان في رد على انتقادات بأن بوابة مخصصة للسيارات تركت مفتوحة لفترة ما أثناء الهجوم الدموي. ونشرت صحيفة التايمز لقطات تشير على ما يبدو إلى أن البوابة تركت دون حراسة فيما كان الشرطي يتلقى المساعدة وهي رواية قالت عنها الحكومة والشرطة إنها لا يمكن تأكيدها أو نفيها لحين استكمال التحقيق في الواقعة.

وقالت وزيرة الداخلية أمبر راد لهيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) إن مراجعة أخرى ستتم لإجراءات الأمن في قصر ويستمنيستر إلا أن تلك الترتيبات تخضع للتقييم بصورة مستمرة. وقالت "هناك مراجعات مستمرة وعمليات تحديث حتى يكون لدينا الشكل الصحيح من الدفاع في البرلمان. إنه أمر لا نأخذه باستخفاف على الإطلاق. ونتيجة لذلك وبمسار العمل الطبيعي سيكون هناك مراجعة أخرى." وتابعت قائلة "أعتقد ما يؤكد عليه ذلك هو الحاجة لضمان إحكام الأمن بشكل تام لأن أعضاء البرلمان يشعرون في بعض الأحيان بأنهم تحت ضغط في دوائرهم وفي البرلمان." بحسب رويترز.

وقال ديفيد ليدينجتون رئيس مجلس العموم إن السلطات شددت إجراءات الأمن في العامين الماضيين وإن مقر البرلمان يحظى بحراس مسلحين في كل الأوقات. وقال "إذا كان التقدير الصادر عن خبرائنا الأمنيين هو أن هناك حاجة لوضع المزيد من الحراس المسلحين في أماكن بعينها فسيتم نشرهم وفقا لذلك." وأضاف "لكن أعتقد قبل أن نقفز لاستنتاجات عن الدروس المستفادة من هجوم المريع فمن المهم أن نسمح للشرطة باستكمال مقابلة الشهود وضباطها أنفسهم."

اضف تعليق