كارلو إنفيرنتسي أكسيتي

 

يمكن أن يؤدي الهجوم الوحشي الذي وقع يوم الأربعاء في باريس على مقر الصحيفة الأسبوعية الساخرة شارلي إبدو وأوقع 12 قتيلا وأكثر من 20 جريحا إلى عواقب غير محمودة.

وبعيدا عن الحزن على الضحايا وأقاربهم فإن كثيرين يحاولون التكهن بردود الفعل السياسية التي ستظهر بعد هذا الهجوم.

في كلمة ألقاها الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند بمكان الهجوم بعد ساعات قليلة من وقوعه دعا إلى "الوحدة الوطنية" في مواجهة "مأساة تؤثر على الجميع." ومع ذلك فإن من الواضح أن الهجوم ينطوي على خطر إشعال لهيب وضع متوتر بالفعل ليس في فرنسا وحسب وإنما في أوروبا كلها.

تشير التقارير بقوة إلى أن الهجوم مرتبط بشكل من أشكال التشدد الإسلامي. وإذا تأكد ذلك فإن النتيجة يمكن أن تكون زيادة كبيرة في الخطاب المناهض للمسلمين في أوروبا.

إذا اضطرت حكومة أولوند المنهكة فعليا إلى مجاراة البرنامج المناهض للمسلمين الذي يتبناه اليمين المتطرف فإنها قد تضطر لاتخاذ بعض القرارات غير الحكيمة.

على سبيل المثال إذا اتضح أن هناك احتمالا لأن يكون الهجوم مرتبطا بتلقي المهاجمين الدعم أو التدريب العسكري من منظمات إسلامية تعمل في الخارج فماذا سيكون رد فعل الرئيس الفرنسي والرأي العام؟

من أجل تقييم المخاطر فربما يكون من المهم دراسة السياق الأوسع الذي وقع فيه الهجوم. وإذ نفعل ذلك فإننا لا نقدم بأي شكل تبريرات أو نبرىء ساحة مرتكبي تلك الهجمات. تلك الأفعال يجب أن تدان بلا تحفظ. لكن في الوقت نفسه من المهم ألا تغيب عنا القضايا والأحداث التي تشكل الهجمات.

يوم الاثنين في درسدن بألمانيا شارك أكثر من 18 ألف شخص في مظاهرة نظمتها جماعة (الأوروبيون الوطنيون ضد أسلمة الغرب). وتم تنظيم مظاهرات مماثلة مناهضة للمسلمين في شتوتجارت ومونستر وهامبورج.

وقبل ذلك ببضعة ايام شهدت السويد ثلاث هجمات بالقنابل الحارقة على مسجد. ووقعت تلك الهجمات في غضون أسبوع واحد. في تلك الدولة كان الرد الرئيسي هو مظاهرة ضد العنصرية أمام البرلمان بينما دعت وزيرة الثقافة السويدية الحكومة إلى التدخل لمواجهة رهاب الإسلام.

في فرنسا نشر رسم على غلاف أحدث عدد من شارلي إبدو قبل الهجوم يصور الروائي المثير للجدل ميشيل ويليبيك الذي يتخيل أحدث كتبه مستقبلا كارثيا يتولى فيه رئيس إسلامي مقاليد السلطة في فرنسا. وصدر العدد يوم الهجوم.

ومن التفاصيل الرئيسية التي لاحظها المعلقون رمزية الانتخابات في أحداث الرواية. تفوز جماعة "الإخوان المسلمين" الفرنسية التي يتخيلها الكاتب بجولة إعادة في الانتخابات مع منافس غير بعيد عن الواقع هو حزب الجبهة الوطنية الذي تقوده مارين لوبان الأمر الذي يترك الناخبين بلا خيارات سوى انتخاب مرشح متطرف.

اما الوسط فليس له مكان. وكما قال المؤلف نفسه لاحقا في مقابلة مع مجلة (ذا باريس ريفيو) فإن هذا العنصر يعكس مخاوفه من أن السياسة الفرنسية ربما تكون تمر بعملية تحول إلى صراع بين "الإسلاميين" و"الوطنيين".

السيناريو المتخيل سيكون كابوسا حقا. لكن هل هذا التضاد الثنائي هو الطريقة المثلى للنظر الى المشكلة؟

الخطر الأكبر الآن هو السقوط في شرك وضع الهجوم في إطار الصراع بين الإسلام والغرب.

من ناحية فإن وضع الهجوم في هذا الإطار هو بالضبط ما يريده الإرهابيون - إنها الطريقة التي ينظرون بها الى العالم - وهو إطار تكون لأفعالهم معنى فيه.

من الناحية الأخرى فهي طريقة تضمن تحويل الاهتمام عما هو معرض للخطر في الصراع ضد الإرهاب مثل قيم الانفتاح والتعددية والتسامح التي يزدريها الإرهابيون بوضوح.

الطريقة الوحيدة للرد على الهجوم على شارلي إبدو هي الدفاع عن القيم التي يفترض أن الجمهورية الفرنسية تمثلها ومعاملة هؤلاء المسلحين كما ينبغي أن يعاملوا فهم مجرمون خطرون يجب أن يمثلوا أمام العدالة عما اقترفوه.

* رويترز-كارلو إنفيرنتسي أكسيتي محاضر في العلوم السياسية في معهد الدراسات السياسية في باريس
http://ara.reuters.com/

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق