آفاق انتخابات تمهيدية

جرت انتخابات "فرعية" في عدد محدود من الولايات الاميركية، مطلع الاسبوع، ومغزى نتائجها على الانتخابات الرئاسية المقبلة، خاصة في ظل اداء متواضع للحزب الديموقراطي في بعض مراكزه القوية، وفوزه في البعض الآخر، ودلالات نجاح خصومه في الحزب الجمهوري وما يشكله من تحديات اضافية لقيادة الحزب.

من بين الولايات "الاشكالية" للحزب الديموقراطي كينتاكي وفرجينيا، اذ تصوت الاولى عادة لصالح الحزب الجمهوري لكن مجلسي النواب والشيوخ يخضعان لسيطرة تيار محافظ في الحزب الديموقراطي، والذي لا يتورع عن تسجيل اختلافه مع قيادة الحزب. ولاية فرجينيا اتخذت نقلة نوعية في العقد الحالي بالتصويت لصالح الحزب الديموقراطي، مما أسفر عن منصب حاكم الولاية لصالحه، في السابق، بينما أخفق مرشحوه عن حصد اغلبية في مجلسي النواب والشيوخ للولاية.

ما يثير الانتباه والقلق في آن للحزب الديموقراطي ان منصب حاكم ولاية كينتاكي فاز به المرشح الجمهوري مات بيفن ونائبته السوداء (من اصول افريقية) جنين هامبتون، بنسبة 53% مقابل 44% للحاكم الديموقراطي الحالي جاك كونواي، الذي بشرت استطلاعات الرأي بفوزه قبل بضعة ايام من اجراء الانتخابات؛ وهي المرة الثانية لحاكم جمهوري منذ عام 1971، وفاز الحزب الجمهوري ايضا بمناصب رفيعة اخرى في الولاية.

لا يستبعد ان يراهن الحزب الجمهوري على جنين هامبتون لكونها امرأة بالدرجة الاولى والتعويل على تسويقها في مرحلة الانتخابات الرئاسية المقبلة، وما ترمز اليه تلك الخطوة من التقرب لشريحة السود من اصول افريقية، وامتدادا للأقليات العرقية الاخرى ابرزها الناطقة باللغة الاسبانية، وكسب اكبر تأييد ممكن لمرشحيه.

كنتاكي، الولاية الهامشية في التوازنات الحزبية الداخلية، فاجأت قادة الحزب الجمهوري ايضا لتأييدها مرشح تيار حزب الشاي، مات بيفن، والذي "تجرأ" على منافسة الابن المدلل للمؤسسة ورئيس مجلس الشيوخ، ميتش ماكونل، العام الماضي. وبلغ استهتار قيادة الحزب، ممثلة بجمعية حكام الولايات الجمهوريين، ان احجمت عن دعم بيفن اعلاميا في بداية الحملة، ثم تراجعت عن قرارها وضخت نحو 2.5 مليون دولار في الاسبوعين الاخيرين. تصالح الصديقين اللدودين، بيفن وماكونل، بعد وساطات من شخصيات نافذة في الحزب جسدها الاخير بتأييد بيفن في عدد من الدوائر الانتخابية.

ايضا، هزم المحاسب العام للولاية، ادم ادلين، في انتخابات كنتاكي وهو الذي كان الحزب الديموقراطي يعول عليه لمنافسة النائب في مجلس الشيوخ عن ولاية كنتاكي، راند بول، الجولة المقبلة عند اضطراره التخلي عن منصبه في الكونغرس ليخوض حملة الانتخابات الرئاسية.

في ولاية فرجينيا المحافظة، احتفظ الحزب الجمهوري بأغلبيته في مجلس شيوخ الولاية ثمرة حملة انتخابية شرسة للطرفين، وما سيسفر عنه من استمرار حالة الشلل التشريعي لحاكم عن الحزب الديموقراطي ومجلس تمثيلي تحت سيطرة الحزب الجمهوري؛ اسوة بالشلل الراهن بين الرئيس اوباما ومجلسي الكونغرس. من اهم تداعيات نتائج فرجينيا تقويض حظوظ الحاكم الحالي، تيري مكوليف، حشد الولاية للتصويت لصالح المرشحة هيلاري كلينتون، عام 2016.

يشار في هذا الصدد الى الجولة الانتخابية المكثفة التي قام بها مكوليف، نيابة عن مرشحي الحزب الديموقراطي، في عموم الدوائر الانتخابية، وحضوره نحو 24 نشاطا انتخابيا في الايام الاربعة التي سبقت الانتخابات، خاصة وان كافة المقاعد النيابية في المجلسين وعددها 140 مقعدا كانت مدرجة على قوائم الاقتراع. الحزب الجمهوري فاز بأغلبية بسيطة من مقاعد مجلس الشيوخ، 21 مقابل 19، واحتفظ بأغلبية بينة في مجلس النواب.

تعد ولاية فرجينيا أحد المعاقل الرئيسة لجماعة الضغط المرتبطة بسوق اقتناء الاسلحة، واحتفظت بتلك الميزة على الرغم من ضخ الملياردير وحاكم ولاية نيويورك السابق، مايكل بلومبيرغ، موارد كبيرة لتعديل النتيجة. وعليه، تراجع او هزيمة التيار المعتدل المطالب بوضع قيود على اقتناء السلاح اتى مؤشرا على ادراج الحزب الديموقراطي للمسالة من عدمها، المحكوم بفشلها مسبقا. بل سجلت الاشهر الستة السابقة من العام الجاري تزايدا مضطردا لمبيعات الاسلحة الفردية.

ركيزة الحزب الديموقراطي الاخرى كانت قضية التسامح والاعتدال في مسألة الهجرة المتفاقمة دون علاج، وتلقى مرشح الحزب المؤيد للهجرة، روس ميركاريمي، هزيمة وصدمة في اشد المدن الاميركية اعتدالا وقدوة استشرافية في المجتمع، سان فرانسيسكو.

استغل خصوم ميركاريمي اقدامه مطلع العام الجاري على إطلاق سراح معتقل مصنف "مهاجر غير شرعي،" وفق صلاحياته القانونية، على الرغم من طلب سلطات الأمن الفدرالية مواصلة احتجازه. من سوء حظ ميركاريمي ان المفرج عنه اتهم بارتكاب جريمة قتل مواطنة بلغت 32 عاما، مما عرضه لمزيد من الانتقادات ومضيه في الدفاع عن حصافة قراره السابق.

خصمه المرشحة فيكي هنيسي استغلت هاجس الأمن للمواطنين واتهمته برفض التعاون مع الاجهزة الفيدرالية المختصة بشؤون الهجرة خلال حملة الترشيح. نتائج الانتخابات تدل على مدى الاعياء لدى المواطن العادي من قضية الهجرة واستيعاب المهاجرين وتداعياتها على برنامج الحزب الديموقراطي، وربما الحاق الضرر بحملة المرشحة هيلاري كلينتون.

أفضل النتائج للحزب الديموقراطي جاءت من ولاية بنسلفانيا المحورية، واستطاع مرشحوه الثلاثة الفوز بالمناصب الشاغرة في المحكمة العليا للولاية، وما يمثله من نفوذ يحدد ملامحه المستقبل القضائي للولاية. بينما فاز الحزب الجمهوري باغلبية مقاعد مجلس الشيوخ في الولاية، 31 مقابل 19 للخصم الديموقراطي.

كذلك سجل الحزب الجمهوري بعض التقدم في المجالس النيابية لولاية نيوجيرسي، التي يتربع على منصب حاكمها الجمهوري كريس كريستي؛ الى جانب بعض الانجازات في تشريعات مقترحة في اماكن عدة، من بينها مدينة هيوستن التي صوت فيها الناخبون بمعارضة اقتراح للحزب الجمهوري "لحماية الهوية الجنسية/الجندرية،" لخشيته من اقدام "رجال ارتداء ملابس نسائية ودخول المراحيض المخصصة للمرأة."

استنادا الى اللوحة الاولية سالفة الذكر، فان اوضاع الحزب الديموقراطي لا تبشر بالخير في الانتخابات الرئاسية. وعبرت اسبوعية "ذي اتلانتيك،" الليبرالية عن قلق الحزب من خسائره بانها تنبئ بفوارق حضارية بين الحزب الديموقراطي والناخب الاميركي، فضلا عن ما ينطوي عليها من "سوء تقدير اليسار لجهوزية القاعدة الانتخابية تحمل تبعات تغيرات اجتماعية، مما اثار ردود فعل عنيفة من قبل التيار الرئيسي للناخبين والذين لديهم مصلحة في الحفاظ على الوضع الراهن."

واوضحت المجلة ان جولة الانتخابات المتواضعة "شهدت اقبالا ضعيفا من الناخبين، جرت في حفنة من المجالس المحلية،" وحثت التيار الليبرالي الجاهز لتبرير قصوره النظر الى "لماذا ينحو معظم الناخبين المواظبين على مناوئة مستمرة لوجهات نظرهم، او التعرف على سر عزوف جمهور الناخبين عن تبني المواقف الاجتماعية الليبرالية.. واسفرت عن هزيمة عميقة للديموقراطيين في انتخابات غير رئاسية تجري في عهد اوباما، وخففت من حظوظ الحزب على مستوى المجالس التشريعية المحلية، وحكام الولايات، ومجلسي النواب والشيوخ" في الولايات.

مرشحو الحزب الجمهوري للرئاسة

تقدم نحو 18 مرشحا عن الحزب الجمهوري للتنافس على ترشيح الحزب وخوض الانتخابات الرئاسية، وتناقص العدد تباعا لاعتبارات عدة، ليس اقلها تواضع الاداء واحجام الممولين عن فتح خزائنهم امام هذا العدد الكبير. استطلاعات الرأي رست على اعتبار مرشحين اربعة لديهم افضل الحظوظ للمضي بالسباق، ابرزهم دونالد ترمب؛ بن كارسون؛ تيد كروز؛ وماركو روبية. المرشح المفضل والمتعثر، جيب بوش، لم يتخطى سقف الحدود الدنيا من رضى القاعدة الانتخابية على الرغم من الارث العائلي ونفوذها المالي والصناعي الواسع.

اللوحة الانتخابية النهائية لم ترسو على مرشحين بعينهم، وكل المؤشرات الراهنة تدل على تفوق دونالد ترمب يليه بن كارسون في المرتبة الثانية، ويتصارع كل من روبيو وكروز على المرتبة الثالثة. اما باقي المرشحين فلم يحالفهم الحظ لتخطي عتبة 5% من تأييد الناخبين.

احدث استطلاعات الرأي الرصينة اجرته جامعة كوينيباك المتخصصة بقياس توجهات العامة، نشرته في الرابع من الشهر الجاري، اوضح ان نسبة 24% من المشاركين اعربوا عن استعدادهم تأييد دونالد ترمب، مقابل 23% مؤيد لبن كارسون. تقارب النتائج تؤشر على تقلبات حادة في الراي العام، يغذي بعضها كبريات وسائل الاعلام ومصالحها المتشابكة، اذ جاء في استطلاع لشبكة (ان بي سي) للتلفزة تقدم بن كارسون بنسبة 29% مقابل 23% لصالح ترمب.

نتائج جامعة كوينيباك اوضحت البون الشاسع بين الثنائي المذكور والاخرين، اذ أعرب 14% عن تأييدهم لماركو روبيو، و13% لتيد كروز، وجاء جيب بوش بنسبة ضئيلة مهينة لا تتعدى 4%. الاستطلاعات تعكس حالة شعبية محكومة بافق زماني ومكاني محدد، ولا يزال من المبكر لأوانه اعتماد تلك النتائج كقواعد لإصدار الاحكام والاستنتاجات.

على الطرف الآخر من السباق، تفوقت هيلاري كلينتون على منافسها بيرني ساندرز بنسبة 53% مقابل 35%. تشكل المصداقية نقطة قاتلة لكلينتون امام جمهور الناخبين بنسبة 60% وفق استطلاع جامعة كوينباك.

المثير ان المرشح بن كارسون حصد اعلى نسبة في بند المصداقية بين كافة اقرانه وخصومه من المرشحين، بلغت 62%.

كلينتون تعاني ايضا من هوة ديموغرافية عمادها الجيل الناشئ المؤيد للحزب الديموقراطي تسعى لسدادها بشق النفس. ودل احد استطلاعات الرأي اجرته شبكة (ان بي سي) للتلفزة تراجع نسبة تأييدها ال 33% بين الفئة العمرية من 18 الى 29 عاما، على امتداد رقعة الولايات المتحدة؛ مقابل 48% ايدوا منافسها بيرني ساندرز. يذكر ان كلينتون تفوقت على ساندرز قبل مدة قصيرة في ولاية ايوا، بنسبة 3%، ما لبثت ان تراجعت بين ذات الفئة العمرية.

المقربون من حملة كلينتون يشيرون الى نيتها تعويض الخسارة بنسج علاقات أفضل مع قطاعات المرأة التي تشكل ايضا قلقا للحملة نظرا لتعاطف نسبة معتبرة مع خطاب ساندرز المناهض لرؤوس الاموال الكبيرة.

أشّر استطلاع كوينيباك الى امكانية خسارة كلينتون الانتخابات العامة امام بن كارسون بنسبة 50% مقابل 40% لها، رغم فوزها بترشيح الحزب الديموقراطي. واضاف ان نسبة تفوق كلينتون تتبخر هباء بين قطاع المرأة الذي من المرشح ان يدعم كارسون بنسبة 45% مقابل 44% لصالح كلينتون؛ اما قطاع الذكور فسيصوت بأغلبية 55% لصالح كارسون مقابل 35% لكلينتون.

الاستاذ المشرف على استطلاع كوينيباك، تيم مالوي، اوضح ان شعبية كارسون "استأصلت جراحيا كافة منافسيه من الجمهوريين باستثناء واحد ويحتفظ بمشرطه ليطرح به تفوق هيلاري كلينتون،" في اشارة الى مهنته كطبيب جراح.

الاستطلاعات المشار اليها اشارت ايضا الى امكانية هزيمة كلينتون امام منافسيها الاخرين، تيد كروز وماركو روبيو، وبالكاد تتفوق على المرشح دونالد ترمب.

وبرر مالوي اسباب تراجع كلينتون المرئية بانها "ستهزم لسجيتها وطباعها، امام هجوم متتالي من قبل كارسون ومواجهة تحديات كل من تيد كروز ودونالد ترمب وماركو روبيو."

واستدرك مالوي بالقول انه يفصلنا عن موسم الانتخابات فترة زمنية "تعد فيها السنة بانها أزلية وأدى السباق الراهن لإحالة بعض المرشحين المتقدمين التمسك بنظام الحفاظ على الحياة."

* نشرة مراكز الابحاث الاميركية

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق