من الصعب دائما تخمين الدوافع التي ربما حركت قاتلا منفردا. يبدو أن الرجل الذي اعتُـقِـل بتهمة قتل آبي، تيتسويا ياماجامي الذي يبلغ من العمر 41 عاما، استخدم بندقية صيد ضخمة محلية الصنع. ولأن اليابان واحدة من أكثر دول العالم أمانا، تميل التدابير الأمنية في الأحداث السياسية...
بقلم: بيل إيموت

لندن ــ كان اغتيال رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي أثناء إحدى فعاليات حملة انتخابية في نارا باليابان حادثا صادما ومحيرا. كان صادما لأن اليابان لم تعرف العنف السياسي على الإطلاق تقريبا لمدة لا تقل عن نصف قرن من الزمن، ولأن ملكية الأسلحة النارية في اليابان خاضعة لرقابة مشددة. وكان محيرا لأن آبي، بعد أن تنحى عن رئاسة الوزراء في عام 2020، لم يكن له أي دور حكومي رسمي؛ ومع ذلك كان القتل عملا سياسيا بوضوح.

من غير المرجح أن يخلف موت آبي أي تأثير على انتخابات العاشر من يوليو/تموز لاختيار أعضاء مجلس المستشارين في اليابان (الفرع التشريعي الأعلى وبالتالي الأحدث عهدا)، والتي كان من المتوقع أن يفوز بها بارتياح الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم. الواقع أن خسارة زعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي ورئيس الوزراء السابق على هذا النحو المأساوي قد تضيف بعض الأصوات المتعاطفة من خلال زيادة الإقبال على صناديق الاقتراع، لكنها في المقام الأول أذهلت وأربكت الدولة غير المعتادة على الإطلاق على مثل هذا العنف.

كان إرث آبي من ولايته غير المسبوقة كرئيس للوزراء ــ والتي انقسمت بين سنة غير ناجحة من 2006 إلى 2007، تلتها عودة ظافرة دامت سبع سنوات من 2012 إلى 2020 ــ أكثر بروزا بسبب تأثيره على السياسة الخارجية والأمنية اليابانية بشكل أكبر من تأثيره على الشؤون الداخلية. من المؤكد أن آبي كان بائعا بارعا ومقنعا لأجندة السياسية الاقتصادية، التي روج لها بنجاح تحت شعار "اقتصاد آبي"؛ ولكن في النهاية، كانت سياسته الخارجية، وليس برنامجه الاقتصادي، التي يمكن وصفها بالتحويلية حقا.

جلب آبي الوضوح، وقوة الغرض، والمصداقية إلى السياسة الخارجية اليابانية ــ بفضل طول عمره في المنصب. الواقع أن ابتكار مصطلح "الهادي الهندي"، الذي يُـسـتَـخـدَم الآن بشكل شائع لوصف الأمن والاستراتيجية الدبلوماسية في آسيا، يُـنـسَـب بدرجة كبيرة إلى آبي، الذي استعان بجهد ياباني سابق لبناء علاقة أقوى مع الهند واستخدمه لإعادة صياغة وتوسيع مكانة بلده على المستويين الإقليمي والعالمي.

أملى هذا الموقف صعود الصين وخطابها الجازم على نحو متزايد وأفعالها في بحري الصين الجنوبي والشرقي وحولهما. في عهد آبي، ألزمت اليابان نفسها بتحديد ساحة استراتيجية ودبلوماسية يصعب على الصين الهيمنة عليها. وكان تعميق العلاقات مع الهند جزءا من هذه الاستراتيجية، وكذا الجهود التي بذلها آبي لتعزيز قوة اليابان العسكرية. كان نصيرا رائدا لمقترحات تعديل دستور اليابان بحيث يتسنى لمؤسستها العسكرية أن تضطلع بدور أكبر إلى جانب دور حليفتها الرئيسية، الولايات المتحدة.

كان آبي قوميا بلا منازع. فهو من أثار في الأصل الجدال بسبب آرائه التعديلية بعض الشيء حول تاريخ اليابان في زمن الحرب، وخاصة في ما يتصل بالقضية الساخنة "نساء المتعة" اللاتي أجبرهن الجيش الياباني الإمبراطوري على ممارسة العبودية الجنسية في البلدان المحتلة. ولكن بمجرد توليه منصبه، سارع إلى التخفيف من حدة آرائه السابقة. علاوة على ذلك، عمل آبي على بناء علاقات دبلوماسية أوثق وأكثر عمقا مع مختلف بلدان جنوب شرق آسيا، مما أدى إلى تحسين العلاقات حتى مع الجارة الأشد شراسة والمستعمرة السابقة كوريا الجنوبية. وعلى الرغم من توتر العلاقات مع الصين في كثير من الأحيان ــ وخاصة عندما زار آبي ضريح ياسوكوني المثير للجدال في اليابان لقتلاها في الحرب ــ فقد ظل الحوار الصيني الياباني مستمرا.

من الصعب دائما تخمين الدوافع التي ربما حركت قاتلا منفردا. يبدو أن الرجل الذي اعتُـقِـل بتهمة قتل آبي، تيتسويا ياماجامي الذي يبلغ من العمر 41 عاما، استخدم بندقية صيد ضخمة محلية الصنع. ولأن اليابان واحدة من أكثر دول العالم أمانا، تميل التدابير الأمنية في الأحداث السياسية إلى أن تكون خفيفة، حتى بالنسبة إلى رئيس وزراء سابق، وهو ما يفسر في الأرجح كيف تمكن المسلح من تنفيذ جريمته.

وفقا للتقارير الإخبارية، خدم ياماجامي لمدة ثلاث سنوات في سلاح البحرية اليابانية، قوة الدفاع الذاتي البحرية، حتى عام 2005. هذه الخلفية ــ مقترنة بدعوة آبي إلى تأسيس جيش ياباني أقوى والجهود التي بذلها لإلغاء فقرة الـمُـسالَـمة في الدستور (المادة 9) ــ تجعل من المعقول أن نتكهن بأن جريمة القتل ارتُـكِـبَـت احتجاجا على موقف اليابان العسكري.

ورغم أن آبي لم يعد في منصبه، فإنه كان بلا أدنى شك أبرز المدافعين المعروفين في اليابان عن إنشاء قدرة عسكرية أقوى. بهذه الصفة، كثيرا ما أعرب آبي عن إصراره على إتمام العمل الذي بدأه جده نوبوسوكي كيشي، الذي تولى بوصفه رئيسا للوزراء في عام 1960 قيادة جهود مراجعة المعاهدة الأمنية التي أبرمتها اليابان مع الولايات المتحدة، بهدف تعزيز الدفاع الياباني.

من المحزن أنه ربما لم يكن من قبيل المصادفة أن آخر رئيس وزراء ياباني وقع ضحية لهجوم عنيف كان كيشي، الذي طعنه مهاجم ست مرات بعد فترة وجيزة من الموافقة على المعاهدة الأمنية المعدلة. ولكن على عكس آبي، نجا جده من محاولة الاغتيال.

* بيل إيموت، رئيس التحرير السابق لمجلة الإيكونوميست، المدير المشارك للجنة العالمية لسياسة ما بعد الجائحة.
https://www.project-syndicate.org

اضف تعليق