أربعة أيام من الاضطرابات العنيفة في طرابلس على الساحل الشمالي للبنان قد تنذر بالمزيد في المستقبل؛ حيث يؤدي تفشي فيروس كورونا الجديد إلى تعميق الأزمة الاجتماعية والاقتصادية الحادة في البلاد. ثمة حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية لتفادي تحقق أسوأ السيناريوهات. نزل سكان مدينة طرابلس في شمال لبنان...

أربعة أيام من الاضطرابات العنيفة في طرابلس على الساحل الشمالي للبنان قد تنذر بالمزيد في المستقبل؛ حيث يؤدي تفشي فيروس كورونا الجديد إلى تعميق الأزمة الاجتماعية والاقتصادية الحادة في البلاد. ثمة حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية لتفادي تحقق أسوأ السيناريوهات.

ابتداء من 25 كانون الثاني/يناير، نزل سكان مدينة طرابلس في شمال لبنان إلى الشوارع على مدى أربعة أيام متتالية. تظاهر الكثيرون بشكل سلمي، لكن بعضهم هاجم مباني حكومية واشتبك مع عناصر الأمن، الذين أطلقوا عليهم الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والذخيرة الحية. أضرم المشاغبون النار في مبنى البلدية التاريخي، وخربوا مبنى المحكمة الشرعية السنية والسرايا الحكومية، وألقوا زجاجات حارقة، وبحسب السلطات، أطلقوا قنابل يدوية على قوات الأمن. بحلول 31 كانون الثاني/يناير، كان قد قتل متظاهر واحد وأصيب أكثر من 400، بالإضافة إلى 40 جندياً وشرطياً على الأقل. اعتقلت وحدات ومخابرات الجيش اللبناني 25 رجلاً على الأقل لدورهم في الأحداث.

ينبغي على شركاء لبنان الدوليين الاستمرار في الضغط على نخبه لرسم مسار قابل للتطبيق إلى الأمام، مع مضاعفة المساعدات الإنسانية للسكان اليائسين بشكل متزايد.

كان السبب المباشر للاحتجاجات في طرابلس الأثر الاجتماعي للإغلاق الصارم الذي فرضته حكومة تصريف الأعمال في لبنان رداً على تصاعد جديد في حالات الإصابة بفيروس كوفيد-19. إذ تركت القيود المفروضة الكثيرين غير قادرين على إعالة أنفسهم. ويرجع ذلك أساساً إلى أن الإغلاق كان الحلقة الأحدث فقط في سلسلة من الكوارث التي أصابت غالبية اللبنانيين منذ عام 2019. في تلك الفترة، فقد ما لا يقل عن 500,000 شخص أعمالهم ووظائفهم. وانخفضت قيمة العملة المحلية بأكثر من 80 في المائة في السوق السوداء، مما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم. وقد فقد الناس المليارات من أموالهم التي كانت على شكل مدخرات. ووفقاً للبنك الدولي، فإن أكثر من نصف اللبنانيين كانوا قد سقطوا تحت خط الفقر بحلول أيار/مايو 2020. ويقدر المسؤولون الحكوميون أن حوالي 75 في المائة من اللبنانيين بحاجة إلى المساعدة. وبين أكثر من مليون لاجئ سوري يعيشون في البلاد، فإن ما يصل إلى 90 في المائة منهم يحتاجون إلى مساعدات إنسانية ونقدية، وفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

طرابلس ومحيطها من أفقر المناطق في لبنان، لكن المعاناة تزداد سوءاً في جميع أنحاء البلاد. وفي أفعالهم وردود أفعالهم، ربما قدم المتظاهرون والمشاركون بأعمال الشغب وقوات الأمن في المدينة لمحة عما ينتظر معظم أنحاء لبنان في الأشهر المقبلة. خلال المقابلات التي أجرتها مجموعة الأزمات على مدار الأشهر الثلاثة الماضية، أعرب مسؤولون لبنانيون وناشطون من أحزاب سياسية، وناشطون سياسيون، وضباط أمن، وممثلون عن المنظمات غير الحكومية في جميع أنحاء لبنان عن مخاوف مماثلة: إذا استمر التردي الاقتصادي، أو إذا تسببت التدابير التقشفية، مثل خفض الدعم، بزيادة مفاجئة في الضغوط الاجتماعية، قد يتزعزع استقرار البلاد بشكل خطير.

على رأس التحديات التي يواجهها لبنان، يأتي الضغط على مؤسسات الدولة وتآكلها، حيث يقلل التضخم من قيمة رواتب القطاع العام وتختفي الخدمات المتردية أصلاً بشكل كامل. على مدى الأشهر الماضية، اندلعت التوترات التي تسببت بها الأزمة أو فاقمتها بشكل متكرر على شكل حوادث أمنية تبدو منعزلة، ولكن يبدو أنها تشير مجتمعة إلى اتجاه مثير للقلق. وقد تصارع قوات الأمن، التي يبلغ تعدادها أكثر من 130,000، مع مئات الآلاف من أفراد عائلاتهم، بشكل متزايد لحفظ النظام ومنع العنف وحماية الممتلكات. قد يجدون أنفسهم الواجهة لفشل الدولة، مع تعويضهم عن غياب الإدارة والحوكمة بفرض النظام على جمهور يشاطرونه مظالمه. مع تدهور الوضع الأمني، ستعمل الأحزاب السياسية، وأصحاب النفوذ المحليون، وكبار رجال الأعمال على ملء الفراغ.

حتى الجيش تعرض للتوتر والضغط، وقد يفقد بريقه قريباً بوصفه أحد أكثر المؤسسات العامة اقتداراً وأقلها تحزباً في لبنان. كحال موظفي القطاع العام، والمعلمين، والشرطة، فإن الجنود يكسبون اليوم جزءاً صغيراً مما كانوا يكسبونه قبل عام، حيث يتقاضى كثيرون منهم ما يعادل 150 دولاراً شهرياً فقط. وحتى كبار الضباط باتوا يعبرون عن قلقهم بشأن مستقبلهم الشخصي والمهني. وكما قال أحدهم لمجموعة الأزمات: "سيلتزم [الجيش] بمهمته، لكن في نهاية المطاف، هؤلاء الجنود هم أبناء مجتمعهم وبيئتهم. أبناء وبنات [الضباط] يدرسون في الخارج و [نحن] لم نعد قادرين على دفع الرسوم الدراسية".

لا ينبغي توقّع أي إغاثة من السياسيين. فبعد ستة أشهر من الانفجار الكارثي في مرفأ بيروت الذي أسقط الحكومة السابقة، ما زال يتعين عليهم تشكيل حكومة جديدة، ناهيك عن المشاركة في الإصلاحات الأساسية المطلوبة للحصول على المساعدات الدولية أو استكشاف مبادرات بعيدة المدى لخلق فرص للتنمية والاستثمار. من المرجح أن تتصرف النخب السياسية كما كانت تتصرف في الماضي: تشتري الوقت بأموال ليست ملكها؛ وتوزع المنافع على دائرتها الضيقة والأعباء على عموم الناس؛ وتعمل على إنقاذ النظام الذي يبقيها في السلطة. في حالة حدوث ما هو غير محتمل الوقوع، أي أن يثوب بعض القادة اللبنانيين إلى رشدهم أو أن تتحرك حكومة مستقبلية للعمل، فستقف في طريقهم المصالح الخاصة وتدني القدرة على الحوكمة. في هذه الأثناء، لا يزال الشركاء الخارجيون، مثل الولايات المتحدة، والدول الأوروبية، والدول العربية، مصممين على حجب المساعدات غير الإنسانية ما لم يصلح القادة اللبنانيون شؤونهم. وهم محقون في ذلك؛ فلبنان لن ينجو من مأزقه إلا إذا غيّرت نخبه السياسية سلوكها، الذي خلق الأزمة في المقام الأول.

حتى ذلك الحين، على شركاء لبنان الخارجيين مضاعفة جهودهم لمنع انهيار الدولة ونشوء حالة طوارئ إنسانية حادة. في 30 كانون الثاني/يناير، وقّع البنك الدولي اتفاقية مع حكومة تصريف الأعمال للحصول على قرض بقيمة 246 مليون دولار لتقديم مساعدات نقدية لنحو 800,000 من أفقر اللبنانيين. ينبغي على المانحين الدوليين زيادة التمويل للأغراض الإنسانية وأن يهدفوا إلى الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المستفيدين بشكل مباشر.

كما يتعين على شركاء لبنان الخارجيين التفكير في تعميق تعاونهم مع الأجهزة الأمنية المختلفة في الوقت الذي يتخذون فيه خطوات لتقليل أي خطر ناجم عن احتمال أن تؤدي الاحتجاجات إلى تشديد إجراءات الشرطة دون داع. من شأن التعاون الخارجي أن يسمح لتلك الأجهزة حفظ النظام وتجنب انتشار الاحتجاجات والتوترات المحلية وتحولها إلى اضطرابات وعنف على نطاق واسع. يمكن لشركاء لبنان الدوليين المساعدة في منع أزمة البلاد من التفاقم، ولكن للقيام بذلك، يتوجب عليهم التحرك الآن.

https://www.crisisgroup.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق