يخلق التسلسل الهرمي مسافات للسلطة. فحجم المسؤوليات تجاه الآخرين يجعل من الصعب الحديث مع شخص صادق وحساس. بالتالي يكون القلق ذو اتجاهين: حتى في حال رغبة الرئيس التنفيذي بتقليص المسافة، فإن مرؤوسيهم يدركون دائماً قدرة رئيسهم على اتخاذ قرارات تؤثر على حياتهم المهنية. يجب أن...
مانفرد كيتس دي فريز

يكون الرؤساء التنفيذيين عرضة لإقصاء أنفسهم من دون الشعور بالآخرين

تحدثت مؤخراً إلى مدير مالي بشركة صناعية كبرى، استمر في الشكوى من الرئيس التنفيذي للشركة. في البداية كان الرئيس التنفيذي يتواصل باستمرار مع فريقه الإداري، إلا أنه أصبح لاحقاً يمضي معظم وقته منزوياً في مكتبه. كما كان يفقد تركيزه بالكثير من الأحيان خلال الاجتماعات، وتنتابه نوبات غضب ويقوم بمضايقة الآخرين. كان السلوك المتقلب للرئيس التنفيذي يؤثر على الروح المعنوية والمبيعات بشكل متزايد. مما دفع بعض المرؤوسين للتساؤل إذا ما كان يتعرض للانهيار أمام أعينهم.

تبدو عبارة "العزلة في القمة" كصيغة متداولة، ولكن بالنسبة للعديد من التنفيذيين الكبار، هي حقيقة مرة. فوظيفة الرئيس التنفيذي تنطوي على الكثير من الإجهاد والشعور بالقلق وقلة النوم والخوف بشأن اتخاذ قرارات صحيحة. مما قد يسبب لهم ضغوطات نفسية تؤدي بدورها لضغط عاطفي لا يمكن أن يختبره الموظف العادي. ظاهرياً، قد يبدو ذلك نوع من العزلة، مما يجعل من الصعب على الرئيس التنفيذي الحفاظ على أداءه.

في ظل غياب نظام دعم، يصبح الإرهاق بمثابة تهديد حقيقي. يميل الرجال على وجه الخصوص إلى جعل علاقاتهم الشخصية مع الأصحاب والعائلة تأتي في المرتبة الثانية بعد طموحاتهم المهنية. وقد يجدون أنفسهم وحيدين دون وجود شخص يعتمدون عليه خلال الأوقات الصعبة، وقد يلجأون إلى أمور أخرى مثل الكحول أو المخدرات.

بالرغم من خطورة القيادة المتفردة، إلا أنه من النادر تناولها. وعوضاً عن ذلك يبذل العديد من التنفيذيين جهدهم للحفاظ على صورة البطل التي تضع بدورها المزيد من الضغوطات عليهم.

القوى الديناميكية النفسية للدور

يخلق التسلسل الهرمي مسافات للسلطة. فحجم المسؤوليات تجاه الآخرين يجعل من الصعب الحديث مع شخص صادق وحساس. بالتالي يكون القلق ذو اتجاهين: حتى في حال رغبة الرئيس التنفيذي بتقليص المسافة، فإن مرؤوسيهم يدركون دائماً قدرة رئيسهم على اتخاذ قرارات تؤثر على حياتهم المهنية. يجب أن يكون الرؤساء التنفيذيين مقربين لدرجة كافية تخولهم من التواصل مع مرؤوسيهم، ولكن مع الحفاظ على مسافة كافية لتحفيزهم. تلك معادلة دقيقة، وليست خالية من اتهامات بالمحسوبية أو التحفظ.

بالنظر إلى القوى النفسية المعقدة للدور، سيكون من الحكمة إعطاؤه انتباه للمخاطر التالية في حال تقلدت منصب في الإدارة العليا:

أن نكون عرضة لمشاعر الحسد والعدائية

يمتلك التنفيذيون العديد من المزايا التي تتطلب من الآخرين وقتاً طويلاً لامتلاكها. وبالرغم من أننا قد لا نرغب بالاعتراف بذلك، إلا أن الحسد متأصل في الإنسان. في الواقع يشكل الحسد تطورنا كنوع من خلال وضع الأساس لميزتنا التنافسية. فهو يحفزنا على السعي للحصول على ما يمتلكه الآخرين.

لسوء الحظ يصبح الأشخاص الحسودون أكثر استياءً. وللتعامل مع تلك المشاعر العدائية، يحاول التنفيذيون التقليل من قدراتهم، لدرجة قد يصبحون معها مشلولين وغير قادرين على اتخاذ القرارات. فالخوف اللاواعي من الإبعاد والرفض، والانتقاد أو النبذ يعزز من شعورهم بالوحدة.

العيش في غرفة الصدى

غالباً ما تكون المعلومات التي تعطى للرؤساء التنفيذيين حول العمليات التشغيلية والموظفين والعملاء محدودة ومحسوبة. يجب أن يدرك الأشخاص المسؤولون أن مرؤوسيهم يميلون للاتفاق معهم. وبغض النظر عن مدى قرب الرئيس التنفيذي، قد يخشى التنفيذيون قول أمور خاطئة والتعامل مع العواقب المترتبة عن ذلك.

لا يجرؤ العديد من المرؤوسين على تحدي أفكار رؤسائهم. ويفضلون عوضاً عن ذلك إخبارهم بما يرغبون بسماعه. قيلت في عدة مناسبات: إذا كنت قائداً، هناك فرصة كبيرة أن تكون محاطاً بالأكاذيب. ونتيجة لذلك، يجد العديد من الرؤساء التنفيذيين أنفسهم في عزلة عن الواقع.

الإصابة بمرض الشك

عندما تكون محاطاً بالأكاذيب، يصعب عليك تمييز الحقائق. ولا عجب أن تظهر بذور جنون الشك. يواجه الرؤساء التنفيذيون العديد من التهديدات، منها ماهو واضح ومنها ما هو خفي.

بالنسبة للعديد من الرؤساء التنفيذيين، أن تكون على أهبة الاستعداد دائماً هو استجابة عقلانية لعالم مليء بالأعداء. فالحذر هو ببساطة وسيلة للبقاء. لكن المشكلة تتبلور عندما يتحول الشك الصحي إلى مرضي.

ما الذي يتوجب على الرئيس التنفيذي القيام به؟

في ظل تلك الضغوطات، ما الذي بإمكان التنفيذيين فعله للتعامل مع مسألة الوحدة؟ كيف يستطيعون التعامل مع المشاعر السلبية بشكل أفضل والتي يسلط الآخرون الضوء عليها؟ نصيحتي هنا تنطوي على ثلاثة ركائز:

1. كن واعياً ومستعداً

أن تكون على رأس قمة الهرم لا يعني أنك تمتلك فجأة جميع الأجوبة. فحتى أكثر القادة فطنة لديهم نقط عمياء. العديد من الرؤساء التنفيذيين المحتملين الذين حققوا نجاحًا في المرتبة الثانية، قللوا من أهمية الضغط العاطفي الذي يصاحب تلك المهمة.

كخطوة أولى، ينبغي على الرؤساء التنفيذيين الجدد تلقي الإرشاد من الأشخاص الذي كانوا في مكانهم. ويجب أن يدركوا أن ارتداء الأقنعة قد يؤثر على صحتهم العقلية. فهم مدينون لأنفسهم ولمؤسساتهم أن يكونوا جاهزين للتكلفة النفسية العالية من أجل تحقيق النجاح والقوة.

2. بناء شبكة علاقات خارجية توفر الدعم

بعض التنفيذيين محظوظون لامتلاكهم شخص مميز بإمكانه أن يأخذ دور الصديق المقرب. لكن يخشى كثيرون خسارة تلك العلاقة بسبب حديثهم المتواصل عن مخاوفهم في العمل. بالإضافة لذلك، قد لا يستطيعون الاعتماد على أحبائهم اللذين ربما لديهم مايكفي من المشاكل. بغض النظر عن الموقف، يجب على جميع الرؤساء التنفيذيين تطوير شبكة دعم مرتبطة بالتحديات التي يواجهونها، وتقدم المشورة بطريقة متعاطفة وسرية.

هناك طريقة واحدة من خلال لقاء المزيد من الأقران. على سبيل المثال، يعتبر مؤتمر التنفيذيين السنوي الذي أديره كل عام بكلية إنسياد، فرصة أمام المشاركين للتعامل مع الوحدة المترتبة عن القيادة. ومع الوقت يستطيعون تكوين صداقات مع الأشخاص الذين يشاركونهم اهتماماتهم ومخاوفهم- أشخاص خارج سلسة القيادة الخاصة بهم.

أو عوضاً عن ذلك، بإمكان المستشارين أو المدربين توفير مساحة آمنة يمكن للمديرين التنفيذيين من خلالها مناقشة التحديات التي يعانون منها. فنظرة من الخارج تمكنهم من إعطاء انطباعات صريحة. علاوة على ذلك، بإمكان التنفيذيين الاستفادة من أدوات تقييم توفر رؤية على مدار 360 درجة.

يكمن الحل بتكوين صداقات خارج إطار العمل. فإذا كانت الحياة تتمحور حول العمل فقط، سيتعرض التنفيذيون لخطر فقدان إحساسهم بالتوازن. فأخلاقيات العمل لا تنطوي فقط على الشعور بالملل، بل قد تدعو خطر الإرهاق.

3. التعبير عن الامتنان

هناك طريقة أخرى لإبطاء عملية العزلة من خلال التعبير عن الامتنان للأشخاص المحيطين بنا. فهي أداة قوية في جميع الحالات. فالامتنان يعزز إفراز الأوكسيتوسين، وهو هرمون يعزز السلوكيات الاجتماعية مثل الثقة والكرم والحنان.

يساعد مثل ذلك السلوك على منحنا مشاعر إيجابية، وإحياء تجارب جيدة، وتحسين الصحة والتعامل مع المحن. فإظهار الإخلاص قد يكون له تأثير كبير. يشجع القيادي المعطاء بشكل فطري الشعور بالانتماء للأشخاص المحيطين بهم.

من خلال الاعتراف والاحتفاء بمساهمة ودور كل فرد في تحقيق أهداف الشركة، يستطيع القياديون المساعدة في الحؤول دون شعور مرؤوسيهم بعدم الاهتمام. كما تخلق ثقافة يمتلك الموظف من خلالها الشجاعة على الاعتراض على رؤسائهم عندما يدعي الأمر.

الحياة صعبة للغاية لأن تعيشها وحيدا وأحيانًا قد يكون من الجيد أن تكون وحيداً. فالوحدة ليست أكثر مخاوفنا فقط، فهناك أيضاً الفقر. الوحدة بمثابة علامة تحذير للقيام ببعض التغيير. وينبغي على التنفيذيين أن يعيروا ذلك أهمية وأن يدركوا أن الترياق للوحدة هو المجتمع.

* مانفريد كيتس دي فريز، أستاذ مساعد في تنمية المهارات القيادية والتغيير التنظيمي بكلية إنسياد، وأستاذ كرسي في تنمية المهارات القيادية
https://knowledge-arabia.insead.edu

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق