ما يعيق إمكانية التغيير من خلال العملية الديمقراطية في لبنان ليس النظام الانتخابي الطائفي أو النظام السياسي القائم، بل الخيارات السياسية الطائفية لمتوسط الناخبين. فمثل هذه الخيارات ستحدّد نتائج الانتخابات حتى في ظلّ نظام انتخابي غير طائفي. ويُعدّ العراق مثالاً على ذلك، حيث يتخذ الناخبون...
مايكل يونغ

 

كارلوس إده | رئيس حزب الكتلة الوطنية اللبنانية

نعم ولا. نعم، لأنّ وجوهاً جديدة ستصل إلى البرلمان؛ فللمرّة الأولى، يشارك المجتمع المدني بفعالية في الانتخابات؛ ولأنّ حزب الله سيشدّد قبضته على البلاد.

لكن بشكل أساسي لا، لأنّ القيم الجوهرية للمجتمع اللبناني لم تتغيّر. فلبنان بلد منقسم وطائفي، حيث تعدّ الزبائنية القوة الرئيسة التي تقود الثقافة السياسية. ومع أنه يرتدي عباءة الديمقراطية، إلا أنه خاضع في الواقع إلى سيطرة أقلية بلوتوقراطية. تفتقر اللوائح الانتخابية إلى أي منطق أو تماسك سياسي، كما أنّ القوانين الانتخابية مصمّمة دائماً لحماية الطبقة الحاكمة. وللقانون الحالي خصائص أفظع حوّلت الحملة الانتخابية خارج المناطق الخاضعة لسيطرة حزب الله إلى شجار صالونات بين الخصوم والحلفاء على حد سواء.

تشير التقديرات إلى أنه تم شراء ما لا يقل عن 35 في المئة من الأصوات في الانتخابات اللبنانية السابقة، وهي في ازياد هذا العام. أما بالنسبة للتوّاقين إلي دخول البرلمان، فإنّ ضمّهم إلى لوائح المرشّحين غالباً ما ينطوي على دفع مبالغ كبيرة لقبولهم من قبل قادتها - وهو مزاد يقيمه السياسيون المحنّكون. هكذا، وفي حين أنّ بعض الأسماء قد تتغير، فإنّ ملامح البرلمانيين ستظلّ كما هي، لا بل ستزداد فساداً، وستبقى الأمور "على ما هي عليه".

وليد شقير | مدير الأخبار اللبنانية في صحيفة "الحياة"

قد يأتي التغيير في الشكل بدلاً من المضمون، لأنّه سيتم تطبيق القانون الانتخابي على أساس النظام النسبي للمرّة الأولى. وقد تكون لدى المجموعات التي لم يسبق لها الدخول إلى البرلمان فرصة القيام بذلك. هناك 128 مقعداً في مجلس النواب، موزّعة بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين، ثم تنقسم إلى طوائف مختلفة في كل من الديانتين الرئيستين.

المزج بين التمثيل النسبي، الذي من المفترض أن يعزّز نظاماً متطوّراً وعلمانياً يسمح بتمثيل مروحة واسعة من المجموعات، وبين نظام طائفي قديم، يقتضي تطبيق قانون هجين ومعقّد. وسيزداد الأمر تعقيداً بسبب اعتماد ما يُعرف بالصوت التفضيلي، الذي يختار الناخبون بموجبه أيضاً مرشّحاً واحداً ضمن لائحتهم سيكون على الأرجح من الطائفة نفسها التي ينتمون إليها، ما سيؤدي إلى تشتيت الأصوات في كلّ لائحة من المرشّحين، وعدم ضمان أغلبية واضحة لأي أحد منهم.

لا تغييرات كبيرة متوقعة على المستوى السياسي. فقد يسمح هذا النظام الفريد للسنّة القريبين من حزب الله بالفوز ببعض المقاعد، وربّما يمنح الحزب وحلفاءه القدرة على منع قرارات حاسمة – أي على سبيل المثال المرشّحين الذين لا يريدهم حزب الله في الانتخابات الرئاسية المُقبلة، أو الجهود الرامية إلى دفع الحزب لتقديم تنازلات بشأن سلاحه. في الوقت نفسه، فإنّ فرص حدوث اختراق من قبل مرشّحين معارضين لحزب الله محدودة للغاية.

بشار حيدر | أستاذ الفلسفة في الجامعة الأمريكية في بيروت

خلافاً لما اعتاد كثيرون على اعتقاده، فإنّ ما يعيق إمكانية التغيير من خلال العملية الديمقراطية في لبنان ليس النظام الانتخابي الطائفي أو النظام السياسي القائم، بل الخيارات السياسية الطائفية لمتوسط الناخبين. فمثل هذه الخيارات ستحدّد نتائج الانتخابات حتى في ظلّ نظام انتخابي غير طائفي. ويُعدّ العراق مثالاً على ذلك، حيث يتخذ الناخبون خيارات طائفية في ظل نظام انتخابي غير طائفي. لذلك، من غير المحتمل أن تُحدث القوانين الانتخابية في لبنان فرقاً، على الأقل في المدى القصير والمتوسط.

ثمة عامل أكثر أهمية يحدّ من قدرة الخيار الديمقراطي على إحداث تغيير مهم، وهو القوة العسكرية التي لا مثيل لها لحزب الله. فقد ظهر استعداده وقدرته على استخدام قوّته الغاشمة لفرض إرادته السياسية عبر استيلائه العسكري على بيروت الغربية، ومحاولاته القيام بذلك في الجبل في أيار/مايو 2008. حينها، برهنت الأحداث لخصوم حزب الله الحدود الضيقة لأي انتصارات ديمقراطية قد يحرزونها. ومع ذلك، ربّما لا يزال التصويت، على الرغم من هذه القيود وضدّها، يمثّل تحدياً سياسياً ومقاومة يُعتدّ بها.

مهند الحاج علي | مدير الاتصالات والإعلام في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت

هناك طرق عدّة يمكن أن تؤثّر من خلالها الانتخابات على السياسة اللبنانية، سواء بشكلٍ سلبي أو إيجابي. فمن ناحية، قد تنتج هذه الانتخابات برلماناً ودوداً تجاه حزب الله، إذ تم تصميم القانون الهجين الحالي، وهو العاشر في تاريخ الجمهورية اللبنانية، إلى حدّ كبير من قبل الحزب والتيار الوطني الحر التابع للرئيس ميشال عون. فقد سعى كلّ منهما إلى تقليص كتل منافسيه في انتخابات العام 2009 الأخيرة بشكل كبير، خصوصاً رئيس الوزراء سعد الحريري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط. وقد يسمح التلاعب بالدوائر الانتخابية وحقيقة أنّ القانون يعتمد التمثيل النسبي، لحلفاء حزب الله من الطوائف الأخرى، وتحديداً السنّة والعلويين، بالفوز. وإذا سيطرت على البرلمان أغلبية صديقة لحزب الله، سيوفّر له ذلك نفوذاً أقوى في لبنان، وقد يسمح له حتى بتشكيل "حكومة حرب"، من دون الحريري، في حال بدا الصراع مع إسرائيل وشيكاً.

من ناحية أخرى، قد يفشل حزب الله، وهناك طريقتان لتصوّر انتكاسة كبيرة له. الأولى، من خلال هزيمة حلفاء رئيسين له في معاقله. فخسارة جميل السيّد، المدير العام السابق للأمن العام، في دائرة بعلبك-الهرمل؛ أو أسعد حردان، زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي الموالي للنظام السوري، في جنوب لبنان، ستشكّلان صفعة للحزب. أما الطريقة الثانية، فتتمثّل بفشل حزب الله وحلفائه في تأمين أغلبية في البرلمان، مع استعادة الحريري وحلفائه للأغلبية الوازنة التي يتمتعون بها اليوم.

ستؤثّر الانتخابات على لبنان بشكل إيجابي إذا فاز فيها عدد من المرشحين المستقلين، بمن فيهم أولئك الذين شاركوا في حركة الاحتجاج المدني في البلاد في العام 2015، أو إذا حققوا نتائج جيّدة في تحدّي اللوائح الانتخابية المدعومة من الطبقة السياسية. وهذا أمر مهمّ إذ إن القوانين الانتخابية السابقة في البلاد قطعت الطريق أمام هؤلاء المرشحين. ومثل هذه النجاحات قد تشكّل مدخلاً لخوض غمار تحديات أكثر خطورة في الانتخابات المُقبلة.

http://carnegie-mec.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق