جون تشامبرز

 

سان جوزيه-ان اوروبا على اعتاب تحول رقمي غير مسبوق. انا أطلق على هذا التحول اسم انترنت لكل شيء: اختراق الشبكة العنكبوتية العالمية لكل شيء في حياتنا. هناك تقنية يمكن ارتدائها من اجل ان تخبرنا ما اذا كنا ننام بشكل جيد وما اذا كنا بحاجة للتمارين. هناك اجهزة استشعار في الشارع سوف تساعدنا في تجنب الاختناقات المرورية وايجاد المواقف. ان تطبيقات تيلميديسن سوف تسمح للأطباء بمعالجة المرضى وهم على بعد مئات الاميال.

ان هذا التحول الضخم سوف يكون بمثابة تحول لكيفية قيام المواطنين بالتفاعل مع حكوماتهم كما سوف يغير بشكل جذري صناعات كاملة ويغير الطريقة التي نتعامل فيها مع بعضنا البعض ففي اوروبا فإن الانترنت لكل شيء قد بدأ يظهر كأحد افضل الطرق الواعدة من اجل احياء الاقتصاد الراكد ومعالجة مشكلة البطالة المستعصية في اوروبا حيث ان الشركات والمدن وحتى الدول تحاول الان ان تتبوأ دورا قياديا في الابتكار والنمو وخلق الوظائف.

ان فرنسا كانت اخر الامثلة على ذلك ففي الشهر الماضي اعلنت انا ومانويل فالس شراكة طموحة للترويج للتحول الرقمي في البلد بأكمله. ان التعاون والذي يتضمن استثمار بمائة مليون دولار امريكي من سيسكو في الشركات الناشئة الفرنسية يمكن ان يكون بمثابة تحول في ادارة الطاقة والرعاية الصحية والتعليم مما سوف يعزز من تنافسية الاقتصاد الفرنسي وخلق الوظائف والديناميكية والنمو.

ان برنامج فرنسا هو خطوة كبيرة من اجل اوروبا رقمية وهو يأتي لاحقا لمبادرة المستشارة الألمانية انجيلا ميركيل اندستري 4،0 والتوسع المزمع في المملكة المتحدة لمراكز الابتكار من اجل تعزيز الاختراقات التقنية وايجاد الحلول الرائدة في الطاقة والنقل والرعاية الصحية والتعليم.

ان المدن ايضا بدأت في تبني الرقمنة فلقد قامت برشلونه بتركيب اجهزة استشعار في المواقف الأرضية وقامت باطلاق نقل عام مترابط كجزء من استراتيجيتها لمدينة ذكية. لقد قامت مدينة نيس بانشاء "جادة مترابطة " وهي عبارة عن شارع عريض تكتنفه الاشجار ويضم اضاءه ذكية ومراقبة بيئية وميناء هامبورج كذلك لديه نظام رقمي للحد من المياه والسكك الحديدية والازدحامات المرورية الارضية.

ان مثل هذه المشاريع يتم تكرارها في طول القارة وعرضها مما يؤدي الى جني مليارات الدولارات من حيث القيمة وذلك اذا اخذنا بالاعتبار خفض التكاليف ومكاسب الإنتاجية وزيادة الايرادات وكنتيجة لذلك فإن قادة اوروبا لا يرون فقط فرص النمو ولكن ايضا الحاجة لتجنب التخلف عن الركب.

ان خلق اوروبا رقمية بحق سوف يتطلب اساس لنطاق عريض بسرعة وجوده عالية سلكي ولاسلكي علما انه كجزء من الأجندة الرقمية لاوروبا فقد خطط صناع السياسة لربط 50% من المنازل الأوروبية بالنطاق العريض فائق السرعة (100 ميجابايت بالثانية او اكثر) بحلول سنة 2020 كما يهدفون كذلك لربط جميع المساكن بالنطاق العريض (على الاقل 30 ميجابايت بالثانية) قبل ذلك. يجب تبني تلك الاهداف بشكل كامل وصناع السياسات يجب ان يستمروا في تشجيع الاستثمارات الضخمة في النطاق العريض بالاضافة الى البنية التحتية اللازمة لدعم الاجهزة اللاسلكية والتي اصبحنا جميعا نعتمد عليها.

بالطبع يتوجب على اوروبا تشجيع ريادة الاعمال وهذا يتطلب تعزيز ثقافة المخاطرة وتسهيل عملية الوصول لرأس المال الاستثماري والاستثمار في المؤسسات التعليمية القوية. ان العديد من البلدان تقوم بذلك مما يوحي بإن التقنية القادمة التي سوف تغير قواعد اللعبة ربما لن تأتي من السيلكون فالي حيث يمكن ان يتم تطويرها بسهولة في مختبر ما في باريس أو لندن أو برلين.

سوف تحتاج اوروبا على المدى الطويل لعمالة مدربة على المهن في الاقتصاد الرقمي الجديد حيث تشير التقديرات الى وجود فجوه في المهارات الإلكترونية في اوروبا والتي لو تم سدها يمكن ان تؤدي الى خلق 850 الف وظيفة ممكنة سنة 2015 بحيث ترتفع الى ضعفي ذلك بحلول سنة 2020 وفي قارة تتجاوز بطالة الشباب فيها 50% في بعض البلدان يجب ان لا تكون هناك مشكلة في ايجاد شباب متحمسين للقيام بتلك الوظائف بشرط ان يتلقوا التدريب المناسب.

ان هذه الفجوة لا يمكن سدها بين ليلة وضحاها ولكن البلدان التي لا تعمل شيء من اجل التغلب عليها سوف تتخلف بالغالب عن الركب. ان زيادة المواهب بشكل كافي سوف يتطلب التزام من الاجيال المتعاقبة بتدريس الرياضيات والعلوم وتوفير التدريب التقني ومراقبة الشباب من جميع الخلفيات وذلك حتى يتعرفوا على المجموعة الواسعة من الفرص التي توفرها المهن التقنية.

بينما تستمر اوروبا في تحولها الرقمي فإن الامكانيات المتعلقة بالنمو فورية وضخمة. ان القارة هي بالفعل اكبر تكتل اقتصادي في العالم وبناتج محلي اجمالي بلغ اكثر من 14 تريليون يورو (15،2 تريليون دولار امريكي) سنة 2014 ولكن نموها بدأ يضعف. تقدر المفوضية الأوروبية-وهو تقدير متحفظ في رأيي- ان الثورة الرقمية يمكن ان تحفز ما نسبته "2،1% اضافية من نمو الناتج المحلي الاجمالي فوق خط الاساس".

بالنسبة للوظائف فالانترنت لكل شيء سوف يكون المحرك الرئيس للتوظيف فالتقدم في مجال الحوسبة السحابية فقط من المتوقع ان يخلق 2،5 مليون وظيفة اضافية في اوروبا بحلول سنة 2020. ان التحول الرقمي سوف يوفر فرص ويخلق انواع جديده من الوظائف: مطورو الانظمة ومهندسو شبكات النقل ومستشارو الاجهزة الطبية ومحللو البيانات والمهندسون الالكترونيون للشبكات الذكية وغيرها الكثير.

بينما تخطط اوروبا لمسارها الاقتصادي للعقد القادم فإنه يتوجب على قادتها التحقق من ان التحول الرقمي يشكل اساس استراتيجيتهم تلك وهذا سوف يسمح لهم بإنشاء اوروبا اقوى واسرع واكثر ديناميكية واكثر رقمية كذلك.

* رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة سيسكو

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق