اندرو شنغ/شياو قنغ

 

هونج كونج ــ في بداية المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني هذا الشهر، كَشَف الرئيس شي جين بينج عن "خطة التنمية ذات المرحلتين" لتحويل الصين إلى "دولة اشتراكية حديثة" بحلول عام 2035. ومنذ ذلك الحين انهمك المعلقون في مناقشات محتدمة حول موضوع "صعود الصين" وتركيز السلطة في يدي الرئيس شي جين بينج. ولكنهم بهذا يبتعدون عن بيت القصيد.

الواقع أن خطة شي أكثر شمولا وتطلعا إلى المستقبل مما يتصور أغلب المراقبين. فمثله كمثل الرئيسين السابقين ماو تسي تونج ودنج شياو بينج، أسس شي جين بينج استراتيجية لتحويل الصين إلى دولة "مزدهرة، وقوية، وديمقراطية، ومتقدمة ثقافيا، ومتناغمة، وجميلة" في غضون العقود القادمة. وسوف يكون المفتاح إلى تحقيق النجاح إيجاد التوازن بين الحداثة والاشتراكية بقيادة الحزب الشيوعي الصيني.

عندما تولى شي زعامة الحزب الشيوعي الصيني في عام 2012، ظهرت صدوع عميقة في كل من نموذج التنمية الذي أورثه إياه دينج والنموذج النيوليبرالي الغربي المهيمن، الذي يستند إلى الأسواق الحرة المفتوحة. فقد جلب النمو الصناعي السريع في الصين الفساد المستشري، والتفاوت المتزايد الاتساع في الدخل، ومستويات مرتفعة من التلوث. وكانت الدول الغربية أيضا تواجه اتساع فجوات التفاوت، في حين كانت تترنح تحت وطأة الأزمة العالمية التي صنعتها ــ وهي الأزمة التي تسببت بين أمور أخرى في إضعاف شهية هذه الدول للواردات الصينية.

انطلاقا من إدراكه لحقيقة مفادها أن التنمية المستدامة لن تتحقق إلا في إطار سياق من الاستقرار الاجتماعي والحكم الشفاف الجدير بالثقة، كرس شي السنوات الخمس الأخيرة لحملة غير مسبوقة لمكافحة الفساد والتي أسقطت 440 من كبار المسؤولين. وقد عمل أيضا على تنفيذ أكثر من 1500 من تدابير الإصلاح المصممة لإعادة التوازن إلى الاقتصاد، بالتالي تثبيت استقرار نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي عند مستوى "طبيعي جديد" يبلغ 6.7% في المتوسط، خلال ولايته الأولى.

وهكذا، وضعت فترة ولاية شي الأولى الأساس للخطة الطموحة التي كشف النقاب عنها في المؤتمر الوطني التاسع عشر. تحدد الخطة هدفا واضحا وواقعيا في الأمد القريب يتلخص في جعل الصين "مجتمعا مزدهرا باعتدال" بحلول عام 2021، بما في ذلك من خلال زيادة نصيب المواطن في الدخل إلى أكثر من 12 ألف دولار سنويا، وهي العتبة التي حددها البنك الدولي للاقتصاد المرتفع الدخل.

كما يضع تقرير شي استراتيجية أطول أمدا لتحقيق "حلم الصين" الذي طالما بشر به شي ــ "تجديد شباب" البلاد وترسيخها كزعيمة عالمية، على قدم المساواة مع الولايات المتحدة وغيرها من الدول المتقدمة ــ بحلول عام 2049. ووفقا لرؤية شي فإن الحزب الشيوعي الصيني الشفاف القابل للمساءلة، والمتمكن، والمسؤول اجتماعيا سيعمل بمثابة الوصي الذي يرعى هذا التحول.

إنها خطة منطقية تماما، وأن كانت معقدة. ولكنها تبدو رغم ذلك غير مفهومة بعض الشيء في نظر الناس خارج الصين. وربما يكون هذا راجعا إلى أن نموذج التنمية الصيني، على عكس النموذج الغربي القياسي القائم على السياسات الحزبية التنافسية والذي يستخدم انتخابات دورية لتوجيه السياسة، يعتمد على قدرة قيادة الحزب الواحد على التعلم وتكييف أجندتها وفقا لذلك.

في بلد كبير ومتنوع مثل الصين، يُصبِح هذا النهج منطقيا، لأنه يوازن بين الاستقرار والمرونة. ولا تسترشد تنمية البلاد بالنتائج في أسواق لا مركزية، بل باختيارات حكومة مركزية، تشرف على توفير السلع والمنافع العامة، وتحدد القواعد، وتدير المؤسسات. ومن أجل تجنب الاضطرابات الاجتماعية التي قد تترتب على المنافسة السياسية، تتولى الحكومة المركزية أيضا تعيين المسؤولين الرئيسيين على مستوى الأقاليم والبلديات وحل المنازعات بين المناطق.

من ناحية أخرى، تشترك الحكومات الإقليمية والبلدية في تجريب السياسات على المستوى المحلي، حيث تتفاعل الأسواق والمجتمعات المحلية، وتساعد نتائج هذه التجارب في إرشاد السياسة الوطنية. وتعمل المنافسة الإقليمية ليس فقط على تغذية النمو الاقتصادي الإجمالي؛ بل إنها تضمن أيضا تلبية الاحتياجات الخاصة لكل منطقة، من المدن الكبرى مثل بكين إلى القرى الصغيرة التي تنتشر في الريف الصيني. ومع تغير الوضع على أرض الواقع، في ظل حلول جديدة تعمل غالبا على خلق مشاكل جديدة وغير متوقعة، يُصبِح التكيف المستمر على المستويات كافة أمرا بالغ الأهمية.

بطبيعة الحال، لا تعني هيمنة الدولة أن الأسواق لا تلعب دورا مهما. ولكن هذا الدور كثيرا ما يساء فهمه. ففي العقود الأخيرة، استخدمت الصين المؤسسات المملوكة للدولة لتشييد البنية الأساسية المهمة من أجل دعم عملية تنمية أسواق الصين.

واليوم، لا تزال الشركات المملوكة للدولة تلعب دورا مهما في الهندسة الاجتماعية والبحث والتطوير، ولكن نماذج أعمالها تخضع لضغوط تفرضها العولمة والتكنولوجيات المعطلة للنماذج السائدة. ولهذا السبب أضاف شي إلى خطته التدابير اللازمة لدعم انفتاح الأسواق المستمر، بما في ذلك استخدام قانون المنافسة لتمكين الأسواق من توجيه الأسعار، وتحسين عمليات تخصيص الموارد وتعزيز الإنتاجية.

غير أن تحرير الأسواق، في سياق العولمة والتغير التكنولوجي السريع، أدى أيضا إلى نشوء اتجاه آخر ربما يكون ضارا: ظهور قِلة من شركات التكنولوجيا العملاقة المهيمنة. وعلاوة على ذلك كثيرا ما تكون وتيرة تحرير الأسواق أسرع من التقدم في تكييف القواعد التنظيمية وتدابير الإنفاذ، مما يسمح بمفاسد مثل المضاربة والتهرب الضريبي.

على هذه الخلفية، عملت الحكومة الصينية في السنوات الأخيرة على تعزيز القواعد التنظيمية والإنفاذ في كل القطاعات تقريبا. ويبدو أن هذا التناقض الواضح ــ بين الأهداف المعلنة لتحرير السوق وواقع القواعد التنظيمية المحكمة ــ هو الذي يحير المراقبين في الخارج. ولكن الحقيقة هي أن اختلالات التوازن الاجتماعية المتصاعدة لا يمكن معالجتها إلا من خلال التدخل الحكومي الفعّال الذي يتجنب استيلاء الدولة على كل شيء أو ذلك النوع من الشلل الذي قد ينشأ عن المنافسة السياسية المفرطة.

يتمثل عنصر آخر متناقض ظاهريا في خطة شي في إصرارها على قيادة الحزب في الشؤون الوطنية كافة، جنبا إلى جنب مع التعهد بتعزيز سيادة القانون. ولكن مرة أخرى، إذا نظرنا عن كثب فسوف نتبين منطقا مباشرا صريحا: فالانتقال إلى مستقبل حيث الأولوية لسيادة القانون يستلزم تغلب الصين على إرث الصوامع البيروقراطية التي ترسخ مقاومة الإصلاح من جانب أصحاب المصالح الشخصية. وسوف يتطلب القيام بهذا الزعامة القوية.

في عالَم يضم مجموعة متنوعة من البلدان، ولكل منها نظامه المعقد الديناميكي المتطور، لا يوجد مسار للتنمية يناسب الجميع. ورغم أن الدول ربما تتطلع جميعا إلى أنماط حياة وبيئات عمل وأنظمة اجتماعية متشابهة، فإنها لن تحقق غاياتها إلا بطريقتها الخاصة التي تتحدد وفقا لاحتياجاتها وتفضيلاتها وهياكلها وموروثاتها الخاصة. ومن منظور الصين، اكتمل رسم خريطة هذا الطريق الآن، في ظل فهم واضح لاحتمال تنقيح هذه الخريطة حسب الاقتضاء.

* اندرو شنغ، زميل المعهد الاسيوى العالمى بجامعة هونج كونج/ شياو قنغ، رئيس مؤسسة هونج كونج للتمويل الدولى واستاذ بجامعة هونج كونج
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق