في المنعطفات الصعبة التي تواجهها الزعامات غالباً ما تتصارع الرؤى وتزدحم الأفكار في عقل الزعيم وتختبر قوة الإرادة، ويخطأ من يظن أن الزعيم -أي زعيم -لا يفكر في مستقبل الجماعة التي يقودها فآمالها، طموحاتها، وسعادتها، تمر على مخيلته، فإن لم يكن ذلك نابعاً من إخلاصٍ للقضية أو التزام بالمبادئ الوطنية، أو متبنيات أخلاقية فهو لمتطلبات الزعامة السياسية، فالزعيم زعيم بنجاحه السياسي وإلا ففشله يجعل قاعدته تتسرب من تحته ولربما يواجه مصيراً ينتهي به نهايةً سيئة.

- قوة كل زعيم ناشئة من قدرته على إقناع قاعدته بصواب الأهداف التي يضعها والقضايا التي يطرحها إلى الحد الذي يجعلها - أي القاعدة - مستعدةً للتضحية من أجل تلك الأهداف، وأكثر من ذلك حين يكون هذا الاستعداد غير مشروط بالنصر المادي وتحقيق الهدف عاجلاً، بل تضحية غير مشروطة، فسمو الهدف يستحق التضحية وحسب وعلى قاعدة - على المرء أن يسعى بمقدار جهده وليس عليه أن يكون الموفقا - فالأهداف النبيلة تستحق أن نموت من أجلها وإن كان تحقيقها بعد حين . وسجال الفضائيات هذه الأيام يؤسس لفرقتين لا فريقين وضدين لا رأيين.

- أكثر ما يحفر في ذاكرة البشر هو الحروب، فمشاهد القتل والدمار وفراق الأحبة، والنزوح، والخوف، والحاجة إلى الغذاء والماء والدواء، ومعايشة ذلك كله قد يحتاج الى ثلاثة أجيال للتخفيف من أثره على الشعوب وحكاياتها ووعيها وطريقة تفكيرها، لذا تبتكر الزعامات فنوناً في الإقناع بسمو الهدف الذي تتكرر هذه المآسي من أجله أو فنوناً في الإقناع أن الزعيم وقاعدته مضطرون لذلك وعلى قاعدة - إذا لم يكن إلا الأسنة مركباً فما حيلة المضطر إلا ركوبها - أو فنوناً في تحريك الجانب الغريزي الحيواني لدى الجماعة من حب الافتراس والسطوة والغلبة والتصارع، ويُغيّب جانب العقل وإجابات الإسئلة الكبيرة لماذا، وكيف، وماذا بعد، وزعامة الإقليم سائرة في هذا المنهج.

- في إدارة الصراع يحسن أن يرى خصمك قوتك وقدرتك لأنها ستكون سبباً في ردعه عن خوض غمار الحرب وعالم اليوم قائم في توازنه على الردع فقطبي الصراع الدولي يذكران بعضهما الآخر أن الأرض ستفنى ثلاث مرات إن وقعت الحرب الحقيقية بين الخصوم الكبار ولكن حتى الآن لازالت أزرار الصواريخ النووية بيد عقلاء القوم. فالتهديد باستخدام القوة أنجح من استخدامها في كثير من الأحيان، لكن إلى أي حد تستطيع السيطرة في أن لا تستخدمها فعلاً فذلك أهم ما يجب أن تعرفه حكومة المركز.

- منذ الاستفتاء في إقليم كردستان وحتى اليوم لا تريد حكومة المركز ولا حكومة الإقليم الإنزلاق الى الحرب وكلاهما يعرف التبعات الكارثية لهذا الخيار وكل يجمع أوراقه ويستحضر قواه ويتوسل بوسائل أخرى للفوز على خصمه، لكن كلاهما يلمح إلى قدرته في استعمال كل الخيارات، لكن معرفة الطرفين ببعضهما ستؤخر الحلول الناجعة للأزمة.

- الدستور حمال ذو وجوه وتفسيره مشكل، المحكمة الاتحادية هي المعول وهناك خشية من أن تفقد هذه المحكمة ثقلها الوازن في حال اتخذت قرارات متلاحقة ضد الإقليم، خاصةً في قضية النواب وحضورهم في البرلمان وبقاء أهليتهم من عدمها . ليس من المناسب زجها في أمور يمكن حلها سياسياً فإبقائها برصيدها وثقلها للأمور الكبرى أهم وأكثر حكمةً .

- العامل الحاسم في الحل هو تركيا وايران، فلديهما من وسائل الضغط ما يفوق حكومة المركز وإذا كان مبدأ النفط مقابل الغذاء صحيحاً فإن النفط مقابل حفظ الدماء أصح، ولا خير في ثروةٍ لا تحافظ على أرواح أهلها. فعيون تركيا مشبوحة على ملياراتها التي تفقدها من جراء معاقبتها للإقليم وهي تتطلع إلى من يعوضها عن ذلك، حفظ الله العراق وأهله من كل سوء إنه سميع مجيب.

...........................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق