رانج علاء الدين

 

أتى الرد الأمريكي على استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية حاسماً. استنكرت روسيا الغارة الجوية التي شُنَّت الخميس فوق مطار الشعيرات، إلا أنها لا تبدو عازمةً على تصعيد المواجهة في حين أن ردّ المجتمع الدولي جاء إيجابياً بشكل عام. يبقى احتمال زيادة تدخل إدارة ترامب في سوريا أمراً مبهماً، ولكن في حال قررت ذلك يتعين عليها أن تستعد لمواجهةٍ مع إيران.

فالسيطرة على الأرض هي فعلياً لإيران وحلفائها وليس لروسيا، وما يحصل على الأرض سيحدد مستقبل سوريا وسيشكل بيئة ما بعد الحرب. وكانت المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي، قد تحدثت عن التخلص من الوجود الإيراني ونفوذه في سوريا.

شبكة معقدة

لكن لا يمكن استبعاد النفوذ الإيراني عن سوريا، إذ إن الأمر لا يقتصر على استهداف حليف واحد، إنما شبكة واسعة من القادة والمقاتلين والموارد والأسلحة المنتشرة عبر المنطقة وإلى أفغانستان.

منذ أن انخرط النظام الإيراني في الأزمة السورية في العام 2012، قامت أعداد كبيرة من الميليشيات المدعومة من إيران بتثبيت وجودها على الأرض. ومن خلال هذه الميلشيات، تحول ميزان القوى لمصلحة النظام والرعاة الإيرانيين.

ولا عجب في ذلك، إذ أمضت إيران نحو أربعة عقود ترعى الموارد وتخصصها باستمرار للمجموعات المسلحة التي من شأنها أن تدعم نفوذ النظام في المنطقة أو على الأقل أن تُضعف خصومه.

أنشأ القادة من رجال الدين في إيران، منذ وصولهم إلى السلطة في العام 1979، مجموعات مسلحة في مختلف أنحاء العالم العربي وعملوا معها.

في ثمانينيات القرن الماضي، أسس النظام الإيراني حزب الله في لبنان إلى جانب مجموعات متمردة شيعية في العراق حاربت نظام البعث – ويشكل بعض هذه المجموعات اليوم أقوى الميليشيات والجهات السياسية الفاعلة في العراق.

كما قدم النظام الإيراني الدعم لبعض الحركات الفلسطينية كحركتي حماس والجهاد الإسلامي. وفي تسعينيات القرن الماضي وأوائل القرن الحالي، استخدمت المجموعات الجهادية على غرار أنصار الإسلام – النسخة السابقة لتنظيم القاعدة في العراق وما يُعرف بالدولة الإسلامية – الأراضي الإيرانية أيضاً كقاعدة انطلاق لتنفيذ هجمات إرهابية في كردستان العراق المجاورة.

استثمارات إيران تجني أرباحاً

في حين لم تكن جهات عديدة مستعدة للنظام الإقليمي الناشئ الذي تُشكل فيه المجموعات المسلحة ضماناً للأمن أو تسيطر بموجبه على البيئة المحلية بسبب الصراع وهشاشة الدولة، أفنت إيران عقوداً وهي تحاول وتختبر وتتعلم من الحروب بالوكالة التي تكتسح حالياً العالم العربي.

أدى حزب الله اللبناني دوراً حاسماً في سوريا منذ أن سيطر على بلدة القصير الاستراتيجية في العام 2013. تدفقت الميليشيات الشيعية إلى سوريا ليحاربوا إلى جانب النظام، وقد أظهر العديد منهم صلابة في أرض المعركة بفضل الخبرة التي اكتسبوها من محاربة القوات الأمريكية والبريطانية في العراق.

أما الميليشيات الشيعية التي قامت إيران بتنظيمها وتمويلها في العراق، فقد منحوا هويات خاصة بهم، وبالتالي فرصةً لاكتساب موارد وقواعد دعم محلية. اندمجت هذه المجموعات في النظام السياسي العراقي، وأصبح لها حالياً مجموعات تابعة في سوريا وراسخة بقوة في المناطق التي تسيطر عليها. وقد بدأت هذه المجموعات أيضاً بالعمل للحصول على دعمٍ محلي وخارجي من الشيعة المنتشرين في المنطقة الذين يخشون أن تهدد الإطاحة بالأسد وجود الشيعة عموماً، الأمر الذي تستغله إيران.

نفوذ واسع النطاق

وبالتالي، فإن تأثير إيران في سوريا له أبعاد ثقافية ودينية تزيد من تعقيد محاربته. وبدلاً من التركيز على هزيمة إيران في سوريا، يتعين على الولايات المتحدة أن تركز على احتوائها.

وقد بدأت بتطبيق ذلك يوم الخميس، إذ طمأن وجود أمريكا أصدقاءها وأقلق أعداءها. في حين كانت ثقتهم في ما مضى أعلى، سيقلق الإيرانيون وحلفاءهم الآن على وضعهم في سوريا.

إن مواجهة إيران على نحوٍ فعال يتطلب نهجاً طويل الأمد إزاء مشكلةٍ معقدة ومتغيرة باستمرار. يتعين على الولايات المتحدة أن توازي جهودها مع تفاني إيران والموارد التي بذلتها، مما يعني إنشاء موطئ قدمٍ لها في سوريا.

إن إنشاء منطقة آمنة، والتي تدرسها إدارة ترامب، ودعا إليه حلفاؤها، سيشكل منطقة عازلة ضد النفوذ الإيراني. لم يعد إنشاء منطقة مماثلة مجرد ضرورة أخلاقية إنما ضرورة استراتيجية أيضاً. ومن المرجح أن يطبق النموذج الفيدرالي في سوريا مستقبلاً حيث ستوزع السلطة على مناطق مختلفة. بناءً عليه، تضع إيران استراتيجية خاصة بسوريا تخوّلها السيطرة على هذه البنى الحاكمة.

تكرار الاستراتيجية المتبعة في العراق

لا عجب أن تحاول إيران إشراك حلفائها والأراضي التي تسيطر عليها حالياً في النظام السياسي لما بعد الحرب وأن تعمل على إلحاقها بالنظام، كما سبق أن فعلت مع حلفائها في العراق. سواء أكان ذلك على الأرض أم على طاولة المفاوضات، يمكن أن تستفيد الولايات المتحدة من وجودها في سوريا لتمنع إيران من محاولة إلحاق حلفائها بالنظام. من شأن منطقة آمنة تعيق النفوذ الإيراني أن تتيح حصول ذلك وأن تضمن أن لا تتمتع إيران بحرية تحديد مستقبل سوريا. صحيح أن موسكو حظيت بنفوذ في سوريا، إلا أن الرباط محكم حول يديها. ومن وجهة النظر الإيرانية، سيكون سحب الميليشيات التي تضمن لها نفوذاً فريداً من نوعه أمراً غير منطقي، علماً أن هذه الميليشيات تفوق القوى التي طورتها روسيا على الأرض عدةً وعديداً.

إلا أن قوة نظام الأسد وإيران تزداد وقد بدأوا بالابتعاد عن نطاق نفوذ روسيا. الأمر الذي يقدم للولايات المتحدة فرصةً تنسيق تحركاتها مع الروسيين في محاولتها احتواء النفوذ الإيراني في سوريا.

https://www.brookings.edu

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق