تبدو الجزائر واحة استقرار في منطقة تتخبّط في لُجج الفوضى. فبعد سبعة أعوام على اندلاع انتفاضات الربيع العربي، أظهر النظام الجزائري قدراً كبيراً من المرونة والتكيّف. ويعكس السلام النسبي الذي يعمّ البلاد وديمومة النظام قدرةَ النخب على توفير الموارد السياسية والاقتصادية بشكلٍ مدروس. وقد أدّت...
دالية غانم-يزبك

 

بعد أعوام على اندلاع انتفاضات الربيع العربي، أظهرت الجزائر قدراً كبيراً من المرونة والتكيّف.

تبدو الجزائر واحة استقرار في منطقة تتخبّط في لُجج الفوضى. فبعد سبعة أعوام على اندلاع انتفاضات الربيع العربي، أظهر النظام الجزائري قدراً كبيراً من المرونة والتكيّف. ويعكس السلام النسبي الذي يعمّ البلاد وديمومة النظام قدرةَ النخب على توفير الموارد السياسية والاقتصادية بشكلٍ مدروس. وقد أدّت هذه المقاربة إلى خلق مظهر تغييري وتعدّدي سمح للنظام باحتواء السخط الاجتماعي، وضبط المجتمع، وتوطيد أركان حكمه. لكن النجاح الذي حصده النظام حتى اليوم لايعني أن الآليات التي يعتمدها لإعادة إنتاج ذاته ستستمرّ إلى الأبد.

فنّ تقديم التنازلات من دون تغيير جوهري

على الرغم من الاضطرابات والإصلاحات والانتخابات الروتينية، لايزال الجيش الوطني الشعبي يحكم البلاد. والمرجّح أن يبقى هذا الوضع على حاله في المستقبل المنظور.

لم تُبدِ أحزاب المعارضة حماسة تُذكر لتحقيق التغيير، بل هي تبنّت قواعد اللعبة وأعادت إنتاج الأنماط نفسها من السلوكيات غير الليبرالية التي كانت تندّد بها.

منظمات المجتمع المدني استُتبعت وهُمِّشَت وتعرّضت إلى ضغوط. ولأن النظام يستغلّ مشاكلها الداخلية وهياكلها غير الديمقراطية، فشلت هذه المنظمات في أن تكون صلة وصل بين الحكّام وبين المواطنين.

أفادت اللبرلة الاقتصادية الانتقائية على وجه الخصوص الأفراد الذين تربطهم علاقات مع شخصيات سياسية. وقد وسّع القادة الجزائريون شبكات وكلائهم، وبالتالي قاعدة دعمهم، للبقاء في سُدة الحكم.

يُعتبر الفساد سمة أساسية في نظام الحوكمة في الجزائر وآلية مهمة لحلّ النزاعات من أجل إرساء الاستقرار في النظام السياسي.

الوضع القائم على المحك

سيواصل التغيّر الاجتماعي اختبار قدرة النظام الجزائري على الحفاظ على نفسه. وقد تؤدي إمكانية استمرار التحديات المالية الحالية التي يواجهها بسبب اعتماده المفرط على الإيرادات المتأتية من بيع المواد الهيدروكربونية، إلى إجبار النظام على تقديم حوافز سياسية إضافية (مثل مشاركة سياسية أكبر، أو الاعتراف بالأقليات الإثنية والثقافية، أو انضمام أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني إلى المشاورات مع الحكومة).

يتعيّن على الحكومة أن تنظر في ضرورة صياغة سياسة وطنية للشباب وإنشاء منظمة وطنية شبابية. بالنظر إلى الملامح الديموغرافية الشبابية للبلاد، يمكن أن يساعد التجدّد الجيلي والمشاركة السياسية وانخراط الشباب الجزائري في الحياة العامة النظام على إدارة السخط الاجتماعي.

في ظروف معينة، قد تمتلك الحكومة مبرراً لإفساح مجال أكبر أمام منظمات المجتمع المدني لتوجيه المشاعر الشعبية. في مرحلة ما، قد يُسفر تعطيل هذه المنظمات باستمرار عن نتائج عكسية، ويدفع بعض الأشخاص على الانضمام إلى منظمات سرّية، وكذلك إلى تمكين أولئك الذين يعتقدون أن العنف وحده يمكن أن يُحدث تغييراً حقيقياً.

مقدّمة

ثمة جملة في رواية "الفهد" لجوزيبي دي لامبيدوزا تلخّص بدقة مقاربة قادة الجزائر للسياسة منذ أن ظفر هذا البلد باستقلاله من فرنسا العام 1962، تقول: "إذا ما أردنا إبقاء الأمور على حالها، فيتعيّن أن تتغيّر هذه الأمور".1

في العقود الأخيرة، وسّع قادة البلاد نطاق الحقوق السياسية، ووفّروا الموارد الاقتصادية للمواطنين بطريقة انتقائية ومدروسة. إذ خلقت الدولة مظاهر شكلية من التغيير والتعددية بهدف امتصاص السخط الشعبي وإحكام سيطرة الحكومة على المجتمع، والحفاظ على أسس النظام وأركانه. ولهذا الغرض، انتقل النظام من السلطوية المباشرة إلى مزيج هجين من الديمقراطية والسلطوية. ويوضح الباحث لاري دايموند أنه في هذا النوع من الأنظمة "تكون الانتخابات والمؤسسات "الديمقراطية" الأخرى مجرد واجهات وظلال، لكنها مع ذلك توفّر بعض المجالات لكل من المعارضة السياسية، والإعلام المستقل، والمنظمات الاجتماعية التي لاتنتقد أو تتحدى النظام على نحو جدّي".2

دالية غانم-يزبك باحثة مقيمة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط. تتمحْور أبحاثها حول العنف والتطرّف السياسيين، والتعصّب، والإسلاموية، والجهادية، مع تركيز خاص على الجزائر وعلى انخراط النساء في التنظيمات الجهادية.

وهكذا، وعلى رغم هذه التغييرات التي تبدو ليبرالية، بقي النظام الجزائري، عبر سابق تصوُّر وتصميم، على حاله إلى هذا الحد أو ذاك. إذ يتكوّن صنّاع القرار الجزائريون، الذين يُطلق عليهم بالفرنسية اسم Décideurs، أساساً من أعضاء الجيش الوطني الشعبي، ومن الأحزاب السياسية وثيقة الصلة بالمؤسسة العسكرية على غرار جبهة التحرير الوطني الجزائرية والتجمّع الوطني الديمقراطي، وغيرها من النخب السياسية والاقتصادية الوازنة. وقد مَنَحَ صناع القرار المواطنين حيّزاً محدوداً ومدروساً، لأن هذا النوع من الانفتاح كان ضرورياً للحفاظ على بقائهم السياسي وعلى النظام ككل.

عمدت نخب السلطة الجزائرية، في سبيل إقامة توازن بين تقديم التنازلات وبين محاذرة التغيير الجذري، إلى هندسة تعديلات سياسية واقتصادية لصيانة وتسوير سلطتها، أسفرت عن إبقاء النظام السياسي التعدّدي الذي سمحت به قيد السيطرة المُحكمة. وعلى رغم أن الانتخابات أصبحت منتظمة، إلا أنها تلوّنت بالتجاوزات، ولم تكن لا عادلة تماماً ولا هي شكّلت تحدياً لقيادة البلاد.

وفي هذه الأثناء، سمح النظام لجماعات المعارضة ومنظمات المجتمع المدني بقدرِ من الانتقادات والطعون، لكن العديد من هذه الهيئات كانت مُستتبعة، أو مُشيطنة، أو مُهمّشة ومقموعة، ولاتزال واهنة وعاجزة عن تحدي سياسات وخطوات الحكومة.3 وفي غضون ذلك، أدّت إجراءات التحرير الاقتصادي المنتقاة بعناية إلى توسيع دائرة الموارد الاقتصادية، وهدفت أساساً إلى خدمة مصالح دوائر القيادة الجزائرية القوية ووكلائها، من خلال توزيع متساوٍ نسبياً لعائدات النفط. كما جرى توزيع موارد سياسية واقتصادية على الشعب للمساعدة على ضمان استقرار النظام السياسي. وهكذا، ومن خلال هذا التقاطع المّعقّد من الاستراتيجيات التي يعاد باستمرار تكييفها لتحييد المعارضين والمنتقدين، استطاع النظام ككل الحفاظ على كينونته.

على سبيل المثال، كان النظام الجزائري فائق السرعة في الاستجابة والتكيّف خلال انتفاضات الربيع العربي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في أواخر 2010 وأوائل 2011. وهو فعل ذلك مجدداً غداة هبوط أسعار النفط في أواسط 2014،4 كما كان حريصاً على تجنُّب أخطاء الماضي وقدّم تنازلات اقتصادية وسياسية. فقد اتّخذت الحكومة في الوقت المناسب إجراءات سياسية لإشاعة الانطباع بأنها تشجّع المشاركة السياسية، وشمل ذلك رزمة إصلاحات دستورية ورفع حالة الطوارىء التي كانت مُطبّقة طيلة 19 عاما.5 علاوة على ذلك، وزّع النظام عطايا سخية على مختلف فئات السكان، خاصة منهم الشبان، لتهدئة السخط الاجتماعي، ما أدّى ليس فقط إلى تعزيز شرعية النظام بل أعاق أيضاً جهود المعارضة لتعبئة الشعب ضد الحكومة.

مكّنت هذه المقاربة النظام من تجنّب الاضطرابات التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفي حين اندلعت بالفعل سلسلة من الاحتجاجات وإحراق النفس في مُختلف أنحاء الجزائر في الفترة بين 2010 و2012، إلا أن ربيعاً عربياً كامل التفتّح لم ينبثق في البلاد. فعلى رغم أن عدداً من هذه الاحتجاجات (خاصة في 2010) حدت بأحد الكتّاب إلى وصف الجزائر بأنها "بلد الألف وألف مظاهرة"، وأيضاً على رغم من العديد من عمليات إحراق النفس ومحاولات الانتحار التي حدثت قبالة المباني الحكومية، إلا أن المطالب الشعبية بقيت غير جذرية.6 فقد طالب المحتجّون بظروف عمل أفضل، ومرتبات أعلى، وضرائب أقل، لكنهم لم يصلوا إلى حد الدعوة إلى تغيير النظام. كانت هذه الاحتجاجات عفوية ومجتزأة وافتقدت إلى قيادات سياسية قادرة على توحيدها، وسرعان ما كانت توضع قيد السيطرة بفعل الوجود الكثيف لقوات الشرطة. وبالتالي، وفي خضم الاضطرابات الإقليمية، بقي النظام الجزائري ثابت الأركان وحافظ على استمراريته.

أظهرت الحكومة الجزائرية، عبر اتّخاذها هذه الخطوات، أنها تعلّمت من محاولاتها الأقل نجاحاً لكن الاكثر كلفة للحفاظ على الأمن والنظام، عشية التطورات التي قادت إلى حرب أهلية في البلاد دامت عقداً كاملاً من الزمن. إذ فشل النظام مع مستهل هذه الحرب في الفترة بين أواخر 1991 وأوائل 1992 في إيجاد توازن بين التنازلات المحدودة وبين الحفاظ على السيطرة من خلال لغة العنف. آنذاك، أوغل قادة البلاد في اللجوء إلى القمع والعنف العشوائي، وأدّت هذه المقاربة المخطئة إلى إطلاق يد حزب متطرف، هو الجبهة الإسلامية للانقاذ، في إيقاد نيران الغضب في نفوس الفئات الشعبية المُهمّشة. ونتيجة لذلك، حصدت هذه الجبهة شعبية واسعة، إلى درجة أنها بدت على شفير الفوز بالأغلبية البرلمانية في انتخابات 1991-1992. لمنع حدوث ذلك، أوقفت المؤسسة العسكرية الجزائرية العملية الانتخابية، وسيطرت عملياً على البلاد. وبعدها، اندلع لهيب صراع عنيف بين الجيش الجزائري وبين الجبهة لم تخف وتيرته طيلة سنوات عدة. فقد صعّدت أجهزة الأمن بشكل عشوائي دورة العنف، ثم عمدت إلى مضاعفة وتائر القمع حين باشر المتمردون قتل أفراد هذه الأجهزة بشكل منهجي (بخاصة المُجندين الشبان)، رداً على ذلك.

خلال هذه الحرب، أعادت الحكومة العمل بالعملية الدستورية في العام 1995، ومنذ ذلك الحين باتت تُجرى انتخابات برلمانية ورئاسية وبلدية على نحو منتظم، ففُتح المجال السياسي إلى حد ما وبات اللاعبون السياسيون والأحزاب (بما في ذلك الإسلاميون، الذين دخلوا البرلمان والائتلافات الحكومية) جزءاً من المشهد السياسي في البلاد. الدستور منح، على الأقل رسميا، حرية التعبير، ما سمح بولادة صحافة نشطة. ومع الوقت، تنامى بشكل كبير عدد الصحف والمجلات ومنظمات المجتمع المدني.

على مدى سنوات، ساعدت قدرة الحكومة على شرذمة واستتباع والتلاعب بالمعارضين أو كتم أصواتهم، على ضمان استمرارية النظام السياسي. وفي حين أن هذا تطلّب من الحكومة أن تُثبت قدرتها في كل حين على التأقلم، إلا أنه من المرجح أن يبقى النظام ويستمر في المرحلة الراهنة. إلى ذلك، لايزال المركز الحقيقي للسلطة كامناً في عرين الجيش الذي يواصل التمتّع بنفوذ واسع ومُتماسك، بغض النظر عن مظاهر التعدّدية والدستورية. فالجيش يسود ويدير حتى ولو لم يكن يحكم بشكل مباشر.7 وهو يفعل ذلك من أعلى هرم سلطة تتقاطع وتندمج فيها مصالح الجيش وجبهة التحرير وأعضاء النخبة السياسية والاقتصادية.

صحيح أن استمرارية النظام على المدى الطويل قد تكون موضع تساؤل، إلا أنها ستبقى على المدى القصير بفعل الروابط المكينة والاعتماد المتبادل بين القيادات العسكرية والاقتصادية والنخب السياسية، حتى لو كانت هذه العلائق غير منصوص عليها في قوالب ثابتة، وحتى أيضاً لو كانت التحالفات عُرضة إلى التغيرات والتقلبات. فالقيادة ستواصل في الغالب حماية النظام من غائلة اللااستقرار، من خلال توزيع الموارد السياسية في المراحل الحرجة، كما فعلت عامي 2012 و2014. إذ من مصلحة هذه النخب القويّة أن تقدّم بعض الحوافز السياسية، خاصة إذا ما تواصلت الأزمة الاقتصادية في البلاد. ويُرجّح، في خاتمة المطاف، أن يواصل الجيش الإمساك بزمام الأمور. ومع تنامي مخاطر التيارات الجهادية وتدفقها عبر حدود البلاد من ليبيا ومالي وتونس ومناطق الساحل المجاورة، ستُواصل النخبة الحاكمة حصد قسط من الشرعية بسبب قدرتها على توفير الأمن. إذ كما هو معروف، توفّر مشاعر فقدان الأمن تبريراً مؤاتياً لانخراط العسكر في السياسات بالنسبة إلى كلٍ من الجمهور المحلي والقوى الدولية.

بيد أن المجتمع الجزائري المعقّد تطاله الآن يد التغيير، وخطوات التأقلم التكتيكية التي استخدمها النظام، أو أساء استخدامها، لن تجدِ فتيلاً مستقبلاً مع الأجيال الجديدة التي باتت أكثر تعليماً وتمديناً وترابطاً، وأيضاً أكثر تصميماً على رفض خيارات السلطة، مما كان عليه آباؤهم وأمهاتهم. ويشي تطوُّر الفئات الشابة الجزائرية، في سياق التحديات التي تواجه اقتصاد البلاد المعتمد على النفط، بأن السياسات التوازنية الحكومية لن تكون قادرة على الاستمرار من دون تبديل أو تغيير إلى ما لانهاية، حتى ولو أن الوضع الراهن قد يبقى في المستقبل المنظور.

إن فهم نظام الحوكمة الجزائري له تبعات مهمة للغاية. إذ عدا عن كون هذا البلد هو الأكبر في إفريقيا والعالم العربي، فهو كذلك أحد حفنة من الدول التي بقيت مُستقرة نسبياً على رغم الفوضى التي تضرب أطنابها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ العام 2011. هذا النمط من اللااستقرار في الجوار الجزائري، لا يُظهر أية دلائل على أنه سينحسر قريبا، وهذا مايجعل الجزائر تبدو واحة استقرار في منطقة تتخبّط خبط عشواء في لجج الفوضى. ثم أن استقرار الجزائر ضروري وأساسي للدول القريبة منها في شمال إفريقيا وأوروبا- خاصة فرنسا- التي لها مصلحة عليا في حسن طالع هذه البلاد. وفي الوقت نفسه، تُعتبر الجزائر شريكاً تجارياً وأمنياً للولايات المتحدة منذ وقوع الهجمات الإرهابية في 11 أيلول/سبتمبر، كما أصبحت لاعباً وازناً في الحرب على الإرهاب في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، ووسيط سلام إقليمياً كما يظهر من دورها النشط في ترقية الحوار السياسي والاستقرار الإقليمي في كلٍ من ليبيا ومالي وتونس.

علاوة على كل ذلك، تُقارَبْ الجزائر أحياناً بكونها قائدة اتجاهات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فحربها من أجل الاستقلال فتحت الأبواب والنوافذ أمام البلدان الإفريقية والعربية لنيل استقلالها هي الأخرى. وحربها الأهلية مع الجهاديين في حقبة التسعينيات تنبأت من نواح مهمة عديدة بانتفاضات الربيع العربي. وقد يكشف مستقبل الجزائر عن تبصرات حول المآل المستقبلي للمنطقة ككل، وبالتالي يتعيّن على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأطراف الخارجية الأخرى ذات المصلحة ألا تسيء تقدير أهمية هذا البلد بالنسبة إلى مسألة الاستقرار الإقليمي.

مرتكزات الاستقرار الوطني

يجب القول هنا، أولاً، أن تمظهرات النظام التعددي لاتضمن للمواطنين المشاركة الحقيقية في مؤسسات الدولة، إذ لاتزال هذه التعددية مجرد واجهة لمراكز نفوذ وسلطة خفيين، تمارس الحكم بشكل غير رسمي خلف الكواليس. التداول الحقيقي للسلطة يبدو غير وارد، والنخب الحاكمة طوّرت صرحاً سياسياً جامداً يتكوّن من أجزاء متفاعلة لاتفعل شيئاً، حتى لو تغيّرت، سوى تعزيز بعضها البعض. الأساس الأول والأهم الراسخ لهذا النظام هم كبار ضباط الجيش الوطني الشعبي. وفي إطار المشهد السياسي العام، لايزال ثمة دور رئيس للحزب الحاكم سابقاً إبّان عهد الحزب الواحد، جبهة التحرير الوطني، ولحزب ثانٍ شبه رسمي هو التجمع الوطني الديمقراطي الذي شُكِّل لموازنة جبهة التحرير حين يتطلّب الأمر ذلك.

الجيش الوطني الشعبي: الحارس البار للسلطة الجزائرية

الجيش الجزائري، بكونه المؤسسة الأقوى تنظيماً والأكثر استقرارا، هو الحارس الأول للسلطة الوطنية. إنه الطرف الذي يتخذ القرارات فتنفّذها الحكومة، واجهته المدنية. وقد كان الجيش في موقع السلطة منذ بدء حرب الاستقلال العام 1954، وسيبقى في المستقبل المنظور "الحارس البار للسلطة الجزائرية".8

أحد المصادر الكبرى للسلطة السياسية للجيش هي الشرعية الوازنة التي حصدها خلال قيادته الجزائر في حرب الاستقلال. وفي هذا، لايكون هذا الجيش فريد عصره حين يصبح المركز الحقيقي للسلطة بسبب دوره في حركة التحرر الوطني، فالمؤسسات العسكرية في بلدان أخرى حصدت وضعية مُماثلة. وفي حالة الجزائر، منح الدور الرئيس في النضال الوطني التاريخي ضد فرنسا الجيش موقعاً رئيساً في المسعى اللاحق للإمساك بصولجان السلطة الوطنية. وفي الواقع، أصبح الجيش متماهياً مع الأمة نفسها.9 وهكذا، وبالنسبة إلى القادة العسكريين الذين حملوا مثل هذه الشرعية التاريخية، فإن التخلي التام عن أدوارهم السياسية لصالح مسؤوليين مدنيين منتخبين، يخاطر بتعريض الأمة إلى المهالك.

ثمة مصدر مهم آخر لسلطة الجيش الوطني هي سطوة كبار الضباط على المرشحين للرئاسة وعلى المسؤولين الذين قد يهددون مصالحهم السياسية الحيوية. فالجيش دعم بشروط الرؤساء المدنيين طيلة السنوات الخمسين الأخيرة. وهنا قد يكون من نافل القول أن كل الرؤساء الجزائريين كانوا في الواقع عسكريين، من أول رئيس، أحمد بن بلّة، إلى الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة. وهذا الأخير، وعلى رغم اعتلال صحته، ترشح لولايتين ثالثة ورابعة (في 2009 و2014). وهو لم يكن ليفعل لولا دعم الجيش له.10 وقد أقدم الجيش على ذلك لأنه لايعتبر بوتفليقة خطراً لا على وضعيته ولا على مصالحه.

والحال أن محدودية نفوذ السلطة المدنية الجزائرية على المؤسسة العسكرية كانت واضحة وجلية مراراً وتكرارا. فالجيش رفض أي مسعى مدني لمراقبة الشؤون الداخلية العسكرية، أو لتعريف ماتعنيه سياسة الأمن الوطني، أو لجعل ضباط الجيش خاضعين إلى المساءلة أمام المحاكم المدنية، أو لتقليص الأدوار السياسية للعسكر. وفي هذا المضمار، لايستطيع أي مرشح للرئاسة أن يخوض بالفعل السباق الانتخابي من دون موافقة الجيش أو على الأقل كبار قادته. يصف الجزائريون مثل هؤلاء القادة المدنيين بأنهم "دجابوهم"، أي أتوا بهم. ونتيجة لذلك، يتعين أن يحصل الرؤساء على دعم قادة وممثلي المؤسسة العسكرية، وأن يتشاطروا السلطة مع من جاءوا بهم إليها.

في مناسبات عدة، كان ثمة توترات بين الجيش الوطني وبين بوتفليقة، خاصة حين أدخل الرئيس تغييرات على المؤسسة وفرعها الاستخباري مديرية الأمن والاستعلام. كانت هذه المديرية تنامت خلال الحرب الاهلية ضد الجهاديين، وأصبحت أكثر استقلالية واستعصت على السيطرة. وقد حاول بوتفليقة تقليص نفوذها السياسي وتطبيق ولو قدر ضئيل من المحاسبة، في أعقاب سلسلة من عمليات الخطف والهجمات الجهادية في الفترة بين 2011 و2013. وفي عامي 2014 و2015 طرد بوتفليقة العديد من ضباط المديرية أو أجبرهم على الاستقالة، بما في ذلك محمد مدين (المعروف باسم "الجنرال توفيق") الذي كان المدير القوي لجهاز المخابرات لربع قرن.11 لا بل حلّ بوتفليقة مديرية والأمن والاستعلام بموجب مرسوم في كانون الثاني/يناير 2016، وشكّل مكانها مديرية المصالح الأمنية التي تخضع مباشرة إلى سلطة الرئاسة.12

لكن، قد يكون من المجازفة الاعتقاد بأن بوتفليقة تمكّن على نحو جذري من تقويض سلطة الجيش أو مديرية الأمن والاستعلام. إذ على رغم كل المظاهر، كانت خطوات الرئيس الجزائري في نهاية المطاف مجرد عروض سياسية أكثر منها أي شيء آخر. فمن الناحية التقنية، كانت هذه المديرية تحت سلطة الرئاسة. والواقع أنه حين انتقد الأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني عمار سعداني مديرية الأمن والاستعلام في العام 2014، أنّبه بوتفليقة بنفسه وأصرّ على أن "مديرية الأمن والاستعلام هي جزء عضوي من الجيش الوطني الشعبي"، وأنه "لم يعد ثمة مجال للشتائم والإهانات".13 وهذا أبان أن الرئيس، وعلى رغم أنه أدخل بنفسه تغييرات في هذه المديرية، لم يكن بأي حال مستعداً للسماح بهذا النوع من النقد الجامح لها. وقد دفع سعداني ثمناً سياسياً باهظاً وتمت في خاتمة المطاف إقالته.14

لم تمثّل خطوات بوتفليقة هذه تغييرات جذرية، ولاهي شكّلت تهديداً للمؤسسة العسكرية وجهازها الأمني.15 فحتى رحيل مدين كان لامعنى له، لأنه جرى تعيين ضابط موالٍ مكان ضابط آخر. علاوةً على ذلك، لم يمس تأسيس مديرية المصالح الأمنية جوهر سلطة المديرية السابقة أو شبكاتها، ثم أن هذه لم تكن المرة الأولى التي شهدت فيها هذه الأخيرة عملية إعادة هيكلة. وهكذا، بقيت سطوة الجيش الوطني الشعبي، التي تعتبر المديرية جزءاً منه، على حالها، ولايحتمل أن يتغيّر ذلك فيما الجزائر تواجه مخاطر أمنية خارجية، على غرار اضطراب حبل الأمن والاستقرار في تونس وليبيا، وتفاقم التوترات في الساحل. فالرئيس الجزائري لن يتخذ أي إجراء من شأنه إضعاف الجيش أو أجهزته الأمنية.

أدّت الحرب الأهلية الجزائرية في الفترة بين 1991 و2001 بطريقة ما إلى تعزيز الشرعية السياسية للجيش، حيث لعب هذا الأخير دوراً حاسماً في مكافحة المجموعات الجهادية التي انتشرت آنذاك في طول البلاد وعرضها. ونجاح الدولة والجيش في نهاية المطاف في كبح جماح هذا التهديد، مكّنهما من حيازة قدرٍ من الدعم الشعبي. وهكذا، وبسبب دوره الحاسم في مقاتلة الجهاديين خلال الحرب الأهلية وبسط جناح الأمن مجدداً في البلاد، لايزال الجيش الوطني الشعبي أكثر المؤسسات الجزائرية موثوقية، على رغم بعض الانتقادات العامة له (خاصة لجهازه الأمني). فوفقاً لتقرير البارومتر العربي في العام 2017 حول الجزائر، قال 75 في المئة من 1200 شخص جرى استطلاع آرائهم ويمثلون قطاعاً واسعاً من المجتمع الجزائري أنهم يكنّون ثقة عالية بالقوات المسلحة، فيما جاءت قوات الشرطة في المرتبة الثانية (60 في المئة) من حيث الموثوقية.16 حتى بعض شخصيات المعارضة تطلب ضمناً، وأحياناً علناً، تدخل الجيش لحل نزاعات سياسية.

وبالتالي، وبعد 55 عاماً من استقلال الجزائر، لايزال الجيش الوطني الشعبي يحكم البلاد بفعالية عبر واجهة مدنية.17 ولأنه يحكم من وراء الستار، لا يحاسب على القرارات. وهذا ربما كان العامل الرئيس وراء قدرته على إحكام قبضته المديدة على السلطة.18 يقول خبير وعضو في الجيش:

"هل رأيتم في أي وقت مظاهرة يدعو فيها الناس إلى تنحي الجيش أو يطلقون شعاراً مثل "أيها الجيش، أخرج"؟ كلا. أبدا! لكن لماذا؟ لأن الجيش، وعلى رغم كل شيء، هو الوحيد القادر على حماية هذا البلد، والشعب يعرف ذلك. الشعب يطالب بحياة ومرتبات أفضل وهذه وظيفة الحكومة لا نحن".19

فيما هذا الرجل المُطلع على بواطن الأمور مُستعد لرؤية الجيش على أنه أمر لاغنى عنه لحماية المواطنين الجزائريين، إلا أن بيانه مع ذلك يوضح أن الشائع بين العديد من الناس هو أن تحسين حياة المواطنين هي مسؤولية الحكومة لا المؤسسة العسكرية. ومثل هذه العقلية تسمح لقيادة الجيش بتجنّب دفع أثمان محصلات حوكمة بائسة.

الحلفاء السياسيون للنظام (الرابحون دوما)

هناك عدا النفوذ المُتجذر للجيش الجزائري، عامل رئيس آخر يفسّر ديمومة نظام الحوكمة الراهن في البلاد، وهو الأسلوب المدروس والمُدار بحذاقة الذي يفتح بموجبه العسكر وحلفاؤهم القواعد الحاكمة للمجال السياسي. هذا الأسلوب يُطبّق دوماً ويستند إلى وجود حزبين سياسيين رئيسين (جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي) بكونهما القوة الأساسية في السياسات الانتخابية الجزائرية. فالحزبان يحكمان قبضتهما على البرلمان، ويضعان لوائح المرشحين للانتخابات، ويصونا ولاء ودعم الشخصيات السياسية المحلية بهدف ضمان الحصول على نتائج انتخابية مؤاتية. وفي المقابل، يكون في وسع هذين الحزبين تأمين السيطرة على المواقع السياسية والإدارية لقادتهما، وقطف ثمار الزبائنية والمنافع الأخرى الناجمة عن كونهما قريبين من مراكز السلطة. وكل هذا يؤدي إلى تعزيز الواقع السياسي القائم.

بيد أنه لم يكن في الجزائر دائماً نظام تعددي حتى ولو كان شكليا. فلفترة ثلاثة عقود بعد نيل الاستقلال، عاشت البلاد في ظل نظام الحزب الواحد المُمثَل بجبهة التحرير الوطني، التي كانت تعتبر نفسها حزب النخبة والتي كان يُفترض أن تقود الجزائر إلى الاشتراكية غداة الاستقلال. وحين استولى الرئيس الأسبق هواري بومدين على السلطة العام 1965، بدأ الحزب يلعب دوراً سياسياً محورياً في البلاد، لكنه لم يوجد بشكل منفصل عن المؤسسة العسكرية وبيروقراطية الدولة. كما أن الجبهة لم تنظّم مؤتمراً للحزب منذ 1965 وحتى 1979 حين عقدته بهدف تعيين خلف لبومدين بعد وفاته قبلها بسنة. تمثّل الجيش بقوة في هذا المؤتمر، لأن عدداً راجحاً من الأعضاء كانت لهم ارتباطات معه بشكل أو آخر.20 لكن الحقيقة هي أن خَلفْ بومدين، الشاذلي بن جديد، لم يُنتخب في هذا المؤتمر بل في جمعية تكوّنت من كبار القادة العسكريين بقيادة رئيس جهاز المخابرات آنذاك قاصدي مرباح.

في خاتمة المطاف، أقنع الضغط الشعبي الجيش الجزائري وجبهة التحرير بإدخال حيّز أكبر من الانفتاح السياسي. فعلى إثر الاضطرابات واسعة النطاق التي اندلعت في تشرين الأول/أكتوبر1988 بسبب السخط الشعبي على الأوضاع الاجتماعية- الاقتصادية والسياسية، طرحت الحكومة نظاماً تعددياُ في العام 1989 سمح ظاهرياً بقسط من التنافس السياسي. لكن، وعلى رغم إدخال هذا النوع الشكلي من التعددية، إلا أن النظام السياسي الجزائري بقي على حاله كما كان منذ الاستقلال العام 1962، فكانت كل انتخابات محلية أو تشريعية تؤكد ديمومة القواعد السياسية التي أقيمت آنذاك. وهكذا، كان النظام التعددي في الواقع (على رغم بروز لاعبين سياسيين جدد وأحزاب وتحالفات) أداة في يد من هم في السلطة يخلقون عبره سراب التغيير والانفتاح.

أصبحت الانتخابات في الجزائر روتينية، وتم بحرص شديد تطبيق إصلاحات سياسية محدودة. وقد جرت خمس انتخابات رئاسية منذ العام 1995 وخمس انتخابات برلمانية منذ 1997 ثم سادسة العام 2017. أما الانتخابات المحلية فعقدت أربع مرات منذ 1997، وأجريت ثلاثة استفتاءات وطنية (في 1996 و1999 و2005). وسمحت إصلاحات انتخابية أخرى في 2012 بتأسيس العديد من الأحزاب السياسية الأخرى، واليوم هناك رسمياً أكثر من 30 حزبا. في العام 2016، أعلنت الحكومة عن إصلاحات انتخابية جديدة تُحسّن مشاركة الناخبين (خاصة الإناث منهم) وتعزز أيضاً الرقابة الانتخابية والإدارية من خلال تشكيل لجنة انتخابية مستقلة نظريا. الساحة السياسية في البلاد مُنقسمة أساساً بين الجماعات الوطنية، والديمقراطيين، والمستقلين، وأنصار حزب البربر والإسلاميين الذين دمجوا في السياسات منذ العام 1995. لكن، على رغم كل هذه المؤشرات على التعددية، إلا أن مايُدعى عموماً أحزاب الإدارة، خاصة جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي، كانت دوماً تحصد غالبية الأصوات في البرلمان.

لاتزال جبهة التحرير، على رغم ما شابها من أزمات داخلية وفضائح، القوة السياسية الرئيس في البلاد، جنباً إلى جنب مع التجمع الوطني الديمقراطي (منذ تأسيس هذا الأخير في العام 1997). وخلال اضطرابات تشرين الأول/أكتوبر 1988 التي حفزت على إدخال الانتخابات التعددية، كانت مكاتب الجبهة على رأس المواقع التي استُهدفت بالتخريب، ما وشى بانحسار شعبيتها. ثم جاءت هزيمتها المُجلجلة على يد جبهة الانقاذ الاسلامية في الانتخابات المحلية العام 1990 والبرلمانية العام 1991، على رغم التلاعب الفاضح لصالحها، لتفاقم تدهور سمعتها وموقعها في أعين الشعب.21 ولم تستفق الجبهة نوعاً ما من هذا الصدمة إلا في أواخر التسعينيات، أساساً بسبب خيبة الأمل الشعبية من الإسلاميين.

إذا ما وضعنا جانباً هذه النوبات من انحدار الشعبية، سنجد أن جبهة التحرير هي حزب يحظى بشرعية تاريخية قوية حصدها إبّان النضال من أجل الاستقلال، وهو يتمتع بقاعدة انتخابية وازنة، كما له وجود مكين في إدارة الدولة. ومن غير المحتمل، حين نضع في الاعتبار التدني الدائم لنسب المقترعين في الانتخابات البرلمانية التي تقلّص فرص منافسي الجبهة والتجمع في تحقيق الفوز على حسابهما، أن يخسر هذان الحزبان سيطرتهما على الأغلبية التشريعية، وعلى احتكارهما السياسي في المستقبل المنظور.

يخدم التجمع الوطني الديمقراطي أساساً كموازن لجبهة التحرير في حال "رفعت هذه عصا الطاعة ضدّ السلطة". تأسّس هذا الحزب في العام 1997 بعد أن أرسلت جبهة التحربر ممثلين عنها في العام 1995 إلى منصة سانت إجيديو (St. Egidio) التي لمّت شمل أحزاب المعارضة- بما في ذلك جبهة الإنقاذ- بهدف إنهاء الحرب الأهلية في البلاد. هذا القرار أثار حنق المُتشددين في النظام وكذلك قيادات الجيش الذين ألقى العديد منهم بثقله إلى جانب التجمع الوطني. وهكذا، حصد التجمع خلال انتخابات 1997 أكثر من ضعف مقاعد الجبهة في البرلمان، ما أظهر بوضوح استعداد الجيش لتحدي الجبهة حين يكون ذلك ضروريا.

والحال أن ممثلي كل من هذين الحزبين شبه الرسميين لايستطيعون التعبير حقاً عن المطالب الاجتماعية لناخبيهما ونقلها إلى البرلمان، الأمر الذي يثير احتقار الرأي العام للسياسيين، ويُفسِّر أسباب الغياب النسبي لحماسة الناخبين للادلاء بأصواتهم في الانتخابات. فخطوات الانفتاح السياسي التي طُبّقت في الجزائر لم تُسفر في الواقع عن بدائل يُعتد بها لمسألة التعبير السياسي والاجتماعي، وهذا يعود أساساً إلى أن القيادة العسكرية والسياسية لم تسمح بها. وعلى أي حال، حين يتعلّق الأمر بالسياسة والمجتمع المدني، لطالما بقيت الحكومة الجزائرية مُلتزمة بهذا اللون وذاك القدر من الاصلاح المُفترض.

التكتيكات السياسية لقادة الجزائر الفعليين

توظّف المؤسسة العسكرية الجزائرية وحلفاؤها السياسيون في جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي مروحة من الأدوات لمواصلة الإمساك بزمام السلطة. وتشمل هذه المقاربة:

1- استخدام ثنائي الزبائنية والقمع لتشتيت صفوف الأحزاب السياسية المعارضة ومنظمات المجتمع المدني.

2- التحرير الانتقائي لبعض قطاعات الاقتصاد لخلق/والحفاظ على طبقة من رجال أعمال القطاع الخاص الذي يقيمون علاقات وثيقة بالجيش والنخب السياسية، ما يؤدي إلى توسيع دائرة شبكات الزبائنية والقاعدة الشعبية، و3- نظام سياسي يستند عموماً إلى الفساد المنهجي الذي يُثري أنصار النظام ويُهمّش منتقديه ومعارضيه.

تحييد أحزاب المعارضة والمجتمع المدني

على رغم أن المؤسسة العسكرية وأحزاب النخبة وفَّرت جانباً من الحيّز للتنافس السياسي، إلا أنها أبقت معارضيها السياسيين الرئيسيين قيد السيطرة. من جهتها، لم تُقدّم أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني في الغالب بدائل مُتّسقة عن الأحزاب التي تحظى بدعم قادة البلاد، بل هي مالت على العكس إلى ممارسة سياسات سلبية تأتي بنتائج عكسية. وقد استخدم النظام ذلك لإبقاء الأمور على حالها. وهكذا، وعلى رغم أن أحزاب المعارضة مُتواجدة في البرلمان منذ العام 1997، لم يؤد حضورها إلى جعل البلاد أكثر ديمقراطية. والواقع أن النظام استخدم الانتخابات في غالب الأحيان كوسيلة لتأبيد الوضع القائم، من خلال خلق مظهر الساحة السياسية الحرة والمنفتحة. كما أن المعارضة لم تستطع الدفع قُدُماً للوصول إلى قواعد أكثر ديمقراطية. إضافة إلى ذلك، تضمن النخب الجزائرية استمرار هيمنة جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي من خلال جملة وسائل تشمل التلاعب بالانتخابات، وعرقلة تشكيل وتمويل أحزاب المعارضة، والقمع، والشيطنة جهاراً، واستلحاق الشخصيات المعارضة، وفرض القيود القانونية على وسائل الإعلام.

فيما يمنح الدستور رسمياً حرية التعبير (المادة 48)، تواصل الحكومة استخدام المضايقات الإدارية، والضغط غير العلني، والتهديد بسجن الصحافيين ورسامي الكاريكاتور، للسيطرة على هذه الحرية وعلى الصحافة عموما. ثمة مثلان مُعبّران هنا عن الكثير من الحالات. ففي العام 2015، جرى اعتقال الصحافي والناشط في مجال حقوق الإنسان حسان بوراس وحُكِمَ عليه بالسجن لمدة سنة بتهمة شتم كيان الحكومة، وكذلك إهانة شخصية قضائية وضابط في جهاز الأمن.22 في الواقع كان بوراس يحقق في قضية فساد ويحتج بصلابة على استخراج النفط الصخري في الصحراء. وبالمثل، في 2016، حُكِمَ على الصحافي وكاتب المدوّنة محمد تامالت بالسجن لسنتين بتهمة شتم مؤسسات الدولة والرئيس.23 وقد فارق تامالت الحياة في السجن في ظروف مشبوهة بعد أن أضرب عن الطعام وبقي ثلاثة أشهر في غيبوبة.

باختصار، حين ينتقد المواطنون مسؤولي الحكومة أو سياسات الدولة، أو حين يكتبون أي شىء يعتبر تجاوزاً للخطوط الحمر والحدود التي يضعها النظام، يصبحون عُرضة إلى الغرامات أو الاعتقال. وهاكم مثلاً آخر: غُرِّمت ناشطة جزائرية تُدعى زليخة بلعربي 100 ألف دينار (924 دولارا) في آذار/مارس 2016 بسبب نشرها صورة على صفحتها في فايسبوك للرئيس بوتفليقة اعتُبرت مسّاً به.24 وقد وُجّهت إلى زليخة تهمة القدح والذم بالرئيس بموجب المادة 144 البند 2 من القانون الجنائي، وفي تموز/يوليو 2016، وسّعت الحكومة قوانين القدح والذم لتنطبق أيضاً على ضباط الجيش المتقاعدين. ووفقاً للبنود الجديدة في الدستور، "يحظّر على الموظفين المتقاعدين القيام بأي عمل أو سلوك قد يمس صورة المؤسسات والسلطات العامة".25 كما نصّت القوانين على أن:

"أي إخلال بهذا الواجب الذي من شأنه المساس بشرف واحترام مؤسسات الدولة، يكون محلا لعدد من الإجراءات، منها سحب وسام الشرف ورفع شكوى بمبادرة من السلطات العمومية لدى الجهات القضائية المختصة وتنزيل الرتبة. ويتعيّن على العسكريين المُحالين مباشرة إلى الحياة المدنية، أن يتحفظوا على كل فعل أو تصريح أو سلوك من شأنه الإضرار بسمعة المؤسسات والسلطات العمومية".

في هذه الأثناء، تتمتّع الوكالة الوطنية للنشر والاشهار بقدر كبير من السطوة على الصحف اليومية التي تعتمد مالياً على اعلانات تُشرف عليها الوكالة.26 ولذا، قد لايكون من المبالغة في شىء القول أن الاعلانات التي تموّلها الدولة، تسمح للحكومة بسوء استخدام نفوذها على الإعلام المطبوع.

لكن، وعلى رغم العديد من القيود التي يفرضها النظام الجزائري على أولئك الذين يسعون إلى الحد من سلطتها، إلا أن النظام نفسه ليس مسؤولاً كلياً عن الوضع القائم.27 إذ حتى حين كان القادة الجزائريون يعزفون بمهارة على أوتار الضعف البنيوي للمعارضة، كانت أحزاب المعارضة نفسها تفشل في التغلُّب على الانقسامات التي لانهاية لها في صفوفها، أو تعجز عن تشكيل تحالفات ناجحة ضد قادة المؤسسة وحلفائها. وجه القصور الرئيس في أحزاب المعارضة الجزائرية هو غياب الالتزام بالمبادىء الديمقراطية والتنافس الداخلي. فمعظم الأحزاب فيها زعيم مُهيمن، غالباً مايكون مؤسس الحزب، الذي غالباً ما يفشل أي كان في تحدي إعادة انتخابه مجددا. المثل الفاقع على ذلك هو حزب جبهة القوى الاشتراكية الذي أسّسه حسين آيت أحمد وبقي قائده لنيف ونصف قرن، حتى وهو يمضي الشطر الأكبر من حياته في المنفى في سويسرا. النقد العلني كان غير مسموح به، ولذا هزّت هذا الحزب أزمات عديدة في العقد الأول من القرن الحالي، كان آخرها في العام 2017. والمفارقة هنا أنه حتى حين يطالب حزب المعارضة بجزائر أكثر ديمقراطية، يفشل في الواقع في تجسيد هذه المثل العليا داخل بنيته التنظيمية الداخلية.

تعكس البرامج السياسية لأحزاب المعارضة مدى قلّة طموحها لتحقيق هدف التغيير، فهي لم تمثّل مبادرات جديدة لتحسين ظروف المواطنين الجزائريين، ولم تطرح قيماً جديدة، أو تنخرط في أشكال حديثة من العمل السياسي. لا بل هي على العكس تبنّت قواعد اللعبة التي تتضمن الأنماط نفسها من السلوكيات غير الديمقراطية التي كانت هي تتّهم الأحزاب القريبة من السلطة بممارستها.28 والواقع أنه ماهو موجود هذه الأيام لم يعد نظام الحزب الواحد الذي كانت تسيطر عليه جبهة التحرير بل نظام تعددية حزبية يتكوّن من العديد من "الأحزاب الواحدة"، على حد التعبير المرير لباحثَين جزائرييَين.29

جرى استتباع واستلحاق العديد من شخصيات المعارضة، التي كانت تركّز على ديمومة علاقاتها مع النظام بدل اهتمامها بأفضل مصالح المجتمع. ولذا، تراجعت مواقعها في أعين قواعدها الشعبية. ويبدو أن السعي للوصول إلى السلطة كان الهدف الرئيس لمعظم أحزاب المعارضة الجزائرية، وهذا قلّص جاذبيتها الشعبية كما من قدرتها على حفز الرأي العام على الانخراط في العمل السياسي. في هذا السياق، يتبدى أن تفعيل شخصيات المعارضة لم يكن بهدف ترقية الديمقرطية ورسم معالم مستقبل أفضل للبلاد، بقدر ما كان وسيلة لحصد مرتبات ومزايا أخرى تترافق مع المناصب الوزارية، والمقاعد النيابية، ومواقع عليا أخرى، وما سيتولّد عن كل ذلك من منافع اقتصادية.30 وهي منافع خلقت روابط ولاء بين شخصيات المعارضة والنظام.

ثمة مشاعر شائعة بين العديد من الناخبين بأن أحزاب المعارضة غالباً ما تكون سلبية وغير ملتزمة بممارسة تأثير سياسي ملموس، بل تعاود الظهور فقط حين يلوح في الأفق موعد إجراء الانتخابات.31 وهذا الواقع المُثبط يعكس الشكوك العميقة التي تنتاب الرأي العام، ما قد يُفسِّر لماذا تجهد أحزاب المعارضة كثيراً في عملية تعبئة الناخبين، ولماذا تميل معدلات المقترعين إلى أن تكون خفيضة: فالناخبون لايؤمنون بجدوى عمل هذه الأحزاب، ولايشاركونها قيمها، ولا يثقون بها. وهذا، على أي حال، ما يؤكده تقرير الباروميتر العربي للعام 2017 الذي خلص إلى أن شعبية السياسيين (بما في ذلك شخصيات النظام) في الجزائر ضئيلة.32 فحين طُلِبَ من 1200 شخص استطُلعت آراؤهم أن يصنّفوا مدى نزاهة وصَلاَحْ السياسيين وفق معيار من سبع درجات، أعطى 28 في المئة منهم السياسيين أدنى تقييم (الدرجة 1)، فيما أعطى 25 في المئة منهم الدرجة 2. وبالمثل، احتّلت الأحزاب السياسية والبرلمان والمؤسسات السياسية الدرجة الأقل موثوقية: 14 في المئة قالوا أنهم يثقون بالأحزاب و17 في المئة بالبرلمان. كل هذا يساعد على توضيح سبب قلة من ييمّمون وجههم صوب أقلام الإقتراع. ففي الانتخابات البرلمانية العام 2017، مثلاً، لم تتعدَ نسبة المشاركة 35 في المئة. والحال أن العديد من الجزائريين يعتبرون البرلمانيين غير ذي كفاءة، في أحسن الأحوال، او انتهازيين في أسوئها، لأن "همّهم الوحيد" هو قنص "الراتب الشهري وقدره 2600 دولار" المُخصص للمُشرعين، على حد تعبير معلّم مدرسة خلال مقابلة معه. وهذا على مايبدو رأي شائع في الجزائر.33

يتم استتباع اللاعبين السياسيين، بمن فيهم البرلمانيين، عبر مروحة من الطرق ووفق مستويات متباينة، تبعاً للموارد المتوفرة لدى النظام. فقدرة القيادة على استيعاب اللاعبين الجدد لاتضمن سوى ديمومة النظام. وفي العام 2008، رفع مرسوم جمهوري الراتب الشهري للبرلمانيين من 1500 إلى 2400 دولار. وهذا الراتب أعلى 14 مرة من الحد الأدنى للأجور في الجزائر (نحو 170 دولارا).34 ويتلقى البرلمانيون مزايا أخرى أيضا، مثل قروض من دون فوائد وعطايا للأعياد الدينية أو لموسم الحج إلى مكة. وبالطبع، كل هذه المنافع لها مقابل: عدم مساءلة الحكومة.

هذا الاستلحاق سمح للبرلمانيين بتحسين وضعهم الاجتماعي والاقتصادي، وإقامة علاقات مع شخصيات نافذة، خاصة في عالم رجال الأعمال.35 ومثل هذه الشبكات توفّر فرصاً تمكّن السياسيين وأحزابهم من توسيع خطوطهم الزبائنية بين أنصارهم، والمجموعات الاجتماعية، والقبائل، أو المواطنين من منطقة النواب نفسها. علاوة على ذلك، يُعتبر القرب من الشخصيات في مواضع السلطة التي يمكن أن تتدخل لصالحهم فرصة لتحقيق جملة من المزايا، منها الوظائف، والحوافز المالية، وخفض الضرائب، أو حتى العطايا، خلال الحملات الانتخابية.36 على سبيل المثال، خلال حملته الانتخابية للعام 2014، زار بوتفليقة 16 ولاية، وخصّص زهاء 454 مليون دولار لبرامج التنمية المحلية، كما وزّع 53 مليون دولار و66 مليون دولار في كل من الولايات التي زارها.37

اعتمد النظام الجزائري وسيلة مشابهة تقريباً لمقاربة أطراف المجتمع المدني. فقد نفّذت المؤسسة الحاكمة مختلف الوسائل الهادفة إلى السيطرة على نشاطات هذه القوى وضمان ألا تعرقل عمل النظام السياسي، تراوحت بين الاستلحاق أو القمع، وكان هذا يتم غالباً من خلال الهيئات التنظيمية الجزائرية المُعقّدة والضبابية، بهدف تفتيت جماعات المجتمع المدني التي يمكن أن تفرض تحدياً للحكومة.

بين أن المشاكل الداخلية فتكت هي الأخرى باستقلالية منظمات المجتمع المدني. من هذه المشاكل الهياكل الإدارية غير الديمقراطية، ونقص الموارد المالية ومعها ضعف المداخل إلى التمويل الخارجي، ما أسفر عن الاعتماد على تمويل الدولة، وعن تشكيل شبكات غير ناجحة على المستويين المحلي والوطني. كل هذه المتاعب أضعفت هذه المجموعات وجعلتها مكشوفة أمام الحكومة وعاجزة في معظم الأحيان عن تحديها، جنباً إلى جنب مع عدم الكفاءة في نقل مطالب المواطنين العاديين أو النطق باسمهم أمام الحكومة. ولأن المجتمع المدني غالباً مايفشل في تسهيل الاتصالات بين الدولة وبين مواطنيها، تقبع المطالب السياسية والاجتماعية والاقتصادية الشعبية في غياهب النسيان، أو يُعبّر عنها بطريقة مفككة، كما تشي التظاهرات غير الثورية وغير المترابطة التي هزّت البلاد خلال العقد الأخير.38

منذ فجر استقلال الجزائر العام 1962 وحتى أواسط الثمانينيات، لعبت المنظمات الجماهيرية التابعة لجبهة التحرير دوراً راجحاً في تمثيل المجتمع المدني. وشملت هذه المجموعات، من ضمن ما شملت، الاتحاد العام للعمال الجزائريين، والاتحاد العام الجزائري للشباب والمنظمة الوطنية للمجاهدين (التي تمثّل المحاربين القدامى). وكان الهدف من تكوين هذه المنظمات تعبئة المواطنين، والاستناد إلى الخط السياسي الرسمي لجبهة التحرير، والإمساك بزمام المجتمع، وكل ذلك تحت شعار الحفاظ على الوحدة الوطنية.

أرغمت الاضطرابات التي عمّت الجزائر في العام 1988 الحكومة على إجراء إصلاحات، كان أبرزها سنّ القانون الرقم 90 في كانون الأول/ديسمبر 1990 الذي منح المواطنين حرية تأسيس الجمعيات. وخلال الحرب الأهلية التي شهدتها الجزائر، أرخت الدولة قيودها بهدف تعزيز شرعيتها المحلية. واعتبرت أن منظمات المجتمع المدني تستطيع مساعدتها في ترميم العلاقة بين الشعب وبين القادة. وبالتالي، بلغ عدد ممثّلي المجتمع المدني المشاركين في المجلس الوطني الانتقالي 90 من أصل 192 عضوا؛ وقد مارست هذه الهيئة المؤقتة المهام التشريعية في ظل غياب البرلمان عندما تعطّلت العملية الانتخابية وأُعلنت حالة الطوارئ وغرقت البلاد في لُجج الحرب الأهلية.39

مع ذلك، أصبح العديد من منظمات المجتمع المدني الجزائرية منذ التسعينيات بمثابة أذرع للدولة والإدارة العامة، حيث ساعدت على تعبئة المجتمع وتيسير إعادة توزيع عائدات النفط على الشبكات الزبائنية القديمة والجديدة. كان من الشائع استتباع هذه المنظمات، لأن معظمها لايتمتع بالاستقلالية المالية. لكن هذه المنظمات أغفلت دورها الأساسي كوسيط بين المواطنين وقادتهم وساهمت، عن قصد أو غير قصد، في توطيد دعائم النظام وحلفائه. خير مثال على ذلك الاتحاد العام للعمال الجزائريين الذي كان أساساً نقابة عمالية تهدف إلى حفظ وتحسين ظروف العمال الجزائريين، لكنه أصبح في نهاية المطاف داعماً للنظام وأسياده.40 وهو الآن لايزال المحاور الوحيد الذي تستشيره الحكومة حول شؤون العمال، فيما يتم تجاهل وتشويه سمعة نقابات أخرى مستقلة. إذن، وبسبب رغبته في الحفاظ على علاقات بنّاءة مع الحكومة، تحوّل الاتحاد العام للعمال الجزائريين مع الوقت إلى نظير ضعيف للنظام، لا بل إلى مناصر علني له أحياناً. ففي العام 2004 على سبيل المثال، أيّد عبد المجيد سيدي سعيد، أمين عام الاتحاد العام للعمال الجزائريين، علناً إعادة انتخاب بوتفليقة، كما أسبغ في العام 2016 على إضرابات الموظفين العموميين العبارات نفسها التي استخدمها النظام، قائلاً إن "أيادٍ خارجية" سيّئة السمعة هي التي نظّمت هذه الإضرابات.41

بلغ الاستتباع السياسي للعديد من منظمات المجتمع المدني مستويات عميقة في عهد بوتفليقة. فقد استعانت الحكومة بهذه المنظمات لتوطيد القاعدة الاجتماعية- السياسية للنخبة الحاكمة وإدارة الدولة، مقابل منحها مساعدات مالية من موازنة الدولة أو البلديات أو الولايات. كما أعطتها أيضاً هامشاً للانخراط في الأنشطة في بيئة آمنة، فشاركت في أحداث بارزة، مثل جولات الوزراء والاحتفالات الوطنية، ودعمت السياسات الحكومية والرئيس.

في العام 2004 على سبيل المثال، استُخدمت معظم منظمات المجتمع المدني التي تحظى بـ"حماية" الدولة لتعبئة الناخبين لإعادة انتخاب بوتفليقة. فقد نسّق الاتحاد الوطني للحركة الجمعوية والمجتمع المدني مع وزارة التضامن الوطني لفتح مراكز اقتراع في كل الولايات الجزائرية. كذلك، أعلن متحدّث باسم بوتفليقة أن حوالى 40000 منظمة مجتمع مدني دعمت ترشيح الرئيس في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي شهدتها البلاد في العام 2014.42 وقد لعبت مثل هذه المنظمات دوراً مشابهاً في حشد الدعم لأجندة النظام مراراً وتكراراً على مدى العقد أو العقدين السابقين.43

أدّى عجز منظمات المجتمع المدني عن لعب أي دور مستقل في الجزائر أو وضع آليات لتعزيز الشفافية أو مساءلة الحكومة، إلى إضعاف المكانة التي حظيت بها في صفوف عامة الشعب. فقد أظهرت دراسة في العام 2008 أن نسبة الأشخاص الراشدين المُنضوين تحت لواء منظمات المجتمع المدني في الجزائر ضئيلة للغاية، إذ تتراوح بين 3 إلى 4 في المئة، مقارنةً بـ10 إلى 15 في المئة في المغرب، وهي نسبة تُعتبر متدنّية أيضاً مقارنةً مع النسب المسجّلة في العديد من الدول الأوروبية.44 وبالمثل، أظهرت مؤسسة الباروميتر العربي في العام 2017 أن 9 في المئة فقط من الجزائريين ينتمون إلى منظمة أو مجموعة رسمية، مقارنةً مع 22 في المئة من المغاربة، وهي نسبة تُعدّ متدنّية أيضاً.45

ماذا عن منظمات المجتمع المدني التي تأبى أن تُستتبَع؟ يُعتبر وضع هذه المنظمات أكثر تعقيداً، لأن الدولة قد تسعى إلى تهميشها عبر التضييق الإداري والمؤسسي عليها أو اعتقال أعضائها وصرفهم. ثمة أمثلة عديدة سيّئة الصيت عن استخدام مثل هذه الإجراءات القانونية لعرقلة وتعطيل عمل الناشطين في مجال الحقوق المدنية، مثل اعتقال جيلالي حجاج، رئيس الجمعية الوطنية لمكافحة الفساد، بتهمة التزوير واختلاس الأموال العامة في أيلول/سبتمبر 2010.46 وفي العام 2013، مُنع 96 ناشطاً جزائرياً من مغادرة الجزائر للمشاركة في المنتدى الاجتماعي العالمي الذي انعقد في تونس العاصمة.47 وفي العام 2017 كذلك، تم اعتقال عدد من ناشطي "اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق البطّالين" الذين كانوا بصدد التظاهر لتحسين ظروف العمل، بتهمة التجمّع غير المرخّص.48 وفي العام نفسه، تم اعتقال الطاهر بلعباس، أحد منسّقي "اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق البطّالين"، خلال احتجاج سلمي بتهمتَي عرقلة حركة المرور والتحريض على التجمّع.49 الأمثلة عن هذه الانتهاكات لاتُعدّ ولاتُحصى، ويشير تقرير صادر في العام 2016 عن الائتلاف الوطني للمجتمع المدني الجزائري والشبكة الأوروبية-المتوسطية لحقوق الإنسان أن "التضييق على المدافعين عن حقوق الإنسان يتفاقم باطّراد".50

عندما ترفض منظمات المجتمع المدني الإذعان للحكومة، ينبش النظام الإطار القانوني الخاص بالجمعيات للسيطرة على أنشطتها. على سبيل المثال، زاد قانون العام 2012 المتعلّق بالجمعيات القيود المفروضة على أنشطة منظمات المجتمع المدني،51 ما أدّى ذلك إلى انخفاض حادّ في عدد الجمعيات التي تحظى باعتراف الحكومة، من 93654 جمعية في العام 2011 إلى 48957 جمعية في العام 2018.52 كذلك، ثمة حوالى 60000 جمعية تعتبرها الدولة غير قانونية لأنها لم تحظَ باعتراف رسمي.53

تُعزى الأسباب الأخرى لتشرذم قطاع المجتمع المدني الجزائري إلى الاختلافات الإيديولوجية، والنزاعات الشخصية، والتنافس على القيادة، وغياب التوافق بين مختلف المنظمات. فقد سمحت الانقسامات داخل كل منظمة وأيضاً داخل قطاع المجتمع المدني عموماً، للحكومة بإضعاف نفوذ هذه المنظمات والتحكّم بأنشطتها من خلال تأسيس أو دعم منظمات جديدة مقرّبة من النظام لمنافسة منظمات المجتمع المدني القائمة.54 ففي العام 2002 على سبيل المثال، ولمناهضة وتشويه سمعة النقابة الوطنية المستقلة لمستخدمي الإدارة العمومية، عمدت الدولة إلى إنشاء مؤسسة موازية ومنافسة لها تحظى بدعم الإدارة.

إن المشهد السياسي المرير والمسموم في الجزائر، والتحديات الاقتصادية التي ستحملها السنوات المُقبلة، لايصبّان في صالح تمكين المجتمع المدني، بل من المرجّح أن يُحكم النظام قبضته عليه.

التحرير الاقتصادي الانتقائي

تماماً مثلما استتبعت الحكومة الجزائرية المجتمع المدني لإدامة قبضتها على مقاليد السلطة، استخدم النظام أيضاً المحفّزات الاقتصادية لضمان ألّا يكون لدى شرائح واسعة من المجتمع أي دافع لتغيير النظام. وهكذا، عمدت النخب السياسية- العسكرية في الدولة إلى تحويل كل القطاعات المهمة اقتصادياً إلى مصادر لممارسة المحسوبية السياسية. وتحظى هذه النخب بمساعدة كلٍّ من بيروقراطية الدولة مترامية الأطراف، والقطاع الخاص الذي يفيد من التحرير الاقتصادي الانتقائي.

هذه الدوائر الثلاث المؤلفة من موظفي الجهاز البيروقراطي في الدولة، وقادة الأعمال، وخصوصاً النخب السياسية- العسكرية، تجمعها في غالب الأحيان روابط عائلية أو قَبَلية أو جهوية.55 وغالباً ما تؤدّي جهود النخب الحاكمة للبقاء في سُدة الحكم والحفاظ على مواقعها داخل النظام، إلى تمييع الحدود الفاصلة بين الأنشطة العامة والخاصة، مايزيد من فرص المحاباة والمحسوبية والفساد.56 ويتم الحفاظ على قدرٍ من الاتساق في صفوف النخبة الحاكمة من خلال توزيع عوائد الريع النفطي على مختلف مجموعات النخب بالشكل الذي يناسبها، وتمتدّ أرباح إعادة التوزيع هذه من أعلى هرم الدولة إلى أدنى مستويات المجتمع.

حلّت شركات القطاع الخاص تدريجياً محل المؤسسات الاحتكارية العامة، ما أدّى إلى نشوء احتكار تمارسه حفنة قليلة مقرّبة من الجيش وبيروقراطية الدولة.57 ولايزال قادة الأعمال والشخصيات العسكرية، ولاسيما الضباط السابقون، منخرطين ومرتبطين على نحو وثيق بالقطاعات الاقتصادية العامة والخاصة.58 في غضون ذلك، سمح ارتفاع أسعار النفط لطبقة رجال الأعمال الجزائريين بالإفادة من التوسّع الاقتصادي الذي شهدته البلاد، ومن مشاريع البنى التحتية الكُبرى التي أطلقها بوتفليقة في مطلع القرن الحادي والعشرين، أي مباشرةً بعد نهاية الحرب الأهلية. وهكذا، بنى رجال الأعمال علاقات شخصية مع القيادة والمنظومة السياسية- العسكرية، فازدهرت أعمالهم نتيجة ولائهم للنظام.

وبدلاً من تغيير هياكل السلطة في الدولة وتوسيع عملية الوصول إلى الموارد، زاد تحرير السوق في الجزائر من نفاذية "الحدود التي كانت أصلاً سهلة الاختراق" بين مختلف الأفرقاء الاقتصاديين والعسكريين والاقتصاديين من جهة، وأيضاً بين الاقتصاد الرسمي والسوق السوداء من جهة أخرى.59 وفي خضم هذه الشبكات المعقّدة والمتداخلة والمصالح المتشابكة والمتنوعة، يصعب أحياناً تحديد هوية من يفعل ماذا. وقد أظهر تقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية (ICG) في العام 2001 أن حوالى 600000 إلى 800000 شخص أفادوا من قربهم من النظام السياسي الحاكم في البلاد.60 وبغضّ النظر عما إذا كان هذا التقدير دقيقاً أم لا، فالأكيد أن هؤلاء الأفرقاء يضمّون في صفوفهم مسؤولين حكوميين وقادة سياسيين ونخباً في مجال الأعمال وعسكريين وحتى معارضين سابقين أصبحوا رجال أعمال. وثمة دراسات أخرى، من ضمنها كتاب لميريام لووي صادر عن منشورات جامعة كامبريدج في العام 2009، تردّد صدى الرؤية القائلة إن المسؤولين والقادة السياسيين ونخب الأعمال والمعارضين السابقين والعسكريين تجمعهم مع بعضهم البعض وشائج صداقة أو قربى أو انتماءات دينية أو جهوية، ما يتيح لهم إمكانية الوصول جماعياً إلى الريع الاقتصادي والسلطة.61

لقد تغلغل النظام في القطاع الخاص لترقية مصالح أزلامه ووكلائه.62 وتُعدّ شركات الاستيراد والتصدير خير مثال على ذلك.63 فقد استخدمت شخصيات عسكرية رفيعة في النظام وأقاربها، نفوذها لإنشاء شركات في القطاع الخاص تفيد من التحرير الاقتصادي الانتقائي. فعلى سبيل المثال، يملك نجل اللواء أحمد بوسطيلة، القائد السابق للدرك الوطني، شركات عدة من ضمنها شركة مُتخصّصة باستيراد بطاريات للسيارات.64 وبالمثل، يملك نجل اللواء خالد نزّار، أحد أبرز الجنرالات الجزائريين في التسعينيات، شركة اتصالات خاصة تُدعى Smart Link Communication (SLC).65 ومن المرجّح أن المناصب الرفيعة التي تبوّأها والداهما ونفوذهما السياسي ساعداهما في أن يخوضا بنجاح غمار العملية الشاقّة والمملّة المتمثّلة في الحصول على رخص الاستيراد والقروض اللازمة لإنشاء شركتيهما.

يُشكّل قطاع الأدوية مثالاً آخر في هذا الصدد. فحتى العام 1995، كان هذا القطاع خاضعاً بشكلٍ كبير إلى سيطرة شركات عامة. أما اليوم، فتهيمن شركات خاصة مملوكة من حوالى عشرة أفراد مقرّببن من النخبة السياسية- العسكرية في البلاد على 85 في المئة من السوق.66 على سبيل المثال، يتولّى مصطفى أيت دجدجو إدارة المختبر الجزائري لتصنيع الأدوية، وهو مقاول بارز في القطاع العسكري، معروفٌ بالعلاقة التي تربطه بمحمد العماري، قائد الأركان السابق في الجيش الجزائري. وبالمثل، يملك أفراد من عائلة الجنرال محمد غنيم، الأمين العام السابق لوزارة الدفاع، شركة "أبوتكس" Apotex للأدوية، فيما تملك ابنة الرئيس السابق لقسم مكافحة التجسّس والأمن الداخلي، إسماعيل العماري، شركة "فارماليانس" Pharmalliance.67

مُنحت هذه الطبقة الجديدة من قادة الأعمال وشبكاتهم قروضاً سخيّة، وامتيازات، واحتكارات غبّ الطلب، أو احتكارات جزئية، مقابل ولائها ودعمها، ما أوجد طبقة تتألف من رجال أعمال أثرياء في القطاع الخاص،68 مثل جيلالي مهري وكريم كونيناف وشقيقيه، ومحمد العيد بن عمر وعبد المجيد كرار وعبد الرحمن بن حمادي، وغيرهم.

يُعتبر علي حداد من أشهر هذه الشخصيات، وهو صاحب مؤسسة متخصصة بأشغال الطرقات والهيدروليك والبناء، تُعدّ من أكبر الشركات الخاصة في الجزائر، وهي منخرطة في مروحة متنوعة من القطاعات، من ضمنها البناء والأشغال العمومية والنقل والسياحة. وقد أفاد حداد من خطة قرض قيمته 2.5 مليار دولار في إطار برامج البنى التحتية المتعاقبة التي أطلقها بوتفليقة في العام 1999.69 كما يترأس حداد مؤسسة اقتصادية بارزة، هي منتدى رؤساء المؤسسات (FCE) الذي يُعتبر طرفاً مهماً على الساحة السياسية أيضاً.70 الجدير ذكره أن عائدات شركات حداد تضاعفت خلال السنوات الخمس عشرة الماضية بفضل العقود الحكومية المتنامية. ولم يكن مفاجئاً قيامه بتنظيم حملة مكثّفة في العام 2014 لحشد أعضاء في منتدى رؤساء المؤسسات من أجل دعم إعادة انتخاب بوتفليقة سياسياً ومادياً لولاية رابعة، حيث ورد أنه حصد أكثر من 1.7 مليون دولار.71

آنذاك، لم يكن حداد على رأس المنتدى، لكن على الرغم من أن البعض من داخل هذه المؤسسة عارضوا فكرة انخراطها في القضايا السياسية، واصل هو ممارسة ضغوط لصالح بوتفليقة.72 وبدا أن حداد كوفئ على جهوده في تشرين الثاني/نوفمبر 2014، حين تمّ انتخابه رسمياً رئيساً للمنتدى، الأمر الذي يؤكد روابطه بالرئاسة. تجدر الإشارة هنا إلى أن العديد من أعضاء الحكومة حضروا حفل التنصيب.73 ومنذ تسنّم حداد الرئاسة، تمكّن المنتدى من التأثير في عملية صنع القرار، ومساعدة الحكومة على تطبيق سياساتها، وإعادة تشكيل المشهد الاقتصادي، في الوقت نفسه الذي يعمل فيه على احتواء أي معارضة لسياسات الحكومة. ويتمتّع المنتدى - الذي يضمّ 7000 شركة، و300 ألف موظف، إضافةً إلى جملة إيرادات وصلت إلى نحو 35 مليون دولار حتى آذار/مارس 2018 - بموقف قوي يخوّله لعب مثل هذا الدور.74

تعود مثل هذه التفاعلات بالفائدة على النظام والقطاع الخاص على حدّ سواء. فمن خلال بناء علاقات أوثق مع طبقة رجال الأعمال، تمكّنت القيادة الجزائرية من توسيع نطاق شبكاتها ووكلائها، وقاعدتها الاجتماعية، وبالتالي إطالة أمد سلطتها. وفي هذه الأثناء، تمكّن أولئك العاملون في القطاع الخاص، عبر دعهم القادة السياسيين، من الاستفادة من قربهم ممن يحتلّون مراكز السلطة السياسية من أجل تسهيل إدخال تدابير تدفع التحرير الاقتصادي والخصخصة قدماً، عبر أساليب تسمح لهم ولشركاتهم بالازدهار.75 إضافةً إلى ذلك، كشفت جهات عسكرية وأمنية مطّلعة أنه خلال فترات الأزمات الاقتصادية، يستخدم النظام القدرات الإنتاجية والمالية لوكلائه في قطاع الأعمال لمساعدته على إيجاد حلول مبتكرة للمشاكل و"تهدئة السكان".76

الحوكمة عبر الفساد

تتجاوز المحسوبية الزبائنية مجرّد كونها حالة عرضية أو تكتيكاً يستخدمه النظام لإرساء الاستقرار في النظام السياسي في الجزائر. فالفساد سمة أساسية في نظام الحوكمة في البلاد،77 وهو نافع كوسيلة لكسب ولاء المقرّبين من النظام، ومساومة المنافسين، وتلطيخ سمعة المعارضة. ووفق حسين مالطي، النائب السابق لرئيس شركة "سوناطراك" الحكومية العاملة في قطاع الطاقة، فإن "ما بين 5 و6 مليارات دولار تقريباً على الأقل (البعض يقدّر المبلغ بنحو 10 مليارات دولار)، تذهب إلى جيوب أفراد من النخبة".78 ويعتاش نظام الفساد على الدفع لأولئك المستبعدين من النظام، وبالتالي تعزيز اعتمادهم على مراكز السلطة القائمة، وتفكيك وترويض النخبة الاستراتيجية للبلاد، وإقصاء القادة السياسيين والمدنيين عن القواعد الشعبية، وتشويه سمعة المعارضين في أعين الناس.

لايزال الفساد يشكّل مشكلة كبرى. ففي مؤشر مدركات الفساد الصادر عن مؤسسة الشفافية الدولية للعام 2017، احتلّت الجزائر المرتبة 112 من أصل 180 دولة.79 وكما ذكر أحد المراقبين، فالفساد يصلح كـ"آلية لحلّ النزاعات".80 وتُعتبر الفضائح العديدة التي طالت ممثلين سياسيين خير دليل على مدى انتشار الفساد في الجزائر. ففي العام 2017 مثلاً، تمّت محاكمة أكثر من 1400 مسؤول محلي مُنتخب بتهم شملت سوء الإدارة والاختلاس وهدر المال العام وغيرها من حالات سوء السلوك المهني،81 وأُدين أكثر من 500 منهم. وفي العام 2017، تمّ توجيه تُهم بالفساد إلى 250 رئيس بلدية.82

في خضم الفساد المنظّم والتحالفات الهشّة، تعيّن على الأطراف الفاعلة السياسية والاقتصادية تنويع روابطها للتحوّط ضدّ مخاطر التقلبات داخل دوائر السلطة. وهذا من شأنه أيضاً تعزيز استقرار النظام، حيث أن الجهات الفاعلة الوطنية والمحلية التي تسعى إلى حماية نفسها (خاصةً أعضاء مجتمع رجال الأعمال) تمتلك حوافز أكبر لاحترام الخطوط الحمراء للدولة وإظهار الولاء لمن هم في مراكز النفوذ.83 وقد يؤدي الفشل في القيام بذلك إلى العزلة، مقوّضاً بذلك مصالح الأفراد التجارية أو مسيرتهم السياسية.84

أدّت سطوة هذا النظام المتواصلة إلى كبح الجهود المبذولة لمكافحة الفساد وجعلتها صعبة للغاية، ويُعزى ذلك إلى حدّ كبير إلى أن أي تغيير قد يضرّ مجموعة مؤثّرة واحدة بينما يفضّل أخرى. وعلى هذا الأساس، تكون أي محاولة للإصلاح دقيقة للغاية، وتُعتبر إقالة رئيس الوزراء السابق عبد المجيد تبون خير مثال على ذلك. فعند توليه منصبه في أيار/مايو 2017، أقدم تبون على التدقيق في مروحة من العقود الحكومية التي تمّ التوقيع عليها في عهد سلفه، وعلى تفحّص صفقات اقتصادية أخرى يُزعم أنها أُبرمت على أساس العلاقات الوثيقة بين الحكومة السابقة والحلفاء السياسيين، بمن فيهم رجل الأعمال الثري علي حداد. بيد أن النهج الذي اعتمده تبون، والذي وصفه بأنه يهدف إلى "فصل المال عن السلطة"، لم يحظَ بترحيب من سلم جماعة بوتفليقة، وكذلك من علي حداد وأصدقائه، واعتبروا أنه يشكّل خطراً حقيقياً على مصالحهم الاقتصادية والتجارية.85 إثر ذلك، أقال الرئيس تبون بعد أقل من ثلاثة أشهر على تسنّمه منصبه وعيّن مكانه أحمد أويحيى، وهو أحد بيادق النظام السياسي الذين أدركوا أن ازعاج صنّاع القرار البارزين في الجزائر سيكون بمثابة غلطة.86

لذلك، وفي حين يمكن أن يكون الفساد أداة للحوكمة السياسية، إلا أنه يعزّز أيضاً الحالة الراهنة للأمور، من خلال جعل تحدي الوضع القائم أمراً أكثر خطورة. وهذا يعني أنه من الصعب جداً إدخال الإصلاح الحقيقي وتطبيقه، لأنه قد يقوّض وجود النظام نفسه. لكن في حين يتميّز النظام الجزائري بالاستمرارية، ثمة دائماً مخاطر من إمكانية أن يؤدي جموده إلى توليد تناقضات من النوع الذي يحاول النظام تجنّبه، والذي يهدّد بقاء النظام.

الآفاق المستقبلية للجزائر

سمح النظام الجزائري، على مدى السنوات، بقدر محدود من التغيير الاجتماعي السياسي، بما يكفي لاستيعاب ونزع فتيل السخط الشعبي، وذلك من أجل الحفاظ على الاستقرار السياسي، وضمان أن تبقى معظم الأمور على حالها. ولذا، يمتلك النظام الناجم عن ذلك عناصر من السلطوية والديمقراطية في آن. والحال أن صنّاع القرارات الرئيسيين في الجزائر وضعوا وجدّدوا وصقلوا استراتيجيات للحفاظ على النظام ودورهم فيه. وفي هذا السياق، من المستبعد أن تشكّل الانتخابات الرئاسية المقبلة في البلاد، والمقرر إجراؤها في العام 2019، نقطة تحوّل. فمهما كانت هوية الرئيس المُنتخب المقبل - سواء ضَمَن بوتفليقة فوزه بولاية خامسة أم فاز شخص آخر - ستختاره النخبة العسكرية والسياسية، وسيكون من صنع هذا النظام تماماً.

لكن في حين أظهر النظام مرونة كبيرة وقدرة على التكيُّف، لايمكن اعتبار النهج الذي أوجده حصيناً ومنيعاً بل هو سيكون دوماً محط اختبار التغيّر الاجتماعي في الجزائر. وقد يكون انخفاض آخر في أسعار النفط، كالذي حصل في منتصف العام 2014، أو أزمة اقتصادية طويلة، كفيلاً بإعاقة قدرة النظام على تهدئة المجموعات المتنافسة. ففي أعقاب انحدار أسعار الطاقة الذي حصل في منتصف العام 2014، استُنزفت كثيراً مالية اقتصاد الجزائر الذي يعتمد بشكل كبير على النفط.87 ففي العام 2015، هبطت الأرباح في قطاع الطاقة بنسبة 41 في المئة، وعلى الرغم من ارتفاعها بنسبة 16 في المئة في 2017، بلغ العجز في موازنة الدولة 9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2017.88 وعلى الرغم من الحديث المتواصل عن التنويع الاقتصادي بهدف الحدّ من الاعتماد على الموارد الهيدروكربونية، لم تتّخذ الحكومة سوى خطوات قليلة للسير قدماً في هذا الاتجاه. نتيجةً لذلك، يُرجّح أن تواجه السلطات الجزائرية المزيد من الاضطرابات، إذ تشكّل تدابير خفض الإنفاق عبئاً كبيراً على الناس.

قد يكون النظام، وسط هذه الصعوبات المالية، مُجبراً على تقديم المزيد من التنازلات السياسية للتخفيف أكثر من حدّة إحباط الشعب. قد تشمل مثل هذه التنازلات السماح بمشاركة سياسية أكبر، والاعتراف بالأقليات الإثنية والثقافية، ودعوة أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني إلى الانضمام إلى المشاورات مع الحكومة، وتبنّي سياسة وطنية للشباب. وفي هذا السياق، يتعيّن أن تأخذ قيادة البلاد في الاعتبار أن أعداد الشباب الجزائري تُعتبر نقطة لصالح هؤلاء، إذ أن 55 في المئة من السكان هم تحت سنّ الثلاثين.89 وحين نضع الشباب الجزائري في عين الاعتبار، يبدو أن صياغة سياسة وطنية للشباب وإنشاء منظمة وطنية شبابية يندرجان ضمن أولويات قيادة البلاد. وكان تأسيس المجلس الأعلى للشباب في العام 2016 خطوة أولى جيدة، شرط أن يبدأ بتقديم توصيات ملموسة لإشراك هؤلاء بصورة أفضل في الحياة السياسية.90 بطريقة أو بأخرى، يحتاج قادة البلاد إلى السماح ببعض التجدّد الجيلي. والجدير ذكره هنا أنه مالم تُعطَ الأجيال الشابة الوسائل الضرورية للمشاركة في الحياة السياسية والانخراط في حملات لنصرة قضايا معينة، ومالم تصغِ الحكومة إلى شواغلها، سيتزايد شعور الاستياء وقد يقوّض هذا استقرار البلاد.

في هذه الأثناء، تُظهر منظمات المجتمع المدني المخاطر المحتملة لاستراتيجية النظام الحالية، إذ يجب على قيادة الجزائر أن تأخذ في الاعتبار أن ميلها إلى تقويض منظمات المجتمع المدني، وهو الأمر الذي ربما كان ناجحاً حتى الآن، قد لايكون مستداماً. عموماً، يمكن النظر إلى المجتمع المدني كحلقة وصل بين الشعب والدولة، لذا فإن أي تشويه لسمعة منظمات المجتمع المدني قد يدفع بعض المواطنين إلى الانضمام إلى منظمات سريّة، وتمكين الجهاديين الذين لازالوا يعتقدون أن العنف الموجّه ضد الدولة هو الحل الوحيد الممكن.

على الرغم من كونها مقيّدة بطرق مختلفة، كان لمنظمات المجتمع المدني تأثير إيجابي محدود على المجتمع الجزائري بشكل عام. والواقع أن النظام سيستفيد من ضمان تواجد مثل هذه المنظمات، فيما تتغيّر الظروف الاجتماعية في البلاد، لتوفير منافذ للتعبير والنشاط الشعبيين. فالاستقرار لا ينتج فقط عن قدرة النظام على التكيّف مع التحديّات الشعبية، بل أيضاً عن النطاق الممنوح للمجتمع من أجل التأقلم مع التحوّل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. لقد أفسح بروز منظمات المجتمع المدني المجال أمام نشوء ثقافة جديدة للروابط وإضفاء الطابع المهني على بعض المنظمات. وهذا سمح للمنظمات المدنية باستخدام معارفها وخبراتها داخلياً ومحلياً وإقليمياً لإدخال إصلاحات (وإن كانت محدودة). نذكر منها إنشاء الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، أو تجمّع عائلات المفقودين في الجزائر. وعلى نحو مماثل، تمكّنت منظمة أخرى، هي مركز المعلومات والتوثيق حول حقوق الطفل والمرأة (سيداف)، من المطالبة بإجراء مناظرة عامة أدّت في نهاية المطاف إلى تمرير إصلاحات تشريعية تدعم حقوق المرأة، خاصةً في أماكن العمل، وكذلك حقوق الأطفال المهجورين.

من جهته، سيواصل الجيش إظهار الممانعة، إذ إنه لايزال يدّعي أنه يحمل مسؤولية السيادة الوطنية الجزائرية. ولذا، فالانتقال إلى نظام يضمن السيادة الشعبية سيستغرق وقتاً أطول، وسيتطلب إقامة علاقة جديدة بين المدنيين والعسكريين. وهذا لن يكون سهلاً، بالنظر إلى الشرعية التاريخية التي يمتلكها الجيش باعتباره من طلائع النضال من أجل التحرير الوطني ضدّ فرنسا، وبسبب دوره الأساسي كمنقذ مفترض خلال الحرب الأهلية في التسعينيات، وصورته اليوم كحصن منيع في وجه انعدام الاستقرار في المنطقة والتهديدات الجهادية. يبقى القول إن الجيش سيظل لاعباً بارزاً في السياسة الجزائرية إلى مستقبل منظور.

تميّز النظام الجزائري على وجه الخصوص بقدرته على ضمان استمرارية حكمه على مدى سنوات. وهو شعر مراراً وتكراراً بأنه مجبر على التكيّف بطرق محدودة جعلت النظام السياسي أكثر تعددية؛ وكان قادة البلاد على دراية تامة بمخاطر الفشل في القيام بذلك. بيد أن المجتمع الجزائري معقّد، وهو في حالة تغيُّر مستمر. فالنهج الذي كان يعتمده النظام بنجاح حتى الآن، قد لايكون ناجحاً إلى ما لانهاية في المستقبل. ففي مرحلة ما، قد يكون التغيير بالفعل تغييراً.

* دالية غانم-يزبك، باحثة مقيمة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، من اصداراتها: الإسلام التابع للدولة في الجزائر يُواجه منافسة حادّة، الجزائر على حافة الهاوية: ماذا حقّقت الأعوام السبعة عشر من حكم بوتفليقة، تضاؤل الموارد: التحديات المالية وتداعياتها على الاستقرار في الجزائر
http://carnegie-mec.org

............................................
هوامش
1 Giuseppe di Lampedusa, The Leopard, translated by Archibald Colquhoun, (New York: Random House, 1960).
2 Larry Diamond, In Search of Democracy, (New York: Routledge, 2015), 152.
3 Steven Heydemann, “Upgrading Authoritarianism in the Arab World”, Brookings Institution Saban Center for Middle East Policy, October 2007, https://www.brookings.edu/wp-content/uploads/2016/06/10arabworld.pdf.
4 Isabelle Werenfels, Managing Instability in Algeria: Elite and Political Change Since 1995, (New York: Routledge, 2007), 152–53.
5 “Algeria Adopts Landmark Constitutional Reforms,” Al Jazeera, February 7, 2016, www.aljazeera.com/news/2016/02/algeria-adopts-landmark-constitutional-reforms-160207163249171.html.
6 Chérif Bennadji, “Algérie 2010 : l'année des mille et une émeutes” [Algeria 2010: the year of one thousand and one protests], L’Année du Maghreb, 2011, 263–269, https://journals.openedition.org/anneemaghreb/1254.
7 Chérif Bennadji, “Algérie 2010 : l'année des mille et une émeutes” [Algeria 2010: the year of one thousand and one protests], L’Année du Maghreb, 2011, 263–269, https://journals.openedition.org/anneemaghreb/1254.
8 دالية غانم-يزبك، "الحراس المتفانون للسلطة الجزائرية"، صدى (مدوّنة)، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 16 نيسان/أبريل 2014، https://carnegieendowment.org/sada/55360?lang=ar
9 Bensalah Tabrizi, The Algerian Republic (Paris, General Library of Law and Jurisprudence, 1979), 317.
10 من الصعب للغاية تحديد هوية هذه الشخصيات الأساسية وصنّاع القرار في الجيش. لا يمكن التأكّد من ذلك بشكل قطعي، لكن الجميع يوافقون على أن عملية صنع القرار مبهمة ومعقّدة. لقد أوضح مقدّم أول في الجيش يدعى فريد في مقابلة إن العملية "شملت شخصيات عدّة من مجالات مختلفة، أي من سياسيين، إلى رجال أعمال، وبالطبع عسكريين" (مقابلة أجرتها المؤلّفة مع مقدّم أول متقاعد في إحدى ضواحي الجزائر العاصمة، كانون الأول/ديسمبر 2016). وفي مقابلة أخرى، أوضح أحد السياسيين: "تعرفين أن دوائر السلطة معقّدة، فحتى المطّلعين غير قادرين على قول من يفعل ماذا ومن يقرّر... هي عملية دقيقة ومعقّدة ومتعدّدة المراحل. ثمة الكثير من الأمور على المحك، ولدى أفراد كُثُر من مختلف الفصائل الكثير ليخسرونه... لقد اختاروا بوتفليقة لولاية ثالثة ورابعة لأنه الخيار الأفضل الذي يصبّ في مصلحتهم. واليوم هو لايزال في السلطة لهذا السبب... وأيضاً لأن الاتفاق على شخص آخر صعب ومعقّد. سيتفقون في نهاية المطاف على شخص لكن في هذه الأثناء لدينا قائد على كرسي متحرك وجعلنا من أنفسنا أضحوكة" (هذه المعلومات مستمدّة من مقابلة أجرتها المؤلّفة مع سياسي كان في السابق عضواً لفترة طويلة في جبهة التحرير الوطني، الجزائر العاصمة، كانون الثاني/يناير 2017).
11 يمكن أن نذكر على سبيل المثال إقالة العقيد عبد القادر "فوزي" لوناس الذي كان يدير مركز الاتصال والنشر في دائرة الاستعلام والأمن؛ واللواء حسان (المسؤول عن مكافحة الإرهاب والتجسّس) الذي مَثُل أمام المحكمة العسكرية في البليدة في 5 شباط/فبراير 2014 بتهمة "عصيان الأوامر". وقد لقي اللواء مهنى جبار، الذي كان اليد اليمنى لتوفيق ورئيس المديرية المركزية لأمن القوات المسلحة، المصير نفسه. كذلك، استُبدِل كلٌّ من اللواء عثمان "بشير" طرطاق الذي كان يرأس مديرية الأمن الداخلي، باللواء عبد الحميد بن داود؛ واللواء رشيد "عطافي" العلالي، الذي كان رئيس مديرية التوثيق والأمن الخارجي، باللواء محمد بوزيت. انظر: Dalia Ghanem-Yazbeck, “Despite Shakeups, Algeria’s Security Apparatus Stronger Than Ever,” World Politics Review, September 17, 2015, www.worldpoliticsreview.com/articles/16714/despite-shakeups-algeria-s-security-apparatus-stronger-than-ever.
12 Farid Alilat, “Algérie : Les Habits Neufs Des Services Secrets” [Algeria: The new clothes of the secret services], Jeune Afrique, March 14, 2016, www.jeuneafrique.com/mag/307555/politique/algerie-habits-neufs-services-secrets/.
13 Abbès Zineb, “Bouteflika : Le DRS partie intégrante de l’ANP” [Bouteflika: the DRS an integral part of the PNA], Algérie1, February 18, 2014, https://www.algerie1.com/actualite/bouteflika-le-drs-partie-integrante-de-lanp.
14 Malek Bachir, “Algérie : Bouteflika Sacrifie Le Secrétaire Général Du FLN” [Algeria: Bouteflika sacrifices the FLN general secretary], Middle East Eye, October 23, 2016, www.middleeasteye.net/fr/reportages/alg-rie-bouteflika-sacrifie-le-secr-taire-g-n-ral-du-fln-1564101024.
15 دالية غانم-يزبك، "الحراس المتفانون للسلطة الجزائرية".
16 Arab Barometer, “Algeria: Five Years After the Arab Uprisings,” Arab Barometer, April 15, 2017, http://bit.ly/2mABVBb.
17 بدأت هذه الجهود الرامية إلى التحرير الاقتصادي المحدود بعد نهاية الحرب الأهلية. وفي العام 2002، وللمرة الأولى في تاريخه، نظّم الجيش مؤتمراً صحافياً مع الفريق العماري، الذي ردّ على أسئلة الصحافيين من دون أي رقابة. وفي العام نفسه، نظّم الجيش الوطني الشعبي مؤتمراً دولياً حول الإرهاب، جمع للمرة الأولى الضباط بالباحثين والأكاديميين والصحافيين. كما قام الجيش بتدريب مسؤولي الاتصالات وفتح مكتب اتصال. مع ذلك، ينبغي القول إن المؤلفة لم تكن قادرة، أثناء العمل الميداني، على التواصل مع أي شخص داخل المؤسسة العسكرية. وأُجريت جميع المقابلات مع العسكريين في الجزائر بشكل غير رسمي. وقد يعود أحد أسباب ذلك إلى حساسية موضوع هذه الدراسة. لكن خلال رحلة ميدانية أخرى في الجزائر تمحورت حول موضوع أقل حساسية بكثير (النساء في الجيش)، حدث الأمر نفسه أيضاً. انظر: دالية غانم-يزبك، "المرأة في معترك الرجال: الطريق نحو المساواة في الجيش الجزائري"، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، http://carnegie-mec.org/2015/11/04/ar-pub-61816
18 Nacer Djabi, “Si La Génération ‘Tab j’Nanou’ refuse d’organiser son départ, ce sera l’affrontement” [If the Generation ‘Tab j'Nanou’ refuses to organize its departure, it will face confrontation], Algeria-Watch, June 8, 2012, www.algeria-watch.org/fr/article/tribune/djabi_generation_tab_jnanou.htm.
19 مقابلة أجرتها المؤلّفة مع أحد الأفراد العسكريين خلال العمل الميداني في الجزائر، كانون الأول/ديسمبر 2016.
20 Jean-Jacques Lavenue, Algérie: La démocratie interdite [Algeria: the forbidden democracy] (Paris: L’Harmattan, 1993), 136.
21 Akram Belkaid, “26 Décembre 1991: L’urne Fatale En Algérie” [The fatal ballot in Algeria], Slate Africa, December 28, 2011, www.slateafrique.com/80027/26-decembre-1991-algerie-fis.
22 “Le journaliste Hassan Bouras libéré de prison” [Journalist Hassan Bouras released from prison] Le Matin d’Algérie, January 17, 2017, http://www.lematindz.net/news/23028-le-journaliste-hassan-bouras-libere-de-prison.html.
23 “Pour avoir critiqué Bouteflika, Mohamed Tamalt condamné à deux ans de prison” [For criticizing Bouteflika, Mohamed Tamalt sentenced to two years in prison], Le Matin d’Algérie, August 10, 2016, http://www.lematindz.net/news/21494-pour-avoir-critique-bouteflika-mohamed-tamalt-condamne-a-deux-ans-de-prison.html; and Charlotte Bozonnet, “Algerian Journalist Mohamed Tamalt Dies in Prison,” Le Monde Africa, November 12, 2016, http://www.lemonde.fr/afrique/article/2016/12/11/en-algerie-mort-d-un-journaliste-en-detention_5047159_3212.html.
24 هيومن رايتس ووتش، "الجزائر – عقوبة جنائية بسبب رسم كاريكاتوري"، هيومن رايتس ووتش، 12 نيسان/أبريل 2016، https://www.hrw.org/ar/news/2016/04/12/288643
25 Farid Alilat, “Algérie : les militaires à la retraite contraints au silence” [Algeria: retired military silenced], Jeune Afrique, July 7, 2016, http://www.jeuneafrique.com/mag/338612/politique/algerie-militaires-a-retraite-contraints-silence/; and “Obligation de réserve : Adoption de deux projets de loi portant statuts des officiers de réserve et des personnels militaires” [Obligation of reservation: Adoption of two draft laws on the status of reserve officers and military personnel], Algerian Radio, June 27, 2016, http://radioalgerie.dz/news/fr/article/20160627/81961.html.
26 “Algeria: Freedom of the Press 2016,” Freedom House, 2016, https://freedomhouse.org/report/freedom-press/2016/algeria.
27 Louisa Dris-Aït Hamadouche and Yahia H. Zoubir, “Pouvoir et opposition en Algérie : vers une transition prolongée? ” [Power and opposition in Algeria: toward a protracted transition] Année du Maghreb, 2009, http://anneemaghreb.revues.org/535#bodyftn46.
28 المصدر السابق.
29 المصدر السابق.
30 Mohammed Hachemaoui, “La représentation politique en Algérie entre médiation clientélaire et prédation (1997–2002)” [Political representation in Algeria between clientelistic mediation and predation (1997–2002)], Revue Française de Science Politique, 2003, 35–72, http://www.persee.fr/doc/rfsp_0035-2950_2003_num_53_1_395688.
31 Stéphane Arrami, “Les partis de l’opposition démocratique: Réalité, discours et espérance” [The parties of the democratic opposition: reality, speech, and hope], Kabyle.com, December 19, 2008, https://kabyle.com/articles/partis-lopposition-democratique-realite-discours-esperance-1605-19122008.
32 Arab Barometer, “Algeria: Five Years After the Arab Uprisings.”
33 مقابلة أجرتها المؤلّفة مع عامل دهان للمنازل يبلغ من العمر 36 عاماً ويدعى زينو خلال العمل الميداني في الجزائر، كانون الثاني/يناير 2017.
34 Souhila Hammadi, “Le Salaire Moyen d’un Parlementaire (Algérien) passe à 27 millions” [The average salary of an (Algerian) parliamentarian increases to 27 Million], Le Quotidien d’Algérie, September 18, 2008, http://lequotidienalgerie.org/2008/09/18/le-salaire-moyen-d%E2%80%99un-parlementaire-algerienpasse-a-27-millions/; and “Algeria Minimum Wage” MinimumWage.org, https://www.minimum-wage.org/international/algeria.
35 Hachemaoui, “Political representation in Algeria between clientelistic mediation and predation (1997-2002).”
36 المصدر السابق.
37 Achira Mammeri, “Dernière Escale Avant La Campagne” [Last stop before the campaign], L’Expression, March 29, 2004, www.lexpressiondz.com/actualite/17257-derniere-escale-avant-la-campagne.html; and Werenfels, Managing Instability in Algeria, 139.
38 Dalia Ghanem-Yazbeck, “Algeria: Reform Before Demands Turn Revolutionary,” Elcano Royal Institute, April 28, 2017, http://www.realinstitutoelcano.org/wps/portal/rielcano_en/contenido?WCM_GLOBAL_CONTEXT=/elcano/elcano_in/zonas_in/mediterranean+arab+world/ari37-2017-ghanemyazbeck-algeria-reform-before-demands-turn-revolutionary.
39 Fayçal Métaoui, L’histoire mouvementée du parlement algérien : de 1962 à nos jours” [The turbulent history of the Algerian parliament: from 1962 to the present day], Djazairess, May 14, 2007, https://www.djazairess.com/fr/elwatan/68018.
40 Ali Boukhlef, “De Contre-Pouvoir à Un Soutien Des Autorités” [From counter-power to authorities’ support], Djazairess, February 24, 2016, www.djazairess.com/fr/elwatan/515152; http://www.algerie-focus.com/2017/09/a-denonce-rapprochement-entre-lugta-patronat-senateur-tayeb-hmarnia-ecarte-sidi-said/.
41 Essaïd Wakli, “Fronde sociale/ Les syndicats autonomes mettent le cap sur une grève illimitée” [Social unrest/autonomous unions set sail for an unlimited strike], Algerie Focus, October 30, 2016, http://www.algerie-focus.com/2016/10/fronde-sociale-syndicats-autonomes-mettent-cap-greve-illimitee/; انظر أيضاً: Massi M., “Soumission de l'UGTA à la volonté du gouvernement/ Sidi Saïd convoque la main étrangère” [UGTA’s submission to the will of the government/Sidi Saïd summons the foreign hand], Algerie Focus, December 21, 2016, http://www.algerie-focus.com/2016/12/ugta-sidi-said-plaide-soumission-totale-a-volonte-gouvernement/.
42 Djamel Benramdane, “Les Associatons Algériennes: Des Acteurs émergents en quête de reconnaissance.”
43 تم تعديل الدستور في 1996 و2002 و2008 و(أخيراً) في العام 2016. أُدخلت إلى الدستور المعدّل أحكام لحماية حقوق الإنسان الأساسية (المادة 33)، ولضمان وحماية الحق في حرية التعبير (المواد 41، 41 (2أ) و 41 (3أ)) وحرية التجمّع السلمي (المادة 43).
44 “La Défaite Par la Stratégie De l’Usure:Le Mouvement Associatif National En Grande Difficulté” [Defeat through the strategy of erosion: the national associative movement in great difficulty], Algeria Watch, December 21, 2008, www.algeria-watch.org/fr/article/div/mvt_associatif_difficultes.htm; انظر أيضاً: Mark Snijder, “Le travail de jeunesse au Maroc et la participation des jeunes à l’échelon local” [Youth work in Morocco and youth participation at the local level], EuroMed, May 2015, https://www.euromedyouth.net/IMG/pdf/youth_work_morocco_fr_5_def.pdf.
45 Arab Barometer, “Algeria: Five Years After the Arab Uprisings”; and Arab Barometer, “Arab Barometer IV: Morocco Country Report,” May 8, 2017, http://www.arabbarometer.org/search/node/morocco.
46 Salima Tlemçani, “Djilali Hadjadj condamné à six mois avec sursis” [Djilali Hadjadj condemned to six months with suspension], Le Quotidien d’Algérie, September 14, 2010, http://lequotidienalgerie.org/2010/09/14/djilali-hadjadj-condamne-a-six-mois-avec-sursis/.
47 "قيود السفر تمنع نشطاء جزائريين من حضور منتدى اجتماعي عالمي"، بيان صحافي، منظمة العفو الدولية، 26 آذار/مارس 2013،
https://www.amnesty.org/ar/press-releases/2013/03/travel-restrictions-stop-algerian-activists-attending-world-social-forum-20-1/
48 “Arrestation de plusieurs militants du Mouvement des chômeurs à Constantine” [Arrest of several activists of the unemployed movement in constantine], El Watan, November 11, 2017, http://www.lematindalgerie.com/arrestation-de-plusieurs-militants-du-mouvement-des-chomeurs-constantine.
49 Madjid Serrah, “Lourdes peines contre les chômeurs de Ouargla” [Heavy sentences against the unemployed of Ouargla], Le Matin d’Algérie, January 22, 2013, http://www.lematindz.net/news/10848-lourdes-peines-contre-les-chomeurs-de-ouargla.html.
50 EuroMed Rights, “Rapport de la Coalition de la Societe Civile Algerienne Pour
l’Examen Periodique Universel de l’Algerie” [Algerian civil society coalition report for the universal periodic review of Algeria], EuroMed Rights, September 2016, http://www.euromedrights.org/wp-content/uploads/2017/02/Rapport-conjoint-EPU.pdf.
51 الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، "اتفاقات دولية، قوانين، ومراسيم"، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية (15 كانون الثاني/يناير 2012)، https://www.joradp.dz/FTP/JO-ARABE/2012/A2012002.pdf
52 Algerian Ministry of Interior, “Thematique des associations” [Association themes ], Algerian Ministry of Interior, 2018, http://www.interieur.gov.dz/images/pdf/Thematiquedesassociations.pdf; انظر أيضاً: Djamel Benramdane, “Les Associatons Algériennes: Des Acteurs émergents en quête de reconnaissance.”
53 Algerian Ministry of Interior, “Thematique de associations.”
54 Louisa Dris-Aït Hamadouche, “La Société Civile Vue À L’aune De La Résilience Du Système Politique Algérien” [Civil society in the light of the resilience of the Algerian political system], Année Du Maghreb, 2017, 289–306, Http://Anneemaghreb.Revues.Org/3093#Bodyftn8.
55 Cécile Jolly, “Les cercles vicieux de la corruption en Algérie,” [The vicious circles of corruption in Algeria] Revue Internationale et Stratégique, no. 43 (March 2001): 116–17.
56 المصدر السابق، ص. 116.
57 Werenfels, Managing Instability in Algeria, 49–50.
58 "إن انخراط الأمن العسكري والضباط العسكريين المتقاعدين في القطاعات الاقتصادية العامة والخاصة، سواء الرسمية أو غير الرسمية، آخذٌ بالارتفاع منذ الثمانينيات، وهذا الواقع هو نتيجة غير مباشرة للحق السخي بالحصول على التقاعد المبكر"، مُترجم من الإنكليزية:
Werenfels, Managing Instability in Algeria, 50.
59 “Algeria’s Economy: The Vicious Cycle of Oil and Violence,” International Crisis Group, October 26, 2001, https://d2071andvip0wj.cloudfront.net/36-algeria-s-economy-the-vicious-circle-of-oil-and-violence.pdf.
60 المصدر السابق.
61 Miriam R. Lowi, Oil Wealth and the Poverty of Politics: Algeria Compared (Cambridge, Cambridge University Press, 2009), 178.
62 Michael J. Willis, Politics and Power in the Maghreb: Algeria, Tunisia and Morocco From Independence to the Arab Spring (New York: Oxford University Press, 2014), 147–48.
63 “Népotisme : Ces enfants des dirigeants qui réussissent dans les affaires” [Nepotism: The children of leaders who succeed in business], Algérie Focus, September 29, 2016, www.algerie-focus.com/2016/09/exclusif-papa-pouvoir-filston-businessces-fils-de-dirigeants-reussissent-affaires/.
64 المصدر السابق.
65 المصدر السابق. انظر أيضاً:
“Opérateur Télécom Algérien,” SLC, 2016, http://www.slc.dz/qui-sommes-nous/.
66 Bradford L. Dillman, State and Private Sector in Algeria: The Politics of Rent-Seeking and Failed Development (Boulder, CO: Westview Press, 2000). Mohammed Hachemaoui, “La corruption politique en Algérie: l’envers de l’autoritarisme” [Political corruption in Algeria: the other side of authoritarianism], Esprit, 2011, https://www.cairn.info/revue-esprit-2011-6-p-111.htm.
67 Hachemaoui, “Political representation in Algeria between clientelistic mediation and predation (1997-2002).”
68 Saad Lounes, “Les 9 Patrons Rentiers Du Système Bouteflika,” [The 9 rentiers patrons of the Bouteflika system], Le Matin d’Algérie, December 1, 2014, www.lematindz.net/news/15780-les-9-patrons-rentiers-du-regne-bouteflika.html.
69 Lyas Hallas, “Les patrons qui financent Bouteflika 4 ne cachent plus leur connexion” [The patrons who finance Bouteflika no longer hide their connections], Le Quotidien d’Algérie, March 11, 2014, lequotidienalgerie.org/2014/03/11/les-patrons-qui-financent-bouteflika-4-ne-cachent-plus-leur-connexion/.
70 “Présentation,” Le Forum des Chefs d’Entreprise (FCE), March 2018, www.fce.dz/presentation/.
71 “20 milliards de centimes pour la campagne de Bouteflika de la part des patrons” [20 billion of centimes from the patrons for Bouteflika’s campaign], Algerie 360, March 12, 2014, https://www.algerie360.com/20-milliards-de-centimes-pour-la-campagne-de-bouteflika-de-la-part-des-patrons/.
72 الشخص الوحيد الذي عارض تدخل منتدى رؤسات المؤسسات في السياسة كان يسعد ربراب، الذي استقال من المنتدى في 2014.
73 كان من بين الحاضرين: وزير المالية السابق محمد جلاب، ووزير الصناعة السابق عبد السلام بوشوارب، ووزير الاتصالات السابق حامد غرين، ووزير العلاقات مع البرلمان السابق خليل ماحي، ووالي الجزائر العاصمة عبد القادر زوخ. انظر:
Cherif Dris, “Algérie 2014 : De l’élection présidentielle à l’émergence des patrons dans le jeu politique” [Algeria 2014: From the presidential election to the emergence of patrons in the political game], Année du Maghreb (2015), http://journals.openedition.org/anneemaghreb/2583?lang=fr#ftn23.
74 “Présentation,” Le Forum des Chefs d’Entreprise (FCE).
75 يمارس غالبية رجال الأعمال هؤلاء ضغوطاً من أجل تحرير الاقتصاد. وفي الآونة الأخيرة، كانوا يحاولون تسريع وتيرة ذلك، خاصة بعد أن أدّى انخفاض أسعار النفط إلى تراجع حجم الاستثمارات العامة. وكان المنتدى يضغط، وعلى وجه الخصوص علي حداد، من أجل خصخصة جميع القطاعات، بما في ذلك النقل الجوي، والموارد الهيدروكربونية، والموارد المائية. ويستشهد حداد بالمادة 37 من الدستور التي تكرّس حرية المواطنين في الاستثمار في البلاد، من أجل الدفع نحو المزيد من التحرّر الاقتصادي.
76 مقابلة أجرتها المؤلّفة مع عقيد متقاعد في إحدى ضواحي العاصمة الجزائرية، كانون الأول/ديسمبر 2016.
77 Hachemaoui, “Political representation in Algeria between clientelistic mediation and predation (1997-2002).”
78 Hocine Malti, “l’Algerie est-elle encore une république démocratique et populaire?” [Is Algeria still a popular democratic republic?], Algeria-Watch, April 2, 2014, www.algeria-watch.org/fr/article/analyse/malti_montreal.htm.
79 “Corruption Perceptions Index 2017: Algeria,” Transparency International, 2017, https://www.transparency.org/country/DZA.
80 Hachemaoui, “Political representation in Algeria between clientelistic mediation and predation (1997-2002).”
81 “Gouvernance locale a Tlemcen: Entre corruption et mauvaise gestion” [Local governance in Tlemcen: between corruption and mismanagement], Algerie 360, August 21, 2017, http://m.algerie360.com/gouvernance-locale-tlemcen-entre-corruption-et-mauvaise-gestion/.
82 "آلاف الملايير على "الروڤارات".. و250 مير متهم بالفساد!"، المرصد الجزائري، 7 تموز/يوليو 2017،
http://bit.ly/2DdzRds
83 Hachemaoui, “Political representation in Algeria between clientelistic mediation and predation (1997-2002).”
84 Werenfels, Managing Instability in Algeria, 159.
85 Mourad Arbani, “Tebboune : L'Etat veillera à séparer le pouvoir politique du pouvoir de l'argent,” [Tebboune: the state will take care to separate political power from the power of money] Algérie1, June 20, 2017, https://www.algerie1.com/economie/tebboune-letat-veillera-a-separer-le-pouvoir-politique-du-pouvoir-de-largent.
86 “Algérie : Le Premier Ministre Abdelmadjid Tebboune Limogé” [Algeria: prime minister Abdelmadjid Tebboune sacked], Jeune Afrique, August 16, 2017, www.jeuneafrique.com/466271/politique/algerie-le-premier-ministre-abdelmadjid-tebboune-limoge-trois-mois-apres-sa-nomination/.
87 إنتصار فقير ودالية غانم-يزبك، "تضاؤل الموارد: التحديات المالية وتداعياتها على الاستقرار في الجزائر"، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 11 شباط/فبراير 2016، http://carnegie-mec.org/2016/02/11/ar-pub-62784
88 “Algeria Energy Earnings Drop 41 Pct in 2015, Posts $13.71 Bln Trade Deficit: Finance Minister,” Reuters, January 19, 2016, https://af.reuters.com/article/investingNews/idAFKCN0UX1F6; “Algeria’s Energy Earnings Up 16.5 Pct in 2017 – Customs,” Reuters, January 22, 2018, https://www.reuters.com/article/algeria-energy/algerias-energy-earnings-up-16-5-pct-in-2017-customs-idUSL8N1PH4C1; and “Algeria Approves Measures to Cover Budget Deficit,” Reuters, September 7, 2017, https://www.reuters.com/article/algeria-economy/algeria-approves-measures-to-cover-budget-deficit-idUSL8N1LN5Q0.
89 Elyas Nour, “Démographie : 39,5 millions d'Algériens, un nombre de naissances record en 2014” [Demographics: 39.5 million Algerians, a record number of births in 2014], Algérie Focus, March 28, 2015, http://www.algerie-focus.com/2015/03/demographie-395-millions-dalgeriens-un-nombre-de-naissances-record-en-2014/.
90 “Conseil Supérieur de la Jeunesse: La composition, l’organisation et le fonctionnement fixés” [The Superior Council of Youth: the composition, organization and functioning fixed], Huffington Post Maghreb, May 10, 2017, http://www.huffpostmaghreb.com/2017/05/10/conseil-superieur-jeuness_n_16533680.html.
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق