التطورات الجديدة المتعلقة بالنزاع الروسي الأمريكي الذي تفاقم مؤخرا بشكل خطير، بسبب بعض الازمات والمشكلات السياسية، هو اليوم محط اهتمام وترقب عالمي كما يقول بعض المراقبين، الذين اكدوا على ان الخلافات الحالية وعودة الحرب الباردة بين روسيا وأمريكا بسبب تضارب المصالح يمكن ان تؤثر سلبا على السلم العالمي والعلاقات الدولية، خصوصا مع تصاعد لهجة التهديد والتحركات العسكرية التي تقوم بها الولايات المتحدة الامريكية، التي تسعى الى فرض نظام القطب الواحد من خلال توسيع نفوذ هيمنتها على العالم، وبالتالي اقصاء وتهميش الدور الروسي.

منذ بداية الحرب الأهلية السورية وكما تشير بعض المصادر، عادت للأذهان الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا، وكان البعض يعتقد أن الحرب انتهت ولكن مع التوترات التي شهدتها أوكرانيا، جعلت الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن تطفو على سطح الأزمات العالمية، بعد استيلاء الكرملين على شبه جزيرة القرم، وعلى الرغم من الإدانات الدولية بانتهاك سيادة أوكرانيا لروسيا. وقال مارك كرامير مدير دراسات الحرب الباردة بجامعة هارفارد الأمريكية: إن تدخل موسكو في أوكرانيا يعيد أجواء العداوات القديمة ويشعل الحديث عن حرب باردة جديدة.

ومنذ إجراء الاستفتاء على ضم شبه جزيرة القرم، وسعت الولايات المتحدة بتطبيق عقوبات على روسيا لانتهاك سيادة دولة أوربية، وفرضت واشنطن والاتحاد الأوربي عقوبات شملت حظر إصدار تأشيرات الدخول وتجميد الأصول لعدد صغير من الأفراد، ومن بينهم مسئولون حكوميون روس وزعماء انفصاليون في شبه جزيرة القرم، ثم وسعت الإدارة الأمريكية عقوباتها لتشمل 20 شخصا آخرين بعضهم مقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفرضت أيضا عقوبات على بنك روسيا الروسي الذي له أرصدة بعشرة مليارات دولار، وسيمنع البنك من التعامل مع النظام المصرفي الأمريكي.

من جانبها فرضت روسيا عقوبات ضد 9 مسئولين ومشرعين أمريكيين، ردا على العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة عليها مع تصاعد التوتر بسبب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وحذرت الغرب من أنها سترد على "كل ضربة معادية". ونقلت شبكه SWISSINFO السويسرية عن المحلل السياسي الروسي ديمتري ترينين: "أهلًا بالحرب الباردة الثانية، التطورات الأخيرة وضعت حدًا للشراكة والتعاون بين الغرب وروسيا". بينما قال كونستانز شتيلسنمو زميل بصندوق مارشال الألماني للأبحاث: "نحن الآن على مشارف منافسة ممنهجة، لذلك أعتقد أن الحرب الباردة قادمة لا محالة".

وفي ظل الحرب الباردة وبحسب بعض المصادر الاعلامية، تسعى روسيا للتفوق على واشنطن بالتسلح، وأجرت العديد من التجارب والاختبارات في أحد المعاهد العسكرية في ضواحي موسكو لتصميم سلاح جديد يمكن أن يغرق الولايات المتحدة من على بعد ويعرف السلاح باسم "سلاح المستقبل". وتم تصميم سلاح المستقبل ليكون صاروخا باليستيا يطلق عليه "البركان - فولكان"، يمكنه أن يدمر أطنان من الجليد وإذابتها في دقائق، حيث كان من الصعب ابتكار متفجرات تحترق في الماء وتخلق في الوقت ذاته درجة حرارة هائلة لفترة طويلة. في الوقت الذي تحاول فيه اليابان خلق فيروسات إلكترونية ومحاولة الناتو لشن هجوم على روسيا، تستطيع موسكو إغراق هذه الدول فالعالم يقف عتبة الحروب الإعلامية والكوارث الاصطناعية.

خلاف طويل

وفي هذا الشأن فقد قال وزير الدفاع الأمريكي اشتون كارتر إن الولايات المتحدة وحلفاءها في حلف شمال الأطلسي يستعدون عسكريا لاحتمال أن يستمر خلافهم مع روسيا لما بعد رئيسها فلاديمير بوتين. وتسبب تدخل روسيا في أوكرانيا في وضع مقلق لأعضاء حلف شمال الأطلسي من دول أوروبا الشرقية وأطلق سلسلة من التحركات العسكرية من قبل الحلف بينها تسريع وتيرة عمليات تدريب وإنشاء قوة رد سريع تابعة له.

وقال كارتر في مستهل جولة في أوروبا إن الولايات المتحدة كانت تأمل أن تعود روسيا للطريق القويم وأشار لجوانب التعاون الدبلوماسي مع موسكو بينها مباحثات حول البرنامج النووي الإيراني. لكنه قال إن التغييرات الحالية في وضع قوات حلف شمال الأطلسي والتي تعني أمورا منها ردع التدخل الروسي تدل على الاستعداد لتوتر طويل الأمد. وأضاف الوزير الأمريكي "التغييرات التي تحدثت عنها سببها الأساسي توقعات بأن روسيا ربما تتغير تحت قيادة فلاديمير بوتين وربما بعده." وحين سئل إن كان بوتين قد يغير المسار الحالي قال كارتر إنه يأمل ذلك لكنه "ليس متأكدا منه."

وستشمل زيارة كارتر العديد من تلك التغييرات في قوات الحلف وسيبدأ بتفقد بعضا من قوات الرد السريع في ألمانيا. وقال مسؤول كبير بوزارة الدفاع الأمريكية طالبا عدم نشر اسمه "سيشجع ألمانيا تحت القيادة الحازمة لوزير الدفاع على أن توسع نطاق دورها الأمني في العالم بما يتماشى مع ثقلها السياسي والاقتصادي." وتدهورت العلاقات بين موسكو والغرب لتصل إلى مستويات شبيهة بالفترة التي أعقبت نهاية الحرب الباردة منذ ضمت روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية إلى أراضيها. ويقول حلف الأطلسي إن روسيا لا تزال توفر الدعم العسكري للانفصاليين في شرق أوكرانيا رغم نفي موسكو ذلك.

ويقول مسؤولون أمريكيون إن أوكرانيا أبرزت أهمية القدرة على التصدي لاستراتيجية "الحرب الهجين" التي تعتمد على استخدام جنود مجهولين ومواد دعائية وضغط اقتصادي والتي يقول الغرب إن روسيا تطبقها في أوكرانيا. وتاريخيا كان حلف الأطلسي يركز دوما على المخاطر التقليدية للحرب الباردة التي انتهت عام 1991. وقال المسؤول "كارتر.. سيضغط على الحلف بشكل حقيقي للتفكير في المخاطر الجديدة والأساليب الجديدة وسيدعوه للتخلص من قواعد لعبة الحرب الباردة والتفكير في الأساليب الجديدة للتصدي للمخاطر الجديدة." بحسب رويترز.

وأثارت كل هذه التحركات غضب موسكو التي هددت بتعزيز قواتها وبإضافة أكثر من 40 صاروخا باليستيا عابرا للقارات لترسانتها النووية هذا العام. وإلى جانب ضم روسيا لشبه الجزيرة القرم يقول مسؤولون بحلف الأطلسي إن صعود تنظيم داعش وجماعات متشددة أخرى في شمال أفريقيا والشرق الأوسط غير بشكل جذري البيئة الأمنية للحلف. ومن المتوقع أن يناقش اجتماع لوزراء دفاع حلف الأطلسي في بروكسل خططا لتشكيل دور للتحالف في العراق بهدف تعزيز مؤسسات الدولة العراقية. وقال المسؤول الأمريكي إن من المحتمل التوصل لاتفاق بشأن خطة في يوليو تموز.

نشر اسلحة ثقيلة

من جانب اخر قال وزير الدفاع الاميركي اشتون كارتر ان مساعي واشنطن لنشر معدات عسكرية ثقيلة في دول اوروبا الشرقية هي خطوة "مهمة" في مواجهة اي تهديد روسي. ووسط تزايد المخاوف بشان تحركات روسيا ونواياها في الدول التي كانت تابعة للاتحاد السوفياتي السابق، اعلنت واشنطن عن استعدادها لنقل معدات ثقيلة الى المنطقة لدعم جهود التدريب، ما دفع موسكو الى التهديد بتعزيز ترسانتها النووية.

وردا على سؤال حول خطط نشر المعدات العسكرية قال كارتر "هذه مسالة قيد الدرس، وسنناقشها مع زملائنا". واضاف كارتر الذي تولى منصبه في شباط/فبراير الماضي "الفكرة هي نشر طواقم من المعدات، ومن بينها معدات ثقيلة، مبدئيا لدعم عمليات التدريب حتى تكون موجودة" في المنطقة. وتابع "وهناك كذلك امكانية نشر مزيد من المعدات لحالات الطوارئ".

وقال كارتر ان واشنطن تهدف الى طمأنة شركائها في الحلف الاطلسي على الجهة الشرقية من اوروبا، دون ان يكشف عن تفاصيل. واضاف "هذه خطوة مهمة يجب القيام بها اذا اردنا زيادة صمود حلفنا وبشكل خاص حلفائنا على اطراف مناطق التحالف". وقال "هذه المعدات مخصصة حاليا لالمانيا. والسؤال الذي طرحناه على انفسنا العام الماضي حول فترة زيادة التدريبات في اوروبا الشرقية هو: ما افضل مكان لتخزين المعدات بشكل فعال". بحسب فرانس برس.

وذكرت صحيفة نيويورك تايمز هذا الشهر ان البنتاغون سيقوم بتخزين دبابات وعربات مشاة قتالية وغيرها من المعدات الثقيلة اضافة الى 5000 جندي في العديد من دول البلطيق واوروبا الشرقية. ووصفت الصحيفة هذه بانها "خطوة مهمة لردع اي عدوان روسي محتمل في اوروبا" وقالت انه في حال الموافقة على الخطة فانها ستكون المرة الاولى منذ الحرب الباردة التي تنشر فيها الولايات المتحدة مثل هذه المعدات في دول اعضاء في الحلف الاطلسي كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي.

سيناريوهات عسكرية

على صعيد متصل اتهم وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو الولايات المتحدة بإعداد "سيناريوهات" عسكرية بالقرب من حدود روسيا قال إنها مبعث قلق بالغ. ونقلت وكالة انباء انترفاكس عن شويجو تعبيره عن الدهشة من كلمة ألقاها وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاجل وقال فيها إنه يجب على القوات المسلحة للولايات المتحدة "أن تتعامل مع روسيا ... بجيشها الحديث ذي القدرات الكبيرة على أعتاب حلف شمال الأطلسي."

ونسبت إنترفاكس إلى شويجو قوله "نظرية تشاك هاجل عن ضرورة أن يتعامل الجيش الأمريكي مع القوات المسلحة الروسية الحديثة وذات القدرات الكبيرة على أعتاب حلف الأطلسي أمر يبعث على القلق البالغ." واضاف قوله "هذا دليل على ان البنتاجون يعد سيناريوهات للقيام بعمليات على حدود بلادنا." ولم يقل شويجو ما الذي يعتقد ان الجيش الأمريكي يخطط للقيام به.

في السياق ذاته حذر اخر رئيس للاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشيوف من نشوب نزاع مسلح في سياق "حرب باردة جديدة" اعلنت بين الروس والاميركيين. وقال غورباتشيوف (83 عاما) في مقابلة اجرتها معه وكالة انترفاكس ان "اميركا تاهت... وتجرنا معها". واضاف الرئيس السابق الذي اطلق سياسة البيريسترويكا غير ان عهده شهد تفكك الاتحاد السوفياتي ان "الولايات المتحدة جرتنا الى حرب باردة جديدة في سعيها على الملأ للمتابعة في خطها الجوهري القائم على الثقة المفرطة في الانتصار". وتابع "الى اين سيقودنا ذلك جميعا؟ الحرب الباردة اعلنت. ماذا بعد؟ لا يسعني للاسف ان اجزم بان الحرب الباردة لن تقود الى حرب حقيقية، اخشى ان يقوموا بهذه المجازفة".

أوباما و توتر العلاقات

الى جانب ذلك وسع الرئيس الأمريكي باراك أوباما العقوبات الاقتصادية على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية لكنه نفى تلميحات إلى أن التوتر المتزايد في العلاقات الثنائية سيشكل بداية حرب باردة جديدة بين البلدين. وأعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في تحرك منسق بدقة عقوبات محددة جديدة على المصارف الروسية وشركات الطاقة وصناعات الدفاع.

وقال أوباما في البيت الأبيض إن العقوبات سيكون لها "تأثير على الاقتصاد الروسي أكبر مما نراه في الوقت الحالي". وتحاول واشنطن عبر هذه العقوبات إجبار موسكو على وقف دعمها للانفصاليين. وقال أوباما إن العقوبات الجديدة هي إشارة على ان "صبر أوروبا بدأ ينفد من كلمات بوتين المعسولة التي لا تواكبها أفعال." وأعرب مسؤولون أمريكيون رفيعو المستوى عن قلقهم المتعاظم من حشد عسكري روسي على الحدود مع شرق أوكرانيا واستمرار مد المقاتلين الانفصاليين بالأسلحة الثقيلة.

ولكن هناك مؤشرات على أن هذه العقوبات لم تجبر بوتين -حتى الساعة على الأقل- على التراجع عن مواقفه رغم ضررها على الاقتصاد الروسي. وقال أوباما للصحفيين "إنها ليست حربا باردة جديدة. المسألة تتعلق بموضوع محدد للغاية متصل بعدم رغبة روسيا الاعتراف بقدرة أوكرانيا على شق طريقها بنفسها." لكن على الرغم من ذلك لا يبدو أوباما ميالا إلى تقديم أسلحة فتاكة لأوكرانيا وأشار إلى أن الجيش الأوكراني "أفضل تسليحا من الانفصاليين" وأن المسألة المطروحة للبحث هي "كيف نمنع سفك الدماء في شرق أوكرانيا."

من جانب اخر وعد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتعزيز الدعم العسكري للدول الأعضاء بحلف شمال الأطلسي من شرق أوروبا والتي تخشى أن تكون الهدف القادم بعد تدخل الكرملين في أوكرانيا. وكشف أوباما -الذي يقول منتقدوه في الداخل إن زعامته على الساحة العالمية ليست بالقوة الكافية -النقاب عن خطط لانفاق ما يصل إلى مليار دولار لدعم وتدريب القوات المسلحة لدول حلف الأطلسي التي لها حدود مع روسيا.

وقال البيت الأبيض أيضا إن الولايات المتحدة ستراجع توزيع القوات الدائمة في أوروبا في ضوء الأزمة الأوكرانية رغم ان ذلك لم يصل إلى حد التزام واضح بوضع قوات على الأرض تطالب بها بولندا وبعض جيرانها. وسيكون من الصعب للغاية نشر قوات دائمة في شرق أوروبا اذ ستعترض كثير من دول غرب أوروبا الاعضاء بالحلف على تكلفة هذه العملية وقد تدفع اي زيادة كبيرة للقوات الأمريكية إلى خطوات مقابلة من موسكو ويتصاعد الأمر إلى سباق تسلح.

وقال أوباما "علينا التأكد من ان الدفاع المشترك...قوي ومستعد ومجهز على نحو ملائم." وأضاف "تفخر الولايات المتحدة بأن تتحمل نصيبها في الدفاع عن الحلف عبر الأطلسي..انه حجر الزاوية في امننا." لكنه قال إنه يجب على دول الحلف الأخرى ان تتحمل نصيبها أيضا. ولم يستطع كثير من هذه الدول تحقيق الهدف الذي وضعه الحلف بانفاق اثنين في المئة من الناتج المحلي الاجمالي على الدفاع. وأوضح أوباما "لا نستطيع عمل ذلك بمفردنا."

اضف تعليق