اتخذ مجلس الأمن مؤخرا حزمة عقوبات دولية ضد كوريا الشمالية بسبب برنامجها النووي وإطلاقها لصواريخ بالستية، سبق ذلك أحاديث سياسية متزايدة خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية مفادها أن شفا الحرب على كوريا الشمالية اقترب.

وفي جانب آخر تطرح خيارات تريد إبعاد شبح الحرب لأن أي احتكاك يعني حربا نووية مدمرة وخاصة أن مبدأ قدرة الردع النووي أصبحت موضع شك دفعت لحالة سباق تسلح أشبه بما حصل في الحرب الباردة، مع إختلاف أن ترامب ليس جون كينيدي، وكيم جونغ اون ليس نيكيتا خروتشوف، فالأول قطب عقارات ثري لم يشتغل في السياسة، والآخر سلطوي شاب لم يسبق له أن التقى أبداً برئيس دولة أخرى.

والسجال بينهما وصل إلى إستخدام استيعاب الضربة الأولى أو التهديد بها، هذا الخيار يعرض ملايين الأرواح للخطر ودمار بشري محقق. وهذا المشهد أحد القيود الواردة على الحرب الأمريكية مع بيونغ يانغ. لاسيما عندما تكون الخيارات العسكرية ماخلا النووية غير فاعلة وليست واردة مع منهج تفكير القيادة الكورية وردود أفعالها إزاء تلك الخيارات العسكرية، والتي ستكون ردود نووية تجاه كوريا الجنوبية واليابان وأهداف أمريكية محتملة أخرى.

الواقع مشهد الحرب النووية يجب أن لا يناقش كخيار أمريكي، وأيضا الاستمرار بشن حرب كلامية يكون بمثابة تصعيد للتوتر في شبه الجزيرة الكورية، وأي ضربة عسكرية غير نووية لا ينبغي أن تكون خياراً حتى تُستنفد جميع الخيارات الأخرى.

وفي حالة كوريا الشمالية، هناك عدة خيارات يمكن أن يلجأ إليها المجتمع الدولي وهي:

أولاً: تشكيل فريق عمل أو لجنة مشتركة من قبل مجلس الأمن على غرار 5 +1 الذي تشكل كفريق مفاوض مع إيران وجلوسه على طاولة المفاوضات، لفتح قنوات أتصال سرية في مكان محايد للتفاوض مع كوريا الشمالية وإشعار بيونغ يانغ أنها ليست معاقبة للنهاية، مع إبقاء القيود والعقوبات الحالية فاعلة ومطبقة على كوريا الشمالية.

‎ثانيا: إذا رفضت كوريا الشمالية خيار التفاوض حول تجميد السلاح النووي فعلى مجلس الأمن توسيع نطاق العقوبات المفروضة عليها، حتى الآن فإن مجمل هذه العقوبات ليست بالمستوى الذي يجبر بيونغ يانغ على التفاوض لتجميد برنامجه النووي أو وضعه تحت المراقبة الدولية لإستخدامه للأغراض السلمية، فهذه العقوبات أقل بكثير من مما فرضه مجلس الأمن على العراق وإيران وأزمات سابقة، رغم أن آخر حزمة من العقوبات الدولية التي أقرها مجلس الأمن مؤخرا كانت متصاعدة بشكل ملحوظ، مما أثار حفيظة بيونغ يانغ وأعتبرها إعلان حالة حرب ضده.

لكن يبقى لدى مجلس الأمن خيارات لفرض عقوبات أوسع، ولأن الصين تعرقل تطبيق عقوبات صارمة لأنها تعني فرضها على نفسها باعتبارها من داعمي كوريا الشمالية. ولهذا إذا ما امتنعت الصين عن الإلتزام بتنفيذ العقوبات، فهنا تستطيع واشنطن التحرك ومصادرة أصول الصين المالية في الدول الأخرى والتي تمكن بيونغ يانغ من التهرب من العبء الكامل للإجراءات المالية.

فكل الخيارات المتعلقة بالعقوبات، لا شيء منها سينجح دون ممارسة مزيد من الضغوط على الصين التي تتهرب وتتردد من المسؤولية عن الإلتزامات التي تعهدت بها رسميا ضد بيونغ يانغ، فحجم التسهيلات والتبادل التجاري لبيونغ يانغ مع الصين يبلغ نحو 90% رغم العقوبات المتفق عليها والمفروضة من قبل الأمم المتحدة، فلا يزال قدر كبير من هذا النشاط الإقتصادي مستمراً. ويجب أن تنطوي إجراءات الضغط على الصين وبنوكها ووضع عقوبات وغرامات وتجميد أصول في كل الفروع الخارجية وفي الولايات المتحدة والدول الحليفة معها.

ثالثا: يعتمد نظام كوريا الشمالية في تمويل نفسه من العملة الصعبة على مواطنيه المغتربين في دول العالم المختلفة ويضغط النظام الكوري الشمالي عليهم كعمال سخرة لتحويلات مالية للنظام وأصدر مجلس الأمن قبل أيام عقوبات بترحيل العمالة الكورية الشمالية من أعضاء منظمة الأمم المتحدة، ورغم قساوة الإجراء لكنه يعد خيار ناجع وهناك شكوك بإلتزام دولي بتطبيقه مما يمنح فرص البقاء وتوفير أوكسجين مالي لبيونغ يانغ.

رابعا: رغم حق كوريا الشمالية بإنتاج السلاح النووي لكن قيادة البلد ووضعية النظام السياسي الشمولي تجعل هذا الحق مُعرضا للمنطقة والعالم إلى الخطر ويبقى ذنب إضطهاد الشعب الكوري الشمالي مرتبط بخطوات النظام التصعيدية في هذا السياق، فلابد من تجنب حرب نووية أو استمرار تهديدات تعريض منطقة شبه الجزيرة الكورية للخطر، وأفضل الحلول هو العمل داخل مجلس الأمن كحلفاء لمواجهة التهديدات الكورية الشمالية بشكل منسق، وفي حين أن العقوبات الإقتصادية لم تثبت فعاليتها، إلا أنها لم تستنفذ وتختبر بعد، ولحسن الحظ فقد تبنى مجلس الأمن الدولي ثلاث دورات من هذه العقوبات خلال عام 2017، بما فيها الإجراءات الهامة التي اتخذت قبل أكثر من شهر. لكنها تنتظر التطبيق وحسن نية الصين وروسيا.

خامسا: يجب اغتنام فرصة مد يد الرئيس الكوري الشمالي لكوريا الجنوبية وعرضه للحوار معها فيما يخص دورة الألعاب الشتوية في سيئول لفتح قنوات اتصال أوسع، فطالما أن كل الأطراف المعنية تفضل حلاً سلمياً للأزمة، فيجدر بها دعم هذه الخطوة ومحاولة عدم ضياع هذه الفرصة، ورغم أن بيونغ يانغ لديها سجل سيء من حيث المصداقية والإلتزام بالمفاوضات والإتفاقيات وعدم احترام الحوار، لكنها قد ترغب في التفاوض هذه المرة لأنها استشعرت على ما يبدو أن العقوبات المتخذة والتدابير التي ستتخذ ضدها قد تضر باستقرار النظام السياسي وتؤتي أكلها.

أخيرا نقول، لا زالت كوريا الشمالية تمثل تهديدا محتملا باستخدام السلاح النووي في أي لحظة والرد سيكون نوويا حتما، وإبداء وإثارة القلق والاستنكار الدولي الواسع لا يكفي لمواجهة تهديدات بشأن احتمال إندلاع حرب نووية تعرض حياة الملايين للخطر. فالحرب الكلامية ليست وسيلة دقيقة ولا مساعدة للتعامل مع التحديات الدولية المعقدة.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2018Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق