q
أجرت شركة تجربة المرحلة الأولى للتأكد من سلامة هذا النهج في الأشخاص المصابين بمرض الاضطرابات الهضمية السيلياك، الذين تبالغ أجهزتهم المناعية في ردة فعلها تجاه الغلوتين الموجود في الخبز والأطعمة الأخرى. ولم يعانِ المرضى أي آثار جانبية خطيرة، وأشارت النتائج إلى أن العلاج قلل الأعراض...

تعمل اللقاحات على تعزيز جهاز المناعة ضد غزو العوامل الممرضة. ولكن في أمراض المناعة الذاتية، يكون الجهاز المناعي هو العدو. فقد اكتشف العلماء الآن طريقة لإخماد استجابة التدمير الذاتي هذه في الفئران، وذلك بربط السكريات بالجزيئات التي تُحفِّز الخلايا المناعية. هذا «اللقاح العكسي»، الذي أعلن عنه في سبتمبر 2023 في مجلة نيتشر بيوميديكال إنجينيرنغ (نيتشر للهندسة الطبية)، يمكن أن يؤدي إلى طرق جديدة لمكافحة أمراض المناعة الذاتية مثل التصلب المتعدد Multiple sclerosis (اختصاراً: المرض MS) والذئبة Lupus.

يقول لورانس ستاينمان، اختصاصي المناعة العصبية من جامعة ستانفورد للطب، والذي لم يكن مشاركاً في الدراسة: «إنه عمل قوي». ويقول إن هذا العمل يقدم «طريقة جديدة رائعة» لنزع فتيل الهجمات المناعية المدمرة للذات. ولكن شتاينمان وآخرين يحذرون من أن العديد من الطرق الواعدة الأخرى لترويض جهاز المناعة في أمراض المناعة الذاتية قد تعثرت.

يستجيب الجهاز المناعي للجزيئات – أو أجزاء منها – المعروفة بالمستضدات. في معظم الأحيان تأتي من الغزاة الخطرين مثل الفيروسات والبكتيريا. ولكن بعض الخلايا المناعية تتفاعل مع المستضدات الذاتية Self-antigens، وهي جزيئات من خلايانا. وفي أمراض المناعة الذاتية، تنقلب هذه الخلايا المناعية المضللة ضد أنسجة المريض نفسه.

لأكثر من 50 عاماً، ظل الباحثون يحاولون إيقاف هذه الحرب الداخلية بمحاولة تحفيز الجسم لاستعادة قدرته على تحمل المستضدات الخاصة به. فقد نجحوا في حيوانات التجارب. في الفئران التي تعاني حالة تشبه المرض MS تسمى التهاب الدماغ والنخاع المناعي الذاتي التجريبي Experimental autoimmune encephalomyelitis (اختصاراً: المرض EAE)، على سبيل المثال، يهاجم الجهاز المناعي المايلين Myelin الذي يعزل الأعصاب. وحقن أجزاء من بروتين المايلين في القوارض يحفز أجهزتها المناعية على عدم مهاجمة المايلين. ولكن لم تحقق أي من استراتيجيات تحفيز التحمل Tolerance-inducing strategy نجاحا جيداً في البشر يكفي للحصول على الموافقة لاستخدامها كعلاج.

كان فريق بقيادة مهندس المناعة Immunoengineer جيفري هوبل، واختصاصي المناعة Immunologist أندرو تريمين، والمهندسة الطبية راشيل والاس من جامعة شيكاغو ، يستكشفون نهجاً جديداً: توجيه المستضدات الذاتية المحتملة إلى الكبد. فهذا العضو بالغ الأهمية لتعزيز التحمل. وتلتقط الخلايا المناعية هناك المستضدات الذاتية ثم تكبح الخلايا التائية التي قد تستهدف هذه الجزيئات. وتوصل الباحثون إلى طريقة لتوجيه المستضدات إلى الكبد عن طريق ربطها بسلسلة من السكريات.

عندما يحقن الباحثون بروتين بياض البيض في الفئران، فإنه عادة ما يحفز ردة فعل مناعية قوية. ولقياس قدرة نهجهم، تساءل هابل وزملاؤه أولاً عما إذا كان بإمكانهم الحد من هذه الاستجابة. حقن الفريق البروتين في الفئران ثم أعطى الحيوانات ثلاث جرعات من المستضد المرتبط بسلسلة من السكر. وعندما حلّل العلماء، في وقت لاحق، العقد الليمفاوية Lymph nodes والطحال Spleen لدى القوارض، وجدوا أن اللقاح العكسي أزال الخلايا التائية التي تستهدف البروتين وكبحها. يقول والاس: «تعمل جميع هذه التغييرات معاً لإعادة التوازن المناعي».

لكن الاستجابة المناعية لبروتين البيض ليست ردة فعل مناعية ذاتية. لذلك قام الفريق بعد ذلك بالتحقيق فيما إذا كان هذا النهج قد نجح ضد المرض EAE، والذي يمكن للباحثين تحفيزه في الفئران. ووجد العلماء أن لقاحا معكوسا يتكون من سلسلة سكرية تحمل جزءا من بروتين المايلين يحول دون إصابة الفئران بالمرض. كما أن مجموعة مستضد السكر التي استهدفت بروتيناً مختلفاً من المايلين حالت دون حدوث انتكاسات في الفئران باستخدام نسخة من المرض EAE تشبه شكلاً من أشكال المرض MS الذي تشتد أعراضه وتخف.

ويقول هابل إن قدرة اللقاح العكسي على إيقاف استجابة مستضد معين تجعله بديلاً واعداً لعلاجات المناعة الذاتية الحالية، والتي تعمل على قمع جهاز المناعة على نطاق أوسع وتترك المرضى عرضة للإصابة بالعدوى والسرطان.

يقول أيه. إم. رُستمي، طبيب الأعصاب واختصاصي المناعة العصبية من جامعة توماس جيفرسون: «إن الطريقة التي يستخدمونها واعدة ومن المحتمل أن تؤدي إلى قدرة أفضل على التحمل»… لكنه يشير إلى أن أحد أسباب فشل المحاولات السابقة لتحفيز التحمل هو أن الباحثين لا يعرفون أي المستضدات الذاتية هي التي تتعرض للهجوم. ويقول إن استراتيجية اللقاح العكسي لا تتغلب على هذه المشكلة. «هل هذا النهج قابل للتطبيق على الأمراض البشرية التي لا نعرف فيها المستضد بالتحديد؟ في الواقع لا نعلم ذلك».

ويعرب جان باكنر، عالم المناعة من معهد بينارويا للأبحاث، عن أفكاره المختلطة حول النهج الجديد. ويصفها بأنها «خطوة أولى جيدة»، لكنه يضيف قائلا إن الآليات التي تنتج التحمل لا تزال غير مفهومة بشكل جيد.

مؤخراً، أجرت شركة -شارك هوبل في تأسيسها- تجربة المرحلة الأولى للتأكد من سلامة هذا النهج في الأشخاص المصابين بمرض الاضطرابات الهضمية السيلياك، الذين تبالغ أجهزتهم المناعية في ردة فعلها تجاه الغلوتين الموجود في الخبز والأطعمة الأخرى. ولم يعانِ المرضى أي آثار جانبية خطيرة، وأشارت النتائج إلى أن العلاج قلل الأعراض. أطلقت الشركة الآن دراسة المرحلة الثانية على مرضى الاضطرابات الهضمية لجمع المزيد من البيانات حول الفعالية، إضافة إلى تجربة المرحلة الأولى لتركيبة قائمة على المايلين في المرضى الذين يعانون المرض MS.

ويقول ستاينمان إنه لا يزال يتعين علينا أن نرى ما إذا كان هذا النهج سيحقق أخيراً الهدف الذي طال انتظاره وهو تحفيز التحمل لدى المرضى. ويتابع قائلا: «لكنني آمل بأن يتوصل شخص ما في يوم من الأيام إلى العلاج المرجو وتغيير العالم».

* المصدر: بقلم: ميتش ليسلي، مجلة العلوم
https://oloom.aspdkw.com/

اضف تعليق