تعددت صور الجرائم الإرهابية في العراق والعالم وطالت بلظى نارها مختلف فئات وشرائح المجتمع العراقي، وكان للنساء والأطفال النصيب الأوفر منها، لا سيما جرائم الاعتداء الجنسي بمختلف صوره، وهذه الجرائم تعد وبحسب معاهدة روما أو النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية جريمة إبادة جماعية وفق المادة (8)، فقد مارست عصابات داعش الإرهابية دوراً سلبياً مدمرا وارتكبت جرائم يندى لها جبين الإنسانية غداة سيطرتها على بعض المحافظات العراقية لاسيما محافظة نينوى، إذ اضطهدت الأقليات العرقية والدينية هنالك وانتهى الأمر إلى استرقاق عدد كبير من الفتيات والنساء ونسبة كبيرة من تلك الفتيات هن من القاصرات اللواتي لم يبلغن الحلم بعد، ورافق ذلك تعنيفهن جنسياً بالاعتداء على شرفهن.

وللأسف إلى اليوم هذه الجرائم لم تحظى بالاهتمام الذي يرقى إلى خطورتها أو على الأقل يتم رعاية الضحايا داخلياً أو دولياً، فلم تتبنى أي جهة كفالتهن أو تعويضهن عما ارتكب بحقهن، كما لم تتبلور أي محاولات جادة لتخليص الأخريات اللواتي لازلن بيد التنظيمات الظلامية، لهذا نحن اليوم بحاجة إلى وقفة وطنية جادة للتقليل من الآثار السلبية التي انعكست على حياة شرائح اجتماعية واسعة في العراق وبالأخص في المحافظات التي طالها العدوان الإرهابي كمحاولة التقليل من معانتهن ومعالجة المشاكل اللواتي يعانين منها، وبعكس ذلك ستتراكم هذه الآثار وستلقي بضلالها على الأجيال القادمة.

وما يزيد من خطورة الأمر إن اغلب الضحايا تتحاشى الإبلاغ عن الجرائم التي ارتكبت ضدها لأسباب اجتماعية أو عائلية أو خشية انتقام الجماعات المسلحة منها ومن أفراد أسرتها ما سيضيع معالم وأدلة العشرات بل المئات الجرائم غير الإنسانية التي ارتكبت على الأرض العراقية.

وقد تنوعت الجرائم المرتكبة بحق الإناث جنسياً وجميعها تندرج تحت مصطلح العنف الجنسي إذ استخدم هذا الشكل من أشكال العنف للبطش بالسكان الأصليين ولبث الرعب في نفوسهم وتشريدهم من مناطق سكناهم أي إن العصابات الإرهابية استعانت بالجنس كعامل طرد لإفراغ مناطق معينة من ساكنيها، وفي الوقت عينه شكل العنف الجنسي الممنهج عامل جذب لعدد غير قليل من الرجال والنساء المحليين والأجانب الذين التحقوا بصفوف داعش بدافع جنسي لإشباع الغرائز الحيوانية للبعض من الشاذين جنسياً بارتكاب الاعتداء على النساء بحجج دينية واهية كما التحقت العديد من النساء لاسيما من الدول الغربية ومن شمال أفريقيا وتونس بالتحديد بهذا التنظيم المتطرف بدافع جنسي أيضاً عندما استطاع التنظيم المتطرف ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي من جذب الآلاف من النساء والفتيات بحجج ممارسة نوع من الجهاد الجنسي الذي ما انزل الله به من سلطان.

وأكدت تقارير الأمم المتحدة إن التنظيم المتطرف استطاع بواسطة بعض الأطباء من التلاعب بالهرمونات الأنثوية لعدد غير قليل من الفتيات القاصرات في العراق وسوريا للتعجيل بنمو أعضائها التناسلية ولهذا الفعل من الناحية العلمية آثار طبية جانبية غاية بالسلبية على حياة الأنثى في المستقبل، كما إن التنظيم المتطرف دعا في أدبياته إلى الزواج من قبل مقاتليه بأكثر من امرأة وذلك في محاولة منه لإنجاب جيل جديد يحمل أفكاره ولإطالة أمد بقائه في المنطقة من خلال نقل أيدلوجيته التكفيرية إلى أكبر عدد ممكن من الأطفال ما دعانا للقول إن التنظيم يستخدم نوع جديد من الأسلحة الفتاكة باستغلال الجنس لنشر أفكاره وتجنيد مقاتلين وتوفير المحفزات لهم بالعزف على وتر ملذاتهم وشهواتهم.

ومن بين أخطر أشكال الجرائم الجنسية بحق الإناث في العراق الاسترقاق وبيع النسوة في سوق نخاسة داخل العراق ونقل البعض إلى سوريا وبيعها هناك، وهو يعني بحسب معتقدات هذا التنظيم الإرهابي "الاسترقاق الجنسي" أي إباحة الاعتداء الجنسي على الفتاة بلا أي رادع، وانتشر في بعض المحافظات العراقية الزواج القسري من مقاتلي التنظيم المتطرف والغالبية العظمى من هؤلاء من الأجانب سواء العرب أو غيرهم.

كما استغل التنظيم الاتجار بالجنس واختطاف النساء وإطلاق سراحهن بفدية مالية لتمويل عملياته الإرهابية، وفرض على النساء شكل معين من الباس وقيد حريتهن في الحركة والتعليم، ما يعد بجيل من النساء الأميات اللواتي يسهل التأثير على إرادتهن وإخضاعهن لمقاصد الإرهاب الخبيثة، وفي الوقت عينه تمثل هذه الممارسات اعتداء سافر ومصادرة لحقوق النساء وحرياتهن المكفولة سماويا وقانونياً على جميع الأصعدة داخلياً ودولياً.

وفاقم هذه المشكلة السكوت المطبق محلياً ودولياً، ولم يشهد هذا الملف سوى بعض المطالبات على المستوى الفردي، إذ لم نجد معالجة حقيقية أو على الأقل خارطة طريق تبادر لطرحها الحكومة العراقية أو البرلمان العراقي ما يحملهما مسؤولية تاريخية، كما إن المجتمع الدولي بكل دوله ومنظماته الدولية المعنية بحقوق الإنسان لم تتخذ موقفاً جدياً في هذا الملف، ما يعني إن النظام العالمي يتحمل هو الآخر جزء من المسؤولية الأخلاقية والإنسانية لاسيما تلك الدول التي بادرت إلى إدانة الصراع الدائر بالمنطقة وفي سوريا على وجه التحديد بحجة انتهاك حقوق الإنسان في الوقت الذي تتناسى تلك الدول إن المساعدات التي تقدمها لبعض الجماعات المسلحة المناوئة للحكومة تتسبب في انتهاكات خطيرة لملف حقوق الإنسان وتزيد من فرص الاعتداءات على النساء جنسياً.

أما المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة فهي الأخرى بكل أجهزتها ودوائرها لم تنهض بالدور المنوط بها، إذ تحاشت وفي أكثر من مناسبة أن تتخذ دوراً أكبر من دورها الإعلامي المتمثل بالإدانة والاستنكار وتغمض عينها إزاء تلك الجرائم التي تنتهك كل القواعد القانونية الدولية كونها جرائم إبادة جماعية بكل ما للكلمة من معنى وتهديد حقيقي للسلم والأمن الدوليين، فلازلنا ننتظر من مجلس الأمن قراراً بتشكيل فرق تحقيق محايدة لجمع أدلة عن تلك الممارسات اللاإنسانية وإلزام الادعاء العام للمحكمة الجنائية الدولية بإعداد ملف اتهامي بحق مرتكبي تلك الجرائم سواء أكانوا منفذون أو ممولين أو مساعدين، تجاه اتخاذ قرار ملزم تحت الفصل السابع بتجفيف منابع تمويل داعش بالمقاتلين والأموال لا سيما في بعض دول الخليج التي أعلنت مؤخراً عن فتح باب التبرعات لتنظيم داعش بعد معارك الفلوجة.

فالقرار رقم (2253 لسنة 2015) القاضي بتجفيف منابع تمويل داعش مالياً والذي لم يضع آليات مراقبة حقيقية على الدول التي تساهم في تمويل داعش في السر والعلن بتسهيل تهريب النفط أو الآثار المنهوبة وبيعها في الأسواق العالمية وتسهيل تزويد التنظيم بالأسلحة والأعتدة هو قرار غير كافي للحد من أساليب التنظيم الإرهابية، كما إن العديد من الدول متهمة اليوم بتسهيل تجارة داعش بالرقيق والجنس والبشر والتي يجني من ورائها أموال طائلة.

والجدير بالذكر إن المملكة المتحدة استضافت في حزيران عام 2014 مؤتمر عالمي لإنهاء العنف الجنسي في حالة النزاع المسلح وتعهدت العديد من الدول بالقيام بذلك عبر اتخاذ سلسة من الإجراءات التنفيذية، بيد إن هذه التعهدات بقيت حبراً على ورق ولم يتبع ذلك المؤتمر تحرك دبلوماسي لصياغة مقررات المؤتمر على شكل معاهدة دولية ما جرد نتائجه من كل فائدة عملية، من هنا نجد إن المسؤولية الجنائية عن تلك الجرائم تتحقق وفق القانون العراقي والقانون الدولي ويمكن مساءلة المتهمين بارتكابها أمام المحاكم العراقية وفق القانون الوطني، إذ أورد قانون العقوبات العراقي رقم (111) عقوبات رادعة في المواد (393-394) تصل إلى الحكم بالإعدام بحق المدانين لاسيما إن كان الاعتداء مقترن بظرف مشدد كما لو كانت الأنثى قاصر أو استخدمت القوة والتهديد بالسلاح لتسهيل المواقعة أو ارتكب الاغتصاب من أكثر من شخص واحد.

كما يمكن مساءلتهم أمام المحاكم الجنائية الدولية شريطة أن يكون هنالك تحرك قانوني فاعل برصد أدلة الجرائم وإعداد ملفات استرداد المتهمين القاطنين خارج أرض الوطن وان تعذر ذلك فيمكن محاكمتهم دولياً بوصف ما ارتكبوه جرائم ذات خطر عام على المجتمع العراقي والدولي على حد سواء، كما ينبغي مساءلة كل من تستر على تلك الجرائم لاسيما من وجهاء المناطق الخاضعة لسيطرة الإرهابيين أو السياسيين المدافعين بشيء من الخفاء عن ممارسات داعش عبر معارضة أي تحرك عسكري أو غيره هدفه القضاء على الإرهاب.

ولنا في هذا الصدد بعض التوصيات التي نجملها بالاتي:-

1- الشروع بحملة وطنية شاملة لمكافحة التطرف الديني كي نتمكن في النهاية من تطويق الفتاوى المضللة التي تسوغ الاعتداء على النساء وشرفهن وبذلك يتم سحب البساط من تحت أرجل المتاجرين بالفتاوى التكفيرية وإنهاء الهالة الدينية المزيفة التي وصفوا بها أعمالهم.

2- التأكيد على الدور الحاسم للمؤسستين الدينية والعشائرية في المحافظات التي شهدت تمدد الإرهابيين وتذكيرها بدورها الأخلاقي والشرعي في مواجهة الفكر الضال الذي أخذ يعشعش في أذهان الأجيال الصاعدة بفعل النفعيين من السياسيين الذين ركبوا موجة الطائفية للحفاظ على مكتسباتهم السياسية والمادية.

3- ضرورة تشكيل لجان قضائية برئاسة قضاة أكفاء ومحققين لغرض جمع الأدلة والتحري عن جميع جرائم تنظيم داعش بشكل عام والجرائم الجنسية بشكل خاص ووضعها أمام المحاكم المختصة لتتخذ الإجراءات القضائية الموضوعية بحق الجناة ما يعزز مبدأ سيادة القانون ويرفع من شأن مؤسسات الدولة.

4- حتمية إعادة تأهيل النساء من ضحايا الاعتداءات الجنسية لتنظيم داعش وغيرها وإعادة إدماجهن في المجتمع من جديد بشكل طبيعي لتذويب الآثار السلبية التي خلفتها تلك الجرائم في أذهان وأجساد الضحايا، ولابد للحكومة العراقية من أن تأخذ زمام المبادرة بالتأسيس للجنة وزارية عليا تقوم بتعويض النسوة مادياً ومعنوياً وتسهيل إجراءات الاندماج من خلال إيجاد فرص عمل لهن ومصدر معيشة ثابت، وعلى الحكومة أن تعرف المجتمع الداخلي والدولي بالظلم الذي لحق بهن والانتهاك السافر لكل القيم الإنسانية والدينية والقانونية.

5- على الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية بملف حقوق الإنسان أن تقوم بدورها الطبيعي بمد يد العون لتلك النسوة والفتيات على جميع الأصعدة وبالأخص تبني برنامج لمعالجة الآثار النفسية التي خلفها السلوك العنيف والاعتداء النفسي والجسدي ضدهن.

6- يجب مواجهة الفكر المتطرف بفكر معتدل يحترم حقوق والإنسان وحرياته ويحفظ كرامته للقضاء على مقومات استمراره المتمثلة ببعض الدول الداعمة له في المنطقة والتي تتبنى بعض الجماعات الإرهابية علانية أو سراً وتمد إليها يد العون وتسوغ لجرائم الإرهاب عبر سلسة طويلة من الأدوات والوسائل ومنها مد الإرهابيين بالمال والسلاح والفتاوى المضللة وإدارة مواقع الإرهاب الاليكترونية واستضافة قنوات التحريض على الكراهية التي تبث أفكار التطرف وغيرها من الوسائل، بل إن العديد من هذه الدول تمد العصابات الإرهابية بالمساعدات الاستخبارية وتدرب عناصرها بالخبرة على المستوى العسكري والاليكتروني والمالي.

...................................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

هـ/7712421188+964
http://ademrights.org
[email protected]

اضف تعليق