q
إنسانيات - حقوق

التنمية وحقوق الإنسان

عالم اليوم هو غير عالم الأمس، وعالم الغد سيكون مختلفاً تماماً بفعل الطور الرابع للثورة الصناعية، إذْ لا يمكن إنجاز أهداف التنمية، من دون ثقة وشراكة لبناء معرفة نقدية، من خلال القوانين والسياسات وتبادل المعلومات، بما يوسّع الأفق، ويجعل الحكومات والقطاع خاص والمجتمع المدني، وجميع الفاعلين، يعملون على الأهداف نفسها، بتناغم إيقاعاتهم...

تمهيداً للاحتفال بالذكرى اﻟ75 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، نظّم المعهد العربي لحقوق الإنسان وجامعة الدول العربية، ندوة إقليمية في القاهرة، تحت عنوان «تعزيز المشاركة والتعاون للتمتّع بالحق في التنمية وضمان حقوق الإنسان».

فما هو مفهوم التنمية، وما هي فلسفتها؟ وكيف السبيل لضمان حقوق الإنسان؟ وبقدر ما يبدو التفريعان منفصلان، إلّا أنهما مترابطان بشكل عضوي، وقد اتّسع النقاش بشأنهما بعد انتهاء الحرب الباردة، بتأكيد أن لا تنمية حقيقية من دون مشاركة فاعلة من المجتمع المدني، ومن القطاعات غير الحكومية، إضافة إلى القطاع الخاص.

والتنمية مثلّث متساوي الأضلاع، ويُعبّر كلّ ضلع منه عن الأبعاد الثلاثية، نظراً لتداخلها وترابطها، وهذه الأبعاد هي: اقتصادية واجتماعية وثقافية، ويمكن إضافة البعد البيئي نظراً لأهميته وخصوصيته.

ويُمكن القول إن هناك مفهومين للتنمية؛ الأول: المفهوم الضيّق، وهو المفهوم التقليدي المتداول، والمقصود به «النمو الاقتصادي»، أو «التنمية الاقتصادية»، وهو ما عكسته الثقافة الاقتصادية، التي تكرّست منذ آدم سميث وريكاردو وصولاً إلى كارل ماركس.

الثاني: المفهوم الواسع، الذي يستند إلى فكرة التنمية الإنسانية بأبعادها الشاملة، وابتدأ هذا المفهوم يتعزّز، خصوصاً بعد الأزمات الاقتصادية العالمية، سواء أزمة 1929 – 1933، أو أزمة السبعينات، وصولاً إلى أزمة الرهن العقاري، وانهيار مؤسسات مصرفية عملاقة عام 2008، وما بعدها.

وإذا كانت الشرعية تعني رضا الناس، وتقديم منجز حقيقي لهم، فإن المشروعية تستند إلى حكم القانون، الذي يتجسّد بالعلوية الدستورية، حيث تندرج فيها الإدارة العامة الرشيدة (الحوكمة)، كما تذهب إلى ذلك تقارير التنمية الإنسانية المستدامة. ومنذ عام 1977، دخل مفهوم الحق في التنمية في جدول أعمال لجنة حقوق الإنسان.

والتنمية تعني باختصار، «عملية توسيع خيارات الناس»، الذين لهم حق أصيل في العيش الكريم، مادياً ومعنوياً، جسداً وروحاً، ويترتّب على ذلك، شموله على مبدأ المساواة، وعدم التمييز، فضلاً عن الحريّة واحترام الكرامة الإنسانية والمشترك الإنساني، وغير ذلك من الجوانب المعنوية.

وبصدور «إعلان الحق في التنمية» عن الأمم المتحدة في ديسمبر/ كانون الأول 1986، اعتُبرت عملية التنمية حقاً من حقوق الإنسان، وليست مجرّد مطالبات للأفراد والجماعات، أو للحكومات التي قد تستجيب، أو لا تستجيب لتلبية هذه المطالب، «الحقوق».

ولا شك في أن تطبيق هذه القواعد يحتاج إلى بيئة ثقافية وحقوقية حاضنة، ومستوى وعي قادر على تفعيل جوانب التنمية، لاسيّما عبر مشاركة القطاع الخاص، إضافة إلى المجتمع المدني، الذي يمكن أن يكون قوّة اقتراح، لتقديم مشاريع قوانين ولوائح وأنظمة، من خلال آليات وطنية جامعة، تقود في نهاية المطاف إلى عقد اجتماعي جديد، يأخذ في الاعتبار المستجدات والمتغيّرات العالمية، فعالم اليوم هو غير عالم الأمس، وعالم الغد سيكون مختلفاً تماماً بفعل الطور الرابع للثورة الصناعية، إذْ لا يمكن إنجاز أهداف التنمية، من دون ثقة وشراكة لبناء معرفة نقدية، من خلال القوانين والسياسات وتبادل المعلومات، بما يوسّع الأفق، ويجعل الحكومات والقطاع خاص والمجتمع المدني، وجميع الفاعلين، يعملون على الأهداف نفسها، بتناغم إيقاعاتهم.

........................................................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق