أقام مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات حلقة نقاشية تحت عنوان "المصالحة الوطنية وحقوق الضحايا...سبايكر مثالا". يوم الأحد المصادف 12/4/2014 وعلى قاعة جمعية المودة والازدهار وبحضور عدد من الباحثين والأكاديميين والحقوقيين.

 وقال احمد جويد مدير المركز في مقدمته: بعد العام 2003 طرقت أسماعنا العديد من المصطلحات ومن بينها مصطلح "المصالحة الوطنية" والتي تأتي ضمن مصطلح التوافق السياسي.

 اليوم وفي ظل الانتصارات التي حققها الجيش العراقي والقوات الساندة له في حربه على الإرهاب نسمع مطالبات كثيرة تدعو للمصالحة الوطنية كشرط للوقوف بوجه الجماعات الإرهابية من قبل جهات سياسية. ومن أهم شروط المصالحة الوطنية التي تدعو لها تلك الجهات هو إقرارا قانون العفو العام الذي تصر على تنفيذه جهة سياسية معروفة، بينما ذوي الضحايا وفي مقدمتهم ضحايا جريمة سبايكر - على سبيل المثال- لم يلتفت احد إلى حقوقهم أو معرفة مصير أولادهم أو الوصول إلى الجناة وتقديمهم للعدالة كمقدمة للمصالحة.

 واستعرض مدير مركز آدم تقرير المفوضية العليا لحقوق الإنسان التي زودت المركز بإحصاءات مرعبة لعدد ضحايا الإرهاب ولمدة العشرة الأشهر الماضية فقط. ومن بين أكثر الضحايا هم ضحايا مجزرة سبايكر والذي بلغ تعدادهم حوالي 1700 ضحية من مجموع 2500 طالب من طلبة القوة الجوية العزل من السلاح، تم عزل الـ(1700) على أساس طائفي. وبعد أن أفرزوهم إلى ثلاثة مجاميع وتم قتلهم ودفنهم في مقابر جماعية وقسم منهم لم يعرف مصيره لحد الآن.

 المجزرة الثانية التي استعرضها التقرير، هي مجزرة سجناء بادوش التي قتل فيها 623 بحسب وثائق المفوضية العليا المستقلة وكلهم من الطائفة الشيعية، فضلا عن أعداد أخرى كبيرة لا يسع الوقت لذكرها في هذه الحلقة النقاشية.

مفهوم المصالحة الوطنية وأهمية العدالة الانتقالية

 الورقة التي قدمها الدكتور حسين احمد التدريسي والباحث في مركز الدراسات الإستراتيجية جامعة كربلاء، وتناول فيها مفهوم المصالحة الوطنية وإمكانية تطبيقها في العراق ونماذج من المصالحة تم تطبيقها في دول عالمية، كما بين فيها المعنى اللغوي والسياسي لمصطلح المصالحة والظروف الأمنية والسياسية التي تستلزم تطبيق المصالحة الوطنية.

وأوضح إنها تعني السعي المشترك نحو إلغاء عوائق الماضي وآلية استمرارها السياسية والتشريعية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتصحيح ما ترتبت عنها من غبن ومآسي وأخطاء وانتهاكات وجرائم جسيمة وتخلي الجميع عن الحلول العنيفة في معالجة الملفات والقضايا المختلف حولها، والنظر بتفاؤل إلى المستقبل.

وهي إستراتيجية تنتهجها الدولة من اجل حل النزاع والخروج من الأزمة التي قد تصيبها جراء أعمال العنف واستعادة السلم والقضاء على الصراعات الداخلية التي يمكن أن تهدد استقرار الدولة من الناحية الإجرائية.

 وتابع الباحث حديثه عن العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية وقال، إنها تشير بشكل عام إلى مجموعة من الأساليب التي يُمكن للدول استخدامها لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان السابقة، وتشتمل على توجهات قضائية وغير قضائية على حد سواء. كما تشتمل العدالة الانتقالية على سلسلةً من الإجراءات أو السياسات مع المؤسسات الناتجة عنها، والتي يمكن أن تُسن في مرحلة تحول سياسي بين مرحلة عنف وقمع إلى مرحلة استقرار سياسي.

 وتكمن أهمية العدالة الانتقالية في انه على أثر انتهاكات حقوق الإنسان، يحقّ للضحايا أن يروا معاقبة المرتكبين ومعرفة الحقيقة والحصول على تعويضات. ولأنّ الانتهاكات المنتظمة لحقوق الإنسان لا تؤثر على الضحايا المباشرين وحسب، بل على المجتمع ككل، فمن واجب الدول أن تضمن عدم تكرار تلك الانتهاكات، وذلك يقتضي إصلاح المؤسسات التي إما كان لها يد في هذه الانتهاكات أو كانت عاجزة عن تفاديها.

وتطرق الباحث إلى المصالحة الوطنية في العراق والشروط اللازمة لتحقيقها. وهي:

1- بناء مواطنة حقيقية وصالحة في العراق.

2- ضمان المساواة بين أفراد الشعب.

3- قيام نظام ديمقراطي تعددي حقيقي يراعي مبدأ المصالحة.

4- ضمان سيادة حكم القانون.

5- دراسة التجارب العالمية التي مرت بهذه المرحلة.

أثر المصالحة الوطنية على حقوق الضحايا

 أما الجانب المتعلق بحقوق الضحايا "المجني عليهم" فقد تناوله الدكتور ضياء عبد الله الجابر/عميد كلية القانون-جامعة كربلاء في ورقته البحثية "حقوق الضحايا" والتي أوضح فيها:

 إن من واجب الدولة أن تحافظ على الأمن والاستقرار في المناطق التي تفرض عليها السيادة وتحمي حياة وأرواح الناس ومن بينهم ضحايا سبايكر حيث تم اعتداء مجموعة إرهابية على مجموعة من الطلبة في مدرسة سبايكر العسكرية. وهي جريمة من جرائم الإبادة لان أعدادهم كبيرة وينتمون إلى فئة معينة من المجتمع. وعلى الدولة أن تأخذ الإجراءات الكفيلة بحق كل من قام بهذا العمل.

 وإن الضحية هو الشخص الذي تم الاعتداء عليه أو على حق من حقوقه وهؤلاء الضحايا تم الاعتداء على أهم حق من حقوقهم وهو حقهم في الحياة. وقد نص قانون العقوبات رقم 111 لعام 1969 وقانون أصول المحاكمات الجزائية النافذ.

 وعن الآلية التي يمكن إتباعها لتطبيق هذا القانون، وأضاف الدكتور ضياء، إن العبرة ليس في النص فقط وإنما في تفعيل هذا النص والإجراءات اللازمة لتطبيقه بدءا من الاستقدام والقبض وإجراءات التوقيف والتحقيق والتفتيش. والمشكلة إن المكان الذي حصلت فيه الجريمة لم يكن خاضعا لسلطة الدولة وكانت تسيطر عليه المجموعات الإرهابية. وبعد أن عادت المدينة إلى سيطرة الدولة عليها أن تشرع في جمع الأدلة والمعلومات واتخاذ الإجراء اللازمة لإلقاء القبض على الجناة وتنفذ بحقه أقصى العقوبات. ومن الجدير بالذكر وضمن قانون العقوبات وقانون المحاكمات الجزائية، الدولة أو الحكومة لا تحتاج إلى تحريك شكوى من ذوي المجني عليهم وإنما يكفي تحصيل الأخبار من مخبر يمكنها أن تتخذ الإجراءات القانونية والاستعانة بالأهالي والأفراد لتقديم الأدلة والمعلومات للجهات المختصة للوصول للجناة.

 وتابع الدكتور ضياء، لكيفية الحصول على التعويضات تتحمل الدولة تعويض ذوي الضحايا سواء شهداء أو مهجرين أو مصابين. ويمكن الإفادة من قواعد القانون الدولي واعتبارها جريمة دولية وتأطيرها بإطار دولي واتخاذ الإجراءات الرسمية للحصول على حقوق الضحايا وذلك لتهدئة الخواطر تمهيدا لحصول عملية المصالحة.

المداخلات

 عدنان الصالحي مدير مركز المستقبل للدراسات والبحوث، ضم صوته إلى صوت الدكتور ضياء في إرضاء ذوي الضحايا، وأوضح إن هذه النقطة تنطبق على جميع ذوي الضحايا في الجرائم الإرهابية التي حصلت بعد 2003 وعلى غرار الجريمة التي حصلت في الدجيل وتلعفر، وكان يجب إن تكون المحكمة الجنائية العراقية العليا مستمرة في هذه المحاكمات، وأضاف الصالحي هناك جريمة أخرى في سبايكر غير جريمة القتل وهي جريمة التنكيل وهي رسالة للانتقاص من شريحة معينة. وتسائل الصالحي: ألا يمكن أن يكون تعويض ذوي الضحايا من ميزانية المحافظات التي حصلت فيها الجريمة؟.

 كما تحدث الدكتور خالد عليوي العرداوي مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية قائلاً: ان المصالحة الوطنية تحصل عندما يحصل انتقال من نظام دكتاتوري إلى نظام ديمقراطي والانتقال من مرحلة النفوذ بين المكونات إلى مرحلة الاحترام ثم التعايش، وتسائل الدكتور خالد العرداوي، إذا كانت المصالحة الوطنية لا تنسجم مع مبدأ تحقيق العدالة في ظل وجود آلاف الضحايا وملايين من المهجرين، وإذا لم ننجح في معاقبة الجناة، لا نستطيع طرح فكرة المصالحة. ورفض العرداوي فكرة المصالحة مع الذين ارتكبوا جرائم بعد 2004.

 الدكتور شيت احمد طبيب نفسي ومهجر من تلعفر وبعد مقدمة جغرافية عن مدينة تلعفر وعدد سكانها ومكوناتها. شرح كيف بدء الهجمة على الشيعة في تلعفر بعد أحداث سامراء وتفجير المرقدين العسكريين في سامراء. حيث أسفرت هذه الإحداث عن أكثر من3000 قتيل و500 جريح و250 أرملة. وتحدث شيت عن تجربته في عملية المصالحة الوطنية كونه كان عضوا في لجنة المصالحة في تلعفر، وقال إن المصالحة لن تحصل، وبين إن الحكومة عندما بدأت تعويض ضحايا الإرهاب استطاع السنة أن يحصلوا على تعويضات عن ما يسمى ضحاياهم وهم انتحاريون لدى القاعدة ولم يستطع الضحايا الحقيقيون من الحصول على حقوقهم وذلك بسبب تواطئ الحكومة في الموصل معهم.

 من جانبه قدم الباحث احمد المسعودي من كلية العلوم الإسلامية في كربلاء، عدة تساؤلات للمحاضرين بينها: لماذا تقدم المصالحة الوطنية على حساب حقوق الضحايا وهل إن حقوق الضحايا تتناقض مع مبادئ المصالحة؟ وهل ان المصالحة الوطنية يجب إن تبنى على جثث الأبرياء؟.

 ويرى الشيخ مرتضى معاش إن المصالحة الوطنية مصطلح مثالي وأصبح شعار لا يتحقق. وذلك للاستهانة بحقوق الضحايا قبل وبعد 2003. والحكومة من مسؤوليتها أن تحول دون وقوع هذه الجرائم بتوفير الحماية اللازمة وقد فشلت في ذلك مثلما فشلت في محاربة الفساد حيث جعلت المفسدين من المسؤولين يستفيدون من التحشيد الطائفي لتحقيق مصالح شخصية.

 واقترح معاش تدويل هذه الجرائم واعتبارها من القضايا الدولية عبر حملات إعلامية وحقوقية وسياسية بالتعاون مع منظمات مجتمع مدني عالمية، والسعي لتأسيس محاكم خاصة بهذه الجرائم،  وتأسيس متاحف تجسد وتوثق هذه الجرائم لتبقى حية في ذاكرة التاريخ، لان هدف المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية هو نسيان الكراهية وليس نسيان الجريمة، فهذه الجرائم يجب ان تبقى حية حتى تكون عبرة للجميع ولايعاد تكرارها.

أما الدكتور علاء الحسيني من جامعة كربلاء اقترح في البداية تغيير العنوان من المصالحة الوطنية إلى المصالحة السياسية. وهو يرى إن الإنسان العراقي هو الأكثر تسامحا وتصالحا، لذا نراه يتنازل بسهولة عن حقوقه. وأوضح الحسيني إن البعض بدأ يطالب بالمصالحة لدمج البعثيين من جديد بالمجتمع لذلك التف دعاة المصالحة على الدولة في 2008 واستبدلوا قانون اجتثاث البعث بقانون المساءلة والعدالة الذي كرم البعثيين وأعلى من شأنهم. وبعد ذلك تأسست وزارة الدولة لشؤون المصالحة ومن ثم تحولت إلى لجنة المصالحة التي أتخمت العراق بالندوات والمؤتمرات وبميزانيات طائلة ليس للشعب فيها ناقة ولا جمل بل هي عبارة عن مجاملات بين السياسيين. وأوصى الحسيني في إعادة النظر بقانون المسائلة والعدالة وإعادة النظر في تسمية المصالحة الوطنية إلى سياسية.

 وخرجت الحلقة النقاشية لعدة توصيات منها.

1 تأسيس منظمات دولية مختصة بجرائم الإبادة تقوم بتوثيق هذه الجرائم قانونيا وحقوقيا.

2- تدويل هذه الجرائم واعتبارها قضايا دولية عبر حملات إعلامية وحقوقية وقانونية بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية ذات الصلة.

4- تقديم جميع المجرمين إلى العدالة مهما تكن صفاتهم أو اتجاهاتهم.

5- تعويض ذوي الضحايا بما يتناسب مع حجم الجريمة والضرر المادي والمعنوي الذي لحق بهم.

 

اضف تعليق