ضمن نشاطات ملتقى النبأ الأسبوعي في مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام عقد مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية في كربلاء المقدسة حلقته النقاشية الشهرية تحت عنوان (تحديات عراق ما بعد داعش) وذلك في الساعة العاشرة صباحا يوم السبت الموافق 4/6/2016، ليتناول من خلال ذلك حيثيات تلك المرحلة مع ما بها من اخفاقات وانتكاسات امنية واقتصادية وسياسية ناهيك عن متلازمة الاصلاح والتحرير، الملازمة لدخول داعش الارض العراقية. هذا وقد حضر هذه الندوة عدد من الحقوقيين والباحثين الأكاديميين والإعلاميين والمهتمين.

واكد مدير الجلسة الفكرية الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية باسم عبد عون فاضل الحسناوي "ان إدارة المناطق التي حُرّرت من قبضة تنظيم داعش الإرهابي في العراق هي واحدة من أكبر المعضلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تواجه المعنيين بها وخاصة الحكومة العراقية، تلك الحكومة التي عبأت في السابق كل الموارد ولا زالت تُعبّئها من أجل إخراج التنظيم التكفيري من هذه المناطق، إلا إنها في المقابل لم تحدد برامجها وسياستها لإدارة هذه المناطق ما بعد انتهاء التنظيم والسيطرة عليها".

" فالقوات العراقية في السابق ومن معها من فصائل الحشد الشعبي خاضت معارك طاحنة ضد التنظيم في مناطق كثيرة من العراق، مثل معركة آمرلي وجرف النصر (الصخر سابقاً) ومناطق ديالى وتكريت وغيرها، ولازالت مستمرّة الى اليوم تُطارد هذا التنظيم في محافظة الأنبار ومُدنها المختلفة، هذه المعارك كلها ومن دون شك تمثّل فريقين أحدهما يُمثّل الحكومة العراقية بأجهزتها الأمنية المختلفة، والآخر يُمثّل تنظيم داعش الإرهابي الذي استطاع إن يتغلّغل في شريحة واسعة من المجتمع العراقي مُستغلاّ التباينات الدينية والسياسية وغيرها بين الشريحة المجتمعية التي ينشط فيها".

يضيف الحسناوي "هذه الحرب لاتزال لحد الان صورتها مادية عسكرية خاصة تتمثل في ذلك القتال الشرس في القرى والارياف والمدن وان طرفي النزاع قد استخدما انواع واساليب القتال المختلفة، وان نتائج تلك المعركة تكاد تكون محسومة لصالح الحكومة العراقية لكن تبعاتها مكلفة جدا: اقتصاديا واجتماعيا وبشريا خاصة في المناطق التي يهزم فيها التنظيم".

يكمل الحسناوي " ايضا لا تزال هناك في المناطق التي هُزم بها تنظيم داعش تبعات وتركات توصف أنها بحاجة الى أن تخصص لها الكثير من الموارد والطاقات والعقول لغرض إعادتها الى سابق عهدها قبل مجيء أو بروز هذا التنظيم، لأن بقائها دون معالجة، يعني بقاء تلك العوامل والمحفّزات والمنشّطات التي يمكن لها أن تساعد على نمو وظهور تنظيمات مشابهه لداعش، لذلك مهمة الحكومة العراقية بعد التحرير تتمثل بالآتي:

 اولا: اعادة اعمار المناطق المتضررة من الحرب على داعش

ثانيا: اعادة بناء مؤسسات الدولة ومرافقها المختلفة وتفعيلها في تلك المناطق

ثالثا: التعبئة الدينية لأنهاء التطرف الديني مجتمعيا في تلك المناطق

رابعا: مساعدة سكان تلك المناطق على المشاركة الفاعلة والحقيقية في ادارة الدولة العراقية

بعدها طرح مدير الجلسة السؤال التالي:

ما هو اليوم التالي ما بعد داعش؟

جاءت المداخلات على النحو الاتي:

اوضح الحقوقي احمد جويد مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات "ان اليوم التالي ما بعد داعش هو فعلا حدث في العام 2006، حيث ظهر آنذاك مشروع الصحوات وذلك ما بعد تحرير المناطق الغربية من سطوة القاعدة، لذا يجب التركيز على الحشد العشائري واعطائه دور اكبر امنيا واقتصادية واجتماعيا في مناطقه، اضف الى ذلك ان ذلك العنوان سيشكل مادة استخباراتية ومادة لحفظ الامن ويمكن ان تنبثق منها كتلة سياسية، وحينذاك سيكون لتلك الشخصيات قراءة تنسجم مع استقرار الدولة العراقية، وان جهود الحشد العشائري تكاد تتقارب الى حد كبير مع مفهوم الحشد الشعبي ولا تتقاطع معه ".

من جهته قال الاستاذ حامد عبد الحسين خضير الباحث الاقتصادي والحاصل على شهادة الماجستير "ان من المتعارف عليه في العام 2015 صدر قانون لتكوين صندوق لإعادة اعمار المناطق المتضررة في العراق وتم تخصيص 500 مليار دينار عراقي لهذا الهدف، لكن وزارة التخطيط قدرة المبالغ بـ اثنين ترليون دينار عراقي، ولك ان تتصور مدى العجز الكبير بين الرقمين، وهناك ايضا من يتحدث عن 45 مليار دولار امريكي لإعمار المناطق المتضررة"، يضيف خضير "بالمقابل ان انخفاض أسعار النفط سيحتم على الدولة العراقية اللجوء الى الاقتراض من صندوق النقد الدولي، هذا مما يجعل من العراق يدخل في نفق المشروطية ورهن اقتصاده بالمؤسسات المالية العالمية، وهناك دعوات مستمرة لتطبيق مشروع مارشال من اجل كسب الولاءات وخلق قاعدة جديدة لتفقيس اجيال متطرفة".

من جانبه الدكتور قحطان الحسيني الباحث في مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية "قال ساعد الله الحكومات العراقية المقبلة والتي ستكون مهمتها معقدة وصعبة الى ابعد الحدود، لاسيما وان ما بعد داعش ستكون هناك حروب تسمى بحروب الافكار عكس حروب الجيوش، ايضا لابد ان نفهم ما هي طبيعة المجتمع السني وتركيبته وافكاره وثقافته وهو الحال بطبيعة منقسم على نفسه ما بين فئة سياسية مرتبطة بالحكومة وترفض داعش وهناك فئة محايدة لا تريد شيء سوى الاستقرار وفئة ثالثة تتبنى فكر داعش فكرا وعملا". "اذا بالنتيجة المجتمع السني منقسم كما ذكرنا الا ان المهمة الاصعب امام العراقية هي كيف تضع الخطط لحل الخلافات السنية السنية وهذا طبعا يحتاج الى مشروع علمي فكري مسند بالإمكانيات الاقتصادية السياسية الامنية، بالتالي ان الانتخابات القادمة التي تحصل في تلك المناطق ستتغير تلقائيا بحكم التركيبة الاجتماعية الطارئة، وهذا يأتي متوافقا ومنسجما الى حد ما مع عديد الازمات والمشاكل المتفاقمة عمرانيا واقتصاديا وخدميا، غير ان ذلك لا يغير من حقيقة كون الوعي الجماهيري والشعبي لأبناء تلك المناطق دائما ما ينظر للحكومة بعين الريب والشك وهي دائما متهمة بانها شيعية وموالية لإيران مهما قدمت من خدمات". ويكمل الحسيني "ان من اهم خيارات الحكومة العراقية ما بعد التحرر من داعش هي تسليم ادارة تلك المناطق الى ابناء تلك المناطق انفسهم، الى جانب ذلك يجب ان نخفف من وطأة الخطاب السياسي وان يكون الخطاب الرسمي هو وحده من يصرح حول مستقبل تلك المناطق، ايضا لابد ان نبعد الفصائل المسلحة عن التصريحات المثيرة والمستفزة".

في السياق ذاته قال الأستاذ الدكتور علاء الحسيني التدريسي وأستاذ القانون الإداري في جامعة كربلاء- كلية القانون، "داعش ومنذ سنتين واكثر هو يحتل مساحات كبيرة في المشهد العراقي بالتالي هو ترك او سيترك في المناطق غير المحررة ملفات وتبعات واثار لا يمكن معالجتها بين ليلة وضحاها على اقل تقدير من ناحية قانونية، كون تلك التنظيمات لديها سجل طويل في ارتكاب جرائم بحق المدنيين وجرائم تهجير وجرائم اعتداء جنسي وجرائم قتل وابادة، وكل ذلك تندرج في خانة جرائم الابادة وجرائم ضد الانسانية وهي تحتاج لوقفة قانونية". يضيف الحسيني "وان هناك مشاكل اخرى يمكن توثيقها على انها جرائم السلامة الجسدية التي ارتكبتها داعش وهي ممثلة بحالة قطع اليد وقطع الاعضاء البشرية الاخرى وجلد الناس وكل هذه الممارسات خارج سياق القانون، الى جانب ذلك هناك عداء مستحكم الان ضد من دعم داعش واستقبل داعش من قبل المتضررين، الحكومة العراقية هي الاخرى وعندما تريد ان تطبق العدالة ستقف امام استكمال ملفات الادلة الجنائية المتعلقة بهؤلاء الاشخاص، والنقطة الاخرى هل هناك ثمة حماية قانونية للشهود الذين عايشوا داعش كي يدلوا بشاهدتهم بنوع من الحيادية ام سيتخوفون من داعش ومن عودة داعش". ويكمل الحسيني "مسالة ما بعد داعش مسالة معقدة على الصعيد الاقتصادي وعلى الصعيد الدولي والوطني، فعلى سبيل المثال لو اردنا دعم قضية انشاء صندوق للمناطق المحررة هل ستدعم الكتل السياسية على اختلافها هذا المقترح وتخصص الاموال في الموازنة، وعلى هذا الاساس نحن امام ملفات شائكة بكل ما للكلمة من معنى".

الأستاذ حيدر الجراح، مدير مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث" سجل اعتراضه على فقرة التعبئة الدينية كحل من الحلول المطروحة فيما يتعلق بالحديث عن التاريخ على اعتباره حاكم في العلاقات الدولية وما حدث في 11 سبتمبر ودور الدين في السياسية الامريكية ايضا من الممكن من جهة مقابلة الحديث عن دور التاريخ والدين في سياسية بلداننا نحن يعوزنا الان الى ثلاثية المسائلة والاعتراف والغفران ولحد الان هي غير مفعلة ولن تفعل طالما القيادة السياسية تحكم تحت عناوين طائفية". ويضيف الجراح "يدور الحديث عن الصحوات والحشد العشائري والحشد الشعبي والحرس الوطني وهذه كلها توصيفات وعناوين لابد ان يتم تجاوزها وعدم الاحتفاء بها، ايضا ان الحدود الطائفية ترسخت أكثر من ذي قبل وان ديالي مرشحة في المستقبل القريب ان تكون قنبلة موقوتة، اما فيما يتعلق بمشكلة الطائفية وما يحدث في الفلوجة هو العنف المقدس، واخيرا نحن نحتاج الى جهود برلمان ضد الطائفية".

 الاستاذ عدنان الصالحي مدير مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية "يعتقد ان قضية داعش هي رسالة متعددة الاطراف وهي بمثابة عقوبة للكتل السياسية الشيعية على وجه الخصوص وجزء منها موجهه للسنة وللكرد، وان المرحلة القادمة سوف تتركز حول عقوبات فتح الملفات الاقتصادية، اضف الى ذلك ان الدول الاقليمية هي ايضا متخوفة من ردات الفعل الامريكية وان هناك تغير ملحوظ في الاستراتيجيات والمواقف الدولية والاقليمية، ايضا الساحة العراقية هي ايضا متغيرة ما بعد داعش فالوضع السني ليس هو الوضع السني والامر تلقائيا ينسحب على المكون الشيعي وعلى المكون الكردي، وان الدول الاقليمية ستنسحب من الواقع العراقي شيئا فشيئا كون الساحة العراقية اصبحت مستنقع لتوريط ومحاسبة الدول".

على صعيد ذي صلة رأى الاعلامي والكاتب محمد علي جواد تقي "ان داعش تنظيم عنيف وتكفيري وقد جاء على خلفية وجود القاعدة وان الساحة السنية تعيش حالة فراغ، وهي تعاني ايضا من حالة نكوص نفسي وتغييب للمشاعر وللأحاسيس الوطنية، ان المواطن السني ما بعد التغبير يمارس عقدت الذنب ولديه دوافع انتقام، اما بخصوص قضية تقديس الشعبي الحشد فهذه حالة اعتيادية طالما مارستها المجتمعات الغربية وهي تحترم وتجل المحاربين، ما اريد قوله اخيرا يجب تهدئة المخاوف المجتمعية وان ننمي منهجية التعايش السلمي وان ما بعد وجود داعش ليس لنا حاجة للحشود الشعبية والجماهيرية وان يتم التركيز على المواطنة".

الشيخ مرتضى معاش رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام قال "ان مشكلة الاعلام البريطاني والغربي هو دائما يحشد نحو المعركة ونظرته سوداوية، النقطة التالية ليس هناك اسوء من تلك الايام التي عشناها وان القادم مهما كان هو افضل، الشيء الاخر الناس بطبيعتهم برغماتية وهم تشبعوا من الدم ومن العنف، وهم يسعون الى التفكير الايجابي وهذا بحد ذاته انتصار للسلم الوطني العراقي، الى جانب ذلك لابد ان تكون معركتنا المقبلة منصبة نحو تسخير طاقات الحشد الشعبي نحو معركة الاصلاح الاقتصادي وباقي القطاعات الاخرى، وان دور المرجعيات الدينية في العراق لا يمكن تجاهله وهو عبارة عن صمام امان وهي رائدة في بناء الهيكلية الاجتماعية والوطنية العراقية ".

التوصيات

خرج الملتقى بجملة من التوصيات المهمة منها:

- العمل على اعادة اعمار المناطق المتضررة من خلال التعاقد مع الشركات الاجنبية بطريقة الدفع بالأجل

- الاستقرار الاقتصادي مهم جدا لاستقرار الوضع السياسي والامني

- تحديد حجم الثروات المتاحة داخل الارض والتعاقد مع الشركات الاجنبية وبيعها لصالح اعمار المناطق المحررة

- تحسين الوضع الاجتماعي وايجاد فرص عمل هو الداعم الحقيقي للاستقرار

- البعد عن تصفية الحاسبات الاقليمية على الساحة العراقية

- انشاء صندوق دولي وبرعاية اممية لدعم عملية اعمار المناطق المحررة

- على الحكومة العراقية ان تسعى الى تثبيت سلطة القانون في كل العراق وفي المحافظات المحررة على وجه الخصوص وتجنب التصريحات التي تثير الفتن والنعرات الاثنية والمذهبية

- على الحكومة مسؤولية محاسبة المفسدين

 - الابتعاد عن تسييس القانون

- وضع سياسة للتعامل مع الاحجام الحقيقة للكتل السياسية

- الدعوة الى ترجمة كل تلك التوصيات وايصالها لصاحب القرار السياسي العراقي

- على الحكومة العراقية ان تحمل ابناء تلك المناطق جزء من المسؤولية

- مراجعة بعض الاخطاء الكبرى والاستراتيجية لأنها منبع للازمات كالسلطوية ومرض الدولة الريعية والتخلص من التبعية والاحتماء بالوطنية وان يكون لدى العراقي امل بوطنه.

اضف تعليق