المتابع للأخبار في الفترة الأخيرة، سيلاحظ أن ثمة تحركات عسكرية جديدة يشهدها العالم، حيث بدأت روسيا تتحرك بقوتها الضاربة، في هدوء وانسجام، مع حلفائها وأصدقائها، نحو علاقات عسكرية جديدة تنعكس في سلسلة مشاهد ومناورات في بقاع عدة من العالم. وعقدت علاقات وتفاهمات تبدأ من خلالها روسيا إعادة تشكيل موازين جديدة للقوى العالمية، ورسم خريطة جديدة للعلاقات تضمحل فيها الزعامة التي ظلت الولايات المتحدة الأمريكية تدعيها عبر سنوات عدة، في مشهد يؤكد على إعادة تشكيل النظام العالمي.

وحول هذا الموضوع عقد مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية حلقته النقاشية الشهرية تحت عنوان (موازين القوى للنظام الدولي في ضوء المتغيرات الراهنة)، على قاعة جمعية المودة والازدهار بحضور جمع من الباحثين الاكاديميين والاعلاميين وناشطين في مجال حقوق الانسان، لتسليط الضوء على النظام الدولي وتحولاته المستمرة مع تغير موازين القوى العالمية.

حيث ادار الحلقة النقاشية مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية الاستاذ عدنان الصالحي مرحبا بالضيوف الباحثين والاعلاميين، بادئا حديثه بمقدمة عن انتقال النظام الأحادي القطبية في عهد الإمبراطورية الرومانية إلى نظام متعدد الأقطاب في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ثم إلى نظام القطبية الثنائية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، قبل أن ينهار الاتحاد السوفيتي في العام ١٩٩٠، ليدخل العالم مرحلة جديدة تتسم بهيمنة القطب الأمريكي، الذي بات هو الآخر يواجه تحدي السقوط بعد الأزمة المالية والاقتصادية العالمية الأخيرة التي ضربت العالم في أواخر عام ٢٠٠٨.

تحول الاستراتيجية الامريكية

من جانبه أوضح استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد الدكتور كرار انور خلال فتحه ملف موازين القوى العالمية وهيمنتها على الدول الاخرى، الى ان تحول الاستراتيجية الامريكية من الشرق اوسط الى شرق اسيا وانتقال سياستها من افريقيا الى اسيا، مشيرا الى السياسات التي تتعامل بها من الاندفاع المنفرد الى الاندفاع المنضبط لأصحاب القرار، مسهبا وصول نتيجة الصراعات الامريكية في الشرق الاوسط والشركاء المحليين بما يسهم في تحقيق السياسة الامريكية في المنطقة.

في الوقت ذاته اشار استاذ العلوم السياسية في جامعة النهرين الدكتور علي فارس حميد، الى ان العلاقات الدولية اصبحت تدار منذ عام 2001 بشكل مختلف تماما عما كانت في سابق عهدها نتيجة لعدة اعتبارات منها اعتماد الولايات المتحدة على اسلوب المشاركة مع الحلفاء وعدم الابتعاد عنهم الى جانب تحييد المنافسين الاستراتيجيين عن طريق موازنة الادوار.

بعد ذلك فتح مدير الجلسة النقاشية الباب امام الحاضرين ليشاركوا بمداخلاتهم وطرح اسئلتهم واشكالياتهم التي اجاب عنها بوضوح تام اصحاب الورقتين النقاشية.

المداخلات:

اشار مستشار محافظ كربلاء الاستاذ رعد عبد المسعودي، الى ان هناك قوى سياسية دولية وقوى اقليمية ظهرت في المرحلة الجديدة وبدأت فاعلة بالتأثير على الوضع العراقي والوضع الدولي كايران والسعودية، مضيفا بالقول ان اساس اي بحث من الضروري التعرض الى الوضع العراقي ومن ثم الوضع الاقليمي والدولي، كون العراق يرتبط بالوضعين الاقليمي والدولي.

واوضح في الفترة الاخيرة ظهرت قوة جديدة تمثلت بالسعودية والمدعومة من قبل جهات اوربية وبدأت تفرض تدخلها عسكريا كما يحدث في اليمن وتهديدها بالتدخل في سوريا وهو ما ينعكس سلبا على الوضع الاقليمي بصورة عامة، مؤكدا ان كثرة الصراعات بين الدول المتحاربة في منطقة الشرق الاوسط لها تأثيرات سلبية كبيرة في العراق مما تسبب التضرر الاقتصادي والسياسي والامني في البلد.

من جانبه اعتبر مدير آدم للدفاع عن الحقوق والحريات احمد جويد، العامل الاقتصادي اليوم هو العامل القوي في موازين القوى، فالدول التي ضاقت ويلات الحروب تدرك تماما التأثير الاقتصادي اثناء الحروب واستنزاف الثروات من اجل الدعم العسكري والدفاع او الهجوم على العدو، مشيرا الى ان هناك شراكات وليس صراع مباشر في العالم، وان قطبي الصراع اليوم يتمثل بروسيا والولايات المتحدة في منطقة الشرق الاوسط واللذان يديران اللعبة الدولية بشراكة بعضهما خارج اطار الدول الغربية كون الاخيرة تعتبر حليف تقليدي، خاتما مداخلته بالقول اتمنى التركيز على العامل الاقتصادي اثناء طرح موضوع موازين القوى العالمية والتلميح الى مستقبل العراق في ظل كل هذه المتغيرات الدولية.

ووجه الدكتور بشير المقرم طبيب بيطري اختصاص ومدرب تنمية بشرية، سؤالا امام اصحاب الاوراق النقاشية، لماذا تركز السياسة الامريكية على الصراع في سوريا والعراق في الوقت الذي لم تعلن تدخلها في ليبيا؟، وماهي اهمية التحرك السعودي التركي في سوريا بالتحالف مع 28 دولية في الصراع بسوريا؟.

واوضح الاعلامي عصام حاكم، ان السياسة الامريكية لا ترتبط بشخص الرئيس لأنه توجد استراتيجيات قائمة وثابتة، كما انها تمتلك منظمات وكتّاب سياسيين ومراكز بحثية هي التي تحاول ان تخطط وتبني الاستراتيجية الامريكية بعيدا عن شخص الرئيس، بالاضافة الى امتلاكها هذه المراكز والمؤسسات الا ان المتغيرات الدولية ربما تعصف بهذه الاحلام والتصورات كالتجربة العراقية عندما تفاجأت الولايات المتحدة بوجود استراتيجيات غير التي كانت مخططة لها وفقا لتقاريرهم.

وطرح الدكتور احمد المسعودي التدريسي في كلية العلوم الاسلامية – جامعة كربلاء، تساؤلات امام الباحثين تمثلت بثلاثة اسئلة، هل الموروث الثقافي الاممي الديني ساهم بشكل مباشر لموازين القوى العالمية؟، وماهي الضوابط التي من شأنها ان تتبع من قبل سياسيي الشرق الاوسط لتجنب بلادهم الاذى؟، ماهو المتغير والثابت في الشرق الاوسط بالنسبة لقوى العالم بعد ظهور داعش؟.

اقترح جعل اثر على السياسة العراقية في هذه الحلقة او مستقبلا..

تأثير الصراعات الدولية

في الوقت ذاته طرح مدير مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث حيدر الجراح، تساؤلا امام اصحاق الورقتين البحثيتين مستعلما عن مدى تأثير الصراعات الدولية على ظهور قوى جديدة في المنطقة؟.

وتسائل الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية حمد جاسم المسعودي والتدريسي في جامعة كربلاء، عن المتغيرات الاقليمية والدولية المتمثلة على مستوى الصين وروسيا وتركيا وايران هل كان دخولها ضمن اللعبة الدولية بموافقة القوى العظمى نفسها ام فرضت فرضا امام المعادلة الدولية؟، وهل تؤثر العلاقات العسكرية والاقتصادية والامنية على الولايات المتحدة في الاستمرار بقيادة العالم؟.

واشار الدكتور قحطان حسين التدريسي في جامعة بابل، الى ان الاتفاق النووي الذي عقد بين ايران والدول الكبرى كان مؤججا للصراعات في منطقة الشرق الاوسط على تخوف دول الخليج وخصوصا السعودية وقطر من اطلاق يد ايران في المنطقة وحصولها بمزيد من النفوذ في المنطقة، وهذا الاتفاق سيزيد من التوتر والصدامات في المنطقة وسيخف من حدته عندما يكون هناك تصادم مباشر بين اصحاب الصراع وهي السعودية وايران ويكون اما عسكريا او اقتصاديا وبعدها سيتمكن الطرفين من وضع حلول مناسبة للحد من هذا الصراع.

موضحا ان الاستراتيجية الجديدة لإدارة البيت الابيض قائمة على اساس توازن الصراعات في منطقة الشرق الاوسط وبالتحديد يكون التوازن بين السعودية وايران، مؤكدا على ان الاستراتيجية الامريكية الجديدة تقوم على مايسمى بالمناور السياسين بحيث تنسحب الى الوراء وتبقى تدير الامور بواسطة اطراف فاعلة في المنطقة كتركيا والسعودية وقطر بهيمنتها على المنطقة، وايضا التأرجح ما بين محاربة داعش تارة وتارة اخرى تقديم الدعم اللوجستي والعسكري لهم.

متسائلا عن امكانية استنتاج الصراعات الراهنة في الشرق الاوسط، وهل تولدت القناعات الفكرية بوجود اتفاقية سايكس بيكو جديدة في المنطقة؟.

وتساءل الشيخ مرتضى معاش، عن سبب تضحية الولايات المتحدة بحلفائها السابقين (السعودية واسرائيل) واصرت على توقيعها الاتفاق مع حليف جديد متمثلا بايران؟.

موضحا القطب الاوحد المرن يتشكل من عدة عناصر منها، تحالف المعتدلين ضد تحالف المتشددين وهو ماحدث في العراق بعد عام 2006 ويعرف بالشركاء، العنصر الاخر هو الهيمنة والقيادة، فالتفكير الامريكي يختلف عن التفكير الاستعماري التقليدي الذي يؤمن بالقيادة ولا يؤمن (بالهيمنة الاستعمارية لأنها انبثقت من الاقطاع الاستعماري) بينما تفكير امريكا انبثق من الطبقة الوسطى، مشيرا الى ان مشروع الولايات المتحدة القيادي الجديد يصب في حوكمة العالم ومحاربة الفساد والسيطرة على المتمردين والمشاغبين، للسيطرة على تشكيل منظومة عالمية جديدة خالية من الانفلات والفوضى بحسب المصالح الامريكية الاستراتيجية.

يذكر إن مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية احد المراكز التي تعنى بالأوضاع السياسية العالمية والمحلية من خلال استشراف وتحليل المواقف والأحداث بشكل مهني علمي بعيدا عن الحدية والتطرف والانحياز.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية
http://mcsr.net

اضف تعليق